بين نيتشه وسقراط وسيد قطب
الأستاذ الدكتور : محمد بكر البوجي . جامعة الأزهر . غزة . فلسطين
رئيس جمعية النقاد الفلسطينيين
لا شك أن نيتشة عبقري ، تتمثل عبقريته في إنجاز مجموعة كتب عميقة التفكير في سن مبكرة ، ولا زال تأثيره على الأجيال ، هذا سر الإعجاب به . هنا نود أن نكتب بإيجاز شديد في محورين 1.. نيتشة وسقراط .
2.. نيتشة وسيد قطب .
المنهج : نحاول استخدام المنهج نفسه الذي استخدمه نيتشة ضد سقراط ، وهو الأصل والشكل وتأثيرهما على الفكر .
المحور الأول : نيتشة وسقراط : لا شك أن سقراط كما وصفه أفلاطون في حواراته ( قام بإسهامات مهمة وخالدة في معالجة المعرفة والمنطق ) ص12 وهي أساس الكثير من الفلسفات العالمية التي جاءت بعده ، وهو أول من ناقش المعتقدات والتقاليد المسلم بها في عصره . ليس نيتشة أول من هاجم سقراط واتهمه في عقله وأصله فقد وصفه (أيستيوفانيس) في مسرحية (السحب ) بأنه كان مهرجا يعلم تلاميذه الكذب والتخلص من الالتزامات . نرى أن محاكمته كانت نتاج صراع سياسي في أثينا ، لأنه كان عضوا في مجلس الشيوخ اليوناني ، إذن كان من العقول الفريدة في أثينا وكان أصيلا في شعبها . حاول نيتشة في كتابه ( أفول الأصنام )مهاجمة سقراط في شخصه وفكره ، يتهم سقراط بالأصل الدوني وبالقبح وأنه ليس أصيلا لدى الأغريق ، إنه هجين (نمو معاق بفعل هجين ) ص 19 وأن أفكاره هي نتاج فساد الأصل (أعراض فساد الأصل ) ص 18 . بنفس الأسلوب والمنهج نتكلم عن فريدريك نيتشة ، ولد في بلدة لوتسن في مقاطعة سكسونيا التابعة لبروسيا كما جاء في الموسوعة الحرة ، سكان بروسيا هم من أصول بلطيقية ، إذن هو خليط في نسبه بين بولونيا والمانيا ، ليس المانيا صرفا ، عاش يتيما بين مجموعة من النساء في بيت متدين ، مما دفعة إلى حالة من الإنغلاق على الذات ، بيته بحاجة إلى قوة تحميه ، يعيش حالة خانقة محاولا التخلص من تأثير خالاته وأخته ، هذه الحياة أفرزت رؤيتين عنده : الأولى : أن القوة هي سر السعادة ، هذا ما كان يفتقر إليه في صباه . الثانية : أن الأفكار الدينية هي قمع للذات وأن من يكبت نزواته باسم الأخلاق يصير ( وحشي الأخلاق ) ص35 مما دفعه للاعتراض على دعوة سقراط نحو الأخلاق والتربية كما نرى : 1 .. يحاول نيتشة نفي صورة الإله ( موت الإله ) بينما يرى سقراط أن جنونه المقدس هو هبة من الآلهة مثل جنون الشاعر والمتصوف . إذن يرى سقراط بالتشدد الأخلاقي ، بينما يرى نيتشة أن ذلك يعني القضاء على كل ما هو وجداني .2 .. يرى سقراط أن الحوار والفضيلة والعقل هم سر السعادة ، بينما يرى نيتشة أن القوة هي سر السعادة (المحافظة على مرح رائق أمر لا يخلو من تجربة تتطلب القوة ) ص5 القوة إذن هي سر القيم والسعادة ، ومرجع ذلك إلى حرمانه من السند القوي في بيته ، هنا يصف سقراط بأنه كان ( مقموع )ص 21 وهل كان نيتشة منطلقا في بيته أمام نساء سعادتهن في إقامة الشعائر الدينية ، 3.. مما دفعه لإنكار فكرة ..الإله ..حينما قال بموت الإله ص46 ، وهي رفض لفكرة سقراط حول الحقيقة العليا للكون . نرى أن نيتشة قد عكس حالته النفسية على سقراط وأفكاره دون أن يعي ذلك .
المحور الثاني : نيتشة والسيد قطب : على نفس المنهج نسير هنا . كان قطب صبيا يافعا ، وأسيرا لأفكار عباس العقاد وحزب الوفد ، كان قصير القامة ذميم الشكل ، عاش في بيت كله بنات ، طموحا جدا ومعتدا بذاته حد التضخم ، كان من أشد المؤيدين لثورة يوليو المصرية ، تزوج أبوه بامرأة أخرى ، عاش في القاهرة حياة فقيرة ، كان منطويا على نفسه ، أحب عدة نساء في حياته ، لكنه فشل بسبب شكله الذميم ، وخشونته في التعامل ، كان يطمح في أن يقلده ناصر وزارة وهو المقرب إليه ، بعد صدام مع ناصر ونكاية به ذهب إلى جماعة الإخوان المسلمين وأصدر كتابه الشهير ، معالم في الطريق ، وهو يعيش حالة احتقان وانتقام ضد ناصر وثورة يوليو ، أتهم بمحاولة اغتيال ناصر ، ثم محاولة الإطاحة بحكمه ، في هذه النفسية أنتج فكر السلفية الجهادية .من هنا نستطيع أن نوازن بين نيتشة وقطب ، لأنهما عاشا ظروفا متشابهة وأنتجا أفكارا متقاربة . لم أعثر على ما يفيد أن قطب قد اطلع على مؤلفات نيتشة .
1.. يقول نيتشة عن نفسه : (لأن ما ألهمني وقاحة اعتبار الحكماء العظام أمثلة للانحطاط ) ص18 . كذلك كان سيد قطب وقحا في حواراته مع ناصر ، كما ظهر في مسلسل الجماعة التلفزيوني حلقة 21...22 .
2.. احتاج نيتشة القوة للدفاع عن أسرته بعدرحيل والده ، واقتنع بان القوة هي سر السعادة . كذلك احتاج قطب العنف المسلح للوصول إلى أهدافه ، الانتقام من ثورة يوليو وشخص ناصر بالذات هذا سر سعادته. 3..اهتم نيتشة أكثر بالعقل والجنس الألماني . كذلك اهتم قطب أكثر بفئة إسلاميو الجماعة ، وقال عن الرجل الأبيض (إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشك على الزوال لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم )ص38 وأراد بناء جيل قرآني جديد . 4 ..يقول نيتشة بموت الإله وأن الحكماء والكهنوت هم سر الانحطاط كذلك يرى أن روح النظام نقص في النزاهة ص 12، ويرى قطب أن الحكومات تغتصب خصائص الألوهية في السلطة ص66 ، إذن هو يدعو إلى الخلاص منها بسحقها وموتها .
5 ..اتخذ نيتشة من فوضى الغرائزسرا لسعادة البشرية ص 41 ، هذا ما دعا إليه قطب ، فوضى المجتمع ضد كل علامات سيادة الدولة والقانون ، والتخلص منها لوصول جماعته إلى الحكم لأن الحاكمية لله ص73 .
6.. يرفض نيتشة التمييز العنصري لكنه يرفض المساواة بشكلها الاشتراكي الليبرالي ص91. كذلك يرفض قطب تمييز اللون العنصري وكل أنواع الليبرالية الاشتراكية ويؤمن بوحدة جماعة المسلمين الذين يؤمنون بأفكاره فقط . رغم الاختلاف الفكري بينهما لكننا نخلص من هذه الموازنة بين نيتشة وقطب إلى : .. أفرز نيتسة بأفكاره الرؤية النازية التي ترى في نفسها السوبرمان ،وهو نوع متميز عن البشر ، أدى هذا إلى دمار المانيا والعالم في الحرب العالمية الثانية ، بعدما استخدمت النازية القوة الغاشمة ضد جيرانها من الشعوب المجاورة .كذلك أفرزت أفكار سيد قطب الجماعات الإرهابية باسم الدين ، وترى نفسها فوق القانون وفوق كل الامم ، إنهم متميزون ، و سوف يسودون العالم ، هناك عشرات الجماعات التي استندت إلى افكار قطب المتطرفة .
المصادر والمراجع :
.. نيتشة ، أفول الأصنام ، ترجمة محمد الناجي ، المغرب ، الدار البيضاء ، مكتبة أفريقيا الشرق ،1996 .
..حوارات أفلاطون ،ترجمة زكي نجيب محمود ،القاهرة ، مكتبة الأسرة .
.. معالم في الطريق ، سيد قطب ، القاهرة ، دار الشروق ،1973
.. الفوضوية والأرهاب ، مصطفى غانم ، جريدة المساء العربي الدولية ، إبريل 2018 .
الأستاذ الدكتور : محمد بكر البوجي . جامعة الأزهر . غزة . فلسطين
رئيس جمعية النقاد الفلسطينيين
لا شك أن نيتشة عبقري ، تتمثل عبقريته في إنجاز مجموعة كتب عميقة التفكير في سن مبكرة ، ولا زال تأثيره على الأجيال ، هذا سر الإعجاب به . هنا نود أن نكتب بإيجاز شديد في محورين 1.. نيتشة وسقراط .
2.. نيتشة وسيد قطب .
المنهج : نحاول استخدام المنهج نفسه الذي استخدمه نيتشة ضد سقراط ، وهو الأصل والشكل وتأثيرهما على الفكر .
المحور الأول : نيتشة وسقراط : لا شك أن سقراط كما وصفه أفلاطون في حواراته ( قام بإسهامات مهمة وخالدة في معالجة المعرفة والمنطق ) ص12 وهي أساس الكثير من الفلسفات العالمية التي جاءت بعده ، وهو أول من ناقش المعتقدات والتقاليد المسلم بها في عصره . ليس نيتشة أول من هاجم سقراط واتهمه في عقله وأصله فقد وصفه (أيستيوفانيس) في مسرحية (السحب ) بأنه كان مهرجا يعلم تلاميذه الكذب والتخلص من الالتزامات . نرى أن محاكمته كانت نتاج صراع سياسي في أثينا ، لأنه كان عضوا في مجلس الشيوخ اليوناني ، إذن كان من العقول الفريدة في أثينا وكان أصيلا في شعبها . حاول نيتشة في كتابه ( أفول الأصنام )مهاجمة سقراط في شخصه وفكره ، يتهم سقراط بالأصل الدوني وبالقبح وأنه ليس أصيلا لدى الأغريق ، إنه هجين (نمو معاق بفعل هجين ) ص 19 وأن أفكاره هي نتاج فساد الأصل (أعراض فساد الأصل ) ص 18 . بنفس الأسلوب والمنهج نتكلم عن فريدريك نيتشة ، ولد في بلدة لوتسن في مقاطعة سكسونيا التابعة لبروسيا كما جاء في الموسوعة الحرة ، سكان بروسيا هم من أصول بلطيقية ، إذن هو خليط في نسبه بين بولونيا والمانيا ، ليس المانيا صرفا ، عاش يتيما بين مجموعة من النساء في بيت متدين ، مما دفعة إلى حالة من الإنغلاق على الذات ، بيته بحاجة إلى قوة تحميه ، يعيش حالة خانقة محاولا التخلص من تأثير خالاته وأخته ، هذه الحياة أفرزت رؤيتين عنده : الأولى : أن القوة هي سر السعادة ، هذا ما كان يفتقر إليه في صباه . الثانية : أن الأفكار الدينية هي قمع للذات وأن من يكبت نزواته باسم الأخلاق يصير ( وحشي الأخلاق ) ص35 مما دفعه للاعتراض على دعوة سقراط نحو الأخلاق والتربية كما نرى : 1 .. يحاول نيتشة نفي صورة الإله ( موت الإله ) بينما يرى سقراط أن جنونه المقدس هو هبة من الآلهة مثل جنون الشاعر والمتصوف . إذن يرى سقراط بالتشدد الأخلاقي ، بينما يرى نيتشة أن ذلك يعني القضاء على كل ما هو وجداني .2 .. يرى سقراط أن الحوار والفضيلة والعقل هم سر السعادة ، بينما يرى نيتشة أن القوة هي سر السعادة (المحافظة على مرح رائق أمر لا يخلو من تجربة تتطلب القوة ) ص5 القوة إذن هي سر القيم والسعادة ، ومرجع ذلك إلى حرمانه من السند القوي في بيته ، هنا يصف سقراط بأنه كان ( مقموع )ص 21 وهل كان نيتشة منطلقا في بيته أمام نساء سعادتهن في إقامة الشعائر الدينية ، 3.. مما دفعه لإنكار فكرة ..الإله ..حينما قال بموت الإله ص46 ، وهي رفض لفكرة سقراط حول الحقيقة العليا للكون . نرى أن نيتشة قد عكس حالته النفسية على سقراط وأفكاره دون أن يعي ذلك .
المحور الثاني : نيتشة والسيد قطب : على نفس المنهج نسير هنا . كان قطب صبيا يافعا ، وأسيرا لأفكار عباس العقاد وحزب الوفد ، كان قصير القامة ذميم الشكل ، عاش في بيت كله بنات ، طموحا جدا ومعتدا بذاته حد التضخم ، كان من أشد المؤيدين لثورة يوليو المصرية ، تزوج أبوه بامرأة أخرى ، عاش في القاهرة حياة فقيرة ، كان منطويا على نفسه ، أحب عدة نساء في حياته ، لكنه فشل بسبب شكله الذميم ، وخشونته في التعامل ، كان يطمح في أن يقلده ناصر وزارة وهو المقرب إليه ، بعد صدام مع ناصر ونكاية به ذهب إلى جماعة الإخوان المسلمين وأصدر كتابه الشهير ، معالم في الطريق ، وهو يعيش حالة احتقان وانتقام ضد ناصر وثورة يوليو ، أتهم بمحاولة اغتيال ناصر ، ثم محاولة الإطاحة بحكمه ، في هذه النفسية أنتج فكر السلفية الجهادية .من هنا نستطيع أن نوازن بين نيتشة وقطب ، لأنهما عاشا ظروفا متشابهة وأنتجا أفكارا متقاربة . لم أعثر على ما يفيد أن قطب قد اطلع على مؤلفات نيتشة .
1.. يقول نيتشة عن نفسه : (لأن ما ألهمني وقاحة اعتبار الحكماء العظام أمثلة للانحطاط ) ص18 . كذلك كان سيد قطب وقحا في حواراته مع ناصر ، كما ظهر في مسلسل الجماعة التلفزيوني حلقة 21...22 .
2.. احتاج نيتشة القوة للدفاع عن أسرته بعدرحيل والده ، واقتنع بان القوة هي سر السعادة . كذلك احتاج قطب العنف المسلح للوصول إلى أهدافه ، الانتقام من ثورة يوليو وشخص ناصر بالذات هذا سر سعادته. 3..اهتم نيتشة أكثر بالعقل والجنس الألماني . كذلك اهتم قطب أكثر بفئة إسلاميو الجماعة ، وقال عن الرجل الأبيض (إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشك على الزوال لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم )ص38 وأراد بناء جيل قرآني جديد . 4 ..يقول نيتشة بموت الإله وأن الحكماء والكهنوت هم سر الانحطاط كذلك يرى أن روح النظام نقص في النزاهة ص 12، ويرى قطب أن الحكومات تغتصب خصائص الألوهية في السلطة ص66 ، إذن هو يدعو إلى الخلاص منها بسحقها وموتها .
5 ..اتخذ نيتشة من فوضى الغرائزسرا لسعادة البشرية ص 41 ، هذا ما دعا إليه قطب ، فوضى المجتمع ضد كل علامات سيادة الدولة والقانون ، والتخلص منها لوصول جماعته إلى الحكم لأن الحاكمية لله ص73 .
6.. يرفض نيتشة التمييز العنصري لكنه يرفض المساواة بشكلها الاشتراكي الليبرالي ص91. كذلك يرفض قطب تمييز اللون العنصري وكل أنواع الليبرالية الاشتراكية ويؤمن بوحدة جماعة المسلمين الذين يؤمنون بأفكاره فقط . رغم الاختلاف الفكري بينهما لكننا نخلص من هذه الموازنة بين نيتشة وقطب إلى : .. أفرز نيتسة بأفكاره الرؤية النازية التي ترى في نفسها السوبرمان ،وهو نوع متميز عن البشر ، أدى هذا إلى دمار المانيا والعالم في الحرب العالمية الثانية ، بعدما استخدمت النازية القوة الغاشمة ضد جيرانها من الشعوب المجاورة .كذلك أفرزت أفكار سيد قطب الجماعات الإرهابية باسم الدين ، وترى نفسها فوق القانون وفوق كل الامم ، إنهم متميزون ، و سوف يسودون العالم ، هناك عشرات الجماعات التي استندت إلى افكار قطب المتطرفة .
المصادر والمراجع :
.. نيتشة ، أفول الأصنام ، ترجمة محمد الناجي ، المغرب ، الدار البيضاء ، مكتبة أفريقيا الشرق ،1996 .
..حوارات أفلاطون ،ترجمة زكي نجيب محمود ،القاهرة ، مكتبة الأسرة .
.. معالم في الطريق ، سيد قطب ، القاهرة ، دار الشروق ،1973
.. الفوضوية والأرهاب ، مصطفى غانم ، جريدة المساء العربي الدولية ، إبريل 2018 .