الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سيرة كاتب فاضل بقلم: جهاد الدين رمضان

تاريخ النشر : 2019-05-20
سيرة كاتب فاضل بقلم: جهاد الدين رمضان
سيرة كاتب فاضل

   بعد يومي الأول في دورة تأهيل اللاجئين لدخول سوق العمل النمساوي، جلس شاب في منتصف العمر بقربي، سلم علي و عرفني على نفسه ، قائلاً :

- محسوبك "فاضل الفلاني" من ريف حلب الشمالي، سمعت البارحة في جلسة التعارف بأنك محامي حلبي، هل تمانع في جلوسي بقربك؟

- و لو، أهلاً وسهلاً أخي الكريم، و مية السلامة بأبن البلد.

- الله يسلمك استاذ، شكراً لك. أنا كنت أتردد كتير على السرايا و قصر العدل، بعرف محامين كتير و رئيس الفرع و المندوب الأمني و المحامي العام (١)... و ما حصل لي الشرف بمعرفتك في القصر العدلي ، و أحب التعرف عليك هنا إذا ما عندك مانع؟

- أرحب بذلك و يسعدني تعارفنا في الغربة ، بلا صغرة شو تشتغل حضرتك؟

- مصلحتي الأصلية حلاق، عندي صالون حلاقة كبير و شغال، أشرف عليه و لا أمسك المقص في ايدي إلا لزبائن مخصوصين.

- عظيم، غداً تفتح محل في فيينا و نصير من زبائنك.

- لا والله يا استاذ، تركت هالمصلحة من زمان، أعطيت محلي لأحدهم استثمار، و تفرغت لغير شغله.

- و شو اشتغلت؟

- فيك تقول كاتب، كاتب مبتدئ، هواية يعني.

- حلو، الكتابة شيء رائع، شغلة عظيمة الكتابة. من امتى باشرت الكتابة حضرتك؟

تمطى السيد فاضل و طقطق أصابع يديه، و قال بكل تهذيب :

- فيك تقول من صغري، من الصف الخامس تحديداً.

- برافو، عظيم.. العلم في الصغر كالنقش في الحجر! شو كنت تكتب شعر ولا قصص و لا خطابات و مقالات و خواطر؟

- كتبت خطبة عن عيد الثورة، قام الاستاذ بهدلني و منعني من إلقائها في الحفل المدرسي زاعماً أن خطي متل خراميش الجيج (٢) و عباراتي ركيكة.

- اي. و كيف صرت كاتب و خطك مفشكل ؟

- قال لي استاذي روح حسّن خطك و بعدين تعال اكتب في مجلة الحائط ، قمت اشتريت أقلام تخطيط و رحت أتدرب ليل ونهار لحتى تعبت من هالشغلة و بطلتها، لو أكملت التدريب على فن التخطيط كنت طلعت خطاط أصلي.

- خسارة، الخط العربي فن رائع و جميل. يا الله هذا نصيبك، لكن على الأقل تحسن خطك و صار كويس و مفهوم، أليس كذلك؟

ضحك الاستاذ فاضل بخجل و لطف، و قال :

- كلامك صحيح يا استاذ، في آخر السنة منحني الاستاذ شهادة تقدير و امتياز مع الجلاء (٣) و طلعت الدرجة الرابعة على صفي.

- مبروك، برافو. فرحت لك كثيرا.

- و استاذي فرح لي أكثر، بعد ما كان يكتب لي على دفتر الوظائف ( الواجبات ) ضعيف، وسط، حسّن خطك ؛ صار يكتب جيد، جيد جداً، أحسنت .

- أحسنت، ممتاز. بعدين صرت تكتب في مجلة الحائط ؟

صمت فاضل لبرهة، و أخذ نفساً عميقاً و زفره ببطء ، و بحزن واضح قال :

- يا ريت يا استاذ، استاذي في الصف السادس منعني كمان، قال شو؟ أنا ما بعرف أكتب موضوع تعبير من خمس جمل عن فصل الربيع، فكيف يسمح لي بكتابة خطاب حماسي أو قصيدة وطنية في عيد الثورة و المناسبات القومية ؟

- لا حول ولا قوة الا بالله، و الله شوقتني لأعرف كيف صرت كاتب رغم منعك من المشاركة في تحرير مجلة الحائط و إلقاء الخطب في الأعياد الوطنية؟!

- هي حكاية طويلة يا استاذ، غداً احكيها لك في فرصة التدخين.

……………………………………………..

   انتهى دوامنا ذلك اليوم في دورة التأهيل بتوزيع المدرب المشرف علينا استمارات سيرة ذاتية فارغة لتعبئتها بالمعلومات في المنزل، جلست أملي سيرتي الذاتية باللغة الألمانية مستعيناً بالقاموس الإلكتروني، و خطر في بالي سؤال "الحاج قوقل" عن زميلي الجديد الاستاذ فاضل الكاتب الغامض، ربما هو كاتب مشهور و أنا لا أذكر اسمه ، أدخلت اسمه في محرك غوغل أعطاني عدة أسماء كتاب تبدأ أسماؤهم بفاضل، مثل فاضل السباعي و فاضل درويش و فاضل الأسيوطي و غيرهم، لكن لم أعثر على اسم "فاضل الحلبي" مطلقاً، قلت في نفسي لعله يكتب بإسمٍ مستعار؟ أو لعله لا يحب الشهرة أو قد طواه النسيان، في الغد سأعرف سره و إن غداً لناظره قريب..

في اليوم التالي لم يحضر الزميل فاضل. قلت في نفسي لعل "جني عبقر" منعه من الحضور، أو هبط عليه وحي الكتابة فشرع بقصة مشوقة سيعرضها علي غداً ، كذلك لم يحضر أيضاً في اليوم التالي، و بعده بيومين حضر أخيراً و معه معذرة الغياب ، سلم الجميع عليه و قالوا له الحمد لله على السلامة و معافى بإذن الله. سلمت عليه بدوري و هنأته بالسلامة و رجوت له الشفاء التام . 

قال لي : الحمد لله لم أكن مريضاً و لا أشكو من شيء، لكن هكذا الروتين يجب تبرير الغياب بالمرض ، كنت مشغولاً في أمر خاص، صح لي عمل في الأسود (٤) لمدة ثلاثة أيام مع العطلة الاسبوعية ، طالعت فيهم مصروف شهر! دكتوري حباب و متفهم لطلبات اللاجئين ، بس أطلب منه تبرير غياب، يعطيني تقرير صحي بعدد الأيام التي أطلبها بدون سؤال. 

باركت له بمال الشغل الوفير، قائلاً :

- مبروك عليك عملك المجزي، و أرجو ألا يكون شغلك في الكتابة مخزي. 

ضحك طويلاً و قال :

- كلامك صحيح نظرياً، لكنني استفدت كثيراً من وراء الكتابة. 

- و الله شوقتني أكثر لمعرفة المزيد عن سيرتك المهنية مع الكتابة. أنا عندي نفس الهواية و حابب اتعلم منك سر الصنعة . 

ابتسم فاضل و احمرّ وجهه من الخجل، و قال بأدب جم :

- العفو منك استاذ، أنا نقطة في بحرك، و ماني دارس مثلك . 

- فيك البركة أخي، بعرف كتير كتاب ما أكملوا دراستهم و صاروا من أعلام الثقافة و الأدب، و في كتير متعلمين و أصحاب شهادات ما بيعرفوا طه من طاكة (٥) . 

- نعم، كلام سليم. أنا تركت المدرسة بعد الصف العاشر، أهلي جوزوني على بكير و فتحولي محل حلاقة أتكسب منه، و منه صرت أسمع قصص و أخبار أهل الحارة و البلد من زبوناتي، و صرت أكتب عن الناس. 

- حلو كلامك، الناس عالم واسع مليئ بالأسرار، و في كل بيت حكاية و قصة. بس العفو منك و بلا صغرة من حضرتك، أنا ما سمعت بإسمك من بين الكتاب، هل كنت تكتب تحت اسم مستعار؟ 

- نعم، كنت أكتب باسم "فاعل خير" في أغلب الأحيان. 

- ما فهمت عليك، كيف ؟ 

- ما قلت لك يا استاذ صار خطي حلو؟ قلمي سلس و خطي ناعم (٦) و الرزق كتير! 

- اهلين و الله، و مية السلامة. قلت لي خطك حلو و قلمك سلس و بتعرف المندوب الأمني بقصر العدل و فاعل خير كمان؟ لكان افعل خيراً معي، و اتركني في حالي الله يخليك و يرحم والديك . 

…………………………………………….. 

الهوامش :

)١) : السرايا مكان عمل الحكومة و المحافظ و قيادة الشرطة ، قصر أثري جميل يقع قرب قصر العدل، و قصر العدل هو مبنى ضخم يضم المحاكم المدنية و مرافقها. رئيس الفرع مقصود به رئيس فرع نقابة المحامين بحلب ، و المحامي العام هو رئيس السلطة القضائية في المحافظة و ممثل وزير العدل و هو رئيس النيابة العامة أيضاً، و المندوب الأمني هو رجل أمن سري (مخابرات) مكلف بالتقييمات السياسية و الدراسات الأمنية عن المحامين و القضاة و الموظفين العدليين . 

)٢) : خراميش الجيج أي خرمشات الدجاج، مصطلح شعبي دارج يستخدم للكناية عن الخط السيئ الرديئ غير المفهوم، إذ يصف المعلم خط تلميذه بالأثر الذي تحدثه الدجاجة بمخالبها. 

)٣) : شهادة "تقدير" أو "امتياز" شهادة ورقية تمنحها إدارة المدرسة أو معلم الصف للتلاميذ المتفوقين، و يوجد شهادات أخرى غيرها مثل الترغيب و المرحى و التحسين. الجلاء بطاقة من الورق المقوى يكتب فيها علامات التلميذ في المواد المدرسية خلال العام الدراسي و نتيجة تحصيله هل هو نجاح أو رسوب. 

)٤) : العمل الأسود هو العمل بدون ترخيص و تسجيل في الدوائر الحكومية المختصة، و هو عمل غير شرعي يستوجب معاقبة العامل و رب العمل، لذلك يسمى عرفاً بهذا الاسم. 

)٥) : طه و طاكة مجرد جناس لغوي يستخدم للكناية عن الجاهل الذي لا يستطيع التمييز بين الكلمتين، فيقال عنه فلان لا يعرف طه من طاكة. 

)٦) : خطه حلو أو ناعم و قلمه سلس تعبير شائع في حلب يستخدم للكناية عن المخبر السري ( أو البصاص في لهجة مصر) الذي يمتهن كتابة التقارير الأمنية في حق الناس. و فاعل خير توقيع متعارف عليه، يكتبه من لا يريد ذكر اسمه الصريح في ذيل التقارير التي يقدمها للسلطات المختصة بحق بعض الناس، و تحت ذريعة فعل الخير لصالح الوطن . 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف