قراءة نقدية في قصة "زَبَدْ" للكاتب محمد علي مدخلي.
قراءة نقدية / أيمن دراوشة.
ارتدى ملابسه في العَتَمَة؛ أضاء شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج.
حاور ظلّه: إن لم تقتلني سأقتلك. لمعت في باله فكرة؛ ابتسم؛ بلع ريقه؛ حرّك بيدقه الأسود ميمنة الملك الأبيض. سَبقه ظله إلى الزِناد...
----------------------------------------------
نبدأ بالوقوف عند العنوان "زَبَد" وقد وردت في معجم المعاني الجامع بالمعاني والتعريفات الآتية:
1- الزبد:
o بالفتح ، جمع أزباد ، ما يعلو الماء أو اللبن ونحوهما من الرغوة . ( فقهية )
2- زَبَد: (اسم)
o الجمع : أَزْباد
o الزَّبَدُ : ما يعلو الماءَ وغيرَه من الرَّغوة عند غليانه أو سرعة حركته
o زَبَدُ البحيرة : زَبَدٌ مالح ، يلتصق كأنه الصوف على الحشيش والقصب في موسم الجفاف.
o ظَهَرَ زَبَدٌ على جانِبَيْ فَمِهِ : ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ في حالَةِ الغَضَبِ
o لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ الزَّبَدَ : مَا لاَخَيْرَ فِيهِ وَلاَ فَائِدَةَ الرعد آية 17 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ( قرآن )
قصة "زَبَد" من قصص الومضة التي تشدك من عنوانها حتى نهايتها المفاجئة، وهي قصة بسيطة، تلقائية نفسية، تميزت بعمق دلالي ومعانٍ نابضة، على الرغم من قصرها.
ومن الوهلة الأولى يكشف لنا القاص مستخدمًا ضمير الغائب "هو" شخصية مضطربة انطوائية، تحاول من خلال التحدي أن تخلق نِدًّا لها؛ لتعالج قضيتها النفسية المضطربة، وهذا ما فسره الرمز "العتمة" الذي يشير إلى الظلام والخوف والانعزال. " ارتدى ملابسه في العَتَمَة؛ أضاء شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج، حاور ظله: إن لم تقتلني سأقتلك"
إذًا يصنع بطل القصة شخصية وهمية هي ظله، ويتخذه خليلًا له، وفي نفس الوقت العدو، وقد أعلن التحدي لظله في لعبة الشطرنج من يقتل ملك ♚ الخصم الأول...
أثناء اللعب لاح للبطل فرصة قتل ملك ♚ الظل فحرك ♟ بيدقه إيذانًا للفوز... وهذا سر الابتسامة" لمعت في باله فكرة؛ ابتسم"
فما كان من ظله إلا أنْ سبقه إلى زناد المسدس الموضوع على الطاولة. " حرّك بيدقه الأسود ميمنة الملك الأبيض. سَبقه ظله إلى الزِناد..."
لتكون النهاية الصادمة مقتل البطل على يد ظله.
إنّ مهارة القاص وقدرته على حسب تمكنه من صياغة الومضة صياغة دقيقة واضحة، وذلك في تشكيل التوازي والتوازن بين الفكرة والشخصية المرسومة، حتى لا يطبق أحدهما على الآخر، فرسم الشخصية هو لهدف أسمى وأشمل فمن خلال رسمها تنكشف صورة الحياة كلها.
وحالما يجعل القاص شخصيته تتفاعل في إطار الموقف المرسوم بدقة " لعبة الشطرنج" يكون على وجه التقريب قد حدد إمكاناتها في مسار القصة، فللقصة الومضة هنا سطوة في نسقها الفني، وصرامة في نظامها الداخلي.
ومن ثم فإن استبطان جوانب الشخصية، والعثور على ذلك الخيط الخبيء الذي يربط كافة الاحداث ويتآزر مع موقف الشخصية، لهو أمر هام حتى يتمكن القاص من تحديد السيماء الفكرية لبطله أو شخوصه.
هكذا يتضح لنا أنّ ومضة '' زَبَد" '' جاءت ـ رغم قصرها ـ زاخرة بمعانٍ غزيرة تتعلق بعزلة وانطوائية النفس البشرية واضطرابها.
لقد نجح الكاتب محمد علي مدخلي في تقديم قصة ومضة على غاية من الإيجاز والفائدة، والمتعة الرائقة وكذلك الانسياب اللّغوي البسيط، والبراعة في تصوير الصراع بين البطل وظله مع توافق ما يسمى بالوهم المرئي وتصوير الجانب الإخفاقي في حياة البطل.
قصة جيدة أجادت القبض على المتغيرات والتوترات، والتقاط فلذات من الحوادث والمواقف بحياد فني جاد وحاد، ثم صياغتها بذكاء لتتشكل في أفعال تتناقض ليصوغ من تلك الجدلية حبكة القصة الومضة الفنية
قراءة نقدية / أيمن دراوشة.
ارتدى ملابسه في العَتَمَة؛ أضاء شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج.
حاور ظلّه: إن لم تقتلني سأقتلك. لمعت في باله فكرة؛ ابتسم؛ بلع ريقه؛ حرّك بيدقه الأسود ميمنة الملك الأبيض. سَبقه ظله إلى الزِناد...
----------------------------------------------
نبدأ بالوقوف عند العنوان "زَبَد" وقد وردت في معجم المعاني الجامع بالمعاني والتعريفات الآتية:
1- الزبد:
o بالفتح ، جمع أزباد ، ما يعلو الماء أو اللبن ونحوهما من الرغوة . ( فقهية )
2- زَبَد: (اسم)
o الجمع : أَزْباد
o الزَّبَدُ : ما يعلو الماءَ وغيرَه من الرَّغوة عند غليانه أو سرعة حركته
o زَبَدُ البحيرة : زَبَدٌ مالح ، يلتصق كأنه الصوف على الحشيش والقصب في موسم الجفاف.
o ظَهَرَ زَبَدٌ على جانِبَيْ فَمِهِ : ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ في حالَةِ الغَضَبِ
o لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ الزَّبَدَ : مَا لاَخَيْرَ فِيهِ وَلاَ فَائِدَةَ الرعد آية 17 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً ( قرآن )
قصة "زَبَد" من قصص الومضة التي تشدك من عنوانها حتى نهايتها المفاجئة، وهي قصة بسيطة، تلقائية نفسية، تميزت بعمق دلالي ومعانٍ نابضة، على الرغم من قصرها.
ومن الوهلة الأولى يكشف لنا القاص مستخدمًا ضمير الغائب "هو" شخصية مضطربة انطوائية، تحاول من خلال التحدي أن تخلق نِدًّا لها؛ لتعالج قضيتها النفسية المضطربة، وهذا ما فسره الرمز "العتمة" الذي يشير إلى الظلام والخوف والانعزال. " ارتدى ملابسه في العَتَمَة؛ أضاء شمعة بالقرب من رقعة الشطرنج، حاور ظله: إن لم تقتلني سأقتلك"
إذًا يصنع بطل القصة شخصية وهمية هي ظله، ويتخذه خليلًا له، وفي نفس الوقت العدو، وقد أعلن التحدي لظله في لعبة الشطرنج من يقتل ملك ♚ الخصم الأول...
أثناء اللعب لاح للبطل فرصة قتل ملك ♚ الظل فحرك ♟ بيدقه إيذانًا للفوز... وهذا سر الابتسامة" لمعت في باله فكرة؛ ابتسم"
فما كان من ظله إلا أنْ سبقه إلى زناد المسدس الموضوع على الطاولة. " حرّك بيدقه الأسود ميمنة الملك الأبيض. سَبقه ظله إلى الزِناد..."
لتكون النهاية الصادمة مقتل البطل على يد ظله.
إنّ مهارة القاص وقدرته على حسب تمكنه من صياغة الومضة صياغة دقيقة واضحة، وذلك في تشكيل التوازي والتوازن بين الفكرة والشخصية المرسومة، حتى لا يطبق أحدهما على الآخر، فرسم الشخصية هو لهدف أسمى وأشمل فمن خلال رسمها تنكشف صورة الحياة كلها.
وحالما يجعل القاص شخصيته تتفاعل في إطار الموقف المرسوم بدقة " لعبة الشطرنج" يكون على وجه التقريب قد حدد إمكاناتها في مسار القصة، فللقصة الومضة هنا سطوة في نسقها الفني، وصرامة في نظامها الداخلي.
ومن ثم فإن استبطان جوانب الشخصية، والعثور على ذلك الخيط الخبيء الذي يربط كافة الاحداث ويتآزر مع موقف الشخصية، لهو أمر هام حتى يتمكن القاص من تحديد السيماء الفكرية لبطله أو شخوصه.
هكذا يتضح لنا أنّ ومضة '' زَبَد" '' جاءت ـ رغم قصرها ـ زاخرة بمعانٍ غزيرة تتعلق بعزلة وانطوائية النفس البشرية واضطرابها.
لقد نجح الكاتب محمد علي مدخلي في تقديم قصة ومضة على غاية من الإيجاز والفائدة، والمتعة الرائقة وكذلك الانسياب اللّغوي البسيط، والبراعة في تصوير الصراع بين البطل وظله مع توافق ما يسمى بالوهم المرئي وتصوير الجانب الإخفاقي في حياة البطل.
قصة جيدة أجادت القبض على المتغيرات والتوترات، والتقاط فلذات من الحوادث والمواقف بحياد فني جاد وحاد، ثم صياغتها بذكاء لتتشكل في أفعال تتناقض ليصوغ من تلك الجدلية حبكة القصة الومضة الفنية