الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نحن الآن في الربيع!!بقلم:محمود حسونة

تاريخ النشر : 2019-04-20
نحن الآن في الربيع!!بقلم:محمود حسونة
1- نحن الآن في الربيع…
أريد أن أخبئ بين أوراقي زهرة واحدة من أزهاره نقشتُ عليها اسمك!!! وزهرة أخرى، اختاري لها أنت الاسم الذي يعجبك، واحتفظي بها بين ملابسك …
نحن الآن في الربيع...
ولو سمحت، أريد شيئا من رنة الضحكة التي أضاءت وجهك هذا الصباح..أريد بعض قطرات الندى التي بللت زجاج نافذتك، والفراشة الزرقاء التي حامت على نور حلمك الليلي!!!
نحن الآن في الربيع….
أريد فراشة أخرى طارت من بين أصابعك الدافئة…
سألوّن أجنحتها، بالألوان التي تحبيها، ثمّ أطبعها على وسادتي!!!
نحن الآن في الربيع...
أريد شيئا من النسمة التي داعبت شعرك هذا المساء وأنت تمرّين أمام شرفتي، لقد لونت منديلي بالعطر الذي هرب من شالتك !!!
نحن الآن في الربيع...
أريد أن أقرأ فنجان القهوة التي شربناها سويا آخر الليل!!!
بعدها سأفسر لك جميع الأحلام والأغاني، وأسمع ضحكتك الرائقة وأنت أمامي تماما!!!
من الآن سأتعلم كيف أحرس ذكرياتي كلَّ ربيع، وأحتفظ بها كقصيدة في كتابي!!!
قاحل بدونك هذا الربيع!!!
2 -- كغريبين التقينا، كعاشقين افترقنا!!!
ليلتها كنت ألبس معطفي الأسود الطويل، وكنا وحيدين نمشي في أمان، لقد قطعنا مسافة طويلة، عبر الأنوار والظلال، التي تتقاطع على بلاط الشارع، نتابع ظلينا اللذان امتدا أمامنا كأخيلة تتراقص!!!
نمضي بهدوء كأننا نبحث عن عالم بعيد، عن سعادة مختبئة!!! نبحث عن شيئٍ جميل سهونا عنه في تفاصيل رحلة الحياة!!!
كنا صامتين كأننا نصغي لأصوات فرح بعيد!!!
ثمّ تكلمت فجأة:
-لماذا تلبس أنتَ هذا المعطف السميك؟؟!!!
-ألا تشعرين بالبرد؟؟!!
- لا لا، الطقس لطيف!!!
أخذ وجهها يزداد إحمرارا وتوهجا، كأن حرائق كبيرة تشتعل بداخلها!!!ا
لماذا تغلق أذنيكَ كثيرا، وكأن صوتي يأتيك من عالم آخر؟؟!!
ما بكِ؟؟!!
-العيش في هذة الدنيا اللئيمة أصبح صعبا جدًا!!!
- أعلم أن الأنثى أقدر على تحمل الهزات من الرجل!!!
- لا أظن ذلك، هناك بعض الهزات قاتلة، لا تقوى عليها الأنثى لوحدها!!! فمعك أشعر بدفء خاص!!! أشعر بأني أصبح شيئا آخرا!!!
- ألهذا لا تلبسين معطفا مثلي؟؟!!
-الموضوع لا يتعلق برجل وامرأة!!!
بل بقدرتنا على تهيئة أرواحنا لتقبل تقلبات الحياة!!!
المأساة تحدث عندما نستسلم لنهايات بائسة، فيصير الخوف هاجس في نفوسنا ، ويصبح للحياة معنًى مخيف!!!
لماذا نغلق كل المنافذ أمامنا، ولا نترك ولو منفذا واحدا يتسلل منه النور؟؟!!
-وكيف يمكن ذلك؟؟!!
- إنها مهارة تصريف الآلام، ستجدين صعوبة في ذلك، لكنها لن تكون أقسى من احتضان الآلام!!!
-أيّ سر هذا؟؟!!
- إنه ليس سرا، إنه مهارة!!!
- وإلا لماذا ظهر الفن والشعر؟؟!! هذه الفنون التي ابتكرها الإنسان ، ما هي إلا تصريف لآلامه ومخاوفه وأحلامه….
بذلك يخلق توازنا يمنحه فسحة للراحة والسكينة!!!
حتى البكاء وسيلة مثلى لذلك!!! ألا نبكي بحرارة عندما نحزن، وعندما نفرح أيضا؟؟!!
من منا لا يراوده حلم، من منّا لم ينل منه ألم؟؟!!
توقفت فجأة، وقد هدأ كل شيء، ثمّ نظرت في عينيّ طويلا وقالت:
-هلّا دفأتني بمعطفك!!!
3- خجول!!!
هي من كانت تطاردني خلال أزقة المخيم، تغازلني، تنثر على رأسي وخطواتي ريشا أبيضا …
تغني لي ما شاءت من أغاني الغرام...
-ما اسمك يا أسمر؟؟!! تكلم يا أكحل!!!
مع كل شروق، مع نور الشمس الخجول، وبصحبة الندى تنتظرني عند المنعطف…
يغمرني الخجل ويخنقني، تموج الأرض تحتي، أتعثر في خطواتي كأبله!!! وقلبي يكاد يقفز من صدري ويسقط بين أقدامي!!!
في إحدى المرات استنجدت بأمي فضحكت ملء قلبها حتى كاد أن يُغمى عليها!!!
مرة واحدة توقفت أنتظرها مطرقا، لتقترب مني… كان الزقاق فارغا... أنا وهي وحمامة ترفرف فوقي…
لامست بإصبعها شامة خدي…
لم أتكلم!!! لم أتحرك!!! لم أسمع ولم أفهم ما قالت!!!
كل ما فعلته أني نظرت إلى عينيها… بعدها أنا متطاير كورقة ممزقة بعثرتها الريح في الفضاء!!!
4- قمرٌ في أيّار!!!
وحدك بقيت هنا مكبل المعصمين ولا أحد!!!غريق في فراغ ضيق كحفرة عميقة سوداء!!!
كأنك لا شيء!!! كأنك ذرة ضائعة بين ملايين الذرات!!!
أية ريح همجية، انتزعتك من أحضان الدفء وألقت بك في هذا القبو المظلم؟؟!!
لا وجه لك ولا ملامح في هذا السواد!!! لن تسمع صوت المطر!!!
ولن تعثر على حفنة تراب واحدة تعبث بها بأصابعك!!! حتى التراب!!! نعم حتى التراب!!!
سوف تتآكل هنا وتضمر وتنتهي، بين هذه الجدران الكالحة، وهذا الركن العفن الرطب المالح!!!
كأن الحياة تخلت عنك وداستك بأقدامها!!! أكلُّ هذا الجنون لي؟؟!!!
ينسحب الوقت من بين أحشائي ثقيلا بطيئا!!!
لقد تلاشت رغباتي من أي شيء!!! لا طعام، ولا شراب، حتى التنفس صار عادة رتيبة مملة أرغب في التخلص منها!!!
صرت أجد مشقة كبيرة في أن أتنفس!!!
أين عيني!!؟؟ إنها لا ترى شيئا!!! عينان فارغتان من أي شيء، سوى السواد!!! لقد صارت عيناي ثقيلتان في وجهي!!! ما فائدتها؟؟!! هل أقتلعهما؟؟!!
أغوص عميقا في ذاكرتي، أريد أن أتذكر آخر كلماتي، أبحث عن ملامح وجوه من أعرفهم، لقد أخذت تتلاشى!!!
لقد ذاب كل شيء في رأسي!!! لقد ذاب صوتي في أعماقي!!!
أنت لا تفهم معنى عزل إنفرادي!!! أنت معلق في فراغ أسود، لا تسمع ولا ترى ولا تشم أي شيء!!! ولا شعاع ضوء دقيق ولو كخيط يتسرب إليك، سوى سراج ضئيل ينوّس عليك بضوء خافت فيتسلل نحوك كسم ساخن، لقد حطمته أكثر من مرة!!! لا أريده!!!
لم أعد أمتلك أية كلمة تعبر عن ألمي!!! أقول لك: لا شيء!!!
الفراغ يزداد في رأسي!!!
أية يد باطشة عفرت وجهك بالرماد؛ فأعمت عينيك حتى غابت عنك ملامح الأشياء والأصوات!!!
ثم تحوّل الوقت فصار كثيفا لزجا، لا يعني لك بشيء!!! التصق الوقت بالجدار الصلب الكالح الماثل أمامي!!!
الزمن لحظة مكررة لا تعني لي شيئا!!! صباح في مساء وليل في نهار، سيّان عندي!!!
الليل والنهار تداخلا في ذهني بحيث أصبحت عاجزا عن التمييز بينهما !!! لا أعرف شيء عن الزمن، إنه ضحل، يلتصق برأسي كلطخة وحل!!! خراب يلتهم كل شيء في رأسي!!!
فقط أربعة أشهر أمضيت في فراش الزوجية!!! ثم جاؤوا وحطموا كل شيء، كنار مسعورة!!! لم أعد أتذكر ملامح وجهها القمحي… لا شيء، فراغ!!! لم أكره الحياة مثلما كرهتها في ذلك السواد!!!
لم يبق داخلي إلا نداء خافت لروح ممزّقة آلاف الشظايا الدقيقة!!!
يا أنا، أية فسحة يأس هذه التي ستنال من روحي؟؟!!!
روحي نفخة الله، ياروحي يا نفخة الله، يا قوية!!! لن تنال منك يد باطشة!!! كيف تتجاسر عليك هذه اليد الآثمة؟؟!!
هيّا لملمي فتاتك المتناثر، لن يكسروك… اغمسي قبضتك في فم الكابوس واقتليه ياروحي يا فتية!!! سأحتفظ بروحي كما ولدتها السماء!!!
أنتِ حقيقتي التي أبحث عنها!!! سأغسلك بكل أضواء الدنيا وماء المطر، وأعطرك بطيب من عصير السوسن والزنابق، هيّا انهضي!!!
أخذت الرؤية تتضح لي ويتسع الصدر، واشتعلت الألوان والأصوات والملامح في روحي!!! صارت تملأ الفراغ!!!
سأتبع أغنيتي التي غنيتها لروحي!!!
أقرفص في الركن الرطب، باستماتة أعدُ دقات قلبي: واحد، اثنان، ثلاثة… مليون!!! أريد أن أتذكر دقات قلبي!!!
أتحسس بأناملي ملامح وجهي، أريد أن أتذكرها، هذا فمي، وهذه أذني، هنا يقبع قلبي هذه أصابعي… سأستعيد ما ضاع مني…
أخذت روحي تتمدد وتغطي الأنحاء!!! روحي سلاحي الثقيل، سأحطم هذه الكوّة الصغيرة الضيقة المغلقة، أريد أن أرى الفضاء الخارجي!!!
ألصقت وجهي في فتحة الكوة، استنشقت هواء نقيا ملأ صدري، يا إلهي، شهقات متتالية سريعة، كدت أغمى من لسعة الهواء في صدري!!! أكثر من ثلاثين شهرا لم أستنشق مثل هذا الهواء!!!
ما هذا الفضاء الأسود؟؟!! لقد نسيت اسمه!!! فركت رأسي بالجدار!!! ما اسم هذا الفضاء الأسود الطري؟؟!!! هيّا تذكر، آآآ لقد تذكرت، إنه الليل، يعني أني الآن في وقت الليل!!!
هناك شيء مستدير برتقالي، بدا لي غريبا!!! نوره الضئيل يرشح على وجهي فيتورد وجهي الشاحب!!! كيف صرنا غريبين؟؟!! لقد نسيت اسمه!!!
صرخت: أأنت قمري؟؟!!! كأني لم أره منذ ألف عام!!! كان صافيا ناصعا!!!
أهذا هو القمر الذي كنت أصعد فوق سطح بيتنا وأمد ذراعي ، أحاول أن ألمسه وأمسكه، فيبتعد عنّي وهو يضحك!!!
لقد كنت صغيرا.. فأضحك له وأقول: غدا سترى أيها الجميل عندما أكبر وأصبح طويلا سأخطفك وأخبئك بين طيات ملابسي في خزانة أمي، وأهديك إلى أعز الناس!!!
أهذا القمر الذي على ضوءه الهادئ كنت أكتب واجباتي المدرسة خوفا من عقاب معلمي؟؟!!
لماذا غبت عني؟؟!! أين كنت مختبئا؟؟!! هل اعتقلوك مثلي؟؟!! لماذا لا يفرجوا عني، فألحق بك، وأدور معك في هذا الكون الفسيح؟؟!! لكن لماذا اعتقلوك، وأنت هادئ وديع؟؟!! يقولون أني مشاغب!!!
هلا أخبرتني عن من نحبهم!!! كيف أحوالهم؟؟!!! أخبرني عن شجرة الحناء التي على باب بيتنا، التي كنت أُقيّل تحتها وقت الهجير، وعن صاحبة الوجه القمحي الصغير، التي تركتها وحيدة!!! هل ما زالت على العهد؟؟!!! أبلغها أني سأعدُّ ضفائرها واحدة وواحدة!!! وأني أحبها؛ لتستريح!!! وأني تركت لها مصيرها، لقد أخبروني أنها في انتظاري!!! آه، لقد نسيت لون عينيها!!!
أخبرني عن أهلي وجيراني… لقد اشتقت للبحر، ولطعم ورائحة السمك!!! واشتقت لوجوه الأطفال، ورائحة الأشجار، أتمنى أن أتناول فطوري بين أخوتي وأمي وأبي ولو مرة واحدة وبعدها أموت!!! دعني ألحق بك هيا انتظر، خبئني في عينيك أيها القمر!!!
أخذ القمر يدور وينزلق على منحدر الليل، ويختفي شيئا فشيئا ، وأنا أحاول أن ألحق به، سأدير فتحة الكوة، سأدير هذا القبو كله لألحق بقمري!!!
غاب القمر وغابت عيوني وانطفأ قلبي!!! أي حنين وأي شوق يحترق الآن في داخلي!!! أهكذا تتركني وحيدا!!! لم يسمع أحد صرخت ألمي: وداعا يا قمري!!!
حاولت أن أمد ذراعي لأمسك به، لم أشعر بها وهي تتمزق من الأسلاك الشائكة، صار الدم ينزّ غزيرا من ذراعي وجروحي العميقة!!!
رسمت قمري بدمي على الجدار ولونته بالأحمر، نام جسدي وروحي بقيت ناهضة طوال الليل تسهر على قمري تحرسه لئلا تسرقه الريح الهمجية!!!
سلام عليك يا أمي وعليك السلام!!!
لا أعرف كيف التقيت بآذار، كيف التقى الأحمر بالأحمر في احتمالات لا تنتهي من الاشتعال؟؟!!!
أهديك وردتي يا أمي، وردتي التي زرعتها في كفي ، فالورد لا يباع ولا يشترى !!! الورد يهدى لأعز الحبايب فقط !!!
وردة أغرسها في ضفيرة شعرك !!! لعلها تؤنسك في وحدتك القاسية، ليس لدي خيار يا أمي غير ذلك!!!
ما زلت تحرسين حلمي؟؟!! أقولها لك: أنا بخير، فاستريحي ونامي بهدوء وسلام!!!
يمتلأ قلبي بحب كل الناس!!! فأنا لا أكره أحدا، لكني لا أحب الهزيمة والانكسار!!!
ما زلت ألبس معطفا يدفيني، وفراشاتي تحلق وتهتدي بضوء عينيك الجميلتين، وأمضي كسيدٍ واثق الخطوة، أردد أغنيتك الجميلة التي كان يصدح بها صوتك؛ لأغفو وادعا في سريري الصغير!!!
في هذا المساء، وحين تبهت الظلال، أزور حلمي البعيد وأعانقه
على صوت البحر العالي في الشهقة الأولى لميلادي!!! أمصادفة أن يكون مولدي في آذار، وفي موسم الأزهار؟؟!!
يعني ذلك أنك التقيت بأبي في خِدر الوردة الحمراء في حزيران في عزّ الصيف بعد أربعة أعوام من النكسة… أكنتما تحتفلان بالصيف الحار أم بجنون النكسة؟؟!!
5- سلام عليك يا أمي وعليك السلام...
أتذكر ذلك!!! في ذلك المساء الساخن، شقح أبي بطيخة حمراء رأيتك تأكلين البطيخ، كانت قطرات البطيخة تزرب على صدرك وأبي ينظر إليك يغامزك بعينيه!!! وأنت تنظرين نحوه خلسة من أعين صغارك... وتدغدغين قلبه الصغير، صار بعدها يأكل بسرعة، ثمّ أخذ يفرك شعر رأسه الغزير، وعيناه تترقرقان كموج البحر!!! ماذا دهاك يا أبي، لقد كنت هادئا؟؟!! هل لعبت بقلبك هذه البيضاء!!!
صار أبي يلتهم البطيخ بسرعة!!! ثم صرخ في أخوتي: هيا يا صغار أمكم مريضة تريد أن تنام!!!
تريد أن تنام؟؟!!! إنها تأكل البطيخ الأحمر الحلو وتبتسم!!!
ثم تبعك بخطى ثقيلة ذاك النحيف الطويل الأسمراني،
وأنت تتغندرين أمامه كظبية، وهو يتنحنح و يمسح بكفيه على وجهه، لينعش عينيه الذاويتين!!!
كيف أوقعت بهذا الجميل في شباكك، وأنت الجميلة القصيرة البدينة البيضاء؟؟!!!
أشعلت سراجك بعد أن غلفتيه بورق شفاف أحمر، وأشعلت معه قلبه الرقيق، أما هو فأشعل غليونه على عجل وأخذ نفسين عميقين أخرجهما بتوترمن أنفه ومن فمه!!! ماذا دهاك يا أبي؟؟!! لقد كنت هادئا وادعا تأكل البطيخ الحلو؟؟!!!
غرق الأسمراني في العجين الأبيض، اختلط الكاكاو بالحليب
يا إلهي، قهوة بالحليب!!! ورائحة البن اللذيذ تفوح في الغرفة الموصدة!!! إنهما يمزجان الحليب والكاكاو!!!
كنت مغمضا عيوني ولم أسمع سوى أنفاس أبي!!! كنت أظنُّ أنه يشرب من غليونه!!! وهذا الدخان دخان غليونه وليس دخان السخونة من جسدين فوضويين يتعاركان!!!
وعندما صرخت انتفض أبي كالمذعور!!! ماذا جاء بك الآن إلى هنا ؟!!!
أنت يا أبي، لقد أيقظتني رائحة البن العدني، وطعم الحليب، رائحة غليونك يا أبي!!! وأنفاسك اللاهثة المتعبة من الحب…
أخذتِ حينها تضحكين وتضحكين وأنت تزمين عينيك الدامعتين من الفرحة!!! سلام عليك يا أمي وعليك السلام!!!
وعندما ولدت خديجا اختطفوني منك ووضعوني في القفص الزجاجي المغلق!!!
وقبل أن يغيب آخر نجم للصباح كنت على باب العيادة!!! كدت تخلعين الباب وأنت تضربينه بيديك وأقدامك!!! وتصرخين أريد ابني!!! كيف أخذتوه مني؟؟!!! لقد نزعت وشاحك المطرز وتطاير شعرك الناعم الأسود!!! كنت كالمجنونة!!! وأخذت تلوحين بشالك، لقد صنعت مظاهرة عارمة!!!
تصرخين: أريد ابني، أريد أن أرضعه، صدري سيتفجر، وقلبي يحترق!!!
لقد منعتك الممرضة من ذلك، وقالت لك: إذا أخذتيه سيموت!!! فصرخت: يموت على صدري ولا يموت في هذا القفص!!! سلام عليك يا أمي وعليك السلام…
وعندما حضر الطبيب المناوب وبخهم قائلا: هذه أم، ألا تعرفون معنى أم؟؟!! أعطوها ابنها لتحضنه وترضعه... هجمتِ على الممرضة كالمجنونة كدت تمزقين وجهها، وأنت تصرخين هذا ابني يا ناس أريد أن أرضعه!!!
انتزعتيني من قفص الزجاج ودفنتيني في صدرك كالملهوفة، تسقيني من رحيقك المختوم بختم ربي!!! من لحظتها حفظت اسمك!!! وعرفت لون عينيك، إنهما عسليتان كحبتي عنب طازجة!!! لقدعرفت سر الفخ الذي وقع فيه أبي، إنهما عيناك الجميلتان!!!
منذ ذلك الحين و أنا أشتم رائحتك وإلى الآن، وإلى يوم مماتي، وإلى يوم القيامة!!! وسأرجو ربي أن يبعد عني كل روائح جنته ويبقي رائحتك يا أمي!!!
سلام عليك يا أمي، وعليك السلام!!!
وحين انتزعوني من حضنك وأعادوني إلى القفص الزجاجي!!!
صرختُ، وناديتك باسمك ، وأنت تنظرين إلي وتبكين بحرقة!!! ألهذا مازلت أعاني إلى اليوم من صداع مستمر في قلبي؟؟!!!
خمسون فجرا، كل فجر ورغم الخطر، تخترقين حظر التجول من بين زخات الرصاص، وتتخطين جثث الشهداء في طريقك للعيادة، تقفين على باب العيادة توقظين المدينة كلها، وأنت تنادي: افتحوا يا بشر الباب، أريد أن أرضع ابني!!!
سلام عليك يا أمي وعليك السلام!!!!
أنا من ارهقت قلبك!!! أكثر من خمس سنوات وأنت عاجزة عن احتضاني، كانت المسافة قصيرة، لكن القضبان الملعونة كانت ضيقة، إنها تبعدنا مسافات ما بين الأرض والسماء!!! بالكاد كانت أصابعك تلامس وجهي!!!
لو أنني عصفور صغير أخرج من هذا الثقب الضيق وأحط في قلب أمي وأستقر فيه إلى الأبد!!!! لو أني نسمة خفيفة تنعش قلبك!!! كانت الغصة تأكل قلبك، أرى الوهن في عينيك ينمو كغابة شوك تدميني، تمزق أقدامي، وعيوني وقلبي!!!
أجلس أتمدد أحبو أقف أهذي، وصورتك أمامي حزينة موجوعة، أحلم بفرح خفيف يغلف عينيك العسليتين!!!
ماذا فعلت بك الدنيا يا سيدة العالم؟؟!! كيف بهذا الجسم الهزيل أن يتحمل هذه الأثقال؟؟!! جبل يا أمي، تفقدين الزوج، ويغدرون بابنك ، فيترك صغاره في أمانة الله وأمانتك!!! تحتضنين الصغار المفزوعين باليتم وبالقصف والعصف!!! أي كينونة أنت أيتها الصابرة الطاهرة القادمة من مهد عيسى المسيح رسول السلام والمحبة!!! تأكلين من لحم أكتافك ولا تركعين!!!
يا قمرا، أراد أن يطلّ علينا بنوره فلم يجد أفقا يتسع لعينيه!!!
سلام عليك يا أمي وعليك السلام !!!
لقد وضعت قلبك في كفي!!! أقلبّه بين أصابعي، أنفخ فيه من روحي ومن أنفاسي، كل يوم أحبّ على يد الموت، أتوسل إليه، ابتعد عن أمي!!! خذ مني ما شئت، ولا تقترب منها!!!
حين تجرأ أحدهم ووقف أمامي، قرأت كل شيء في عينيه، صفعته بقسوة!!! إياك أن تنطقها، سأهشم أسنانك!!!
صارت أنفاسي تئز كاحتكاك الحديد، وأخذت أقدامي تضرب أرض الزنزانة فترجّها!!! وتشققت الأصفاد عن ساعديّ المدمتين وتناثرت!!! والأسلاك الشائكة الفولاذية تقطّعت، و قلعة هذا القبو المظلم قد طارت!!!
كانت صرخة واحدة أمتلكها، صرخة جافة ناشفة يابسة، ارتطمت بالجدار السميك وارتد صداها لداخلي كشفرات دامية!!! ثم خيّم صمت ثقيل، ونام حزن متوحش في قلبي!!! بقيت كصقر كُسرت أجنحته، وصار يتكئ على كتفيه!!!
كل ليلة أُشرّع بوجهي نحو فضاء السماء؛ لعلي ألمح طيفك، المخضب بالعسل، أو أسمعك كأغنية سحرية تنشدها الملائكة في فضاء ربي العالي!!!
أخيرا...هل مازلت تلتقين بأبي وتأكلان البطيخ الأحمر في ليالي حزيران الساخنة!!!
سلام عليك يا أمي وعليك السلام!!!
6- استكانة!!!
أنكمش في فراشي؛ أبحث عن الاستكانة في هذا الليل...
أتجول بعينيّ الهادئتين في تفاصيل نهاري!!!
ماذا بقى من هذا اليوم؟؟!!! لا شيء يجذبني إلا الاستكانة والخلود إلى النوم العميق!!!
أطفأت الأضواء وأشعلت شمعة وحيدة، امتلأ الفراغ بالغبار، غبار كالزجاج الذائب!! أين كان هذا الغبار؟؟!!!
هربت إلى سحر اللهب، إلى رذاذ اللهب الكثيف!!!
أي شيء تبحث عنه يا هذا، الذي يختبئ في داخلي؟؟!!!
تزحلقت يدي نحو اللهب، بقيت مشدودا إلى طرف إصبعي وهو يقترب من اللهب ببطء… نداء اللهب يجذب إصبعي كسلطان خفي...
أخذ إصبعي يقترب من لهيب اللهب...
لكني انشغلت في العلاقة التي تعمق الصلة بين ظل إصبعي ونور اللهب…. لهب وضوء وظل، هناك آلاف الخيوط الدقيقة التي تربط بينهما!!!
استفقت على إصبعي يلامس اللهب، كان اللهيب يحرق إصبعي!!! استغربت من قدرتي على تحمل هذا!!! لم أحس مطلقا بأي أذى!!! كأني نسيت كيف أتألم !!! أم أن غروري قد استيقظ!!! لكن ماذا باستطاعتي أن أفعل غير ذلك؟؟!!
أريد أن أواجه أقداري القاسية بشجاعة وأنا مفتوح العينين!!! لا خيار لي أمامها إلا كعلاقة إصبعي باللهب!!! إنها معركة قاسية، لكن ليس أمامك سواها، لن تستطيع أن تحتفظ بمسافة فاصلة بينك وبين أقدارك، فقد تثق في كل شيء، إلا في خديعة الأقدار!!!
7- هذا الغريب!!!
ما إن لمحتني حتى أشرق وجهها بابتسامة ناصعة، وطغى عليها فرح غامر!!! ما لبث ان تحول إلى بكاء صامت … طلبت مني أن أجلس مباشرة إلى جانبها… كان زوجها وابناها يقفان بجانب رأسها….
- يحزنني غيابك، وحضورك أكثر شيء يدفئ قلبي!!!
-أنت أخي…أنظر في عينيَّ ألا تراك فيها!!!
سعاد صديقة طفولتي، سعاد براءتي الطاهرة، سعاد ابنة حارتي ومخيمي، سعاد جارة قلبي وبيتي الملاصق لبيتها!!!
لقد زرتها ثلاث مرات قبل ذلك... لكن هذه المرة مختلفة تماما!!!
كانت أجواء الموت تحيط بها!!!
بالرغم من ازدحام أوقاتي بالعمل، خصصت وقتا ثمينا لزيارتها !!!
لقد طلبتني بإلحاح… كيف أخون طفولتي ولا ألبي؟؟!!
لقد نال منها المرض اللعين، لقد نهشها شيئا فشيئا... شعرت بعبثيّة الحياة!!! لم أكن أعلم أن الدنيا ستفعل بنا هكذا!!! يا إلهي ماذا تفعل بنا هذه الدنيا!!!
أتماسك لكي لا أبكي!!! لكن رغبة البكاء تلحُّ عليّ، مدت كفها ولامست وجهي راحت تمسح بها دمعاتي الساخنة..
أتذكر كيف كانا نلوّن تلك المساءات ونجعلها جميلة؟؟!!
أنت من كان ينعش الحارة ويدفئها بضحكاته وشقاوته، وأنت تركض وتقفز هنا وهناك ونحن نركض خلفك تحت ضوء القمر، كان ضوء القمر يغطي جميع بيوتنا المنخفضة، لم يكن شيئا يحجب ضوءه عنّا!!! نلعب ونقفز و نضحك، ثمّ نعود إلى بيوتنا ممتلئين بالحب والجمال!!!
كانت ابتسامتك تنعشني وأنت تقطف حبات التين الناضجة… وتنادي باسمي من فوق جدار البيت: سعااااااااد وترميها لي وأنت تقول: هذي لك هياّ كليها الآن، إنها لذيذة وحلوة…
سعاد تنعش عالما جميلا ينام في داخلي!!! توقد شموعها في دهاليز روحي!!!
كنا أطفالا نعطي الحياة رغم شُحها كل الحب والأمل، ونلّون عالمنا البسيط بفرحنا الكبير، لم نعلم أن الحياة ستفعل بنا هكذا وتشتتنا!!!
استمرت تحدثني وهي تضع يدها على كتفي وتبتسم حتى غفت، كنت أظنها غافية!!!
لكنّ سعاد ماتت!!! ماتت من كانت تطعمني مربّى العنب، بعد أن تخبئه في تنورتها، حتى لا يراه أحد إلا أنا!!!
كنت أظنها غافية وهي تغمض عينيها الواسعتين!!!
لقد ماتت سعاد التي كانت تتسلق شجرة التوت، وتقطف أجمل ثمارها وتلقمني إياها واحدة تلو الأخرى وهي تضحك وتقول هيا أسرع امضغها بسرعة!!!
لا زلت أرى سعاد إلى الآن، وكأنها غافية فقط، إنها تغمض عينيها الواسعتين!!! سوف تستيقظ بعد حين وتكمل فرحتها وطفولتها!!!
سنذهب بسرعة نحو تلة الرمل الناعمة، بين شجر الأثل، نفترشها ونراقب صفحة السماء المضاءة بالنجوم، والغيمات البيضاء وهي تداعب القمر وتغازله!!!
نبني بيوت أحلامنا من الرمال ثم نهدمها، ثم نبنيها حتى يطلع الصبح!!!
لكنه الموت، الشيء الآخر، هذا الغريب الذي نجهله، وهو يعرفنا ... كيف يغير هذا البائس حياتنا دفعة واحدة؟؟!! ماذا باستطاعتنا أن نفعل معه؟؟!!
أيها الغريب، ماتت من قاسمتني شقاوة الطفولة وجمالها!!!هل مضت سعاد إلى حلم آخر تشتهيه؟؟!!! وتركتني وحيدا!!! أتمنى أن تفتحي عينيك الواسعتين مرة واحدة فقط؛ لأطمئن على حلمك!!!
أغمضت عيني فوجدت نفسي أركض في أزقة حارتي القديمة، أركض وراء سعاد، وهي تصيح، كانت المسافة بيننا قصيرة، أسرعت وغمست كفي في شعرها الأسود، وكأني أغمسها في قطعة من الليل الدافئ، فتعثرتْ وسقطتْ وهي تضحك وتضحك وأضحك معها، وهي تصيح كفى كفى… نعم كفى طنين في رأسي أيتها الذكريات، لقد أكلتي رأسي!!!
8- أخضر فوق الصنوبر!!!
ماذا يفعل بي الشوق؟؟!! هذا المجنون الذي لا يرحم!!!
هربت نحو البحر، صديقي القديم وقفت قابلته….
كان الوقت قبيل الشروق، والشمس ما زالت نائمة في أحضان السماء!!!
بدأت أتأمل هدير البحرالأزلي الذي لا يتوقف ولو للحظة!!!
بقيت مدّة طويلة صامتا أمام هذا الكائن العملاق المليء بالأسرار…
لم أكن قادرا على الكلام، كنت أتجرع أشواقي وأحزاني ،
وأنا أضع كفي على خاصرتي، وكأني أحاول أن أسدَّ ثقبا ينزف منها!!!
تمنيت من روحي أن ترحل عني الآن!!! كنت في وضعية انكسار واضح!!! فلم أعد أحتمل أيّ حزن!!!
أحاول أن أنسى خيباتي القاسية، وأذهب بروحي نحو عالم بعيد، في نقطة لا يراها أحد سواي!!! أعيد فيها ترتيب روحي وأشيائي!!!
بدأت خيوط الشمس تتكسر أمامي وتتموج مع زرقة البحر، وملامح وجه حزين تبدو لي، وجه قديسة حزينة!!!
كلما تشجعت ورفعت رأسي ونظرت نحوه تذكرت ما حدث فيزوغ بصري!!! غريب عنّي ما يحدث!!!
يا أنا ماذا حلّ بي؟؟!!
يا إلهي كيف يغيرنا الغضب؟؟!!! كيف يغرس أشواكه اللئيمة في قلوبنا؟؟!!!
أحاول أن أهرب من قبضة الغضب، أهرب نحو روحي وأحضنها، ثمّ أركض بها نحو ذلك الوجه الحزين، أمسح عنه كل حزنه، أنا ضعيف جدا أمام الحزن!!! أنا إنسان!!!
ذلك الوجه ينادي في عمق أشواقي!!! لم أشبع من ذلك القلب، لم أنم في عينيه الجسورتين ولو مرة واحدة !!!
صوت خافت آخر يناديني من داخلي:
لقد كبرنا سويا في أقسى الظروف!!! وكنّا نتجرع معا كل قسوة الدنيا وآلامها… لكنّا حافظنا على قلوبنا خضراء!!!
أليس في كل واحد منا شيئا جميلا له بريق خاص؟؟!!
علينا أن نبحث عن ذلك الإشعاع، لماذا لا نلتفت له؟؟!!!
اعذرني يا غضبي فأنا لا أستطيع أن أحتفظ بجروحي صامتة…
سأبسِّط عليك الأمور!!! فكل شيء لديّ انتهى، سأصفح وأنسى كل الألم… لا أستطيع أن أحتمل حزني وحزن من نحبهم، لست حقودا، أو أنانيا، سأحتفظ بقلبي الأخضر نقيّا، فهو أطهر ما أملك، ولن أكون أبدأ بطلا في الغضب!!!
إنك تفقدني براءتي، سأجعل قلبي ينتصر عليك أيها الغضب، سأنتصر عليك أيها الغضب، سأترك الفرح ليغمرني!!!
9- حُضن الروح!!!
ليس كأي يوم، لقد كان يوما قاسيا!!! أصابني تعب غريب…
قلبي يعذبني!!! يأخذني إلى آخر الجنون، إلى أول الجحيم!!! قلبي ثقيل يكاد أن يغرقني ويقتلني!!!
لم يكن أحد قادرا على قراءة جراحي سواي أنا!!!
ماذا يمكن أن أفعل؟؟!!
قرَّرت ان أتجول في شوارع المدينة ليلا…. الليل يمنحني فرصة التأمل ورؤية النجوم!!! الليل ونيس الوحيدين!!!
أريد أن أفرغ كل آلامي التي اختبأت في صدري ورأسي!!! وجدت نفسي أحوم في الشوارع، كان الوقت ليلا في أعمق الليل، وقد لفعني سواد الليل والغربة!!!
أبحث عن شراع يقلني قبل أن ينهار كل شيء في داخلي!!!
أريد أن أكون طفلا صغيرا بريئا لا يعرف شيئا، وكأني أكتشف العالم من جديد!!!
أريد أن أعود إلى عفويتي الأولى، لكن لماذا وكيف؟؟!!
تنطفئ أضواء المدينة لتعود وتخرج من عيناي!!! كيف يمكن أن أكتشف عمق الأشياء وعمق نفسي، بهذا القلب المريض، وهاتان العينان المنطفئتان؟؟!!!
أتأمل وأحدق في روحي، إنها ما زالت نائمة في فراشها الدافئ بلونها الوردي الجميل، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عميقة، غير مكترثة بما حولها من شقاوة وخيبة!!!
- هذه الحياة لا تستحق!!!
- لا تدقق في تفاصيل الأشياء...
- لا تدع الأيام تفوتك، إنها لا تنتظر أحدا!!!
- لاتحاصر نفسك في بقعة ضيقة وتقاتل!!!
استلقيت بجانب روحي، ووضعت رأسي الثقيل على ذراعها!!!
أسدلت الستارة... أنا حيٌّ وحرٌّ في أحضان روحي!!!
روحي تمنحني الألق والقوة، وتجعلني صامدا في عبِّ العاصفة!!!
لا يحاول أحد أن يوقظني!!!
ما زلت نائما إلى الآن، وسأبقى نائما إلى ما بعد الآن في أحضان روحي القوية!!!
10- وردة السياج!!!
يوما ما غرست وردة بين الأشواك عند سياج البلاد الممطرة البعيد؛ حتى لا تنهبها الوحوش، وبذلت لها إبريقا من دم وريدي اليانع، وربطها بقلبي كالحمامة، فبنت أعشاشها في خاصرتي ، وظلت ترفرف في صدري، جاءتني الهداهد و البلابل بالرسائل، لتخبرني بأن الوردة قد مضغتْ شريان القلب، ونثرته زبداً في الهواء!!!
11- أطفال الدهشة!!!
محمد الصغير، صار غزالا يرمح...
لقد خرج الأمير الصغير مع أقرانه الذين يشبهون الهواء المبلل بالندى، وهبطوا في حلمهم الصغير…
كانوا أطفالا أبرياء، وكان ينبغي أن يأخذوا معهم ألعابا كثيرة، لكنهم آثروا أن يكتفوا بالضحك!!!
كانت العتمة شديدة الحلكة !!!!! لكنهم نسوا ذلك؛ لأن عيونهم البريئة ستضيء لهم ثغرة في تلك العتمة!!!
ثمة أطفال يلعبون على الشاطئ مع أسراب النوارس…
و يبنون أكواخ أحلامهم الرملية ويشعلوها بالحكايا...
لقد وعدتك يا صغيري، بسمكة صغيرة أخرجها من البحر لتلاعبكَ على الشاطئ، لكني تأخرت كثيراً!!!
لقد أتعبك فرط الفرح فاستسلمت للنوم، كان الوقت ثقيلاً
عليكَ، فأودعت حلمك البسيط مع الموج الخفيف لئلا يذهب عنك إلى مكان بعيد موحش!!!
كنتَ تضحك أيها الأمير، قبل أن تغفو… هل ممكن استعادة الوقت الذي عبر قبل قليل، واسترجاع رنين ضحكتك المفتونة بالفرح!!!
فجأة شهق الأمير الصغير وارتعد!!!
ما بك أيها الأمير الصغير؟؟!!!
لقد أردت أن أحلم فلم أعثر على مكان يتسع لحلمي البسيط!!!
لقد حطّت جوارح البوم متخفية بالضباب، واتخذت هيئة الانقضاض على الحلم الوردي!!!
ثم نثرت أزهارها السوداء...
عندما استيقظت أخذتك الدهشة؛ لأنك لم تعرف كيف تحصد سنابل الفرح!!!
ولم أكن أنا قادراً على الصراخ؛ لأن صوتي آثر أن يبقى مكتوماً في رأسي المتصدع، كم يحزنني أنني لم أستغث؛ لاعتقادي أن لا أحد يأبه لصراخ كهذا!!
أنت مستريحٌ هناك الآن ومطمئن أيها الأمير!!! حيث لا بوم لئيم يغافلك من بين شقوق الموت، ولا أقدارمفجعة، توهمك بأنك بريء كما كنت تظن!!!
لكنّ أمك ما زالت تبحث بين الحطام عن أثرلك زائغ من بين عينيها، وفي حضنها اللعبة التي وعدتك بها!!! كما وعدتك أن تبلل قميصك برحيق الفرح، إنها تبحث عن نجمةً واحدة تُرشدها إلى أول الغيث، لكنها لم تعثر إلاّ على مرآة الدم!!
في عمق عينيهاَ المغلفة بالحزن ترى العالم الجائر صامتا في تعاسة!!! ربما بمقدور الكلمات أن تظللها بالرأفة !!! وربما بمقدور أحد أن يرتب المناديل التي تكفكف بها الدموع والجروح؟؟! لكن ليس بمقدور أحد في هذا الكون أن يفتح لها نافذة تطل منها على ابنها الفقيد!!!
فهل ينطفئ الدم بالدمع ؟؟!!
بقلم:محمود حسونة (أبو فيصل )
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف