الإنشاد الشعري
*د. مولاي رشيد العلوي
الإنشاد هو الطريقة التي تلقى بها القصيدة ،ومعلوم أن الشعراء أنفسهم يتفاوتون في قدرتهم على الإلقاء، فمنهم من يجيده، ومنهم من لا يجيده، مما يجعلنا نتبنى فكرة أن الإلقاء موهبة مستقلة عن ملكة الشعر. فمن الشعراء من أوتي الملكتين معا: ملكة الشعر، وملكة الإلقاء، كمحمود درويش ، ونزار قباني، ومنهم من وُهب ملكة الشعر وحرم موهبة الالقاء، كأمير الشعراء شوقي الذي كان يوكل إلى غيره إلقاء قصائده.[1]
إن الشعر في الحقيقة أنشئ ليلقى، لكن القصائد لا تلقى كلها بالطريقة نفسها، فالفرق بين الطرق شاسع في الغالب، وعلماء الأصوات أنفسهم ليسوا متفقين على الطريقة التي ينشد بها البيت الشعري.[2] والسبب في ذلك راجع إلى أن الشعراء لم يسجلوا في أشعارهم أقل إشارة ترشدنا إلى كيفية الإلقاء.[3]
و إذا كُنّا اليوم نعرف على وجه التقريب طريقة إلقاء الشعراء المعاصرين –الأفذاذ منهم خاصة- فإننا نجهل تماما كيف كان الشعراء ينشدون أشعارهم في العصور القديمة. فلا مِراء في أن طريقة الإنشاد قد تغيرت كثيرا عن عصرنا هذا، فقد أثبتت التجارب أن طريقة الإلقاء تتغير تغيرا كبيرا على مر العصور. [4]
و إذا كانت المشكلة قائمة بالنسبة للشعر المكتوب، فإنها أشد تعقيدا فيما يتعلق بالشعر المروي مشافهة، فقد وصلنا مكتوبا ككل الآثار الأدبية.[5] ومما يزيد الأمر تعقيدا أن مصادر الأدب لا تخبرنا عن طريقة إنشاد الشعراء القدامى أشعارهم، ونحن لا نكاد نظفر في هذا المجال إلا بما أورده "سيبويه" في كتابه، إذ عقد بابا سماه "باب وجود القوافي في الإنشاد" و ردد " ابن رشيق" الكلام نفسه في "باب الإنشاد وما ناسبه"[6] .
بيد أن الإنشاد يتعدى مجال القوافي، ليشمل البيت كله، بل القصيدة برُمّتها. ولا شك أن طريقة الإنشاد تخضع لعوامل خارجة عن النص: كالحالة النفسية للشاعر، ومقام الخطاب، وأحوال المتلقي... فما القصيدة إلا خطاب ذو بعد تداولي يُنتج ليُتلقى ويُؤثر. فالشاعر بلا ريب »يستعيد تلك الحالة النفسية التي تملكته في أثناء النظم، حتى يشركه السامع في كل أحاسيسه ويشعر شعوره».
* شاعر وباحث مغربي
[1] - ابراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص165.
[2] - ينظر جون كوين، النظرية الشعرية، (بناء لغة الشعر- اللغة العليا)، ص76.
[3] - نفسه، ص76، وص117.
[4] - ينظر جون كوين، النظرية الشعرية، (بناء لغة الشعر- اللغة العليا )، ص117.
[5] - ابراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص160.
[6] - سبوييه، الكتاب، تحق، عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، (د.ط)، (د. ت)، ج4، ص204-208. وابن رشيق، العمدة، ص558.
*د. مولاي رشيد العلوي
الإنشاد هو الطريقة التي تلقى بها القصيدة ،ومعلوم أن الشعراء أنفسهم يتفاوتون في قدرتهم على الإلقاء، فمنهم من يجيده، ومنهم من لا يجيده، مما يجعلنا نتبنى فكرة أن الإلقاء موهبة مستقلة عن ملكة الشعر. فمن الشعراء من أوتي الملكتين معا: ملكة الشعر، وملكة الإلقاء، كمحمود درويش ، ونزار قباني، ومنهم من وُهب ملكة الشعر وحرم موهبة الالقاء، كأمير الشعراء شوقي الذي كان يوكل إلى غيره إلقاء قصائده.[1]
إن الشعر في الحقيقة أنشئ ليلقى، لكن القصائد لا تلقى كلها بالطريقة نفسها، فالفرق بين الطرق شاسع في الغالب، وعلماء الأصوات أنفسهم ليسوا متفقين على الطريقة التي ينشد بها البيت الشعري.[2] والسبب في ذلك راجع إلى أن الشعراء لم يسجلوا في أشعارهم أقل إشارة ترشدنا إلى كيفية الإلقاء.[3]
و إذا كُنّا اليوم نعرف على وجه التقريب طريقة إلقاء الشعراء المعاصرين –الأفذاذ منهم خاصة- فإننا نجهل تماما كيف كان الشعراء ينشدون أشعارهم في العصور القديمة. فلا مِراء في أن طريقة الإنشاد قد تغيرت كثيرا عن عصرنا هذا، فقد أثبتت التجارب أن طريقة الإلقاء تتغير تغيرا كبيرا على مر العصور. [4]
و إذا كانت المشكلة قائمة بالنسبة للشعر المكتوب، فإنها أشد تعقيدا فيما يتعلق بالشعر المروي مشافهة، فقد وصلنا مكتوبا ككل الآثار الأدبية.[5] ومما يزيد الأمر تعقيدا أن مصادر الأدب لا تخبرنا عن طريقة إنشاد الشعراء القدامى أشعارهم، ونحن لا نكاد نظفر في هذا المجال إلا بما أورده "سيبويه" في كتابه، إذ عقد بابا سماه "باب وجود القوافي في الإنشاد" و ردد " ابن رشيق" الكلام نفسه في "باب الإنشاد وما ناسبه"[6] .
بيد أن الإنشاد يتعدى مجال القوافي، ليشمل البيت كله، بل القصيدة برُمّتها. ولا شك أن طريقة الإنشاد تخضع لعوامل خارجة عن النص: كالحالة النفسية للشاعر، ومقام الخطاب، وأحوال المتلقي... فما القصيدة إلا خطاب ذو بعد تداولي يُنتج ليُتلقى ويُؤثر. فالشاعر بلا ريب »يستعيد تلك الحالة النفسية التي تملكته في أثناء النظم، حتى يشركه السامع في كل أحاسيسه ويشعر شعوره».
* شاعر وباحث مغربي
[1] - ابراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص165.
[2] - ينظر جون كوين، النظرية الشعرية، (بناء لغة الشعر- اللغة العليا)، ص76.
[3] - نفسه، ص76، وص117.
[4] - ينظر جون كوين، النظرية الشعرية، (بناء لغة الشعر- اللغة العليا )، ص117.
[5] - ابراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص160.
[6] - سبوييه، الكتاب، تحق، عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، (د.ط)، (د. ت)، ج4، ص204-208. وابن رشيق، العمدة، ص558.