الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ذكرى رحيل آبو محمود الصباح / من حلم التحرير إلى كابوس الفشل والهزائم

تاريخ النشر : 2019-04-19
ذكرى رحيل آبو محمود الصباح / من حلم التحرير إلى كابوس الفشل والهزائم
ذكرى رحيل آبو محمود الصباح / من حلم التحرير إلى كابوس الفشل والهزائم ...
بقلم مروان صباح

 تلقت المنطقة العربية ما بين الهزيمة الكاملة عام 1967م ونصف الانتصار عام 1973م تمرينات تمهيدية على ما ستشهده من أعراف واعترافات لاحقاً وبالفعل بعد عام 1974م شهد الصراع الاسرائيلي الفلسطيني تغيرات جذرية وانقسمت قيادة م ت ف وقيادة حركة فتح إلى ثلاثة أقسام ، فئة تبنت السلام الشامل وأخرى رأت بالتسوية حل مؤقت ممكن ، أما راديكاليين اصروا على الصدام الوجودي ، لكن هذا الانقسام حسب المعطيات السياسيّة لم يأتي مصادفة بل شهدت حركة فتح التى كانت لفترة تقود المشروع العربي الاسلامي الفلسطيني من أجل تحرير أرض فلسطين متغيرات سلوكية على أرض الواقع وبالتالي كان السلوك الدخيل مؤشر للقادم والذي نقلها من دائرة النضال المقدس كما كانت تحتفظ بصورتها لدى الجماهير العربية وعلى الأخص اللبناني إلى دائرة الاتهام والتشكيك بالنوايا ثم تطورت المسألة إلى درجة أنها فرضت الهيمنة ومارست الممارسات الخاطئة الذي دفع على سبيل المثال مارونية لبنان إلى عقد تفاهمات مع النظام الاسد الاب من أجل انهاء الوجود المسلح الفلسطيني وإعادة الدولة التى بدورها تحمي مسيحيو لبنان من مسلميه لكن عدم المعرفة بالبنيويات السياسية ونشأت الأفراد جعلهم في ورطة أكبر ، بالفعل نادى الرئيس اللبناني سليمان فرنجية من قصر بعبدا بوقف الحرب الأهلية اولاً والكف هيمنة القرار والنفوذ الفلسطيني على البلد وطالب ثانياً النظام الاسد بالدخول للاراضي اللبنانية من أجل إنجاز المهمة ، لم تكن تصريحات فرنجية جعجعة بلا طحين بدأت في نيسان من عام 1976 تتدفق قوات جيش الأسد والقوى الانعزالية من الكتائب والاحرار وحراس الأرز كما كانت الحركة الوطنية تطلق عليهم ، بإتجاه مناطق القوى المشتركة الفلسطينية واللبنانية وفتحت معارك دامية في كل من بيروت وجبل لبنان .

ليس هنا المقام الملائم لكي نقدم قراءة نقدية للأسباب التى سنمرّ عليها مروراً ، لكن سنتوقف عند مختصرها المفيد ، لقد أسفرت نهاية الثورة في الأردن وانتقالها إلى سوريا ولبنان تفريخ تحالفي بين قيادات حركة فتح ، تحالف ياسر عرفات مع نمر صالح ابو صالح داخل اللجنة المركزية وقيادة قوات العاصمة وعليه انقسم لبنان إلى ثلاثة قوى عسكرية ، التنظيم والقوات المسلحة والعمل داخل الاراضي المحتلة ، في بيروت كلّف ابو داوود عودة بالتنظيم وابو الوليد صايل برئاسة غرفة العمليات وايضاً قوات المسلحة ببيروت في الجنوب كلّف ابومحمود الصباح بالتنظيم وابو موسى مراغة بالقوات المسلحة أما في الجبل كلّف ابو ماجد بالقوات المسلحة وانحصر العمل في الاراضي المحتلة ضمن دائرة ابوجهاد الوزير وفي غضون فترة قصيرة استطاع ابو صالح بشخصيته الاستقطابية بناء علاقات متينة مع كافة اعضاء الحركة الوطنية اللبنانية وشكل داخل حركة فتح قوى سُميت لاحقاً باليسار الفتحاوي وبالتّالي كان هو الشخص الذي قاد تيار الاصلاحي بل تحول لفترة طويلة بالخط الاقوى في الميدان وايضاً بالتوجهاته الفكرية التى انعكست على شريحة واسعة داخل الحركة ومن هنا ومع شكاوي اللبنانيين من ممارسات بعض اعضاء الحركة بدأ يظهر تصدع بين تحالف ابوعمار وأبو صالح وتوسعت تشققاته خصوصاً بعد ما تبين نوايا ابوعمار بالالتحاق بالمشروع الساداتي بل القسمة ظهرت تحديداً بعد اعتماد المجلس الوطني للنقاط العشرة وبالتالي أسس مشروع النقاط إلى افتراق قادم لا محالة ، كانت هناك قناعة عميقة لدى ماجد ابو شرار وقد أسهب الرجل بشرح الأسباب الحقيقية قبل دخول قوات الاسد إلى لبنان وحصرها في نقطتين الأولى ، انهاء التشكيلات العسكرية التى تنادي بتحرير فلسطين والسيطرة على الأغلبية السنية في لبنان بل هنا ايضاً تظهر عمقية الرجل التكوينية عندما شخص بالتحديد سبب دخولها ، وأحال التدخل الأسدي إلى وظيفة تكليفية معينة تقتصر على تشكيل مناخ يستطيع تصدى لمحور الرافض كلياً للتسوية وتفكيكه أو السلام المبني على الاعتراف الكاذب والاعتراف الذي سيؤدي إلى التنازل ، بالفعل لقد استطاعت قوات الاسد دخول بيروت بعد معارك عنيفة لكنها في النهاية انجزت مهمتها ، أما في جبل لبنان على الأخص في منطقة بحمدون شهدت انكسار وتلقت درس كَبِير .

لجنوب لبنان خصوصية ، تعتبر مدينة صيدا عاصمة الجنوب وخصوصيته تكمن بإلتزام أهله وعموم الجنوب بتعاليم الدين كسلوك فاعل بين الناس ، تعودت الناس على خلو المدينة من الملاهي الليلية أو بيع الخمر أو بيوت الدعارة أو نوادي الميسر كما هو الأمر في بيروت بل الترابط العائلي وشبكة التجارة والسياسة جعلها عصيةُ على تمادي الاطراف المسلحة وكان العمل في مثل هكذا حقل ليس سهلاً وبالتالي ليس لأي شخص عادي يستطيع استقطاب شبابه ورموزه التاريخين وبالمناسبة كان تنظيم حركة فتح في الجنوب ينتسب اليه اعداد كبير من شباب الشيعة الذين قاتلوا في أغلب المعارك وحسب ما علمت مؤخرًا الأغلبية التحقوا بالحزب ، ويعود بالحقيقة الفضل لابومحمود لما حمل مِنْ تواضع وأرسى سلوك أخلاقي تحول مع الأيام إلى منظومة أخلاقية فأصبح حالة وحدوية تحسب لها حساب بين القوى المتعددة وعليه بنى علاقات عميقة بينه وبين القوى الوطنية والجمعيات الخيرية التى لها شهرة تاريخية وايضاً مع الشرائح الطلابية وشكل من خلال التنظيم حماية لميناء صيدا وتجار المدينة من أي تجاوزات ووضع أسس العلاقة بين مسؤولين المخيمات والمدينة ، لكن جهد اليالي لم يكن ظاهر للآخرين ، بل تجلى عندما حاول الجيش الاسد دخول صيدا ، بالفعل تمركزت قواته لأيام بمنطقة جزين التى تسكُانها الأغلبية الماورنية ويُسيطر عليها حزب الكتائب ، كانت غرفة العمليات المشتركة بين قوات ابو موسى ومقاتلين ابو محمود قد اتخذت قرار بترك قوات الاسد تدخل المدينة دون أي مقاومة وبالفعل وصلت إلى مدرسة الرهبات وساحة النجمة الشهيرة واجتزأت من قواتها وأرسلتها باتجاه سراية صيدا وفي تلك اللحظة خرجوا مقاتلين تنظيم حركة فتح من مخابأهم مع المقاومة الوطنية اللبنانية بشكل مباغت وباغتوا القوات الدخيلة وبالتالي منيت قوات الاسد وحزب الكتائب هزيمة كبرى بلعدد والعتاد واضطرت بالانسحاب بشكل ذليل ومهين بعد ساعة واحدة من حرب الشوارع الذي دفع المدفعية السورية بلبدء من موقع كوع الخروبي في منطقة الهلالية بقصف وسط المدينة والذي سهل وأتاح لقوات الاسد بالانسحاب إلى جزين مرة اخرى وبالتالي نقلوا مقاتلين حركة فتح مواقعهم من صيدا إلى ضهر الرملة فوق قرية روم كانت تسمى سابقاً كفر فالوس إلى أن وصلوا المقاتلين إلى جبال صنين وهذه المعركة بتحديد شارك فيها مهاجر الذي استشهد لاحقاً في الاجتياح ، صعدوا مقاتلين التنظيم إلى تخوم المناطق التى يتمركز الجيش الاسد فيها واشتدى القتال وباتت الحرب أشبه بالمفتوحة ، دارت المعارك شبر بشبر وبدأت مدينة صيدا والجنوب عامة بإرسال المقاتلين تباعاً وتوقفت المدارس وتحولت إلى مطابخ لإعداد وجبات المقاتلين وبدأوا طلاب من المرحلة الثانوية بالالتحاق بالمعارك ، في حينها كان ابو حسام خطاب المفوض السياسي للقوات ومن بين فريق التفويض كان عثمان ابوغريبة ، بعد خروج الثورة من الاْردن أتخذ ابو غربية من سوريا مستقر له وعمل في التفويض ، اثناء حرب الأهلية طلب منه خطاب بالتوجه إلى الجنوب لكي يحاضر بالقوات ، بالفعل حضر عثمان إلى بيروت وفي اليوم التالي توجه من خلال سرفيسات بيروت إلى صيدا بترتيب مسبق مع ابو محمود وكان طريق الجنوب أيامها ليس بالآمن على الأخص عند منطقة الدامور ، واعتادت الناس على نشر حزب الكتائب قواته على الطريق وإقامة حواجز تُسمى ( حاجز طيار ) وبالتالي تقوم من خلالها باعتقال عابرين الطريق حسب الهويات ، وهذا حصل مع عثمان تماماً ، اعتقلته الكتائب اثناء توجه إلى صيدا لكن عندما طالبهُ بتعريف شخصي قدم جوازه السفر الأردني وتظاهر بأنه تاجر أردني وسبب وجوده في لبنان هو إبرام اتفاق مع تاجر صيداوي لكي يصدر له بضاعة ، في البداية قوات الكتائب لم تصدق روايته لكن وبعد ابلاغ خطاب ابوعمار عن اختفاء ابو غربية وربما تم اختطافه أرسل تلكس ياسر عرفات إلى ابو محمود يقول فيه ( الشخصية التى من المفترض تصل إليكم اختطفت كما بيدو بالطريق ، يرجى عمل اللازم ) في البداية نشر آبو محمود المقاتلين من نهر الأولي إلى ما قبل حدود الدامور وبدأوا المقاتلين بعمليات تمشيط خوف أن يكون قد قُتل وألقي على جانبي الطريق وبعد عمليات استخبارية تبين بأن الكتائب قامت بعمليات اعتقال واسعة في الطريق واستقر الرأي على أنه في أيدي الكتائب ، في وقتها كان المكتب الثاني في الجيش اللبناني يقوده انطون سعد الذي اشتهر بمقولته كلما اجتمع اثنين لا بد أن تكون المخابرات ثالثهم وبالفعل بين هؤلاء كان يوجد تاجر جنوني يعمل دبل ايجنت بين المكتب الثاني وابومحمود ، استدعاه وكلفه في البداية بالاستفسار إذا كان عثمان بحوذتهم واقترح التاجر إذ تبين أنه محتجز لديهم لا بد أن نجمع من داخل الحجز معلومات قبل أي خطوة لكي لا يحصل تضارب بين المعلومات التى قدّمها والتى سنقدمها ، تماماً استطاع إنجاز ذلك ومن ثم دخل وطالب المسؤول باخلاء سبيله كونه مجرد تاجر أردني وعلاقته تنحصر مع ابناء البزري في صيدا ، في البداية الكتائبي طالب مقابل إطلاقه مبلغ من المال ومن ثم بعد الخذ الهات أمره بالعودة بعد ساعتين بالفعل بعد ساعتين كان عثمان على مشارف نهر الأولي ، مدخل الجنوب قبل عودة الوسيط لموقع الكتائب .

مرت الحادثة وعاد ابوغربية إلى دمشق لكن الواقعة ظلت تشغل ابو محمود وراودته فكرة انهاء وجود الكتائب في الدامور ، أثنائها عقد اتفاق مع ابو موسى ببقائه الأخير في غرفة عمليات صيدا على أن يتوجه الاول إلى الدامور لتأسيس غرفة عمليات اخرى وبالفعل اصطحب مجموعة من المقاتلين وأرسل إلى بعض من كانوا مشتبكين بالقتال بجهة جزين ، كان من بينهما احمد جرادي الذي يُعتبر يده اليُمنى وبدأوا المقاتلون بالتحرك إلى الدامور ، لم تكن المعركة سهلة بل مقاتلين الكتائب دافعوا بشكل مُلفت وبروح قتالية عالية لكن في النهاية اضطروا إلى الانسحاب وتمكنت الثورة الفلسطينية السيطرة على الجية والسعديات والدامور وأمنت طريق بيروت الجنوب ، بالطبع بعد اتفاق الجامعة العربية ودخول قوات الاسد تحت مظلّة قوات الردع ب 30 الف جندي بدأت تظهر تغيرات جذرية وبفضلها إنتقلت الحركة من تنظيم يجتمع فيه مقاتلين ومناضلين إلى مؤسسات أمنية وعسكرية تشبه مؤسسات الدول وهنا بات الصراع الاستقطابي بين الأجهزة الأمنية على مقاتلين الجنوب من أجل خلق قوى تابعة لهم وبدأت نخبة التنظيم بالهجرة إلى الخارج هروباً من محاولة انشاء دولة داخل الدولة ، بالفعل احدثت الأجهزة الأمنية اختراقات في مخيّمات الجنوب لكن الحال ظل متماسك نوعاً ما وكما تغير حال الحركة ايضاً الجيش الإسرائيل غير اساليبه القتالية بعد نجاح علمية فردان في بيروت حاول تطبيقها في صيدا لكن كان الأمر في صيدا مختلف على الإطلاق ، طبعاً، تسارعُ وكثافة الاشتباكات دفع مقاتلين التنظيم بالبحث عن افضلية التسلّح وعلى أغلب كان ينفق عليه من المال الخاص ، وفي يوم من الايام جاء احمد جرادي وقال لابومحمود بأن تاجر السلاح المعتمد استقدم بندقية مقنبلة أمريكية الصنع لا يوجد منها في الشرق الأوسط وأكمل بأن مثل هذه البنادق تساعد بصد الانزالات الأسرائيلية بالفعل اشتريت البندقية وكانت أيامها تقدر ثمنها بنصف شقة سكنية ، لم تمر ايّام حتى انزل الجيش الإسرائيلي قوات خاصة من البحر إلى مدينة صيدا ، كان التنظيم قد قرار مسبقاً نشر مجموعات ليلية على مداخل المدينة واخرين كاستطلاعين على امتداد البحر ، أرسلت إشارة من البحر بدخول الهدف إلى المدينة وبالفعل وصلت القوات الخاصة إلى تخوم المدينة ، أثناءها كان الشهيد جهاد ياسين متمركز مع مجموعته قرب جامع البحر ، جهاد ذاع صيته اثناء معارك الجيش الاسد عندما دخلت قوات السورية ساحة النجمة تقدم جهاد حامل الآر بي جي واستهدف إحدى الدبابات فأصاب مدفعها الأمامي بإصابة دقيقة ، الذي جعله يطير في الهواء ثم يستقر فوق بناية السايس وبالتالي تحولت من مسماها القديم لتصبح بعد الحادثة تسمى ببرج الدبابة ، وأثناء وصول قوات الخاصة الاسرائيلية ليلاً تقدم جهاد وفتح النار على الإسرائليين بشكل مباشر دون تغطية ، الَّذِي مكنهم من إصابته إصابة بليغة لكن الرجل رغم إصابته استمر بإطلاق النار عليهم حتى جاءت تعزيزات من مختلف المحاور وعلى رأسها البندقية إياها التى أجبرتهم على الانسحاب وسحب خسائرهم بعد استيعانتهم بقصف كثيفة من البارجة البحرية ، نُقل في البداية جهاد إلى مستشفى غسان حمود ومن ثم نقله ابو صالح إلى مستشفى الجامعة الامريكي في بيروت لكن بعد 17 يوماً فارق الحياة ، مازالت ذاكرتي تحتفظ مشهد نادر تجلى أثناء تشيع جنازته كانوا المشيعين يبكون جهاد كما تبكي النساء .

المدهش هنا ، بعد انتصار صيدا ذاع صيت ابو موسى وابو محمود ، وبدأ الاهتمام بصيدا والجنوب بشكل مُلفت ووضعت تحت العين ، وكما جرت العادة ، كان في كل عام يُقام احتفال تقيمه القوى الوطنية اللبنانية في النبطية ، وبصفة ابو محمود كأمين سر فصائل المنظمة في الجنوب ومسؤول التنظيم كان لديه كَلِمَة سنوية ، بالاتفاق مع منظمو الاحتفال اكتفى بإلقاء كلمة الفصائل على أن يتم دعودة ابو جهاد الوزير لإلقاء كلمة حركة فتح وبالفعل ألقى ابوجهاد يومها كلمة الحركة وهو يستعد مغادرة الموقع لفت نظره البندقية فتساءل عن المدفع الذي يحمله احد مرافقين ابو محمود ، كان يقصد البندقية المقنبلة ، تبسم ابو محمود وقال له هذه البندقية صنعها الأمريكان منذ أكثر من عشرين عام ونحن نريد اسقاط الإمبرالية فقام الرجل بتفقدها وابدى اعجابه بها ثم توجه إلى بيروت وفي طريقه عرج على منطقة الدامور بهدف زيارة القوات فإلتقى بأبو موسى وجهاً لوجه ، من طبيعة ابو جهاد أنه شخص ودود وصاحب ابتسامة دائمة ورجل استقطابي وامتصاصي معاً بالطبع بعكس طبيعة ابو موسى حاد الطباع ، مجرد أن التقوا الرجلين أمسك ابو موسى بأنف ابو جهاد وقال له ، المنطقة لا تحتمل قائدين عليك المغادرة ، امتص ابوجهاد فعل ابوموسى وأخذه في سياق المزاح الثقيل لكن سرعان ما غادر الي بيروت وتوجه ابو موسى الي صيدا قاصد منزل ابو محمود ، طبعاً صرح ابوموسى عن الحادثة واسرد تفاصيلها الذي اغضب ابو محمود لدرجة لم أشاهده من قبل بهذه الحدية والعنفوان مع احد كما كان مع ابو موسى وقال كلمته التى تستحضرها ذاكرتي مع كتابة هذا المقال ، لقد جيت برجل من القلة في هذه الحركة يعمل بصمت ، بعد اغتيال ابوجهاد بشكل اتوماتكي حضرت الواقعة إياها وذكرته بمقولته تلك وسألته ماذا كان يعني ، فقال لي ، عندما كنّا نعد العدة والعتاد من أجل مقاتلة الإسرائيلين على اراضينا كان ابو جهاد يرسل المجموعات لمقاتلتهم في ساحاتهم ، الرجل كان سابق الجميع بخطوات ، وعلى توتر الموقف وشعوره بتباعاته قام ابو محمود بالاتصال بابوصالح وطالبه بالحضور إلى صيدا بالفعل جاء الرجل وبصحبته ماجد ابو شرار ، ساد الصمت بعد سرد ابو موسى الموقف وبدأ ابو صالح يحرق سيجارة بسيجارة دون أن يستخدم شعلة السجائر أما ماجد وضع رجل على الاخر وبدأ يضحك ويحرك برأسه يميناً وشمالاً ويردد ، الله عليك يا ابوموسى ومن ثم قال ماجد باستبصاره العميق ، فلتتهيؤ انت ابو محمود لقرار ابوعمار بإقالتكم ، حينها كان ابو موسى متكأ بذقنه على عصاته ويستمع لآراء الجالسين ثم رفع رأسه ونظر بماجد وقال والله إذا بيفعلها بعتقله ، ضحك الجميع ، فعلاً ايّام قليلة تم اطلاق النار على ابو موسى بهدف اغتياله لكن الرجل بعسكريته المعروفة استطاع تخويف مطلق النار عليه الذي جعله أن يصيبه بقدميه الاثنتين فقط ، يبدو من التوتر فقد التركيز ، بالطبع نُقل بعد معالجته في بيروت إلى بلغاريا وتم اقالته من الجنوب وبدأت المفاوضات لإقالة ابو محمود من الجنوب ، في البداية اخذت اللجنة المركزية نهج تقسيم الجنوب إلى أكثر من موقع لكن القوى الجنوبية والمخيمات رفضت التعامل مع المستجدات ومن ثم تدخل ابو اللطف من أجل إقناعه بالسفر كسفير إلى إيطاليا ، لكنه تساءل ، هل كان هدفنا من ترك الخليج العربي ، هو الحصول على وظيفة ، واضاف قائلاً ، لقد تركت الخليج وايضاً حركة القومين العرب لأن حركة فتح اعتمدت القتال نهجاً ، أما الأمر الأخر ، موقع السفير لا يتطلب إلى درجة عليا ، أقصى درجة تحتاجها هي رئيس شعبة بل تعودنا في الحركة إرسال السفراء كنوع من تعبئة الأماكن أو لمن ليس لديه عمل أما أنا فدرجتي مدير عام وأدير دائرة العمل والتنظيم الشعبي في المنظمة بالاضافة لموقع الجنوب ، كانوا المدراء العامين في كل المنظمة حينها فقط ثلاثة أشخاص .

بفترة قصيرة أجبر على تسليم موقعه إلى نائبه فؤاد عوّاد ، ثم اقدمت اللجنة المركزية بتجميد ماجد ابو شرار وقطعوا راتبه ويعين ابو موسى نائب لأبو الوليد في غرفة العمليات المركزية لكن دون مهام ، جاء التعين بعد الاستقبال الحاشد الذي حشدته الحركة في مطار بيروت اثناء عودته من العلاج وجمدّ لاحقاً ابو صالح لمدة ستة أشهر بطلب مباشر من الاسد الأب وفتحت اللجنة الأمنية الخاضعة لأبوعمار تحقيقاً شاملاً بهدف البحث عن ترتيبات لانشقاق داخل الحركة والسيطرة عليها وإقالة ابو عمار ، لكن اللجنة أصدرت تقريرها بوجود تذمر لا يصل إلى الانقلاب بل الحكاية وما فيها ، مجرد اعتراضات على السلوك الأجهزة الأمنية ومحاولة مأسسة الثورة على حساب التنظيم ، بالفعل تغيرَّ الحال في الجنوب وبدأت الناس تتذمر من سلوك الأجهزة الأمنية وانتشرت الخاوت حتى اصطدم جهاز ابو اياد الأمن الموحد مع أفراد التنظيم الناصري ، طبيعة الصيداوي تختلف عن المناطق الاخرى ، فالصيدواي بتكوينه محافظ وايضاً حاد بتصرفاته بعض الشيء ، يعني لا يمكن أن يُمرر أي تجاوز يحصل بحقهم وهذا جعل الناصريين أن يُطبقوا حصاراً على جماعة الأمن الموحد في المدينة القديمة وأصروا بعدم إطلاقهم ، بالطبع تدخل ابوعمار وهاتف مصطفى سعد رئيس التنظيم الناصري التى اغتالته اسرائيل بعد الاجتياح الشهير وهو ايضاً ابن الشهيد معروف سعد ، وطالبه بفك الحصار عنهم ، لكن مصطفى سعد وللتاريخ رفض التعامل مع أي شخصية فلسطينية بإستثناء ابو محمود الصباح الذي جعل ياسر عرفات مضطراً هذه المرة بتكليفه وإعادته كمشرف عام على الجنوب لكن كان الوقت قد مضى وإسرائيل أنهت جهوزيتها لاجتياح لبنان والجنوب كان يعيش حالة من الفوضى التنظيمية وأصابه الترهل .

في الحقيقة هي قصص تفوح منها بقوة روائح الاختلاف والتصادم والانزلاقات التى أوصلت الثورة إلى حال الفساد والإفساد والتسويات والمحاباة والمزاجية والإخفاق السياسي والعسكري وبدورهم حولوا الحلم إلى كابوس وبدأ يقضي مضجع كل حالم منذ الهزيمة الكبرى التى تلقتها الثورة في اجتياح لبنان 1982م وليس انتهاء بسلسلة هزائم أخرى داخل الاراضي المحتلة حتى وصل الوضع إلى القسمة النسيجية للمجتمع الواحد ولعل من الخير الذي يمكن للمرء أن يكتسب الخبرة منها ، أي القصص التى أوردتها ، هما موقفين بدورهما كفيلين اختصار القصة كلها، لقد استوقفتني نهاية كل من ابو موسى وابو جهاد وأيقنت بأن الحرية والاستقلال والوعى يأمنون لك نهاية حرة أو ميتة كريمة كما حصل مع ابوجهاد ، أما خلاصة الخلاصات جاءت من جانب ابو محمود ، تقول بوضوح لا لَبْس به ، عندما تدخل معركة أحرص على أن لا تخرج منها حي حتى لو كنت منتصر لأن هناك هزيمة كبرى بانتظارك في الخارج ، أدواتها بعض القوادين والمومسات والخونة والمخبرين والمرتزقة جميعهم تواروا تحت مسميات مختلفة حتى لو علت كعابهم أو تم تضخيمهم ، فكيف إذا كان حال الخارجين مهزومين . والسلام
كاتب عربي
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف