الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تفاح ومانجو!!بقلم:محمود حسونة

تاريخ النشر : 2019-04-09
تفاح ومانجو!!بقلم:محمود حسونة
1-قلق...
تتأمل في وجهي طويلا؛ إنها تبحث عن شيء يختبئ في ملامحي، شيء يقلقها!!!
-ما الذي تغيّر فيكَ بالضبط؟؟!!
-لا شيء!!!
تمسح بيدها شعرها، وهي تنظر إليّ كأنّي غريبا عنها!!!
- ألا ترى خصلات الشيب!!!!
أتذكرين الدالية التي جمعتنا تحت ظلها مصادفة!!!
-أشعر أنكَ تبتعد عنّي!!!
أتذكرين الأغنية التي غنيناها سويا أول مرة؟؟!!
لكنكَ تخيفني أحيانا… أخبرني عن قلبك…أرجوكَ لا تغضب من صراحتي…
أتذكرين أول فستان اشتريته لكِ؟؟!! هيّا نغني أغنيتنا الأولى… دائما أطلب من الله أن يغفر لي، لقد ابتعدت عنكِ طويلا!!!
-أهي فلسفة الحب أم فلسفة الوفاء؟؟!!!
-هيّا نبحث عن لحظة فرح… انتبهي نحن الآن في فصل الربيع!!!
-طمنّي عن قلبكَ...
كيف أقنع هذه المجنونة بأن بستانها مليء بالثمار الذهبية؟؟!!
هل كل النساء مثلها؟؟!!
2- رحلة...
سأذهب في رحلة… ربما لأسبوع ، سيكون أسبوعا ربيعيا صاخبا!!!
قد يكون لي حظُّ كبير في اكتشافٍ جديد!!!
سأمضي كمغامر بلا خوف!!!
سأتمهل قليلا، وأفهم الأشياء عن قرب، بلا مسافات!!!
وأرى الألوان على حقيقتها!!! الغامقة والفاتحة، سأمزجها وأصنع ألوانا جديدة!!!
تكفيني ساعة نوم واحدة فقط في اليوم!!!
فكيف أنام وأنا في غابة الجمال؟؟!!
سأشرب الحليب مرتين في اليوم صباحا وقبل النوم!!!
سأهبط من أعلى قمة الجبل رويدا رويدا إلى أعمق الوديان…
هناك سأقطف الأزهار النادرة فقط!!!
سأقطفها على صوت الناي الناعم!!!
إذا أصابني الجوع؛ سأعصر التفاح والمانجو!!!
ثمّ أعوم في النهر أصطاد السمك الملون..
أتنقل من ضفة لأخرى، أبحث عن أحلامي الضائعة!!!
سألحق النور الناعم في كل ساحل من سواحلك!!!
وقبل المغادرة، سأسأل نفسي مرات:
ماذا نسيت؟؟!! هل نسيت شيئا؟؟!!
وإذا سألتني عن أجمل شيء فيها!!!
سأقول لها: أسبوع واحد لا يكفي!!!
أحتاج إلى رحلة أخرى!!!
3- البريئة الخطيئة!!!
هل ترى شيئا في داخلي، أنا أمامك جسد فقط،!!!
كما رأيتني يومها، جسد للشهوة!!! كنت أمامك جسدا جميلا، وما غير ذلك تناسيته، والآن أنا دمية بلا روح!!!
هل وجدت قيمتك بذلك؟؟!! وأشبعت نزوتك المريضة؟؟!! وقت قصير جدا حتى حولتني من طفلة بريئة إلى روح ممزقة!!! وكنت فيها أنتَ شيطانا ووحشا!!! لقد قلبت كل شيء في حياتي!!!لقد سلبت مني أغلى ما أملك!!! هل عرفتني من أنا، يا سفاح الطفولة؟؟!!
أخذت تزمُّ عينيها المتعبتين بألم، لا تريد أن تراه، لا تريد أن ترى ذلك المشهد، إنه يتراءى لها صورة تلو صورة وطعنة تلو طعنة….
إنها بحاجة لاستراحة من عذاب مرير أرهقها، عذاب الذنب، وتعب الحظ اللعين، إنها بحاجة إلى طمأنينة، بحاجة لقلب كبير يستمع لها، يصغي لمحنتها، ينزح الرعب والألم المدفون في أعماقها، يطهر تلك الأوساخ من رأسها!!!
صرختُ بجنون ؛ أستغيث من الوحل الذي يدنس روحي ويلوث طهري!! لقد كان صراخا مكتوما، لا أحدا!!! كنت وحيدة مع حظي اللعين، رفعت ذراعي في الهواء وقبضتُ كفي!!! كنت أبحث في الفراغ عن شيء ألوذ به، لكني كنت أقبض على لا شيء!!! وحيدة مع صراخي!!!
لعنت الدنيا ومن فيها، لقد تركتني مذبوحة منتوفة باهتة كومة جسد بلا حراك!!! لقد مزقت كبريائي، صرت ريشة خفيفة في مهب الريح!!!
عشت عزلة مريرة، كنت أبحث عمّا ضاع منّي، عن الصباح الذي اختفى من عينيّ، عن أيامي الحلوة، لم أعد أساوي شيئا!!!
كتمت سري المرعب كخنجر مسموم في قلبي الصغير، لكنه ظلّ يكبر في أحشائي، لم يطاوعني قلبي على لفظه، حتى جاءت صرخة المخاض، أين المفر ؟؟!
رحتُ أبتلع الألم والصراخ، نزفت دما وألما وصراخا!!! السر يأبى إلا أن يعلن عن نفسه بعد طول كتمان!!! لم يستمع أحد لدفاعي عن عفتي وبراءتي!!!
أنا البريئة، اسمعوا نداء قلبي، أنا طاهرة !! اسمعوا نداء روحي!!!
لقد انتزعوا طفلتي من حضني لعلها تختفي ككذبة ملعونة ، خطفوا طفلتي الخطيئة والضحية وتركوني وحيدة!!!
تسللت عبر الأزقة هائمة مجروحة الفؤاد والروح!!! أنا ضحية سفاح الطفولة، ضاعت فرسي، فتهت في غبار الطريق وصرت وردة تفتحت وسط دخان الحرائق!!! من يرتق جراحي النازفة ؟؟!! الشوارع غابة، والهواء شوك ينغرس في لحمي، أرى صفوفا من الوحوش المقنعة، تعترضني، تطاردني، تهزأ بآلامي!!! ما الذي يجعل الطريق ناراً تحت أقدامي؟؟!!
مازلت أتتبع رائحة طفلتي، أتبع خط الأمومة، أستمع لأنينها يطن في أذني، يعاتبني…سألقى عليكم واجبا أليما ومخزيا:
أنا الغريبة، لقد حضرت من الخطيئة وكأني أنا الخطيئة!!!
أنا الصواب الفاضح للخطيئة!!! أنا ككل البشر، حضوري ليس بقراري، كيف أثبت براءتي؟؟!! أنتم تعرفون ذلك !!! لكنكم لا تتحملون وجودي فهو يستفزكم ويظهر زيفكم الذي ترتعبون منه!!!
عندما أكون تظهر حقيقتكم وحقارتكم ، لقد تعودتم على التخفي والخداع ووجودي يفضحكم يجلدكم ، أنا أكثر من يعرف خفاياكم ،ويشهد على جبنكم، أنا الشاهد على جريمة أنا ضحيتها!!! تنتقمون مني لأني أعريكم، سأبقى أصفعكم وأجلدكم وأحوم فوق رؤوسكم أنتم خداع!!!
أنا الطفلة البريئة، أنا الغريبة، ما تهمتي ؟؟!! أنا الشاهد على عبثكم و نزواتكم الخبيئة الخبيثة التي تتستروا عليها و تخجلوا منها ؛لتبقوا أكثر زينة وزيفا!!!
قانون أهوج يبرئ الظالم ويدين الشاهد!!! تدينون الضحية الضعيفة، و تتركون الجاني يختفي كالشبح بإذن منكم؛ لأنه الأقوى!!! تعاقبونني على خطايا لا تجرؤون الكشف عنها؛ لتظهروا بأنكم أبرياء وشرفاء!!! إنكم خادعون ومخدوعون!!!
لقدعثرت على طفلتي، طفلتي جسد بارد، جسد بلا روح ، لقد ماتت الطفلة الوليدة البريئة الغريبة الخطيئة!!!
أنا ضائعة، أنا أغنية حزينة لعصفورة تائهة ، أنا مكبلة باللوعة و الأحزان، تمر الأيام فتحملني في جنازة ثم لا تدفنني!!! كل شيء يبدو لي تافها بلا معنى!!! ماذا يصلح لرتق جراح الفؤاد والروح ؟؟؟!!
تناديني طفلتي تعال عندي أنا في انتظارك!!!
( سامحيني يا أمي )أبحث عن موت فلا أجده!!!
4- كلمتان فقط!!!
هل يمكن أن أظهر لك قليلا قليلا من حبك الثقيل في قلبي!!!
مثلا أهديك كلاما موزونا يسمونه القصيدة كما يفعل الشعراء!!!
لكني قد حاولت كثيرا!!!
ساعات طويلة أمضيتها، أطوف حولك كدوامة، مذهولا صامتا!!!
أصابعي كانت تتلعثم، وقلبي يتعثر، وكلماتي تتطاير!!!
اعذريني أيتها الجميلة، يا سمرائي الوحيدة!!!
أنا لا أجيد الشعر، ولا أعرف الكذب، ولا أتقن التزوير!!!
سأهديك كلمتين!!! نعم كلمتين فقط!!!
كلمتان خفيفتان على اللسان، نقيتان كزهرتين بريتين!!! أقولهما لك، بعفوية طفل بريء…
أنا أحبك!!!
أليست هذه أجمل قصيدة؟؟!!
5- هل هذا يكفي؟؟!!
أنا قادم لأعذبك وتعذبيني!!!
سأصبغ لونك بالبني الفاتح
أنا أحب البني الفاتح!!!
كقهوتي هذي التي أرتشفها...
أرتشفها على مهل رشفة رشفة!!!
سأجعلك ترقصين كطفلة مجنونة…
تدورين كبرتقالة مليئة بالسكر!!!
وأستمع لكل شيء فيك… صراخك… حفيف شَعرك
رنة أساورك… جنون ذروتك!!!
سأستمع طوال الليل… طوال الليل!!!
سأنقر قلبك كبلبل ينقر حبة تين طرية
سأفتح نوافذي لتخدشك الريح!!!
لينهمرالمطر ويغسلك!!! ثم يغطيك رويدا رويدا !!!
سيملؤك فيضان الرغبة!!!
وأجلس أنا أمامك كالأخرق، تافها وباردا بلا رغبة!!!
6-غسان والحمام!!!
اعتلى غسان سطح البيت ينقي وقته، يبحث عن الطمأنينة على أرجوحته بين هديل الحمام!!!
كلما اعترته الأحزان؛ يزور غسان الحمام يبحث معه عن صدفة لغفوة قصيرة ينتزعها من يقظة الموت!!!
كانت الطائرات توقظ الموت المسعور و تنشره في كل الأنحاء!!! الموت يرافق غسان، الموت قريب منه كظله!!!
غنّى غسان وتراقص مع الحمام، وأخذ ينثر عليه الطعام كالمطر الدافئ، و يحادثه عن الغرام والأشعار والسلام!!!
لم تكن الرصاصة صدفة قاتلة، كانت قاصدة ومقصودة!!!
شقّت الرصاصة صدر الحمامة البيضاء، ونثرت ريشها المنتوف المغسول بالدم!!!
خانت الرصاصة الحمام، أجمل شعارات الدنيا في العشق والسلام!!!
بعد تنهيدة أو تنهيدتين، خرّت الرصاصة الأخرى، الجمرة اللاهبة في قلب غسان، فأغفى إغفاءته الأبدية بين ريش الحمام!!!
كيف تُنصب الأشراك الغادرة في الظلام وتصير البراءة ورشة للشيطان؟؟!!!
لم يحتمل الحمام مشهد الطائرات التي تنثر الموت وترشق على الجدران الدم الشريف الحرام!!! فأعلن الحمام الإضراب عن الطعام وعن السلام!!!
7- لعبة!!!
أكاد أطير من الفرح، وأنا أجري مسرعا نحو حانوت أبي بسام، لقد قبضت للتو من أبي ليرة كاملة، سأشتري قطع حلوى كثيرة وسأطعم أخوتي وأولاد جيراني!!!
كان باب الحانوت مفتوحا عن آخره، إلا من حاجز خشبي، لكنّ أبي بسام لم يقابلني كعادته!!!
ناديت: عمي أبو بسام … لم يسمعني أحد!!!
انزلقت من تحت الحاجز الخشبي، لم أعثر على أبي بسام داخل الحانوت، فدخلت من طاقة صغيرة إلى داخل بيت أبي بسام!!!
كان في زاوية البيت طفلا رضيعا مستلقيا على ظهره، ويصرخ من شدة البكاء، ويداه وساقاه تلوحان في الفراغ!!! اقتربت بعفوية من باب الغرفة المفتوح كانت شبه معتمة، فسمعت أصواتا خافتة وناعمة تشبه البكاء تأتي من داخل الغرفة!!!
رأيت أبي بسام يغطي بجسمه أم بسام وهي تنوء بصوت ناعم!!!
ناديت: الرضيع يبكي ويصرخ، الرضيع يكاد أن يموت ويفقع من البكاء!!! وكأن أحدا لا يسمعني!!!
ثم التفت أبو بسّام نحوي، رأيت وجهه كما لم أره من قبل!!! كانت عيناه تبرقان كعيني قط!!! ووجهه محمّر كرغيف خبز، رآني وكأنه لم يرني، كان مشغولا جدا!!!
خفت، وأسرعت عائدا إلى بيتنا…. أبي أبي أسرع أنقذ أم بسام من تحت زوجها، إنه يضربها بشدة!!! ووصفت له ما رأيته، فأخذ أبي يضحك ويضحك، يضرب كفا بكف ويضحك!!!
ارتبكت لم أفهم شيئا!!! أبو بسام يضرب زوجته، وأم بسام تجوح وتبكي بصوت ناعم!!! وأبي يضحك ويضرب كفا بكف!!! ما هذا؟؟!! كررت ما قلته لأبي…
فقال أبي: أبو بسام لا يضرب زوجته إنهما يلعبان!!!
-يلعبان!!! فضحك أبي وهو يقول: نعم يلعبان!!!
-والرضيع الذي سيفقع من البكاء!!!
ردّ أبي: له الله!!!
ما هذه اللعبة يا أبي؟؟!!! انسحب أبي وهو مستمر بالضحك!!!
لم أفهم ذلك إلا بعد سنين طويلة، يومها أمضيت يوما كاملا وأنا أضحك!!! أتذكر وأضحك!!!
ترك أبو بسام باب الحانوت مفتوحا، ودخل عند أم بسام التي تركت رضيعها يصرخ من البكاء؛ ليلعبان، ويتعاركان ويبكيان بصوت ناعم!!!
هل كان ذلك جديرا لكي يترك أبو ماهرحانوته مفتوحا، وتترك أم بسام رضيعها يصرخ يكاد أن يموت من البكاء؟؟!!!
8- الفراشة المسحورة!!!
لا تشغل بالك، سأوجعك قليلا!!!
هل يحق لي ذلك؟؟!!
يا سيدي، أيها الإمبراطور المتكبر، لن يحميك حراسك!!!
سأسحرك وأغلفك بالضباب، وأخطفك إلى كوخي البعيد في أقصى جزيرة!!!
وأمارس ساديتي عليك، سأشعلك برغباتي!!!
لن أرحم صراخك أو جراحك!!!
سأحط على أغصانك، وأكحل عينيك بنور دافئ!!!
سأحشو فمك بتفاحتي الممتلئة بالندى، سأخدش قلبك رويدا رويدا، سأدميه، سأجعله يحبو كطفل كسيح!!!
سينتظرك مني حظٌّ كبير من الحب والألم!!!
وسأقتل من يقترب منك، كما تفعل أنثى الحمام!!!
سأبقى أنا الوحيدة في صدرك، توأم قلبك!!!
حتى تحولني إلى أميرة جميلة بفستان ليلكي!!! وتغمرني بنوار اللوز!!!
ربما أكتفي بذلك!!!
يا سيدي، أيها الامبراطور المتكبر!!!
هل عرفت من أنا؟؟!!
أنا الفراشة الساحرة المسحورة!!! أنا الفراشة المجنونة!!!
9- ذات الرداء الأحمر!!!
ألا تراني!!! ارفع رأسك وانظر ألا تراني أمامك؟؟!!
أريد أن أرى دهشتي في عينيك الباردتين!!!
تأمل تفاصيلي المدهشة جميعها،واحدة، فواحدة!!!
اعترف بحماقتك!!!
أنا قلب الغزالة الناضجة يقطر عطرا دمويا!!!
أنا قنبلة ملغومة بكثير من القُبل والحب المعطر!!!
أشتهي نظرتك إلي مرات ومرات!!! وفي كل مرة انظرني بدهشة المرة الأولى!!!
أنا أنثى القمر جئت إليك بجسد امرأة عذراء….
أنا كنز عاشقة تحتضن في قلبها ضحكةٌ بآلاف الشفاه!!!
تتبعت من بعيد رائحة عرقك وملابسك و لون شعرك ودفء أنفاسك، تتبعت إيقاع خطواتك، خطوة بخطوة…
أتمدد أمامك الآن منهكة بشهوتي تحت سماء وردية!!! لا يفصل بيننا سوى ستار خفيف، خفيف، خفيف!!!
سأسقيك لهيب النبيذ الأحمر!!! سأجعلك تثمل بعسلي الدامي بكنوزي وكلماتي… لتغني في بساتيني، لتصبغ أزهاري الصغيرة وتلون شفاهي بالأحمر!!!
فهلّا سكرت معي يا غامض القلب، يا أسمر؟؟!!!
أنا الرمانة الناضجة ذات الرداء الأحمر!!!
10- الدُوري الصغير...
ما إن دخلت الفصل حتى حشرت نفسي في إحدى زواياه منكمشا في ثيابي المبتلة وغرقت في النوم!!!
فتحت فجأة عينيّ الذابلتين على صوت يهز أركاني!!!
يا تعبان، يا عيّان، يا كسلان…. أتنام في حصة الحساب؟؟!!
اصطدمت عيناي ببطنه الضخم الذي يتدلى أمامه؛ فيسدُّ العالم أمامي، شعرت بأن بطنه هو مساحة العالم!!! لقد أحاط بي من جميع الجهات!!! كنت كفرخ حمام صغير ذابل من النعاس والبرد!!!
-يا أستاذي، لم أنم طوال الليل!!! لقد كان المزراب يهرّ فوق رؤوسنا، لقد أغرق ماء المطر بيتنا الصغير!!! كاد أن يجرفه ويلقيه في البحر!!!
لقد أمضينا ليلتنا أنا وأخوتي ننضح الماء من بيتنا الصغير!!!
-لماذا لا تكتب، يا غبي؟؟!!
كان رأسه ملفوفا بكوفية حمراء، وسحنته كانت جامدة حادة، فبدا كأنه يطل عليّ من فوهة بئر، بوجه منتفخ وعينين جاحظتين، فيبدو كالمشنوق!!! كل شيء فيه يشبه البأس!!!
-لقد سقط القلم من حقيبتي المثقوبة يا أستاذي..
صفعني بكفه الغليظة، شعرت برأسي يدور و يدور، وشيء كلمعة البرق، قدح في رأسي!!! فتداخلت الأشياء أمامي كزوبعة غبار!!!
أراد صفعي مرة أخرى، نظرت حولي أبحث عن شيء أحتمي به، فلم أجد إلاّ زميلي الصغير ماهر، فاختبأت خلفه، فانهالت اللطمة على وجهه!!! فأخذنا نصرخ وننوح لعله يرق ويتوقف عن صفعنا!!!
كنا ننسل من بين أزقة المخيم كأسراب النمل الصغير في وقت مبكرجدا، والنعاس يتثاءب متثاقلا في أجسامنا الصغيرة!!! ونور الصباح يلوّن عيوننا وخطواتنا!!!
نلهث وراء أحلامنا كالعصافير المسافرة في عبّ العاصفة!!! بحقائب ثقيلة بأحلامنا، نجتاز أزقة المخيم الضيقة الترابية بأقدامنا الصغيرة، أقدام أدمتها الحجارة المتناثرة والزجاج المكسور المتناثر، نطارد آمال أهلنا النائية ونتعلق بها!!!
الحلم كامن في هذه الحقيبة الثقيلة التي تكسر ظهري، حلم قد يحقق لأهلنا ما فقدوه من استقرار، ويعوّضهم سنين الغربة والضياع!!! حلم ينمو معنا على مساحة أعمارنا!!! فهل تخدعنا أحلامنا؟؟!!
كانوا كقبيلة متوحشة ينتشرون في الطرقات، يسدون عنّا الأفق، وأخيلتهم تتراقص كالأشباح على الجدران تحت ضوء الشمس!!! فنمضي ملتصقين بالجدران نلهث و نرتجف من الخوف ومن البرد!!! يصوبون نحو رؤوسنا نحن الأطفال الصغار!!! فيصير الموت يتحرك بيننا كلص متخفٍ، أينما تحركت ينظر إليك، يلاحق أنفاسك يقبض عليها، نكاد أن نختنق، نظراتهم تطوقنا كالأسلاك الشائكة تنغرس في لحمنا الطري!!!
يحدقون في عيوننا كأنهم يفتشون فيها عن أحلامنا!!! فيبدو الصباح غريبا في أعيننا، صباح مكتظ ومثقل بالخوف، وكأن شمسه البعيدة المضيئة ليست لنا، إنها تخصّ عالما آخر غيرنا!!! ما هذا القدر الأعمى؟؟!! كيف يمكن لهذا الطفل الصغير أن يكبر برفق في هذا العالم الظالم؟؟!! أيمكن أن يقطف ولو زنبقة واحدة من حديقة هذا العالم؟؟!! من أين جاء هذا الكابوس وحطّ فوق رؤوسنا؟؟!!
-يا أستاذي، أنا بردان ونعسان، انظر إلى يديّ وأقدامي، لقد ازرقّت من البرد!!! البرد يقرص قاع قلبي الصغير، الرحمة يا أستاذي!!! أريد أن أغفو ولو للحظة، ولو لدقيقة واحدة!!! لم أنم الليلة الماضية!!! ألا ترى أسناني وهي تصطك من البرد والخوف؟؟!!
-اسكت يا غبي!!! كان صوته عاليا كالصفير!!!
لست غبيا، بالأمس ذهبت مع أبي إلى السوق، وحسبت له…
قال لي احسب يا حمودة، مجموع سعرثلاثة كيلو بندورة إذا كان ثمن الكيلو الواحد ليرتين، فأجبته بسرعة: ست ليرات يا أبي، فمسح على رأسي برفق وهو يقول: أحسنت يا بطل، وأقسم أنه سيرسلني عندما أكبر إلى أخواله في بغداد لأتعلم في أرقى جامعة هناك!!!
لماذا لا تكون حنونا مثل أبي يا أستاذ؟؟!!
كانت جدران الفصل مرتفعة بسقف عالٍ تحمله ألواح خشبية عريضة، فيبدو كقلعة قديمة!!
هدأت الأمطار، فصار نور الشمس الخافت يبرق على أوراق الأشجار الغليظة المبتلة، ويلون بنوره الذهبي حبات المطر العالقة على زجاج النوافذ...
فتسلل طائر الدوري عبر نافذة شباكه العالي، إلى عشه الصغير بين ألواح الخشب، فارتفعت أصوات فراخه!!! أخذت أراقبه وهو يدفئ فراخه ويطعمها!!!
ليتني دوري صغير أغفو تحت جناحي أمي!!! ليتني دوري أحلق في فضاء ربي العالي فوق الأزقة والأسلاك، ألامس الغيم وأصادق النجوم، ولا أهبط أبدأ!!!
سامحك الله يا أستاذي، والرحمة والمغفرة لروحك الطاهرة، لقد سرقت منّا الدفء والعطف، كدت أن تهشّم أحلامنا ولحمنا!!!
في إحدى الليالي حلمت أنّي أطارد أستاذي وهو يجري أمامي عاريا إلا من سروال قصير… ثمّ قبضت على خناقه وأخذت أصفعه بشدة على خديه المنتفخين حتى تورمت، وألقيته على الأرض وأخذت أقفز بكل قوتي فوق بطنه المنفوخ كالبالون، وأنا أصفق وأضحك، كنت فرحا جدا وهو يصرخ ويبكي من الألم، ويستنجد بي!!!
وحين استيقظت شعرت بحزن عميق، وقد جفّ حلقي، كيف بي أن أعتدي على أستاذي الكريم؟؟!! لا يمكن أن يكون ذلك!!!
سامحك الله يا أستاذي كم كنت قاسيا!!! الرحمة والمغفرة لروحك الطاهرة.
(إنني أريد أن أغفوَ غفوة التفاح
وأتعلم أغنية نوْحٍ تغسلني من كل الأرض
لأنني أريد أن أحيا مع ذاك الطفل الذي
أراد شقّ قلبه بعيدا في البحور)... لوركا.
11- سلام على قلبي!!!
ذات ليل عند طرف الحرش أشعلت نارا!!!
ووقفت على ناصية حلمي؛ أفتش بجهدٍ عن ألواني
لعلّي أروّض ذاك الليل البهيم!!!
أنصتُ لنداء حلمي، وهو يشدو كقيثارة في دمي!!!
أبحث عن اسم يليق به!!! وأفتح له جميع الأبواب!!!
سافرت بعيداً بعيداً، بعيدا جدا، كنت وحدي غريباً وضائعاً!!!
هل كان حلمي يكذب؟؟!!!
عشرون خريفا تائها في الدروب ولم أعثر عليك!!!
حلمي، أنت أكثر ما أحببت، وأصبحت الآن أكبر أحزاني !!!
كيف يصير الحلم سرابا؟؟!!
كنت خيالا، ثمّ وردةً اشتعلت، والآن أنت خنجرٌ!!!
أعرف جيدا أنك تشتاق إلى حضوري!!!
أين ستأخذني؟؟!!ألم تشبع منّي؟؟!!
لقد صرت منهكًا بجسم مرضوض!!! ألا يكفيك؟؟!!
لقدخطفت مني قمريْن!!! وذوبتني حتى صرت كالسراب!!!
إن غضبت مني و أردت قتلي، فاقتلني دفعة واحدة، ولا يرفُّ لك جفن!!! فهكذا تكون النهايات الجميلة!!!
كتبت في مذكراتي أجمل قصائدي!!! بكل الصدق الذي يملأني!!!
وكأني أكتب على رمال الصحراء!!!!
كانت الكلمات تباغتني؛ وكأن آخرا غيري يتحدث بلساني ويكتبني!!!
تصطف الوجوه أمامي واضحة باهتة باردة!!! ولا أحد يتجرأ أن يكون شاهدا!!!
صرت كعشبة برية نبتت من جدار مهجور!!!
ترتوي من رحيق الندى الذي يبللها كل صباح!!!
من يطفئ الحرائق في سراديب ذكرياتي المشتعلة؟؟!!
كيف يمكن أن أعيد لهذا القلب عفويته كما ولدته السماء؟؟!!!
وإلى الآن لا أستطيع القول أنّنا انتهينا!!!
فستبقى يا حلمي أنت الوصية!!!
سلام عليك يا قلبي!!!
بقلم:محمود حسونة(أبو فيصل)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف