جيف بيزوس .. ومواجهة الابتزاز
أكرم أبو جامع
أخيرا صدر التصريح المنتظر من مسؤول لجنة التحقيق جافين ديببيكر Gavin de Becker أن الحكومة السعودية هي من كان وراء اختراق جهاز المحمول الشخصي الخاص بمسؤول أمازون Amazon جيف بيزوس Jeff Bezos .
بين اعتبارية بيزوس ودلالات الحدث
يُعرف السيد بيزوس بأنه مالك ومؤسس أمازون Amazon الشركة التي بدأ حياته معها كبائع للكتب عبر الإنترنت العام 1994، ليمضي به الزمن ليشتري ويمتلك صحيفة الواشنطن بوست Washington post عام 2013، وهو الآن بمثابة الرجل الأغنى في العالم حيث تقدر ثروته بما يعادل 160 مليار دولار، وهي الثروة التي تتقزم أمامها ثروات الآخرين وفي مقدمتهم ترامب.
كان واضحا على مدار الثلاث سنوات الأخيرة أن حياة كانت بيزوس الشخصية عرضة للكثير من التدقيق والمتابعة غير المرحب بهما، بل واصطياد أي عثرات أو زلات للرجل، الظاهرة التي طغى عليها الطابع الترامبي الذي تبلور بوضوح في الهجوم المستمر من ترامب على بيزوس وتحديدا عبر توتير، وبلغت حد الادعاء زيفًا أن موقع أمازون يتهرب من الضرائب، بالإضافة إلى الاتجار في "الأخبار المزيفة"، في المقابل نجد هدوء بيزوس الذي حافظ على هدوئه وحرص على أن لا يبلع الطعم، 6ما أثار غضب وحفيظة الرئيس أكثر.
Donald Trump
في 9 كانون الثاني. استخدم بيزوس تويتر للإعلان عن طلاقه من الروائية ماكنزي بيزوس بعد زواج دام 25 عامًا، ماكنزي التي حصلت مؤخرًا على تسوية طلاق هي الأكبر في التاريخ، والتي جعلت منها رابع أغنى امرأة في العالم بعد تملكها: رُبع حصة بيزوس من أسهم أمازون، أي ما يُعادل 35 مليار دولار أمريكي.
في اليوم التالي، كشفت صحيفة (National Enquirer) الصفراء وهي من الصحف الأمريكية التي تعتمد في رواجها على فضائح وأخبار المشاهير، وتعود ملكيتها لديفيد بيكرPecker ، الصديق القديم ذو العلاقة المميزة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب..عن علاقة لبيزوس خارج نطاق الزواج وذلك مع مقدمة البرامج التلفزيونية لورين سانشيز ذات 49 عامًا. لتبدأ مرحلة جديدة من الضغوط بلغت أوجها حينما تفحص فيها الرجل بريده الإلكتروني ليجد ما لم بكن يتوقعه .. رسالة تحذير بطابع الابتزاز تتضمن التهديد بنشر تسع صور حميمة بتفاصيل فاضحة شملت ما "تحت الحزام". والمطلوب دفع بيزوس إلى التأثير وتغيير موقفه حول سياسة "الواشنطن بوستWashington post تحديدا فيما يتعلق بتحليلات الصحيفة ونهجها حول علاقة ترامب بالمملكة العربية السعودية.
من كان وراء البريد الإلكتروني وما الدافع للابتزاز؟
قد كانت سقطة المبتز التي لم يتداركها أن عنوانه الالكتروني كان مُعرفا وتبين دون عناء أنه يعود ل"ديلان هوارد" الموظف بصحيفةNational Enquirer ، من هنا بدأت الترجيحات لدى بيزوس حول الأشخاص الحقيقيين الذين قد يكونوا المتورطين في بريد الابتزاز وبطبيعة الحال يتقدمهم بيكر.
Gavin de Becker
لقد أدرك بيزوس أنه أمام مشهد حاسم يصعب الوقوف عنده كثيرا، خصوصا أنه يشتم رائحتي كل من بيكر ودونالد ترامب تفوحان بالمكان، وما دفع باتجاه هذا التخمين هو العلاقة المتأزمة والمنافسة التاريخية الشديدة بين كل من ترامب (72 عامًا) من جهة وبيزوس (55 عامًا) من جهة ثانية.
هنا أردف بيزوس في مدونته قائلا أن السبب الرئيس في جعله هدفا لبيكر، هو مضمون ما تنشره صحيفة الواشنطن بوست حول مقتل كاتبها جمال خاشقجي، والنقد اللاذع الذي وُجه لترامب بسبب علاقته المريحة مع الحكومة السعودية وفشله في المطالبة بإجابات عن ظروف وفاة خاشقجي.
في واقع الأمر ومع افتراض أنه لا يوجد رئيس أمريكي سابق قد وافق على التعليق عما حدث حول تسريبات الفضيحة، إلا أن ترامب لم يستطع تمالك أو إخفاء إحساسه المندفع والموسوم بالغباء .. آسف للغاية لسماع الأخبار التي تحدثت عن جيف بيزوس .. ألخ". لتتدحرج التحليلات ذات الصلة في الساحة الإعلامية للدرجة التي انتشرت فيها الأقاويل والتكهنات بأن أقوى رجل في العالم قد قام بتسليح صحيفة شعبية صفراء لملاحقة أغنى أغنياء العالم.
التسليم للفضيحة أم المواجهة ..
على ما يبدو أن هذه الحكاية المعقدة وحب الفضول عند الكثير من جمهور المتابعين خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمعطيات التي استحوذت على خبر العصر والعناوين المتداولة بشكلها المهول في الصحافة الأمريكية: (غنى رجل بالعالم، تحريض ترامب، فريق المحققين الخاصين، الصور الغامضة، إدعاءات الابتزاز، مقال بيزوس)، كل هذه التقاطعات خلصت إلى نتيجة مفادها "أن الرجل الذي أعطى العالم كل شيء "The Everything Store" ها هو اليوم قد سلم كل شيء "The Everything” باختصار "إنها الفضيحة".
الرجل الأصلع الذي قد تُأثر ابتسامته على حركة الأسهم بالبورصة، والتي قد يخفضها حزنه أو حتى سعلة منه، جاء تحركه غير اعتياديا بل وغير متوقعا، بأن نشر بتاريخ 6 فبراير 2019 في مدونته بموقع Medium المحايد مقالا بعنوان No thank you Mr. pecker " لا شكرا سيد بيكر"، المقال الذي حصل وبشكل لافت على استحسان وانتشار واسع النطاق بين الجمهور في الولايات المتحدة.
وعطفا على مقال بيزوس يقول الصحفي المعروف كارل بيرنشتاين من CNN (صاحب سبق قضية ووترغيت)، أن بيزوس قد تصرف بشكل بطولي، من حيث إثباته أنه لم ولن يتم تخويفه أو أن يُسَلِم أويخضَع.
في ظل هيمنة الصحافة الأمريكية لتتبع الفضيحة، برز موقف بيزوس بأن لفت أنظار الجمهور من مترقبي ردة الفعل، في رسالة ضمنية "أنه من الأجدر بكم بدلا من الاهتمام بحياتي الخاصة، أن تصطفوا لرفض حالة الابتزاز التي أتعرض لها" بل إن بيزوس طالبهم بأن يولوا تركيزهم على الروابط ما بين ترامب وصحيفة National Enquirer، وهي العلاقة التي أمامها قد يجدوا أنفسهم على جادة الطريق المؤدية إلى عتبة الرئيس الأمريكي وحلفائه في المملكة العربية السعودية.
في ذات الصدد يقول بيزوس: "بالطبع أرفض ولا أرغب أن تُنشر صوري الشخصية، لكنني أيضًا لن أشارك في السماح بممارسة الابتزاز علي لغرض إنفاذ مصالح سياسية لدى البعض، وما يرتبط بها من حالة فساد، فالأفضل أن أقف وأواجه، وأرفض هذا الابتزاز"
يأتي الرد واضحا وحازما وغير متوقعا، ليكشف بيزوس وبكل ثقة عن تكليفه فريقًا من كبار المحققين الخاصين في الولايات المتحدة مسخرا لهم كل الإمكانات المادية غير المحدودة وبسخاء، لغرض الوصول وكشف واقعة الابتزاز والكيفية التي تم فيها اختراق جهازه والتطفل على رسائله النصية الخاصة وصوره.
جيف بيزوس أعطى درسًا مهما في كيفية الرد على الابتزاز
من المثير حقا هو ما تم كشفه حديثا أن تغطية صحيفة Enquirer التي كانت من خلال مراسليها الموكلة لهم مهمة تتبع تحركات كل من بيزوس Bezos وسانشيز Sanchez "جرت عبر خمس ولايات لمسافة 40.000 ميل" حيث شملت المتابعة حالات السفر سواءً بالطائرات الخاصة، سيارات ليموزين الفخمة، طائرات الهليكوبتر، رحلات المشي الرومانسية لمسافات طويلة، الإقامة بالفنادق، مواعيد العشاء الحميمة و "والأوقات الجيدة" في أعشاش الحب الخفية.
الحقيقة وحسب المحللين أن موقف بيزوس يعتبر محطة فاصلة بل مرجعا حديثا في مواجهة الابتزاز وتبعاته، وفي معرض تحليله لمقال بيزوس أفاد غال فولبيسيلي GIAN VOLPICELLI في مقالة منشورة بتاريخ 8 فبراير 2019 "أنه في الوقت الذي كان من الممكن أن تكون مادة الابتزاز تلك كقوة لعب يتم استخدامها على أعلى المستويات في وسائل الإعلام والسياسة الأمريكية المتعطشة لأي سقطة أو خطأ من أغنى شخصية بالعالم، والتي لا تحظى بالعلاقة الجيدة مع رئيس الولايات المتحدة، إلا أنه في المقابل يستحق رد بيزوس التصفيق بجدارة، فقد أظهر بيزوس الطريق التي ربما ستمنح الشجاعة والقوة للآخرين للرد على أولئك الذين اختاروا استخدام صورنا وحياتنا الخاصة وسقطاتنا ضدنا".
.. في حقيقة الأمر، قد لا يكون تصرف بيزوس خيارًا متاحاً للجميع.. فما دامت سقطات البشر مستمرة وغير متوافقة ستبقى أداةً قوية بيد البعض للتحكم في حياة البعض الآخر، ما يمنح الجرأة لشخص على ممارسة الضغط على شخص آخر.
وإذا ما طرحنا السؤال التالي: ما هي العبرة والفائدة التي قد نلتقطها من موقف بيزوس فيما يتعلق بكيفية الرد على تهديدات الابتزاز وقضايا الإحراج العام؟
هنا يجيب خبير القانون وأستاذ المحاماه ماكاليستر أوليفارريوس McAllister Olivarius صاحب مكتب محاماة McAllister في أن جيف بيزوس أعطى درسًا رئيسيًا في كيفية الرد على الابتزاز الذي قامت به تلك الصحيفة الصفراء والذي أطلق عليه بيزوس مصطلح “Extortion and Blackmail” ، وحسب ماكاليستر أنه من المهم على الضحية أن لا يستجيب أو أن يخضع للمتسللين الجشعين، أو المحتالين الماكرين، وألا لا يستسلم أبدًا لطلبات الابتزاز التي يتعرض لها حيث أنني أقترح وأرى والحديث لماكاليستر:
أن المبتز يسعى دوما إلى التأثير ويبني جرأته على افتراض أن الفرد الذي يتم ابتزازه سيعطي الأولوية لخصوصيته. أنه من الأفضل دائمًا "استدعاء ومواجهة الخداع" فعلى أي حال لن يقوم المبتز بنشر الصور، وهذا ما يحدث في كثير من الحالات، وبالتالي ستدفعه خيبة الأمل إلى البحث والانتقال إلى هدف آخر. يجب على الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز أن لا يخضعوا سياسيا أو ماليا (حتى الآن، لم يتصل بي أي أحد ليقول إن هذه النصيحة سيئة). أن الامتثال لطلب المُبتز قد يؤدي إلى طلبات متتالية ومتجددة يسعى من خلالها إلى الحصول على مزيد من المال أو مزيد من التنازلات في المواقف. في ظروف قد تعكس نفسية المبتز، وهي حالات نادرة الحدوث، أنه إذا كان هذا الشخص يكره شجاعتك، فسوف ينشر الصور أو المواد على أي حال." أخيرا أن الطريقة الوحيدة والسليمة للسيطرة على مواقف الابتزاز هي بمقاومتها. مؤخرا بات من الواضح أن المواقف تتأرجح لصالح بيزوس فوفقًا لمدونة بيزوس أن ديفيد بيكر، كان "ساذجًا" حينما أدرك أن الأمور تمضي في اتجاه معاكس لما تم التخطيط له ليقوم بخطأ أكثر غباءً بأن هدد بنشر المزيد من المواد في حالة ما لم يستبعد بيزوس محققيه.
تلى ذلك تغير درامي حينما، قدم فريق بيكر عرضًا: بأن تلتزم Enquirer بعدم نشر الصور إذا ما أصدر بيزوس ومحققوه بيانًا عامًا "يؤكد أنه ليس لدى بيكر وصحيفته أي معرفة أو علاقة بالأمر" .
ختاما يمكننا القول بأن بيزوس قد نجح في قلب الطاولة على مُبتزيه، بيزوس الذي أعلن وبأعلى صوته (أنه اذا كنت أنا أغنى رجل في العالم لم أتمكن من مواجهة هذا الموقف من الابتزاز، فبالكم يما يواجه الناس العاديين) .
أكرم أبو جامع
أخيرا صدر التصريح المنتظر من مسؤول لجنة التحقيق جافين ديببيكر Gavin de Becker أن الحكومة السعودية هي من كان وراء اختراق جهاز المحمول الشخصي الخاص بمسؤول أمازون Amazon جيف بيزوس Jeff Bezos .
بين اعتبارية بيزوس ودلالات الحدث
يُعرف السيد بيزوس بأنه مالك ومؤسس أمازون Amazon الشركة التي بدأ حياته معها كبائع للكتب عبر الإنترنت العام 1994، ليمضي به الزمن ليشتري ويمتلك صحيفة الواشنطن بوست Washington post عام 2013، وهو الآن بمثابة الرجل الأغنى في العالم حيث تقدر ثروته بما يعادل 160 مليار دولار، وهي الثروة التي تتقزم أمامها ثروات الآخرين وفي مقدمتهم ترامب.
كان واضحا على مدار الثلاث سنوات الأخيرة أن حياة كانت بيزوس الشخصية عرضة للكثير من التدقيق والمتابعة غير المرحب بهما، بل واصطياد أي عثرات أو زلات للرجل، الظاهرة التي طغى عليها الطابع الترامبي الذي تبلور بوضوح في الهجوم المستمر من ترامب على بيزوس وتحديدا عبر توتير، وبلغت حد الادعاء زيفًا أن موقع أمازون يتهرب من الضرائب، بالإضافة إلى الاتجار في "الأخبار المزيفة"، في المقابل نجد هدوء بيزوس الذي حافظ على هدوئه وحرص على أن لا يبلع الطعم، 6ما أثار غضب وحفيظة الرئيس أكثر.
Donald Trump
في 9 كانون الثاني. استخدم بيزوس تويتر للإعلان عن طلاقه من الروائية ماكنزي بيزوس بعد زواج دام 25 عامًا، ماكنزي التي حصلت مؤخرًا على تسوية طلاق هي الأكبر في التاريخ، والتي جعلت منها رابع أغنى امرأة في العالم بعد تملكها: رُبع حصة بيزوس من أسهم أمازون، أي ما يُعادل 35 مليار دولار أمريكي.
في اليوم التالي، كشفت صحيفة (National Enquirer) الصفراء وهي من الصحف الأمريكية التي تعتمد في رواجها على فضائح وأخبار المشاهير، وتعود ملكيتها لديفيد بيكرPecker ، الصديق القديم ذو العلاقة المميزة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب..عن علاقة لبيزوس خارج نطاق الزواج وذلك مع مقدمة البرامج التلفزيونية لورين سانشيز ذات 49 عامًا. لتبدأ مرحلة جديدة من الضغوط بلغت أوجها حينما تفحص فيها الرجل بريده الإلكتروني ليجد ما لم بكن يتوقعه .. رسالة تحذير بطابع الابتزاز تتضمن التهديد بنشر تسع صور حميمة بتفاصيل فاضحة شملت ما "تحت الحزام". والمطلوب دفع بيزوس إلى التأثير وتغيير موقفه حول سياسة "الواشنطن بوستWashington post تحديدا فيما يتعلق بتحليلات الصحيفة ونهجها حول علاقة ترامب بالمملكة العربية السعودية.
من كان وراء البريد الإلكتروني وما الدافع للابتزاز؟
قد كانت سقطة المبتز التي لم يتداركها أن عنوانه الالكتروني كان مُعرفا وتبين دون عناء أنه يعود ل"ديلان هوارد" الموظف بصحيفةNational Enquirer ، من هنا بدأت الترجيحات لدى بيزوس حول الأشخاص الحقيقيين الذين قد يكونوا المتورطين في بريد الابتزاز وبطبيعة الحال يتقدمهم بيكر.
Gavin de Becker
لقد أدرك بيزوس أنه أمام مشهد حاسم يصعب الوقوف عنده كثيرا، خصوصا أنه يشتم رائحتي كل من بيكر ودونالد ترامب تفوحان بالمكان، وما دفع باتجاه هذا التخمين هو العلاقة المتأزمة والمنافسة التاريخية الشديدة بين كل من ترامب (72 عامًا) من جهة وبيزوس (55 عامًا) من جهة ثانية.
هنا أردف بيزوس في مدونته قائلا أن السبب الرئيس في جعله هدفا لبيكر، هو مضمون ما تنشره صحيفة الواشنطن بوست حول مقتل كاتبها جمال خاشقجي، والنقد اللاذع الذي وُجه لترامب بسبب علاقته المريحة مع الحكومة السعودية وفشله في المطالبة بإجابات عن ظروف وفاة خاشقجي.
في واقع الأمر ومع افتراض أنه لا يوجد رئيس أمريكي سابق قد وافق على التعليق عما حدث حول تسريبات الفضيحة، إلا أن ترامب لم يستطع تمالك أو إخفاء إحساسه المندفع والموسوم بالغباء .. آسف للغاية لسماع الأخبار التي تحدثت عن جيف بيزوس .. ألخ". لتتدحرج التحليلات ذات الصلة في الساحة الإعلامية للدرجة التي انتشرت فيها الأقاويل والتكهنات بأن أقوى رجل في العالم قد قام بتسليح صحيفة شعبية صفراء لملاحقة أغنى أغنياء العالم.
التسليم للفضيحة أم المواجهة ..
على ما يبدو أن هذه الحكاية المعقدة وحب الفضول عند الكثير من جمهور المتابعين خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمعطيات التي استحوذت على خبر العصر والعناوين المتداولة بشكلها المهول في الصحافة الأمريكية: (غنى رجل بالعالم، تحريض ترامب، فريق المحققين الخاصين، الصور الغامضة، إدعاءات الابتزاز، مقال بيزوس)، كل هذه التقاطعات خلصت إلى نتيجة مفادها "أن الرجل الذي أعطى العالم كل شيء "The Everything Store" ها هو اليوم قد سلم كل شيء "The Everything” باختصار "إنها الفضيحة".
الرجل الأصلع الذي قد تُأثر ابتسامته على حركة الأسهم بالبورصة، والتي قد يخفضها حزنه أو حتى سعلة منه، جاء تحركه غير اعتياديا بل وغير متوقعا، بأن نشر بتاريخ 6 فبراير 2019 في مدونته بموقع Medium المحايد مقالا بعنوان No thank you Mr. pecker " لا شكرا سيد بيكر"، المقال الذي حصل وبشكل لافت على استحسان وانتشار واسع النطاق بين الجمهور في الولايات المتحدة.
وعطفا على مقال بيزوس يقول الصحفي المعروف كارل بيرنشتاين من CNN (صاحب سبق قضية ووترغيت)، أن بيزوس قد تصرف بشكل بطولي، من حيث إثباته أنه لم ولن يتم تخويفه أو أن يُسَلِم أويخضَع.
في ظل هيمنة الصحافة الأمريكية لتتبع الفضيحة، برز موقف بيزوس بأن لفت أنظار الجمهور من مترقبي ردة الفعل، في رسالة ضمنية "أنه من الأجدر بكم بدلا من الاهتمام بحياتي الخاصة، أن تصطفوا لرفض حالة الابتزاز التي أتعرض لها" بل إن بيزوس طالبهم بأن يولوا تركيزهم على الروابط ما بين ترامب وصحيفة National Enquirer، وهي العلاقة التي أمامها قد يجدوا أنفسهم على جادة الطريق المؤدية إلى عتبة الرئيس الأمريكي وحلفائه في المملكة العربية السعودية.
في ذات الصدد يقول بيزوس: "بالطبع أرفض ولا أرغب أن تُنشر صوري الشخصية، لكنني أيضًا لن أشارك في السماح بممارسة الابتزاز علي لغرض إنفاذ مصالح سياسية لدى البعض، وما يرتبط بها من حالة فساد، فالأفضل أن أقف وأواجه، وأرفض هذا الابتزاز"
يأتي الرد واضحا وحازما وغير متوقعا، ليكشف بيزوس وبكل ثقة عن تكليفه فريقًا من كبار المحققين الخاصين في الولايات المتحدة مسخرا لهم كل الإمكانات المادية غير المحدودة وبسخاء، لغرض الوصول وكشف واقعة الابتزاز والكيفية التي تم فيها اختراق جهازه والتطفل على رسائله النصية الخاصة وصوره.
جيف بيزوس أعطى درسًا مهما في كيفية الرد على الابتزاز
من المثير حقا هو ما تم كشفه حديثا أن تغطية صحيفة Enquirer التي كانت من خلال مراسليها الموكلة لهم مهمة تتبع تحركات كل من بيزوس Bezos وسانشيز Sanchez "جرت عبر خمس ولايات لمسافة 40.000 ميل" حيث شملت المتابعة حالات السفر سواءً بالطائرات الخاصة، سيارات ليموزين الفخمة، طائرات الهليكوبتر، رحلات المشي الرومانسية لمسافات طويلة، الإقامة بالفنادق، مواعيد العشاء الحميمة و "والأوقات الجيدة" في أعشاش الحب الخفية.
الحقيقة وحسب المحللين أن موقف بيزوس يعتبر محطة فاصلة بل مرجعا حديثا في مواجهة الابتزاز وتبعاته، وفي معرض تحليله لمقال بيزوس أفاد غال فولبيسيلي GIAN VOLPICELLI في مقالة منشورة بتاريخ 8 فبراير 2019 "أنه في الوقت الذي كان من الممكن أن تكون مادة الابتزاز تلك كقوة لعب يتم استخدامها على أعلى المستويات في وسائل الإعلام والسياسة الأمريكية المتعطشة لأي سقطة أو خطأ من أغنى شخصية بالعالم، والتي لا تحظى بالعلاقة الجيدة مع رئيس الولايات المتحدة، إلا أنه في المقابل يستحق رد بيزوس التصفيق بجدارة، فقد أظهر بيزوس الطريق التي ربما ستمنح الشجاعة والقوة للآخرين للرد على أولئك الذين اختاروا استخدام صورنا وحياتنا الخاصة وسقطاتنا ضدنا".
.. في حقيقة الأمر، قد لا يكون تصرف بيزوس خيارًا متاحاً للجميع.. فما دامت سقطات البشر مستمرة وغير متوافقة ستبقى أداةً قوية بيد البعض للتحكم في حياة البعض الآخر، ما يمنح الجرأة لشخص على ممارسة الضغط على شخص آخر.
وإذا ما طرحنا السؤال التالي: ما هي العبرة والفائدة التي قد نلتقطها من موقف بيزوس فيما يتعلق بكيفية الرد على تهديدات الابتزاز وقضايا الإحراج العام؟
هنا يجيب خبير القانون وأستاذ المحاماه ماكاليستر أوليفارريوس McAllister Olivarius صاحب مكتب محاماة McAllister في أن جيف بيزوس أعطى درسًا رئيسيًا في كيفية الرد على الابتزاز الذي قامت به تلك الصحيفة الصفراء والذي أطلق عليه بيزوس مصطلح “Extortion and Blackmail” ، وحسب ماكاليستر أنه من المهم على الضحية أن لا يستجيب أو أن يخضع للمتسللين الجشعين، أو المحتالين الماكرين، وألا لا يستسلم أبدًا لطلبات الابتزاز التي يتعرض لها حيث أنني أقترح وأرى والحديث لماكاليستر:
أن المبتز يسعى دوما إلى التأثير ويبني جرأته على افتراض أن الفرد الذي يتم ابتزازه سيعطي الأولوية لخصوصيته. أنه من الأفضل دائمًا "استدعاء ومواجهة الخداع" فعلى أي حال لن يقوم المبتز بنشر الصور، وهذا ما يحدث في كثير من الحالات، وبالتالي ستدفعه خيبة الأمل إلى البحث والانتقال إلى هدف آخر. يجب على الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز أن لا يخضعوا سياسيا أو ماليا (حتى الآن، لم يتصل بي أي أحد ليقول إن هذه النصيحة سيئة). أن الامتثال لطلب المُبتز قد يؤدي إلى طلبات متتالية ومتجددة يسعى من خلالها إلى الحصول على مزيد من المال أو مزيد من التنازلات في المواقف. في ظروف قد تعكس نفسية المبتز، وهي حالات نادرة الحدوث، أنه إذا كان هذا الشخص يكره شجاعتك، فسوف ينشر الصور أو المواد على أي حال." أخيرا أن الطريقة الوحيدة والسليمة للسيطرة على مواقف الابتزاز هي بمقاومتها. مؤخرا بات من الواضح أن المواقف تتأرجح لصالح بيزوس فوفقًا لمدونة بيزوس أن ديفيد بيكر، كان "ساذجًا" حينما أدرك أن الأمور تمضي في اتجاه معاكس لما تم التخطيط له ليقوم بخطأ أكثر غباءً بأن هدد بنشر المزيد من المواد في حالة ما لم يستبعد بيزوس محققيه.
تلى ذلك تغير درامي حينما، قدم فريق بيكر عرضًا: بأن تلتزم Enquirer بعدم نشر الصور إذا ما أصدر بيزوس ومحققوه بيانًا عامًا "يؤكد أنه ليس لدى بيكر وصحيفته أي معرفة أو علاقة بالأمر" .
ختاما يمكننا القول بأن بيزوس قد نجح في قلب الطاولة على مُبتزيه، بيزوس الذي أعلن وبأعلى صوته (أنه اذا كنت أنا أغنى رجل في العالم لم أتمكن من مواجهة هذا الموقف من الابتزاز، فبالكم يما يواجه الناس العاديين) .