من بين السرقة والترحال ولد الأحدب لأسرة غجرية استبدلت ابنة عائلة ثرية بابنها القبيح البشع. لتحمل الطفلة الجميلة بعيدا مع الغجر و ليلقى الإبن القبيح في شوارع باريس.
الأقدام النحسة.التي ما إن تحط في مدينة إلا ونالها الخراب عاجلا أو آجلا. لتحدث الجريمة والمؤامرة و ليعمل القدر.
نشأت البنت الصغيرة في أسرة غجرية تعلمت الرقص وشغل الغجر. لكنها ظلت تحمل في عنقها فردة حذاءها الصغيرة كتميمة حظ وزينة فوق الزينة.
لم تكن كنيسة نوتردام خالية من الأبوة . التقطه القس التقطته الرحمة . التي رأت حبسه بين جدرانها هو حله الوحيد لحمايته من سخرية البشر.
علمه دق نواقيس النحاس. كان ناقوسا بشريا يدق ناقوسا نحاسيا.
بنية ضخمة وتشوه خلقي وصوت نحاسي.
لقد خطفوا شعب باريس و استبدلوه بالغجر.
ليست بنية كوازيمودو ولا صوته ولا قبحه إلا نتاج ترحال كل شعب فرنسا في التاريخ . أنجبت فرنسا ذكرا قبيحا وأنجبت باريس العاصمة بنتا جميلة.
ليس تاريخ فرنسا عند العاصمة إلا محلا للسخرية. لقد تجسد كوازيمودو صوتا وصورة. لقد انتصر ولأول مرة في حياته كلها في معركة لم يكن يعرف ماهيتها ولا ميادينها.
لقد انتصر بقبحه في مسابقة القيح . حملوه على الأعناق كملك للبشاعة. طافوا به شوارع باريس. من ثم ألقوا به في غياهبها منصرفين عنه .
شخللة ودف و خصر يترنح. الغجرية آتية.
الضابط تريستان و المرأة الغيورة و الناس و الأحدب و الشاعر. الكل يراقب أزميرالدا وهي ترقص.
السلطة و المعارضة و الشعب و التاريخ و صوت الحق الحالم الكل يراقب الرينيسانسية الشهواء.
الحضارة الجميلة حين تربى في الغجر بلا قانون تتحول إلى فقرة تاريخية مثيرة ترقص مقابل المال.
وتدق الكنيسة نواقيسها النحاسية. وما من زائرين للرب.
التاريخ يدق ناقوس الكنيسة.
ليست صدفة أن يكون التاريخ هو الشعب . الشعب المحتشد بقبح المتلائم كيفما اتفق قبيح المنظر ضخم البنية نحاسي الصوت ولا يتكلم بل بالكاد يهمهم . تماما كالجبال القديمة و السفوح صوت الشعب البعيد المكتوم المحروم من اللغة.
لقد اختار الدين التاريخ وظيفة النذير المنبه. لقد اختار الأحدب لدق النواقيس. فلا وظيفة تصلح له سوى الإختباء و النذر.
لا يشبه الله ولا الشيطان. لكنه يشبه نفسه. كيفما كان كان.
ألقت الأحلام بالشاعر جرنجوار في ظلمة مدينة النور. لم تنقذه الشمس ولا المصابيح. لم تنقذه الحقيقة و لا المجازات . (سحقا لكم أيها الباريسيون) ساقته الأقدام و القوافي إلى أراذل البشر.
بعيدا عن السلطة و بعيدا عن الناس وبعيدا عن النور الذي تهيمن عليه السلطة وبعيدا عن أفكار عموم الناس لا يوجد سوى المجرمين على شطوط المدن و أوكار البنايات.
هناك اختطف الشاعر. ليكون جائعا من رعية (أرجو) ملك الشحاذين والرعاع.
ظلت صرامة السلطة ووقاحة السلطة ونزق السلطة يراقبان بشهوة جمال الرينيسانس. و المعارضة المحافظة الغيور مهما بدت جميلة لكنها لا تغوي ولا ترقص. جامدة كالعظام.
أليست مفارقة أن يحب الأحدب حرية الغجر و أن لا تحب أزميرالدا قبح التاريخ؟
تاريخ أزميرالدا وحرية الأحدب.
كلاهما لا يملك ماضيه ولا يحكم حاضره.
استعرت عيون السلطة وشهوة السلطة و غيرة المعارضة وحقدها الدفين و لوعة الشاعر و حلمه الوردي. و الأحدب وقلبه العميق.
كانت السلطة تنظر إلى أزميرالدا وتتمنى لو كانت هذه القدرة القادة على حشد الناس هي التي في القصر لا تلك الحاكمية القديمة الجامدة ومعارضتها الممسوخة.
كان الشعر ينظر إلى الإيقاع الجديد و القوافي الجديدة و المعنى الوردي فصار حلم الشاعر وردة مشتعلة بالنار.
كان الأحدب ينظر إلى الجمال المفقود. ينظر إلى كل شئ. ينظر إلى الحقيقة فتحول قلبه إلى حديقة غناء في صدر حديدي . بينما القس يطلب الرحمة بين جدران باردة من فوقه نواقيس النحاس.
وفي النهاية قررت السلطة و المعارضة وجموع الناس قتل الناس. وخرس الشاعر . لكن التاريخ كان ينتظر دوره.
العشق و النهاية.
اختفى الأحدب بعد موت أزميرالدا.
اختفى القبح مع الجمال. اختفى التاريخ مع حقبة النور. اختفى القلب الطيب مع الحب المقتول.
ترنح الجمال والحرية في حبل . تشنج. الذباب والعناكب (نحن الذين نطلب الله عن طريق الذين يخافون الخطيئة لا الله) وكوازيمودو والكاهن يضحك. يشمت. لقد تخلص من حبه الخاطىء. لقد ماتت الخطيئة. لكن الموت كان ينتظر الكاهن. اندفع التاريخ ليلقي برجل الدين إلى الهاوية . ويوم شُنقت الخطيئة ألقى التاريخ بالكاهن من عل. فلم يعد له أي معنى ولم تبق منه إلا تلك الخطايا الدفينة. الشماتة والإيمان الكاذب. وهرب التاريخ من الكنيسة.
وبعد سنين. و بينما الناس تستخرج من كهف (مونفوكون) أجمل وأروع مشنقة في المملكة جثة حلاق دفن رضي عنه الملك فيما بعد لينقل جثمانه إلى مقابر الأخيار. وجدوا جثتين.عظام جثتين.لأحدهما ظهر محدودب. بكل تأكيد هو ظهر الأحدب. التاريخ الذي تحمل الكثير من الالام والحكايات حتى انحنى. ومن تحت عظام رقيقة صغيرة. بكل تأكيد كان عظام أزميرالدا. ليكون رضا الملك عن الحلاق المشنوق سببا لنعرف كيف انتهى التاريخ الذي ظل حاضنا جماله المشنوق حتى الموت. ليتحولا حين لُمسا إلى غبار.
وبعد 188 سنة من تاريخ نشر رواية أحدب نوتردام للشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو) تحديدا في 16 مارس 1831.احترقت كنيسة نوتردام في 16 إبريل 2019.
الكثير من الرموز في تلك الرواية لكن رأيت كتابة ما يساعد محبي القراءة على فهم شيفرتها دون قصد إذلال للقارىء الجهول. وإن أقصد.
كُتبت هذه المقالة عبر هاتف ذكي ماركة ايفون تماما كحانة تفاحة حواء في مدينة الجامعة.
محمد شحاته حسين
الأقدام النحسة.التي ما إن تحط في مدينة إلا ونالها الخراب عاجلا أو آجلا. لتحدث الجريمة والمؤامرة و ليعمل القدر.
نشأت البنت الصغيرة في أسرة غجرية تعلمت الرقص وشغل الغجر. لكنها ظلت تحمل في عنقها فردة حذاءها الصغيرة كتميمة حظ وزينة فوق الزينة.
لم تكن كنيسة نوتردام خالية من الأبوة . التقطه القس التقطته الرحمة . التي رأت حبسه بين جدرانها هو حله الوحيد لحمايته من سخرية البشر.
علمه دق نواقيس النحاس. كان ناقوسا بشريا يدق ناقوسا نحاسيا.
بنية ضخمة وتشوه خلقي وصوت نحاسي.
لقد خطفوا شعب باريس و استبدلوه بالغجر.
ليست بنية كوازيمودو ولا صوته ولا قبحه إلا نتاج ترحال كل شعب فرنسا في التاريخ . أنجبت فرنسا ذكرا قبيحا وأنجبت باريس العاصمة بنتا جميلة.
ليس تاريخ فرنسا عند العاصمة إلا محلا للسخرية. لقد تجسد كوازيمودو صوتا وصورة. لقد انتصر ولأول مرة في حياته كلها في معركة لم يكن يعرف ماهيتها ولا ميادينها.
لقد انتصر بقبحه في مسابقة القيح . حملوه على الأعناق كملك للبشاعة. طافوا به شوارع باريس. من ثم ألقوا به في غياهبها منصرفين عنه .
شخللة ودف و خصر يترنح. الغجرية آتية.
الضابط تريستان و المرأة الغيورة و الناس و الأحدب و الشاعر. الكل يراقب أزميرالدا وهي ترقص.
السلطة و المعارضة و الشعب و التاريخ و صوت الحق الحالم الكل يراقب الرينيسانسية الشهواء.
الحضارة الجميلة حين تربى في الغجر بلا قانون تتحول إلى فقرة تاريخية مثيرة ترقص مقابل المال.
وتدق الكنيسة نواقيسها النحاسية. وما من زائرين للرب.
التاريخ يدق ناقوس الكنيسة.
ليست صدفة أن يكون التاريخ هو الشعب . الشعب المحتشد بقبح المتلائم كيفما اتفق قبيح المنظر ضخم البنية نحاسي الصوت ولا يتكلم بل بالكاد يهمهم . تماما كالجبال القديمة و السفوح صوت الشعب البعيد المكتوم المحروم من اللغة.
لقد اختار الدين التاريخ وظيفة النذير المنبه. لقد اختار الأحدب لدق النواقيس. فلا وظيفة تصلح له سوى الإختباء و النذر.
لا يشبه الله ولا الشيطان. لكنه يشبه نفسه. كيفما كان كان.
ألقت الأحلام بالشاعر جرنجوار في ظلمة مدينة النور. لم تنقذه الشمس ولا المصابيح. لم تنقذه الحقيقة و لا المجازات . (سحقا لكم أيها الباريسيون) ساقته الأقدام و القوافي إلى أراذل البشر.
بعيدا عن السلطة و بعيدا عن الناس وبعيدا عن النور الذي تهيمن عليه السلطة وبعيدا عن أفكار عموم الناس لا يوجد سوى المجرمين على شطوط المدن و أوكار البنايات.
هناك اختطف الشاعر. ليكون جائعا من رعية (أرجو) ملك الشحاذين والرعاع.
ظلت صرامة السلطة ووقاحة السلطة ونزق السلطة يراقبان بشهوة جمال الرينيسانس. و المعارضة المحافظة الغيور مهما بدت جميلة لكنها لا تغوي ولا ترقص. جامدة كالعظام.
أليست مفارقة أن يحب الأحدب حرية الغجر و أن لا تحب أزميرالدا قبح التاريخ؟
تاريخ أزميرالدا وحرية الأحدب.
كلاهما لا يملك ماضيه ولا يحكم حاضره.
استعرت عيون السلطة وشهوة السلطة و غيرة المعارضة وحقدها الدفين و لوعة الشاعر و حلمه الوردي. و الأحدب وقلبه العميق.
كانت السلطة تنظر إلى أزميرالدا وتتمنى لو كانت هذه القدرة القادة على حشد الناس هي التي في القصر لا تلك الحاكمية القديمة الجامدة ومعارضتها الممسوخة.
كان الشعر ينظر إلى الإيقاع الجديد و القوافي الجديدة و المعنى الوردي فصار حلم الشاعر وردة مشتعلة بالنار.
كان الأحدب ينظر إلى الجمال المفقود. ينظر إلى كل شئ. ينظر إلى الحقيقة فتحول قلبه إلى حديقة غناء في صدر حديدي . بينما القس يطلب الرحمة بين جدران باردة من فوقه نواقيس النحاس.
وفي النهاية قررت السلطة و المعارضة وجموع الناس قتل الناس. وخرس الشاعر . لكن التاريخ كان ينتظر دوره.
العشق و النهاية.
اختفى الأحدب بعد موت أزميرالدا.
اختفى القبح مع الجمال. اختفى التاريخ مع حقبة النور. اختفى القلب الطيب مع الحب المقتول.
ترنح الجمال والحرية في حبل . تشنج. الذباب والعناكب (نحن الذين نطلب الله عن طريق الذين يخافون الخطيئة لا الله) وكوازيمودو والكاهن يضحك. يشمت. لقد تخلص من حبه الخاطىء. لقد ماتت الخطيئة. لكن الموت كان ينتظر الكاهن. اندفع التاريخ ليلقي برجل الدين إلى الهاوية . ويوم شُنقت الخطيئة ألقى التاريخ بالكاهن من عل. فلم يعد له أي معنى ولم تبق منه إلا تلك الخطايا الدفينة. الشماتة والإيمان الكاذب. وهرب التاريخ من الكنيسة.
وبعد سنين. و بينما الناس تستخرج من كهف (مونفوكون) أجمل وأروع مشنقة في المملكة جثة حلاق دفن رضي عنه الملك فيما بعد لينقل جثمانه إلى مقابر الأخيار. وجدوا جثتين.عظام جثتين.لأحدهما ظهر محدودب. بكل تأكيد هو ظهر الأحدب. التاريخ الذي تحمل الكثير من الالام والحكايات حتى انحنى. ومن تحت عظام رقيقة صغيرة. بكل تأكيد كان عظام أزميرالدا. ليكون رضا الملك عن الحلاق المشنوق سببا لنعرف كيف انتهى التاريخ الذي ظل حاضنا جماله المشنوق حتى الموت. ليتحولا حين لُمسا إلى غبار.
وبعد 188 سنة من تاريخ نشر رواية أحدب نوتردام للشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو) تحديدا في 16 مارس 1831.احترقت كنيسة نوتردام في 16 إبريل 2019.
الكثير من الرموز في تلك الرواية لكن رأيت كتابة ما يساعد محبي القراءة على فهم شيفرتها دون قصد إذلال للقارىء الجهول. وإن أقصد.
كُتبت هذه المقالة عبر هاتف ذكي ماركة ايفون تماما كحانة تفاحة حواء في مدينة الجامعة.
محمد شحاته حسين
صور
صور
