شموع الخامس عشر من نيسان
مهند الصبّاح – قصّة قصيرة
نهضت من فراشي، أطفأت شمعة ظلام جديدة، أمسكتها ووضعتها بجانب أخواتها السبّعين على نافذة التّاريخ بالجانب الآخر للغرفة. في كلّ زيارة - فأنا أزورهنّ كلّ عام مرّة، تحديدا في الخامس عشر من نيسان-، أنظر إليهنّ أحاول أن أعُيد ترتيبهنّ من جديد، إمّا حسب سنوات المكوث على النافذة أو حسب طول الشمعة المتبقي بعد الاحتراق. تماما كما العام الماضي فقد فشلت في إعادة الترتيب، فكلّ شمعة التصقت برّف النافذة الرخاميّ الدّاكن مكوّنة جذع شجرة زيتون رومانيّة بفعل الشمع المُذاب على قدّها اللزج. سألت نفسي ماذا ستستفيد إن نجحت هذه المرّة بما تفشل به كلّ عام؟ كرّرت المحاولة فأمسكت بأقدمهنّ، ضغطت عليها بأصابع كفيّ الأيمن، هي لم تتكلم لكّنها صرخت، صرخت بكلّ ما أوتيت من شمع مُذاب وذكريات. سمعت صراخها وهي تقول " قلت لك لا تقتلعني من مكاني ولا تعذّب من بداخلي من خيوط ناعمة مرّة أخرى". تركتها بسرعة وتراجعت خطوتين إلى الخلف، تماما كما فعلت بالعام الماضي معها وباقي جلساء مقعدها الجُدد منهنّ والقدامى. تركتها وتوجّهت إلى شمعتي حديثة العهد برّف النّافذة قبل أن تلتصق بالرخام وتحجز مقعدين لها بدلا من واحد. دفعتها برأس سبابتي إلى الخلف قليلا ثم ناحيّة اليسار قليلا؛ لتتلاصق مع أخواتها بفارق سنتمترات قليلة بين الواحدة والأخرى. وتناغمت مع الهدوء التّام الذي يحوم في المكان الصغير الممتلئ بالرؤوس السوداء المحروقة أعلى الشموع ذات القدّ الأبيض. صوت احتكاك اخترق هذا الهدوء محاولا تمزيقه، تلفّت يسارا ويمنيا ونظرت في الوسط، شدّني الصّوت إلى أكبر الشّموع عمرا " أنت. أجل أنت، توقّف عن تعذيبنا، في كلّ عام تضيف إلينا شمّعة أخُرى وتزيد من اصطفافنا حتّى نكاد نختنق، توقّف عن تهيئة المكان لشمعة أخُرى ودمعة أخرى وحزن آخر يتسلّق صخري هبوطا، وأعدنا إلى سابق عهدنا بكامل بهائنا داخل العُلبة الورديّة، أو انثرنا على سفوح الجبال منارة للقادمين من بعيد، وإلا، وإلا يا زميل العمر جهّز لنفسك مكانا بجانبنا وأغلق هذه النافذة إلى الأبد ".
مهند الصبّاح – قصّة قصيرة
نهضت من فراشي، أطفأت شمعة ظلام جديدة، أمسكتها ووضعتها بجانب أخواتها السبّعين على نافذة التّاريخ بالجانب الآخر للغرفة. في كلّ زيارة - فأنا أزورهنّ كلّ عام مرّة، تحديدا في الخامس عشر من نيسان-، أنظر إليهنّ أحاول أن أعُيد ترتيبهنّ من جديد، إمّا حسب سنوات المكوث على النافذة أو حسب طول الشمعة المتبقي بعد الاحتراق. تماما كما العام الماضي فقد فشلت في إعادة الترتيب، فكلّ شمعة التصقت برّف النافذة الرخاميّ الدّاكن مكوّنة جذع شجرة زيتون رومانيّة بفعل الشمع المُذاب على قدّها اللزج. سألت نفسي ماذا ستستفيد إن نجحت هذه المرّة بما تفشل به كلّ عام؟ كرّرت المحاولة فأمسكت بأقدمهنّ، ضغطت عليها بأصابع كفيّ الأيمن، هي لم تتكلم لكّنها صرخت، صرخت بكلّ ما أوتيت من شمع مُذاب وذكريات. سمعت صراخها وهي تقول " قلت لك لا تقتلعني من مكاني ولا تعذّب من بداخلي من خيوط ناعمة مرّة أخرى". تركتها بسرعة وتراجعت خطوتين إلى الخلف، تماما كما فعلت بالعام الماضي معها وباقي جلساء مقعدها الجُدد منهنّ والقدامى. تركتها وتوجّهت إلى شمعتي حديثة العهد برّف النّافذة قبل أن تلتصق بالرخام وتحجز مقعدين لها بدلا من واحد. دفعتها برأس سبابتي إلى الخلف قليلا ثم ناحيّة اليسار قليلا؛ لتتلاصق مع أخواتها بفارق سنتمترات قليلة بين الواحدة والأخرى. وتناغمت مع الهدوء التّام الذي يحوم في المكان الصغير الممتلئ بالرؤوس السوداء المحروقة أعلى الشموع ذات القدّ الأبيض. صوت احتكاك اخترق هذا الهدوء محاولا تمزيقه، تلفّت يسارا ويمنيا ونظرت في الوسط، شدّني الصّوت إلى أكبر الشّموع عمرا " أنت. أجل أنت، توقّف عن تعذيبنا، في كلّ عام تضيف إلينا شمّعة أخُرى وتزيد من اصطفافنا حتّى نكاد نختنق، توقّف عن تهيئة المكان لشمعة أخُرى ودمعة أخرى وحزن آخر يتسلّق صخري هبوطا، وأعدنا إلى سابق عهدنا بكامل بهائنا داخل العُلبة الورديّة، أو انثرنا على سفوح الجبال منارة للقادمين من بعيد، وإلا، وإلا يا زميل العمر جهّز لنفسك مكانا بجانبنا وأغلق هذه النافذة إلى الأبد ".