الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البحار وتاجر اللؤلؤ- ترجمة/ بقلم : حماد صبح

تاريخ النشر : 2019-05-16
البحار وتاجر اللؤلؤ ترجمة : حماد صبح
يحكى أنه كان في مدينة البصرة بحار كنيته أبو الفوارس ، وأنه كان رئيس بحارتها ؛ لأنه رسا بسفينته في كل موانىء المحيط العظيم . وفي يوم ، بينا كان يجلس على شاطىء البحر محاطا ببحارته ، قدم عليهم شيخ في سفينة ، ورسا حيث يجلس أبو الفوارس ، وقال : أيها الصديق ! أريد أن تعطيني سفينتك ستة أشهر ، وسأعطيك ما تريد .
فقال أبو الفوارس : أريد ألف دينار ذهبا .
فأعطاه الشيخ الذهب في اللحظة ، وقال قبل أن ينصرف إنه سيرجع في الغداة ، وحذر أبا الفوارس من النكوص عن الاتفاق . وأخذ أبو الفوارس الذهب إلى بيته ، وجهز سفينته ، وودع زوجته وأولاده ، ويمم الشاطىء ، فألفى الشيخ ينتظره مع عبد وحمولة عشرين حمارا من الأكياس الفارغة . فحياه أبو الفوارس ، وحملوا الأكياس في السفينة ، ومضوا بها . ساروا مبحرين ثلاثة أشهر يهديهم نجم خاص إلى أن لاحت لهم جزيرة على جانبهم ، فانتحاها الشيخ ، ورسوا على شاطئها . وحمل الشيخ عبده بعض الأكياس ، ومضى مع رفاقه إلى جبل تراءى لهم نائيا ، فبلغوه بعد ساعات ، وارتقوا قمته ، فرأوا سهلا رحيبا حفر فيه أكثر من مائتي بئر ، وعندئذ أنبأ الشيخ أبا الفوارس أنه تاجر ، وأنه اكتشف في السهل حيث الآبار منجم جواهر ،
وتابع : وأتوقع منك الوفاء بعد أن وهبتك ثقتي . أريد منك الآن أن تهبط هذه البئر ، وترفع من اللآلىء ما يكفي لملء هذه الأكياس ، وسأهبك نصفها ، وسيساعدنا هذا على أن نحيا بقية عمرنا مرفهين ناعمين .
فسأله أبو الفوارس عن كيفية وصول اللآلىء إلى هذه الآبار ، فأجابه بأن ثمة ممرا يصلها بالبحر ، وأن المحار سبح في هذا الممر حتى استقر فيها ، وأنه عثر عليها صدفة ، وزاد فقال إنه إنما جاء به لرغبته في أن بساعده إلا أنه لا يريد كشف هذا السر لأي إنسان آخر .
فهبط أبو الفوارس البئر في حماسة عظيمة ، فوجد فيها عددا كبيرا من المحار ، ، وأنزل إليه الشيخ سلة ، ملأها مرارا باللآلىء إلى أن هتف الشيخ معلنا أن المحار ما عاد نافعا بعد نفاد ما فيه من اللآلىء ، فغادر أبو الفوارس تلك البئر ، وهبط بئرا ثانية وجد فيها عددا كبيرا من اللآلىء ، . وما أن جن الليل حتى كان الإنهاك استولى عليه ، فهتف بالشيخ أن يساعده في مغادرة البئر ، فرد عليه بأنه سيتركه فيها لخوفه أن يقتله من أجل الجواهر ، فصرخ أبو الفوارس بكل قواه مؤكدا براءته من هذه النية ، فصم الشيخ سمعه عن توسلاته ، وعاد إلى السفينة ، وأبحر بها مبتعدا . ولبث أبو الفوارس في البئر ثلاثة أيام جائعا عَطِشا ، واصطدم في محاولته إيجاد مخرج منها بعظام بشرية كثيرة ، فاستخلص أن الشيخ اللعين غدر بكثيرين بنفس الطريقة . وأخذ يحفر يائسا حوله ، فرأى في النهاية فتحة صغيرة في جدار البئر ، وسعها بيديه ، فاتسعت بسرعة اتساعا أقدره على الزحف خلالها ، فوجد نفسه في ظلمة وفي وحل ، فسار حذرا ليغرق فجأة حتى عنقه في ماء مالح ، فأدرك أنه الآن في الممر الذي يقود إلى البحر ، فسبح فيه مسافة حتى بزغ قبالته ضوء واهن ، فتشجع وسبح بقوة حتى بلغ مخرج الممر ، فارتمى على وجهه شاكرا الله _ سبحانه _ على خلاصه من محنته . ونهض ، وعلى مدى قريب منه وجد العباءة التي خلفها حين سار إلى الجبل ، أما الشيخ فلا أثر له ، وأما السفينة فاختفت . وجلس قرب الشاطىء زاخر النفس قلقا ويأسا لا يدري ماذا يفعل . ولمح خلال تحديقه في البحر سفينة مثقلة بالركاب ، فوثب من مجلسه ، ونزع عمامته ولوح بها بكل ما في بدنه من قوة ، ونادى بأعلى صوته . وعند دنو ركاب السفينة منه عزم ألا يخبرهم بسبب وجوده في المكان ، ومن ثم فحين سألوه عن هذا السبب قال لهم إن سفينته تحطمت في البحر ، وإنه تشبث بلوح خشبي ، وإن الموج جرفه إلى شاطىء هذه الجزيرة ، فأثنوا على طيب حظه في النجاة ، وأجابوه عن سؤاله حول الجهة التي قدموا منها بأنهم من بلاد الحبشة ، وأنهم في سبيلهم إلى بلاد الهند ، هنالك تردد أبو الفوارس وأخبرهم أنه لا شأن له في بلاد الهند ، فطمأنوه بأنهم سيقابلون في طريقهم سفنا قاصدة البصرة ، وأنهم سيسلمونه إلى إحداها ، فوافق على مصاحبتهم . وأبحروا أربعين يوما دون أن يروا أي بقعة مأهولة ، فسألهم إن كانوا ضلوا السبيل ، فأعلموه أنهم منذ خمسة أيام من أيام الرحلة الأربعين لا يعرفون أين يتجهون ، وأي اتجاه يجب أن يتبعوا ، وكان أن راحوا جميعا يبتهلون إلى الله _ سبحانه _ سائلين الهدى والنجاة ، ولبثوا حينا في ابتهالهم . وبعد إبحارهم من جديد بقليل ، برز أمامهم شيء في البحر يشبه مئذنة ، وبدا لهم أنهم لمحوا ضوء مرآة صينية ، ولاحظوا أيضا أن سفينتهم بدأت تسرع كثيرا دون أن يجدفوا ، ودون أي زيادة في قوة الريح ، فسارعوا في دهشة عظيمة يسألون أبا الفوارس عما جرى للسفينة حتى تسير بهذه السرعة المفاجئة ، فرفع عينيه ، وتأوه عميقا حين رأى على البعد جبلا يرتفع في البحر ، وصفع عينيه بكفيه ، وهتف : سنهلك جميعا !
حذرني أبي دائما أنني يجب أن أتجه شرقا إذا ضللت سبيلي في البحر ؛ لأنني سأقع في فم الأسد إذا اتجهت غربا ، وأجابني حين سألته عن كنه فم الأسد هذا بأن الله _ سبحانه _ خلق هوة عظيمة في قلب المحيط في ظل الجبل ، هي فم الأسد ، وأنها تجذب السفينة من مسافة تزيد على مائة فرسخ ، وأنه ما من سفينة وصلت الجبل وظهرت بعد ذلك ، وأحسبنا الآن في مكان الخطر ، وأننا في الفخ .
وذعر البحارة وهم يرون سفينتهم تنجرف في سرعة الريح إلى الجبل لتقع فورا في دوامة حيث يدور التيار حاملا حطام عشرة آلاف سفينة عتيقة . وتزاحم بحارة السفينة وتجارها حول أبي الفوارس يرجونه أن يرشدهم إلى ما عساهم يفعلون ، فجأر يأمرهم بإعداد كل ما لديهم في السفينة من حبال ليخرج سابحا من الدوامة إلى الشاطىء في ظل الجبل ليربط حبلا منها في شجرة ضخمة هناك ، وعليهم عندئذ رمي حبالهم إليه ، وبهذا يستطيع إنقاذهم من الخطر المحيط بهم . ولعظم حسن حظه قذفه التيار إلى الشاطىء حيث ربط حبلا في الشجرة الضخمة ، ثم ، وبالسرعة المتاحة ، ارتقى قمة الجيل بحثا عن طعام ؛ إذ لا هو ولا رفاقه في السفينة طعموا شيئا منذ أيام . حتى إذا صار في القمة رأى سهلا بهيجا ينداح أمامه ، ورأى وسطه قوسا سامقا من حجر أخضر ، وحين قاربه ودخله رأى عمودا مديدا من الصلب تعلقت فيه بسلسلة طبلة ضخمة من البرونز الدمشقي يكسوها جلد أسد ، وتتعلق بالقوس أيضا لوحة كبيرة نقش عليها ما يأتي : " اعلم يا من تصل إلى هذا المكان أن الإسكندر حين طاف حول العالم ووصل إلى فم الأسد كان على علم أنه مكان محنة ، ومن ثم اصطحب معه أربعة آلاف حكيم ، فاستحضرهم وكلفهم بتزويده بوسائل النجاة منه ، وفكر الحكماء طويلا في الأمر ، وفي النهاية اقترح أفلاطون صنع هذه الطبلة ، فإذا وقع إنسان في هذه الدوامة يصبح في وسعه دق الطبلة ثلاث مرات ، فتطفو سفينته الغارقة إلى السطح " ، فأسرع أبو الفوارس بعد قراءة النقش إلى الشاطىء ، وأخبر رفاقه به ، وقرر بعد نقاش طويل معهم أن يغامر بحياته ويبقى في الجزيرة ليدق الطبلة شرط أن يرجعوا إلى البصرة عند نجاتهم ، ويعطوا زوجته وأولاده نصف الكنز الذي معهم ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا بفعل ذلك ، وعاد إلى القوس ، والتقط عصا ، ودق الطبلة ثلاثا ، وما أن انداح صداها المهول بين التلول حتى اندفعت السفينة من قلب الدوامة اندفاعة السهم من قوسه ، فصاح البحارة يودعون أبا الفوارس وداع الأبد قاصدين البصرة حيث أعطوا أسرته نصف الكنز . وحزنت زوجته وأولاده حزنا عظيما لفقده ، أما هو ، فعاد إلى قمة الجبل ثانية بعد ما نام نوما مريحا عند القوس ، وحمد الله على استبقائه حيا . وشاهد خلال مضيه في السهل دخانا أسود يتصاعد فيه ، وكان في الوادي جداول جاز بتسعة منها ، وكان على شفا الموت جوعا ولغوبا حين لمح فجأة مرجا في جانبه ، ترعي فيه قطعان الشياه ، فشعر بالفرح لظنه أنه وصل أخيرا إلى بشر . ولاحظ وهو يدنو من الشياه أن معها شابا في سموق الجبل يتدثر بعباءة بالية من اللباد الأحمر ، ويغطي كامل جسمه درع حديد ، فحياه ورد الشاب التحية ، وسأله : من أين قادم ؟!
فأجابه أبو الفوارس بأن بلاء أصابه ، وحدثه عن مغامراته ، فاستمعها ضاحكا ، وقال : عد نفسك محظوظا لنجاتك من تلك الهاوية . لا تخشَ شيئا الآن ! سأذهب بك إلى قرية .
وبعد ما قال ذلك قدم إليه خبزا وحليبا ، وطلب منه الأكل ، وبعد الأكل قال له : لا تستطيع البقاء هنا كل النهار ، سأذهب بك إلى بيتي لتستجم حينا .
ونزل الاثنان إلى أدنى الجبل حيث تقوم بوابة يسدها حجر هائل يعجز مائة رجل عن رفعه إلا أن الراعي دس يده في فتحة فيه ، وأزاحه عن البوابة ، وأمر أبا الفوارس بالمضي ، وأعاد الحجر إلى موضعه ، وتابع بدوره سيره . وما جاز أبو الفوارس البوابة حتى رأى بستانا مثقلا بالثمار ، يتوسطه كوخ ، قدر أنه مسكن الراعي ، فدخل وتلفت حوله من فوق سطحه إلا أنه لم يرَ أي إنسان في المكان مع كثرة المساكن ، فنزل وسار إلى أدنى مسكن ودخله ، وبعد اجتيازه عتبته وجد عشرة رجال عراة سمان بلغ من سمنهم أن عيونهم كانت شبه مغمضة ، وكانوا يبكون في حرقة ورؤوسهم مائلة على ركبهم ، فرفعوا تلك الرؤوس حين سمعوا صوت خطاه ، وصاحوا : من أنت ؟!
فأخبرهم أن الراعي جاء به ، وأنه عرض عليه استضافته ، فلما سمعوا كلامه صرخوا صرخة مدوية ، وقالوا : هاهو تعيس آخر وقع مثلنا في قبضة هذا الوحش ! إنه مخلوق حقير كريه يتظاهر بأنه راعٍ ، ويطوف المنطقة ، ويصيد الناس ويفترسهم . معشرنا تجار ساقتنا الرياح العاتية إلى هذا المكان ، فصادنا الشيطان ، ويبقينا هنا بنفس الطريقة .
فتأوه أبو الفوارس متوجعا ، وعلم أنه ضلل . وعندئذ رأى الراعي يقدم ، ويدخل الشياه في البستان ، ويغلق البوابة بالحجر ، ويلج الكوخ . كان يحمل حقيبة مليئة باللوز والتمر والفستق ، فاقترب منهم ، وأعطاها أبا الفوارس ، وأمره بتقاسمها معهم ، فلم يستطع أبو الفوارس قول شيء ، وتقاسم ما فيها معهم . وبعد ما طعموا رجع إليهم الراعي ، وأخذ بيد أحدهم ، وذبحه أمامهم ، وشواه والتهمه حتى إذا شبع أخرج زق خمر ، عب منه فثمل ونام .
فالتفت أبو الفوارس إلى رفاقه ، وقال : مادمت سأموت دعوني أحطمه ! وسأحطمه إن أعنتموني .
فأجابوه بأنهم ما عاد بهم قوة إلا أن أبا الفوارس حين رأى السيخين الطويلين اللذين شوى عليهما الغول لحم فريسته ؛ سخنهما فوق النار حتى احمرا احترارا ، وغرزهما بقوة في عيني الغول ، فصرخ صرخة هائلة ووثب ، وحاول الإمساك بمعذبه أبي الفوارس الذي قفز وراغ منه ، فعدا الغول إلى الحجر ونحاه جانبا ، وراح يخرج الشياه واحدة واحدة بأمل إن يؤدي إخلاء البستان منها إلى القبض على أبي الفوارس ، وفهم أبي الفوارس قصد الغول ، فعاجل بذبح شاة ، ولبس جلدها ، وسعى لاجتياز البوابة إلا أن الراعي الغول فهم فورا أن المجتاز ليس شاة ، فاندفع يتعقبه ، فخلع أبو الفوارس الجلد ، وعدا في سرعة الريح ، وبلغ البحر فورا ، وغاص فيه ، ورجع الراعي بعد خطوات قليلة في الماء لعجزه عن السباحة . وسبح أبو الفوارس مفعم القلب بالرعب حتى آل إلى الطرف الآخر من الجبل حيث لقي شيخا حياه ، وبعد استماعه مغامراته أطعمه وصحبه إلى منزله . وارتعب أبو الفوارس حالا حين أدرك أن الشيخ أيضا غول ، فأخبر زوجته بدهائه العظيم أن لديه وسائل كثيرة يمكن أن ينفع بها البيت ، فأقنعت زوجها بالمحافظة عليه . وعقب أيام ، أُرسِل ليكون في حفظ راعٍ ، وهناك كلف بحراسة الشياه . وتابع تخطيطه للفرار إلا أنه لم يكن أمامه سوى طريق واحد خلال الجبل ، وكان هذا محروسا حراسة مشددة . وعثر يوما خلال طوافه بإحدى الغابات على مخزون من العسل في تجويف ساق شجرة ، فأخبر زوجة الغول به عند رجعته إلى المنزل ، فأرسلت زوجها تالي يوم مع أبي الفوارس لجلب بعض ذلك العسل إلا أن أبا الفوارس انقض عليه في الطريق ، وقيده في شجرة ، وأخذ خاتمه ورجع إلى المنزل ، وأخبر الزوجة أن زوجها أذن له بالرحيل من لدنهما ، وأنه أرسل خاتمه هذا علامة على الإذن ، لكن الزوجة كانت داهية فسألته : لمَ لم يأتِ زوجي ويخبرني هذا بنفسه ؟!
وأمسكت عباءته وأخبرته أنها ستذهب معه للتوثق بنفسها من الأمر إلا أن أبا الفوارس عزم أن يحرر نفسه بنفسه ، فأبق إلى البحر ثانية حيث يعتقد نجاته من الموت ، وسبح مرعوبا ساعات حتى لمح سفينة موقرة بركاب قصدوه ، وحملوه معهم ، وسألوه في أشد العجب عن كيفية مجيئه هذا المكانَ ، فروى لهم مغامراته .
ومن عظم حسن الحظ أن ربان السفينة كانت له مهمة في مكان واحد فحسب على الشاطىء ، ومن هناك سيبحر إلى البصرة . وهكذا ، بعد شهر ، رجع أبو الفوارس إلى أسرته الأمر الذي أفرحها كلها . وتسببت الأخطار وصنوف المقاساة الجمة التي واجهها في تشييب شعره . واستجم أياما عديدة بعد رجعته ، ثم ، في يوم ، في تنزهه على الشاطىء ، رأى الشيخ الذي استأجر سفينته يوما ، وعرض عليه الشيخ دون أن يتعرفه استئجارها ستة أشهر ، فوافق أبو الفوارس مقابل ألف دينار ذهبا ، دفعها الشيخ من فوره ، وقال إنه سيأتي في الغداة في مركب تأهبا للرحيل . وبعد انصرافه أخذ أبو الفوارس المال إلى زوجته ، فطلبت منه أن يحذر تعريض نفسه ثانية للخطر ، فأجابها بأنه سيثأر لا لنفسه فقط ، بل لألف مسلم ذبحهم هذا الشيخ الشرير . ولهذا صحب على السفينة في اليوم التالي الشيخ وعبدا أسود ، وأبحرا ثلاثة أشهر حتى وصلا ثانية إلى جزيرة اللآلىء ، وارتقيا الجبل حاملين الأكياس . ولما وصلا إلى القمة طلب الشيخ من أبي الفوارس ما طلبه سالفا ، أي أن يهبط الآبار ويرسل اللآلىء ، فقال أبو الفوارس إنه يجهل المكان ، وإنه يفضل أن يهبطها الشيخ قبله لبرهنة خلو المكان من الخطر ، فرد الشيخ بأنه ما من خطر فيه البتة ، وأنه ما آذى في حياته حتى نملة ، وأنه ما كان ليرسل أبا الفوارس إليها لو كان فيها أي خطر ، فعانده أبو الفوارس ، وقال إنه لن يقوم بالمهمة ما لم يعرف سلفا كيف يقوم بها .
وكان أن طلب الشيخ ، في تردد كبير ، إنزاله إلى أول بئر بسلة وحبل ، فملأ السلة محارا وأرسلها صائحا : ها أنت ترى أنه لا شر في هذه البئر . ارفعني الآن ! أنا شيخ وما عاد بي قوة .
فرد أبو الفوارس : ما دمت في البئر فالأفضل أن تبقى حيث أنت لتتم مهمتك ، وغدا سأهبط بنفسي بئرا أخرى ، وأرسل لآلىء كثيرة تملأ سفينة .
وامتد عمل الشيخ وإرساله اللآلىء ، وأخيرا صاح ثانية : يا أخي ! أنهكني العمل تماما ، ارفعني الآن !
فتوجه إليه أبو الفوارس غاضبا ، وصرخ : كيف تشعر بمعاناتك ولا تشعر بمعاناة غيرك يا كلب يا بن الحرام ؟! أنت أعمى حتى لا تعرفني ؟! أنا أبو الفوارس ، البحار الذي تركته منذ زمن بعيد في إحدى هذه الآبار ، فنجاني الله _ تعالى _ بلطفه وعطفه ، والآن دورك ، افتح عينيك على الحقيقة ، وتذكر ما فعلت بكثير من الرجال !
وجأر الشيخ مسترحما مستعطفا ، لكن جؤاره لم ينفعه شيئا ، فابو الفوارس جلب حجرا كبيرا سد به فم البئر ، وهدد العبد كثيرا إن باح بشيء . وحمل كلاهما اللآلىء إلى السفينة ، وأبحرا بها ، ووصلا البصرة بعد ثلاثة أشهر حيث روى أبو الفوارس مغامراته للناس ، فأدهشت الكل . وبعدها هجر البحر ، ومال إلى حياة الدعة حتى مات . وهذه القصة تذكار له ، والله _ سبحانه _ أعلم .
*من التراث الفارسي من كتاب " الدراويش الثلاثة " .
*عن النسخة الإنجليزية لكتاب " أعظم قصص البحر في العالم " .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف