الأخبار
علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقطأبو ردينة: الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لا يقودان لوقف الحرب على غزة
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"صهاريج اللؤلؤ"، مزاريب الإبداع والشهد بقلم:طلعت قديح

تاريخ النشر : 2019-05-20
"صهاريج اللؤلؤ"، مزاريب الإبداع والشهد  بقلم:طلعت قديح
"صهاريج اللؤلؤ"، مزاريب الإبداع والشهد.

لا شك أن الكاتب المبدع يعلو شأنه، بِفعل الكتابة المتقنة المتأنية، وإن تأخر أو تقدم انتشاره، ففي كلا الحالين يكون ذلك تحديا له، يبرز في مجاله الغث والسمين.
في رواية "صهاريج اللؤلؤ" للروائي المبدع"خيري شلبي"، تأخذك طريقة الكتابة للحارة المصرية وشوارعها، وبما اعتمل في أذهاننا من جو الحياة الخمري الذي تتنفسه أنوفنا، ليكون الأنموذج المصري هو الأكثر تشويقا، حيث الانتقال بين مكانات مختلفة ما بين المدينة وحاراتها، وما بين القرى وعاداتها، وتأثير الكثافة السكانية، بما يفرزه ذلك من تنويعات في طرق وتشعبات العيش، وهذا ما تتميز به الحياة في مصر.
في بدايات الرواية يرمي الكاتب عصا الشخصية المحورية للعمل السردي، ويعطينا الخلاصة الأولى، وهي عشقه "عبد البصير الصوفاني" لآلة الكمان، ولا عُجاب في ذلك فهو ابن الحاج "مصطفى الصوفاني" أشهر صانع لآلتي العود والكمان في مصر كلها.
وهو مؤشر يجعلنا غير متفاجئين بما سيأتي من أحداث أولاها رفض الأب لعزف الإبن للكمان دون سبب حقيقي، وصولا لتسببه اللاحق بطلاق الزوجة "أمه"، مما جعل العلاقة بين الصوفاني الابن والصوفاني الأب تصل إلى إعلان الهدنة الباردة، فلا الوالد تغير في المعاملة الخشنة، ولا الابن انصاع وترك شغفه بالكمان، وسار هذا الخط حتى اتسع الفارق على زمنه كان يمكن أن يرتقه.
ولأن الحديث عن آلة موسيقية فلا بد أن تنفتح الكلمات والسطور عن أفقها، فيكون ذلك بالانغماس في صناعة الموسيقى، تاريخها، والتأثير الواضح لها في حياة الناس وذائقتهم، حتى ولوجها في تغيير عادات وتقاليد ترسخت، ثم تبعها الانفراط الرزين، فالموسيقى ليست أصواتا تُخرجها أوتار أو تعرجات بل اكتشافات الشغف، واختراعات العقل المتيم.
يبحر الروائي"خيري شلبي" في مدارات التقاليد الموسيقية وأعراف الأفراح، ويلكزنا بخفايا الصراعات بين الغناء والعزف والتعهدات اللازمة- للحفلات- لإنجازها على مايرام، ويفاجئنا بمعلومتين في طريق البيان، مبتدأ ذلك علو كعب التذوق الشعبي للغناء والموسيقا، وما يفرزه ذلك من صراعات بين إتقان صنّاع الحرفة بأساسياتها وملحقاتها، وبين الدخلاء عليها.
وثانيها الامتزاج الحياتي للموسيقى حتى غدت نمط حياة، وتجارة مستحقة رابحة في المجتمع.
لم تكن الشخصيات داخل الروايات عبارة عن عناوين فقط، إنما كانت تعبر عن رسوخ الفن في أذهان الناس، ومنها ماهو معروف، لكنه ليس للعيان بشكل متوفر ، كموسيقار الأجيال" محمد عبد الوهاب" فلقد كان الاحتفاء باسمه عظيما حتى إن نشاطه لم يكن ينزل لمستوى لحفلات الأفراح، والليالي الملاح المترعة بجو العوالم وشرب الحشيش والخمرة، فلا ممنوع لشيء مرغوب!
وفي جهة أخرى كانت سطوة المغنيات الشهيرات سواء المنتشرات بمحدودية واسعة أمثال"سعدية المليجي"، التي شغفها"عبد البصير" حبا، وتشاغفت به، حتى دنا منهما شعور الارتباط، أو المرتبطات بمناسبة معينة الركون لحدث أو حالة ما.
لم ينس الكاتب أن يغمز للقارئ بلطيفة تذوق، بأن مشاهير من يعرفون بمهنة " الصييت" ثلاثة أكفاء، وذكر أسمائهم مقترنة بوصف"الشيخ"، فهناك الشيخ طلعت الشبكشي والشيخ عطية البلبيسيو الشيخ عبد الحليم مشهور، وتلك إشارة حاذقة بأن طريق الغناء والموسيقا ليس له من قرب إلا بشرط الصوت والعزف، فلا سطوة للهيئة ، ولدينا أمثلة كثيرة للإبداع تزعمه أكفاء كالموسيقار عمار الشريعي، والمطرب الملحن سيد مكاوي ... الخ من طابور الإتقان والمثابرة.
لم يكن إسهاب الكاتب في وصف العديد من مواقف ووصف الأفراح التي كان بطل الرواية يشارك فيها لمجرد الإطالة أو تنوع الأمكنة بمشاهدها، بل للإشارة لتنويع الحوادث المارقة في مسالك ومتعرجات العلاقة بين الصنعة والمنضوين تحتها وبين الناس وتفاعلهم معها.
لم يغفل الروائي على نخز التاريخ بحقيقة المؤامرات والاختلافات في حقيقة الأصوات محدودة الاقتدار غناء وانتشارا وبين الأصوات المقتدرة غناء بِخفوت عن الانتشار إلى الانزواء، ويذكر بضعة أسماء كعبد الحليم حافظ و محمد قنديل، أو أم كلثوم وأسمهان، وغيرهم من الأسماء الرنّانة منها، والأقل منها، ومرد ذلك التغول الطبقي والسلطوي والدعائي...الخ من عوامل الانتشار وضده.
برغم التوهان والغرق في عالم الموسيقى وخفاياه، فإن الكاتب أراد أن يكون للقيمة الانسانية مكانا تحت الشمس، ولم يكن ما كان في خاتمة الرواية من اعتداد بالنفس، واعتزاز بالذات إلا إرجاع ذلك لنقطة البداية وهي تمرده على سطوة أبيه الصوفاني، باقتنائه سرا لآلة الكمان الأجود من محلهم، وشرائها من ماله الخاص لعمله في تصليح الآلات، بسعر لا يكون لأحد، بوساطة صديق والده "إبراهيم أفندي غطاس"، وهي النقلة النوعية في حياة بطل الرواية" عبد البصير الصوفاني".
وفي نهاية الرواية يرتقي الفكر الموسيقي إلى الانتقال من الموهبة الباذخة إلى الحرفية الزاهرة، من الحفلات لإنشاء فرقة غنائية محترفة حكومية.
لقد قدم الكاتب" خيري شلبي" رواية من الوزن الثقيل، صاغ فيها ما يؤمن به، ونثر بكتابته الكثير من الأفكار والنقاط المفصلية في حياة المهتمين بالموسيقى وعالمها، وقرن ذلك بمختلفات الأحوال والأحداث، فكانت هذه القطعة الفنية ماثلة لنا في صهاريجه اللؤلؤية.

طلعت قديح
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف