الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حوار ثقافي حول الحركة الأدبية والنقدية في فلسطين مع الكاتب ناهض زقوت

حوار ثقافي حول الحركة الأدبية والنقدية في فلسطين مع الكاتب ناهض زقوت
تاريخ النشر : 2019-04-16
لقاء ثقافي حول الحركة الأدبية والنقدية في فلسطين

أجرت اللقاء الأستاذة الناقدة : رنيم موسى شعبان

مؤسسة عيون على التراث للدراسات والأبحاث والنشر – عزة

الأستاذ ناهض زقوت شعلة من النشاط ومن أهم العاملين على نهضة الحركة الأدبية والفكرية في مدينة غزة، له حضور كبير في المشهد الثقافي وهو يدير مركز عبد الله  الحوراني للدراسات والتوثيق، وقد صدر عنه العشرات من الكتب والدراسات عن فلسطين وتاريخها وقضيتها وأعلامها وكتابها وأدباءها وقد تميز بشخصية وطنية  تعددت اهتماماتها واتسعت آفاقها ، لذلك أردنا في هذه المقابلة أن نرسم بعض ملامح هذه الشخصية من عدة زوايا أدبية وفكرية . 

1- لو أردنا أن نصف ناهض زقوت وموقعه من الحركة الأدبية والنقدية، وكشاهد على الحركة الثقافية، ماذا تحب أن تقول؟ وماذا تحب أن نعرف؟.

من الصعب أن يتحدث الإنسان عن نفسه، ولكن يمكن أن نتحدث عن الانجازات والنشاطات التي قدمها لتفعيل الحالة الثقافية والنقدية. أنا كفلسطيني مثل أي فلسطيني يتأثر بما يدور في واقعنا الفلسطيني, فمثلا أنا تفتحت عيناي على نكبة 67 بعد ثلاث سنوات من ميلادي, وما زالت تلك المشاهد ماثلة أمامي, مشاهد الناس وهي تقتل, وهي تهاجر من بيوتها, وكل هذه المشاهد مازالت تنبع من دفاعي عن قضيتي ووطني.

نحن تثقفنا في الماضي على الكتابات التي كانت موجودة في فترة الستينات والسبعينات وكان هناك كتب ودراسات ومطابع في القدس, ومطابع تصدر كتب ونشرات وتصل إلينا ونقرأها ونتثقف منها، وهذا كان جذرنا الثقافي الذي ترسخ لدينا وأصبح لدينا مصادر ثقافية وينابيع نقدر أن نتحدث عنها. 

وتجربتي في الكتابة مثل تجربة أي كاتب فلسطيني، مشغول بالهم الوطني والاجتماعي، أكتب في المجالين الأدبي والسياسي، حيث أنني لا أجد افتراقا بين المجالين، في الأدب نكتب عن فلسطين وفي السياسة أيضا، إلا أنني لا أعد نفسي من السياسيين بل من المثقفين، فثمة فرق بينهما، من حيث أن السياسي له مجال للمناورة والتكتيك والتعامل مع الواقع ومتطلبات المرحلة، أما المثقف فليس في قاموسه كلمة مناورة بل مبادئ وثوابت.

بدأت الكتابة في عام 1990 ونشرت ثلاث حلقات عن المسرح الفلسطيني في مجلة البيادر السياسي،  وكانت المرة الأولى التي يكتب فيها عن الفرق المسرحية في قطاع غزة والضفة الغربية، وكانت الحركة المسرحية آنذاك ناشئة. ثم تواصلت مع الكتابة في الأدب وتخصصت في النقد الأدبي الروائي والقصصي، حيث نشرت أكثر من مائة دراسة ومقالة. أما في المجال السياسي تركز اهتمامي على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأصبحت من أكثر القضايا التي أدافع عنها وأكتب دراسات وكتب عنها، فقد صدر لي نحو 17 كتابا في الأدب والسياسة، وما زال لدي العديد من الكتابات لم تنشر بعد.

2) ناهض زقوت الناقد الأدبي والكاتب السياسي، كيف استطاع أن يجمع ما بين النقد والسياسة؟ وهل هناك علاقة بينهما؟.

إن العلاقة بين السياسي والمثقف هي علاقة إشكالية، فثمة رأي يرفض الربط بين السياسي والثقافي على قاعدة الفصل بينهما فهما خطان منفصلان ولا يلتقيان، وثمة رأي آخر يقول إن الربط بينهما ضروري وأساسي على أساس أن القضايا العربية هي قضايا مشتركة في النقاش بينهما. أما الرأي الثالث وهو ما اتفق معه بأن العلاقة بينهما تقوم على الجدلية، من حيث إن الثقافي لا يستغني عن السياسي، والسياسي لا يستغني عن الثقافي، ولكن الأولوية للثقافي، لأن الثقافي يتمسك دائماً بالثوابت والمبادئ والقيم العليا وليس في قاموسه سياسة المناورة، أما السياسي فانه دائما يناور وليس لديه استراتيجية ثابتة، إنما آراؤه يطرحها وفق الواقع المتغير أو متطلبات المرحلة.

لهذا لا يستطيع المثقف أن يطرح في كتاباته مثلا أن فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا ما يطرحه السياسي على اعتبار أنها حلول مرحلية أو واقعية، بخلاف المثقف الذي يرى فلسطين هي الكل الممتد من رأس الناقورة شمالاً حتى آخر نقطة في رفح جنوباً.

في الواقع الفلسطيني لا يمكننا أن نفصل الثقافة عن السياسة والعكس, لأننا في وضع احتلال وعلينا أن نجمع بينهما لكي نصل إلى بر الأمان بقضيتنا الفلسطينية. نحن ندافع من خلال السياسة والثقافة ومن خلال جميع تفاصيل حياتنا عن وطننا. وكل فلسطيني ينطلق بالاتجاه وبالتصور وبالرؤى سواء ثقافية, أو سياسية, أو اجتماعية والجميع يلتقون حول هدف واحد هو: كيفية تحرير وطننا وما هي الرؤية والسبيل للوصول لهذا الهدف الأساسي والأسمى وأن نقيم دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هذا ما نسعى جميعنا إليه بكل اتجاهاتنا وأطيافنا السياسية أو الثقافية، ونحن ملتفون حول قيادتنا الفلسطينية في توجهاتها السياسية التي تسعى لتحقيق مشروعنا الوطني, وندين كل من يقف عثرة أمام تحقيق مشروعنا الوطني الفلسطيني مهما كان انتماؤه السياسي, في النهاية علينا أن نقف جميعا يداً واحدة ولنوحد خطابنا السياسي والثقافي والإعلامي لكي نصل بجهودنا الوطنية إلى تحقيق ثوابتنا الوطنية وتحقيق مشروعنا الوطني الفلسطيني.

3) كناقد أدبي، ومن خلال الاطلاع على عدد من دراساتك النقدية، لاحظت عمق الرؤية النقدية المتشكلة لديك، من خلال هذه الرؤية كيف ترى المشهد الثقافي الفلسطيني اليوم؟.

المشهد الثقافي في الأراضي الفلسطينية هو مشهد متطور يحاول أن يزاوج بين الهم الوطني والهم الاجتماعي سواء على المستوى الشعري أو القصصي أو الروائي أو المسرحي. وإذا أخذنا مثلا المشهد الثقافي في قطاع غزة بحكم معايشتنا لهذه التجربة عن قرب، نجد أن المشهد الثقافي هو مشهد تدافع أجيال، كل جيل يسلم الجيل الراية، ولكن وفق رؤى متباينة حسب تغيرات الواقع. فالتجربة الأدبية في قطاع غزة مرت بعدة أجيال، فالجيل الأول الذي أسس للتجربة الأدبية انطلق في السبعينات، حيث انتقلوا بالأدب من حالة الرومانسية إلى الواقعية والرمزية. أما الجيل الثاني الذي أبدع في ظل الجيل الأول من الكتاب, قد استفاد من تجربتهم فلم ينتج أدبا على أرض جرداء, بل وجدوا التربة مهيأة وجاهزة للإبداع والعطاء الأدبي, وأما الجيل الثالث وهو جيل الشباب, يلمس الدارس لأدبهم وجود فجوة كبيرة بينهم وبين من سبقوهم من الكتاب, إذ لم يتكئوا على تراثهم, بل استقوا أدبهم من الثقافات الحديثة التي اطلعوا عليها من خلال دراساتهم الجامعية أو قراءاتهم الثقافية. 

وإذا نظرنا إلى تجارب الشباب المنتشرة بكثرة هذه الأيام، نجد أنها تجارب يافعة تحتاج إلى مزيد من الصقل والتجربة، وثمة أصوات أدبية قد يكون لها مستقبل في المشهد الأدبي في قطاع غزة، ونلاحظ أن المشهد الأدبي في القطاع بدأت المرأة تأخذ دورها بكل قوة، حيث أنه لم يكن في القطاع قبل قيام السلطة الوطنية أية كاتبة، قد يكون للأوضاع التي عاشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال دور في عدم ظهور المرأة الكاتبة, وكذلك للأجواء المحافظة التي تحكمها العادات والتقاليد في المجتمع الغزي علاقة باختفاء المرأة خلف هذا الستار. ولكن بعد أن اندحر الاحتلال وخرجت المرأة للعمل وشاركت الرجل في مسؤولية الحياة والمعيشة, وساهمت الجامعات والمراكز الثقافية والجمعيات الأهلية في إعادة بلورة نظرة المجتمع للمرأة, فأصبح لدينا كاتبات ونشرن إنتاجهن.

4) هل أنت مع الآراء النقدية التي تقول بأننا الآن في عصر الرواية؟ وهل استطاعت الرواية الفلسطينية أن تواكب تطور هذا العصر؟.

اتفق تماما مع كل الآراء التي تقول أننا في زمن الرواية بعد أن كنا في الماضي في زمن الشعر، ولكن دون أن ننكر دور الشعر ومكانته، إلا أن تطورات العصر وتغير ذهنية القارئ قد تكون أحد أسباب توجه القراء نحو الرواية والكتاب نحو كتابتها بشكل كبير.

طرح النقاد والأدباء سؤالا أخذ يتردد في كل الساحات الأدبية، هل نحن في زمن الرواية؟، فقد ذكر الدكتور على الراعي "أن الروايـة العربـية هي ديوان العرب الجديد"، وقامت مجلة فصول المصرية بتخصيص عددين من أعدادها للحديث عن زمن الرواية، وقال الدكتور جابر عصفور في مقابلة معه على صفحات مجلة "الثقافة الجديدة" منذ فتـرة كانت تلح عليّ فكرة أننا نعيش في زمان الرواية، أو زمن القص بوجه عـام، وأذكر أن أول مرة أكدت فيها هذه الفكرة منذ حوالي عشرة أعوام في مؤتمر من مؤتمرات بغداد. كل هذه الآراء وغيرها تؤكد أننا نعيش زمن الرواية فعلا؟، لأن العلاقة بين الأنواع الأدبية علاقة متغيرة تغير اللحظات التاريخية، وأن كل لحظة تاريخية تعثر على خصوصيتها في نوع دون آخر، ومن ثم تتغير العلاقة بين الأنواع الوظيفية بحيث أن هذا النوع دون ذاك تتحقق وظيفته الأساسية في لحظة تاريخية ، ثم تأتي لحظة تاريخية أخرى لا تتحقق وظيفتها إلا بنوع أخر. وهناك سبب آخر غير تغير اللحظة التاريخية هو شدة ارتباط الرواية بالواقع، لأن الواقع وحـده هو الحقيقة العلمية والكونية الأولى في زماننا الحضاري العظيم، ولأنه هو ذاته الذي يفجر طاقات الأديب العربي وثوريته، وهو ذاته الذي يحرك ديناميكية الإنسان العربي ويعبئ مواهبه. 

ومهما كانت الرواية تدور في أحلام وخيالات رومانسية وتوهمات سلفية أو تراثية  تبقى لصيقة بروح الشعب وبالخصائص النفسية والفكرية للأمة، وهناك خيط دائما يشدها إلى جذور الواقع الاجتـماعي، من هنا أخذت الرواية مكانتها وتربعت على عرش الفنون والآداب ولكن هذا لا يعني التقليل من شأن الفنون الأخرى، فما زال لها شعبيتها ومكانتها الرفيعة في نفوس مريديها.

5) القارئ للأدب الفلسطيني بشكل عام، يلاحظ بأنه أدب ملتزم، ونادرا ما نجد كاتبا فلسطينيا قرر الخروج من هذا الالتزام، وعادة ما يتم مهاجمته، فهل تعتقد بأن الأديب الفلسطيني لا يحق له الخروج من هذا الالتزام، وأن يكتب في قضايا مختلفة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية؟.

منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي انتشر مصطلح الالتزام في الأوساط الثقافية والأدبية الفلسطينية، وهذه المصطلح ارتبط بالثورة الفلسطينية، بمعنى أن كل ما يجب كتابته يجب أن يخدم الثورة الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني، فأصبح كالسيف المسلط على رقاب الكتاب والأدباء، وكان كل من يحاول الخروج عن مبادئ الثورة والنضال يجد هجوما شديدا من كتاب آخرين.

للشعب الفلسطيني خصوصية تختلف عن باقي الشعوب الأخرى، من حيث أننا ما زلنا تحت الاحتلال، وعلينا حشد كل القوى لمقاومة هذا الاحتلال، والمقاومة ليست بالبندقية فقط بل بالكلمة أيضا، من هنا شاع مصطلح الأدب الملتزم، هو أن يحمل الكاتب هموم الناس الاجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية وأن يقف بحزم لمواجهة ما يتطلبه هذا الأمر، ويصل إلى حد إنكار الذات في سبيل ما التزم به، ومن خصائص الأدب الملتزم الصراحة والوضوح والإخلاص والصدق والاستعداد من أجل التضحية في سبيل هذه المبادئ، وأن يتحمل تبعات ما يؤمن به وألا تغريه المغريات وألا يرهبه الترهيب.

هذا ما امن به الكاتب الفلسطيني حتى فترة التسعينيات، ورغم هذا لا يعني أن الكاتب الفلسطيني ملزم بالسير على خط الكتاب الأقدمين في رؤيتهم لان الواقع متغير وكذلك الرؤى والمفاهيم، لذلك نجد العديد من الكتاب يناقشون قضايا تدور حول القضية الفلسطينية أو الواقع الفلسطيني دون التعمق في تفاصيلها، إنما يسعون من خلالها عن الكشف عن قضايا كان مسكوتا عنها، مثل انتقاد السلطة وانتقاد إفرازات هذه السلطة، انتقاد التنظيمات الفلسطينية.

6) قرأت في كتاب إبراهيم البحراوي "الأدب الصهيوني بين حربين" بان الأدب يمكن أن يكون وسيلة مهمة لفهم مجتمع أو أمة ما، وأن أمريكا لكي تفهم المجتمع الياباني قامت بدراسة أدبهم، فهل تؤيد فكرة أن المطلع على أدب مجتمع ما يمكن أن يفهم تكوين هذا المجتمع؟.

هذا صحيح فالآداب والفنون تعد مصدرا من أهم مصادر كتابة التاريخ الاجتماعي لحقبة زمنية ما، لما تتناوله من علاقات وصراعات وتناقضات تتشكل خلال هذه الفترة. فمثلا تعد ثلاثية نجيب محفوظ، وقصائد المتنبي، ومسرحيات شكسبير، وغيرهم دليلا ومصدرا للفترة الاجتماعية التي تناولتها. فقد أصبحت الرواية من أقدر الفنون على تناول الواقع لما تحتويه من مساحة شاسعة تعرض فيها جوانب المجتمع المتصارعة والمتناقضة والعلاقات الإنسانية الدائرة فيه. لهذا كان من الضروري أن نفهم التجربة الفنية في إطار التجربة الاجتماعية. 

تأثرت الرواية الفلسطينية بالأوضاع السياسية الاجتماعية للشعب الفلسطيني, وبهذا الجانب تعد الرواية شهادة الفلسطيني أمام العالم عما يعانيه ويلاقيه في سبيل دفاعه عن نفسه وعن وطنه وعن حقه في الوجود، فقد عبرت الرواية الفلسطينية عن مدى قدرتها على التفاعل مع الواقع الفلسطيني وانعكاس هذا الواقع على رؤية الكاتب الفلسطيني، واستطاعت الرواية الفلسطينية أيضا متابعة قضايا ومشاكل الشعب الفلسطيني التي سببها الاحتلال الصهيوني.

وامام هذه الرؤية التي نؤكد فيها على قدرة الرواية الفلسطينية التي وصلت الى العالمية على حمل الرسالة الفلسطينية، رسالة المعاناة، الى العالم، وشرح قضيتنا وماساتنا في ظل الاحتلال. لذلك علينا كفلسطينيين أولا وكمثقفين وباحثين وسياسيين أن نعيد الاعتبار للثقافة الفلسطينية وأن نعيد تطوير وتفعيل المشهد الثقافي الفلسطيني, السياسة ليست دائمة ولكن الثقافة دائمة, مازلنا إلى اليوم نقرأ رواية الأم "لمكسيم غوركي" ونستمتع بقراءتها رغم أن أحداثها تدور في العام 1905, وذلك لأنها رسخت تاريخ ثورة.

إن المقالة السياسية تنتهي بمجرد أن ينتهي الحدث, ولكن الرواية الفلسطينية لا تنتهي بل تبقي متواصلة مع كل الأجيال, إننا إلى اليوم نقرأ روايات إميل حبيبي، وغسان كنفاني،جبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم، وكل ما يكتب من رواية عن فلسطين، وقد نعيد قراءتها أكثر من مرة، بخلاف الكتاب السياسي أو المقالة السياسية.   

الرواية تعطينا التاريخ الفلسطيني أكثر من كل التاريخيين الذين يمكن أن يكتبوا عن فلسطين لأنهم يكتبون الرواية من قلب المجتمع, أما التاريخي يكتبه من فوق المجتمع، الفوقي يختلف تماما عمن يكتب من قاع المجتمع, فإذا قرأنا كل الكتابات والروايات والأشعار الفلسطينية نجدها تأرخ لفلسطين, هذه هي الثقافة التي نسعى إليها الثقافة التي ترسخ الهوية الوطنية الفلسطينية, ترسخ المفهوم الحضاري للثقافة الفلسطينية والتراث الفلسطيني هذا ما نسعى إليه، أن نعزز الثقافة في المشهد الثقافي الفلسطيني ولا نجعل السياسة هي الطاغية على حياتنا, السياسة لها دور, والمثقف له دور, فلا نغلب السياسي على الثقافي ولا الثقافي على السياسي.

7) سمعنا كثيرا بأن الأدب، وخاصة السرد يمكن اعتباره وثيقة يرجع لها فهم فترة زمنية معينة، برأيك هل استطاع الأدب الفلسطيني أن يوثق لمراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟.

** هذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها، فقد استطاع الكاتب الفلسطيني أن يوصل رسالته المعبرة عن قضيته إلى العالم، إذا نظرنا إلى الأدب الفلسطيني نجد أنه مر بعدة مراحل، كل مرحلة عبرت عن تداعياتها، في مرحلة ما بعد النكبة كان الأدب معبرا عن الحنين إلى الوطن ورسم مشاهد النكبة وأحوال اللاجئين وتأثيرات النكبة ومواقف الأنظمة العربية، أما في مرحلة ما بعد هزيمة حزيران 1967 كان الأدب معبرا عن النضال والكفاح ضد الاحتلال، وانطلاق الثورة الفلسطينية، والالتزام بالأدب الموجه نحو قضايا الوطن والفلسطينيين، وفي مرحلة الانتفاضة عبر الأدب عن ممارسات الاحتلال العدوانية والعنصرية تجاه الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، وطرح رؤى للخلاص من الاحتلال، وفي مرحلة ما بعد قيام السلطة الوطنية كان الأدب مواكبا للمرحة الجديدة حيث تناول عودة الفلسطينيين إلى الوطن وقيام السلطة وأوضاعها ومفاسدها، وأحوال الناس وعلاقتهم بالسلطة، بالإضافة إلى الحنين لذكريات الوطن الذي لم يعد.

بهذا يعني أن الكاتب الفلسطيني عبر عن قضيته في كل مراحلها التاريخية، وتمكن من طرح قضيته بكل قوة في المشهد الثقافي العربي بل الأجنبي حيث أن العديد من الكتابات ترجمت إلى لغات أجنبية.

ناهـض زقـوت
كاتب وباحث وناقد أدبي
مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف