الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أين جسدي، أيها المصور؟ بقلم:عيسى الرومي

تاريخ النشر : 2019-04-10
أين جسدي، أيها المصور؟

عيسى الرومي

************************************

واختلفوا في أصلي. فمنهم من قال إنني من الحجاز. ومنهم من قال إنني من اليمن. ومنهم من قال من الباكستان...أما أنا فلا أعرف إلا هذه المنطقة. ومنذ ولدت لم أغادرْها، ولا أعرف سواها.

واختلفوا في نسبي وأجدادي. فمنهم من نسبني إلى الرسول، عليه السلام.  ومنهم من نسبني إلى قريش. ومنهم من نسبني إلى الزنج والقرامطة...أما أنا فلا أعرف إلا اسمي المكتوب في البطاقة. واسمي المشهور هو سالم صبحة. فأبي توفي وأنا صغير، وقامت أمي بتربيتي أنا وإخوتي، ونُسبنا إليها.

واختلفوا فيّ أنا. فمنهم من قال إنني صالح. ومنهم من قال إنني طالح. ومنهم من قال مجنون، ومنهم من قال عاقل. ومنهم من قال مستقيم، ومنهم من وصمني بالانحراف...أما أنا فلا أعرف عن نفسي وشخصي إلا أنني مثل هؤلاء الناس الذين ولدت فيهم، وعشت بينهم أكثر من ثلاثين سنة، وآكل ما يأكلون، وأحيا كما يحيون، وأخلاقي أخلاقهم، وعملي عملهم، ولباسي لباسهم، وحرماتهم حرماتي...

واختلفوا أشدّ الاختلاف، فمنهم من رفعني إلى عنان السماء، ومنهم من أنزلني أسفل سافلين...وأنا مؤتلف وواضح لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا يضيرني قدح قادح، ولا ينفعني ولا يرفعني مدح مادح.

اتصلتْ بي أخت زوجتي، وأخبرتني أن زوجتي في مشفى الولادة، فركبت سيارتي الصغيرة، وأسرعت إليها. 

تزوجنا، قبل أربع سنوات، وكنت في السادسة والعشرين، وكانت، هي، في الثالثة والعشرين. وهذا أول حمل وأول مولود. ولا أعرف لا أنا ولا زوجتي إن كان ولدًا أم بنتًا! «ما يأتي به الله خير».

يبدو أنني تجاوزت السرعة المسموحة. أوقفني حاجزٌ عسكري، ولحسن الحظ، فقد كان مصورٌ هاوٍ يقوم بالتصوير. ورغم أن المشهد مثبتٌ بالصورة عالية الدقة والجودة إلا أن الناس اختلفوا. فمنهم من قال حاجز الفوار. ومنهم قال الكونتينر. ومنهم من قال الحديدة. ومنهم من قال الموصل...واختفلوا في الجنود؛ فمنهم من قال صهاينة. ومنهم من قال أمريكيون. ومنهم من قال ثيابهم عربية. ومنهم من قال عملاء ومرتزقة...أما أنا فأعرف أنهم جنود مدربون، ويحملون السلاح الحديث الأميّ.

المصور يصور، والمشهد يُبثّ، وكل الناس يشاهدونه إلا أنا- أنا البطل الحقيقي، بالفعل. أنزلني الجنود، بالقوة، وفتشوني وربطوا يديّ إلى الخلف، وعصبوا عينيّ، وأسندوني إلى الجدار. أخرج واحدٌ منهم سكينًا ووضعها بين يدي لتأخذ بصماتي. استنفر الجنود. استدرتُ، وبقدرة قادر، فككت القيود وحطمتها، ونزعت العصابةَ، وتوجهت إليهم، وأنا لا أراهم. لا أرى إلا زوجتي في مشفى الولادة. أطلقوا الرصاص من كل الجهات، على صدري ورجليّ وبطني ورأسي...صرت مثل الغربال، ودمي ينزف، غزيرًا. لم أسقطْ؛ فزوجتي تنتظرني، وعليّ الوصول إليها لأكون قربها، ولأسمع الصرخة الأولى لطفلي الأول. واصلت سيري، والمشهد يبث، وكل الناس تشاهده إلا أنا. أنا أفعل. كلما نزفت، وكلما اخترقتْ جسدي رصاصة، وكلما خرجت، يزداد جسدي بياضًا، ويزداد غيابًا. أما روحي فتزداد احمرارًا وحضورًا.

لحظة التلاشي والاكتمال، كان جسدي أبيضَ أبيض، وروحي حمراءَ حمراءَ. والجنود من حولي يتساقطون، ويخرون صرعى كأعجاز نخل خاوية. كان بإمكانهم النجاة لو أن واحدًا منهم قال وفعل، ما قالت«النملة» وما فعلتْ، لنجوا، أجلْ لنجوا!

واتفق الناس فيّ واختلفوا. فمنهم من قال شهيد. ومنهم من قال منتحر. ومنهم من شكك في الصورة والمشهد. ومنهم...أما أنا، في هذه اللحظة، فأْتلفت واختلفت: جسدي يبيضّ ويختفي، وروحي تحمرّ وتسفر. اكتملت روحي، وسمعت الصرخةَ، وابتسمت.

شاهدت ما شاهده الناس. وأثناء مشاهدتي، كان شيءٌ ما يكبر في صدري كحزمة شوك، ويضغط على حنجرتي، ويدفعني للصراخ والبكاء وربما للجنون. كنت أشعر بشيء ما ينقصني، ولا أتبينه، وكنت أشعر أن هذا الشيء يبحث عني، ولا يجدني. وحينما تلاشى جسدي، واكتملتْ روحي، وسمعت الصرخةَ، وابتسمت، انفجر السؤال، وأنا أشاهد، وصرخت، بكل ما أوتيت من قوة. صرختُ: أين جسدي، أيها المصور؟ أين جسدي؟ 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف