"دمي شجر سالب" لطارق مكاوي.. القصيدة مختبر الحياة
عمّان-
كأنه يكتب لنفسه، بصوت خافت وموسيقى داخلية دون ضجيج، يهمس الشاعر طارق مكاوي في مجموعته الجديدة التي حملت عنوان: "دمي شجر سالب" للحب والحرية على ورق فارغ في القصيدة الأولى التي ضمتها المجموعة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" بدعم من وزارة الثقافة الأردنية بعمّان.
يبدأ الشاعر من بوابة الذات التي تتشوف العالم عبر العنوان الذي يمثل بوابة الرؤية وشبكة العلاقات مع النصوص الداخلية، وهي شبكة داخلية تتراءى في المشهد الخارجي على شكل الأشجار التي تمثل الحياة، ولكنها الحياة الضد.
الشاعر في المجموعة التي تقع في 163 صفحة من القطع الوسط ينتقل من الذات إلى فضاء المشاهدة في "ورد أيلول"، التي يشعر معها وكأنه لا يعرف المكان، ولا المكان يعرفه، فتتبدى الغربة والخوف في صورة مشوشة، وتضيف الكائنات التي داهمت المكان لرسم حالة القلق التي تسيطر على الشاعر من رتابة المشهد، وهي الرتابة التي يصنعها إيقاع الزمان والمكان ويدخل الخوف في أعماق النفس.
"رتيبة هذه المدينة
وأنا أكثر رتابة
وخوفا".
هذه الحالة التي ترتسم في المحيط، لا تتوقف عند ذات الشاعر بل تعكس تمثلاته النفسية للوجود الذي أمسى جافا بلا معنى.
وتمثل النصوص الأولى مشهدًا دراميًا متكاملًا يبدأ من حدود الذات وجغرافية الجسد، ثم ينتقل للموضوع إلى أن يصل إلى السؤال الوجودي "من أنا.. من هذه الطيور"، وهو سؤال استنكاري يؤكد المعرفة التي تشقي السائل، ليعود دائريًا لمربع السؤال الأول.
ويصور الشاعر الهموم الإنسانية الكبرى بمقاربات بسيطة تحاكي اللحظة التي تشبه ما ينظر فيها من خلال النافذة إلى وردة أو عصفور، ويدونها بحس الشاعر، أو يصورها بعين الكاميرا التي يلقي عليها موسيقاه الداخلية، ويؤثتثها بذكرياته لرسم اللحظات تتزاحم مع سيل من الأفكار التي تنهال على الإنسان حول جدوى الحياة الراكدة المشبعة بالسكون والسبات.
"في سبات الفضاء الرخيم
لا شيء يتحرك غير الذكريات القريبة
لا شيء يتحرك غير السكون الذي يشي بأنفاسنا المتلاحقة
كأنفاس "النرجيلة" حين تعبث باللحظة الهامسة".
في غالبية نصوص الشاعر يكون الجسد خريطة النص، بأجزاء الجسد أو بدلالاته، العين، كان أعمى، تحسس الطريق، الأقدام، الأنفاس، طرق الباب، اليد، وهذا الاقتراب من الجسد أو الانكماش ينطوي خوف ورغبة في العزلة والانزواء، عزلة التجربة المتحققة من الخسارات والتيه التي تُشكل على الإنسان رؤاه، وتحولها إلى كوابيس.
"كان أعمى
يتحسس شكل الطريق
بأنفاسه
ولشدة أحزانه
لم يعد عارفا قلبه أي باب طرق".
لا تمثل القصيدة عند الشاعر انغلاقا، ولكنها تمثل أسئلة بإزاء ما يتزاحم حولنا، لتكون القصيدة بهذا المعنى مختبرا لإعادة إنتاج الأسئلة التي تختبر الحياة ذاتها. وتتجلى مثل تلك النزعة في نصوص "ما فاء منا إلينا"، التي يلوذ فيها الكائن بالقصيدة والمتخيل والأمنيات للفرار من ثقل الواقع.
"ونحن الصغار الذين يفرون من الموت، إلى الموت
... ... ...
فاستعانوا على حتفهم
بالقصائد كي يستمروا على قيد هذا الفرار".
وتحضر خلال ذلك المرأة الوطن في عدد من النصوص، منها: "حالات"، "فضة"، "خوف"، "رائحة الليل"، و"سيدة الحقول" التي تشكل معها المفردات حيوزا متباعدة بل تتماهى معا في صورة واحدة.
وفي شجر سالب التي حملت المجموعة اسمها، يعيد الشاعر كتابة الحياة بروح القصيدة الدائرية التي تستهل بالنص لتختتم به، فالبدايات تفضي للنهايات والمقدمات تقود للنتائج.
"كما كنت، أبت
... ... ...
كأن لا يرى الناس غيري لأحزن
أو أنها الكلمات الغريبة
حين يعاقرها الشعر
تلتاث بالدمع، لينسل منها
بكاء المعاني".
يشار إلى أن طارق مكاوي حاصل على شهادة البكالوريوس في الإرشادَ والصحة النفسية من الجامعة الأردنية سنة 1990، والدبلوم العالي من الجامعة الهاشمية سنة 2003.
عمل مرشداً تربوياً في وزارة التربية والتعليم، وتولّى سنة 2010 إدارة تحرير مجلة "أقلام جديدة" التي تُصدرها الجامعة الأردنية.
وهو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين.
صدر له مجموعة من الأعمال الشعرية، منها: "لم يكن كافياً"، "الرحيل داخلاً"، "أوشوشُ هذا الزقاق"، "نبتة مهمَلة"، "ورق أصفر"، و"الخزامى".