"اللي غلط في الحساب" ق.ق
هذه المرة بدا منهكا.. تعبا وربما منكسرا إلى أبعد حد، فأنا لا أراه كثيرا، ربما مرة أو اثنتين في الأسبوع، أو كلما دعتني الحاجة إلى نزول السوق، إلا أنني حفظت ملامحه ونبرة صوته، كحفظي للمانشيت الذي يردده طيلة مروره في المكان وطوافه على المحال فيه : " حسنة يا أحباب للي غلط في الحساب".
ضحكت في أول الأمر واعتبرته واحدا من أساليبهم في التسول واستدرار العطف، لكن تكرار الحالة دفعني لأن أفكر في سؤاله، عن أي حساب يتحدث وكيف غلط فيه ، لكني تراجعت درءا للحرج، خصوصا أنه على أعتاب السبعين إن لم يكن تخطاها.
وقفت بباب المحل الذي اعتدت التبضع منه، فمر بقربي.. نظر إلي باستحياء وردد لازمته بصوت واهن ضعيف، فوضعت في يده ما خرج من جيبي وأنا أنظر إلى ملامح وجهه الهائمة دون أن أنبس بكلمة.
رحت أتابع خطاه وسط الزحام وصدى كلماته يغوص في أعماقي، مخلفا سيلا من الأسئلة، التي لم ينقذني من صخبها سوى صوت البائع، الذي تلقاني مرحبا: أهلا يا أستاذ.
قال مبتسما وكأنه أدرك ما يجول بخاطري من حيرة وارتباك، ثم عقب هامسا: الله المستعان.
- ما قصته ؟ .
- غلط في الحساب.، قالها وانفرجت شفتاه عن ابتسامة يشوبها الأسى.
- أتمزح ؟.
- بجد.. غلط في الحساب.
- كيف؟ قلت بدهشة وفضول.
- كان يعمل مدرسا في الخارج و...،
ثم راح يسرد على مسامعي، قصة رجل عاد بزوجة لم تهبها الأقدار من ينسينها لوعة الاغتراب.. عن قرابة أرادوا له امرأة ولود، فأبى أن يغدر بها.. عن وظيفة طارت بفعل واشي، فطارت معها سنوات عمره هباء منثورا.. عن.. وعن..
تركت الرجل وسرت دون أن أسمع البقية، صار مجرد صورة لا يصلني صوتها وآلاف الأسئلة تعوي بداخلي، تنهشي بنهم وجنون، بماذا أخطأ الرجل وما الجرم الذي اقترف ؟ حتى يعاقب بهذه القسوة في هذه اللحظة الحرجة من العمر.. هل أخطأ يوم أن قرر العودة في هذا الظرف الملتبس، أم أخطأ برفضه الزواج على من ضحت لأجله بكل شيء، لعله أذنب حين وثق بمنظومة لم تستقر قواعدها بعد؟، أو لأنه ظل وفيا لمبادئ ما عادت تسمن ولا تغني من جوع؟.
أسئلة استعرت بداخلي ولا إجابات تحيلني إلى حساب بعينه مما يقصده الرجل، سوى خوف بدأ يتنامى بداخلي، من أن أكون قد غلطت في الحساب أيضا.
هذه المرة بدا منهكا.. تعبا وربما منكسرا إلى أبعد حد، فأنا لا أراه كثيرا، ربما مرة أو اثنتين في الأسبوع، أو كلما دعتني الحاجة إلى نزول السوق، إلا أنني حفظت ملامحه ونبرة صوته، كحفظي للمانشيت الذي يردده طيلة مروره في المكان وطوافه على المحال فيه : " حسنة يا أحباب للي غلط في الحساب".
ضحكت في أول الأمر واعتبرته واحدا من أساليبهم في التسول واستدرار العطف، لكن تكرار الحالة دفعني لأن أفكر في سؤاله، عن أي حساب يتحدث وكيف غلط فيه ، لكني تراجعت درءا للحرج، خصوصا أنه على أعتاب السبعين إن لم يكن تخطاها.
وقفت بباب المحل الذي اعتدت التبضع منه، فمر بقربي.. نظر إلي باستحياء وردد لازمته بصوت واهن ضعيف، فوضعت في يده ما خرج من جيبي وأنا أنظر إلى ملامح وجهه الهائمة دون أن أنبس بكلمة.
رحت أتابع خطاه وسط الزحام وصدى كلماته يغوص في أعماقي، مخلفا سيلا من الأسئلة، التي لم ينقذني من صخبها سوى صوت البائع، الذي تلقاني مرحبا: أهلا يا أستاذ.
قال مبتسما وكأنه أدرك ما يجول بخاطري من حيرة وارتباك، ثم عقب هامسا: الله المستعان.
- ما قصته ؟ .
- غلط في الحساب.، قالها وانفرجت شفتاه عن ابتسامة يشوبها الأسى.
- أتمزح ؟.
- بجد.. غلط في الحساب.
- كيف؟ قلت بدهشة وفضول.
- كان يعمل مدرسا في الخارج و...،
ثم راح يسرد على مسامعي، قصة رجل عاد بزوجة لم تهبها الأقدار من ينسينها لوعة الاغتراب.. عن قرابة أرادوا له امرأة ولود، فأبى أن يغدر بها.. عن وظيفة طارت بفعل واشي، فطارت معها سنوات عمره هباء منثورا.. عن.. وعن..
تركت الرجل وسرت دون أن أسمع البقية، صار مجرد صورة لا يصلني صوتها وآلاف الأسئلة تعوي بداخلي، تنهشي بنهم وجنون، بماذا أخطأ الرجل وما الجرم الذي اقترف ؟ حتى يعاقب بهذه القسوة في هذه اللحظة الحرجة من العمر.. هل أخطأ يوم أن قرر العودة في هذا الظرف الملتبس، أم أخطأ برفضه الزواج على من ضحت لأجله بكل شيء، لعله أذنب حين وثق بمنظومة لم تستقر قواعدها بعد؟، أو لأنه ظل وفيا لمبادئ ما عادت تسمن ولا تغني من جوع؟.
أسئلة استعرت بداخلي ولا إجابات تحيلني إلى حساب بعينه مما يقصده الرجل، سوى خوف بدأ يتنامى بداخلي، من أن أكون قد غلطت في الحساب أيضا.