الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة نقدية في كتاب "فلسطين في الأسر الصهيوني" لعبد الغني سلامة إعداد:أ سهام حمودة

تاريخ النشر : 2019-04-06
قراءة نقدية في كتاب "فلسطين في الأسر الصهيوني" لعبد الغني سلامة إعداد:أ سهام حمودة
قراءة نقدية في كتاب "فلسطين في الأسر الصهيوني" لعبد الغني سلامه

إعداد الأستاذة سهام حمودة

كتاب "فلسطين في الٲسرالصّهيوني " للكاتب الفلسطيني عبد الغني سلامة يسلّط الضّوء على نشٲة الدّيانة اليهوديّة وعلاقتها بتاريخ فلسطين القديم •الكتاب صادر عن مكتبة كل شيئ حيفا ، في2016 • يقع الكتاب في 216 صفحة ويحتوي على ٲربعة فصول• يتحدث الأول منها عن "الأسطورة التوراتية وتاريخ ما قبل اليهودية"، والثاني عن "إرهاصات نشأة الديانة اليهودية"، والثالث عن "تعاقب الفاتحين ووالي الغزاة"، والرابع عن "اليهودية والصهيونية"•" 

يزخر الكتاب بحقائق تاريخية وسياسة نقّب عنها الأستاذ عبد الغني سلامة كباحث عن الماس " ليتسن للجيل الطالع أن يتعرف على تاريخه الحقيقي مجردا من كل تشويه، وأن يقرأه بدون أحكام مسبقة، ليكون إيمانه بعدالة قضيته مبنيا على أسس راسخة، ولتكون محبته لشعبه وعشقه لوطنه منزهة من كل عنصرية، وليكون نضاله ضد أعدائه لدوافع وطنية، برؤية إنسانية حضارية، خالية من كافة أشكال التطرف والغلو ومحاولات الإقصاء•" وهو ما يجعل من الكتاب وثيقة هامّة للغاية للقارئ العربي والغربي على حد السّواء ففيه توجد إجابات شافية لأسئلة قد تخامر ذهن باحث عن الحقيقة أو قارئ عاشق لتاريخ فلسطين أو محلّل سياسي لظهور الحركة الصّهيونية •

ولقد استند المؤلّف إلى ثلاثين مرجعا في تأليف كتابه يدفعه في بحثه هذا عن الحقيقة " توق لمعرفة الحقيقة التاريخية" وحبه لفلسطين• فالأستاذ عبد الغني سلامة يؤمن أن "وضوح رؤية التاريخ الفلسطيني " سيؤدي حتما إلى " إنشاء أرضية صلبة تبنى عليها الحقائق التاريخية تخول لفلسطين المطالبة بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني• "

اعتمد المؤلّف التسلسل الزّمني في رسم لوحة فلسطين القديمة الٲصيلة الأصلية التي استبدلها اليهود بلوحة مزيفة وعرضوها في مسرح العالم مع آليّات سرد جميلة في رسم تاريخ فلسطين القديم فجعل من قراءة الكتاب رحلة جدّ ممتعة ننهل منها الكثير دون ملل أو كلل•

في بداية الكتاب وقبل الشروع في الحديث عن حيثيات نشٲة الديانة اليهودية وظهور ما يسمى بالدولة الإسرائيلية والعوامل التي ساهمت في بعث الحياة في اليهود بعد أن كانوا على شفا حفرة من الفناء الحقيقي يمدّنا الباحث بحقائق عن الآباء المؤسّسين ٲي عن ٲوّل من وطئت قدمه ٲرض فلسطين وهي حقيقة يجهلها الكثير من العرب وغير العرب المثقفين منهم وغير المثقفين لأنها طمست من قبل العلماء التوراتيين و استبدلت بأخرى فبعد بحث عميق ودراسة دقيقة للمراجع و تمحيص للمعطيات التي تمخض عنها علم الآثار والتنقيبات الٲركيولوجية اتضح أن شعب كنعان وهي كلمة تعني الصبغ القرمزي أوّل من سكن 'الأرض المنخفضة' أو فلسطين و تعد ٲريحا من اهم واقدم المدن الكنعانية •

ويشير الأستاذ عبد الغني سلامة أن الكنعانيين شعب عبقري تدين لهم الإنسانية بالكثير فهم أوّل من اخترع الأبجدية و بفضلها انتقل الإنسان إلى مرحلة التاريخ و الكتابة و التدوين إلى جانب اكتشافهم النحاس و البرنز وتفننهم في البناء وصناعة السفن واهتمامهم بالتجارة و الزراعة •ومنهم انحدر اليبسيون الذين بنوا بيت المقدس وقد أسموها آنذاك ٲورشالم •

أماّ الفلستيون فيوضّح الباحث أنهم قدموا من بحر ايجة في القرن الثالث عشر قبل المسيح ليستقروا في فلسطين بحثا عن ٲرض معطاء تٲويهم وتطعمهم ولقد أطلق المؤرخ هيرودوت فلستيا على المنطقة التي سكنوها •وجدير بالذكر أن الفلستيون نجحوا في الاندماج مع الكنعانيين دون إراقة دماء فتكلموا لغة واحدة وعبدوا نفس الإله ومارسوا نفس الطقوس والعادات ومنحوا فلسطين اسمها وصاغوا على أرضها ومن ترابها وجودهم الإنساني والحضاري •

ومن المؤرخين الذين استند إليهم المؤّلف في بحثه عن الآباء المؤسسين لفلسطين المؤرخ آلت الذي ينفي وجود ما يمكن تسميته بشعب إسرائيل في فلسطين في تلك الحقبة فهو لم يتشكل إلا بعد القرن العاشر قبل المسيح إذ سكنت في أطراف الدولة الكنعانية في المناطق الجبلية في فلسطين عشائر بدوية غير متجانسة توحدت بفعل اتفاق قبلي ديني سرعان ما دخلت في صدام عسكري مع الكنعانيين على شكل حروب ومعارك صغيرة منادية إلى إقامة مملكة خاصة بها •

بعد أن دحض مزاعم الجدّ اليهودي بٲحقيته في ملكية الأرض ينتقل الأستاذ عبد الغني سلامة لإماطة اللثام عن بعض من أساليب البقاء التي اعتمدها اليهود لطمر أصول الشعب الفلسطيني وترسيخ عماد دولتهم على أرضه الطاهرة وإضفاء شرعية على الجرائم النكراء المرتكبة ضده ومن بينها التاريخ الذي يصفه عبد الغني سلامة ب"عكازتا المشروع الصهيوني" إلى جانب الإعلام الذي لا يقل ضراوة عن الجيش الصهيوني •

يؤكّد الباحث أن قراءة اليهود النرجسية الانتقائية المغلقة للتاريخ لعبت دورا فعالا في ترسيخ المشروع الامبريالي الاستيطاني في فلسطين وهي قراءة تنطلق من رؤية دينية طائفية تضفي على مطامعها الدنيوية هالة من القداسة ويشرح لنا كيف أن الحركة الصهيونية جنّدت التوراة لتصور الصراع العربي الصهيوني على انه صراع ديني طائفي محض وهي تريد من ذلك ليس فقط تقسيم الأرض ولكن أيضا زعزعة ثقة العالم بالقضية الفلسطينية فتبدو إسرائيل بمظهر الضحية كأي دولة الأقلية التي يتربص بها المسلمون المتعطشين للدماء• 

ويشير المؤلف إلى أن علم الآثار قد فند ٲيضا ادعاءات ومزاعم اليهود بأحقيتهم في ملكية الأرض إذ تنفي الشواهد الأركيولوجية من الفترة الانتقالية بين عصري البرونز والحديد رواية سفر القضاة وسفر يوشع واقتحام كنعان، ذلك أن نتائج التنقيب الأثري في مواقع المدن التي يدّعي النص التوراتي تدميرها كأريحا ، تظهر عدم تطابق تاريخ تدمير تلك المدن مع التاريخ المزعوم في أسفار التوراة كما ٲن جميع المواقع في فلسطين تظهر استمرارية ثقافية محلية في تلك الحقبة، ولا يوجد أي أثر على حلول شعوب جديدة جلبت معها تقاليد ثقافية مغايرة، كما لم تتوفر القاعدة السكانية اللازمة والأساس الاقتصادي لقيام مملكة قوية، فإضافة للفقر المدقع في منطقة السّامرة فإن منطقة يهوذا كانت خالية من السكان تقريبا آنذاك، أما القدس فقد كانت مجرد بلدة متواضعة لا تصلح لان تكون عاصمة قوية•

ولٲن اليهود يدركون أهمية التاريخ في إنجاح مشروعهم الامبريالي الاستيطاني قاموا بتطويع علم الآثار و التنقيبات الٲركيولوجية على المنهج التوراتي الأسطوري لدعم وجهات النظر اليهودية من خلال السيطرة على مراكز الإعلام وصنع القرار وإنشاء دائرة الآثار الإسرائيلية وحتى تشويه سمعة أي باحث يعارض الرواية اليهودية والاستغلال البشع لكذبة معاداة السامية كما حصل للبروفيسور توماس طومسن عالم الآثار في جامعة ماركويت الأمريكية الذي طرد من الجامعة بسبب أرائه المعارضة للتوراتيين حيث أوضح في كتاب التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي من الكتابة و التنقيب أن مجمل التاريخ اليهودي يستند إلى قصص من صنع الخيال• ورغم ٲن عمليات التنقيب باءت بالفشل تجاهل العلماء المعطيات التي توصلوا إليها وزيفوا الحقائق التاريخية وصادروا تاريخ الطرف الآخر وحقه وأعادوا كتابة التاريخ وفق الرؤية الصهيونية• 

إلى جانب استغلال البعد التاريخي جندت الحركة الصهيونية في حربها ضد الفلسطينيين الإعلام • إذ يخبرنا الأستاذ عبد الغني سلامة أن الإعلام يعد أداة عسكرية في الدولة الإسرائيلية فلقد نجح في تعميم الرواية الصهيونية وكسب التأييد العالمي بالتأثير على الرأي العام في الدول الكبرى• ولقد تحالفت إسرائيل في البدايات مع الدول الأوربية ثم توجهت صوب أمريكا بعد ظهورها كقوة عظمى فهيمنت على وسائل الإعلام بما تملكه من نفوذ سياسي و مال يوصل حد السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام الغربية في أوربا وروسيا والولايات المتحدة وأي صوت يناهض الصهيونية يكون مصيره التشهير•ولقد ٲتقنت إسرائيل استعمال سلاح الإعلام فخدمت أهدافها الإستراتيجية أهمها إضفاء الشرعية على الممارسات الحربية والتنكيل بالأبرياء وتأليب ضد الفلسطيني في الخارج والداخل فغرس في اليهودي حقدا و كراهية ضد كل ما هو عربي مثلما قال الكاتب الإسرائيلي اليساري «جدعون ليفي،في خطاب له أمام تجمع اللوبي اليهودي الأمريكي ˸ "لو شققت على جلد أي إسرائيلي ستجد تحتها تلك النزعة الوحشية في التعامل مع الفلسطينيين•"كما درج الإعلام الصهيوني على استخدام مصطلح المسالة اليهودية في إشارة منه إلى ما قاساه اليهود بسبب يهوديتهم في العصور الوسطى و بشكل اكبر في الفرن التاسع عشر •

يجدر الإشارة هنا أن المسائل التي طرحها الباحث في بداية الكتاب لا تقل أهمية عما سيتناوله بالشرح في الفصول الأربعة الرئيسية منه فهي ستساعد القارئ في فهم الحقائق التي سيكشف عنها الأستاذ عبد الغني سلامة لاحقا•

في الفصل الأول من الكتاب" الأسطورة التوراتية" يوضح الأستاذ عبد الغني سلامة أن التوراة التي يستقي منها اليهود براهينهم على ملكيتهم لأرض فلسطين تتسم بغياب الحس التاريخي عن النصوص المقدسة وتزخر بالتناقضات فهي ضرب من الخيال جرى تحويله إلى تاريخ فسفر التكوين مثلا والذي يروي فيه اليهود عصر الآباء يتسم بغياب عنصري التحقيق والتدقيق على حد قول فراس سواح لتناقض أحداثه فهو لا يعدو أن يكون "جمع من التراث البدائي "وتعد حقبة الآباء حلقة بالغة الأهمية في الرواية التوراتية، لأسباب تتعلق العراقة الإثنية لهذا سعى محررو التوراة أن يصوغوا رابطا بين من تم سبيهم إلى بابل من رعايا مملكة إسرائيل و النبي إبراهيم و بنيه يعقوب و إسحاق وتغطية الحقيقة عن تعدد أجناسهم كما أن مجمل التواريخ التي ذكرتها التوراة َلا تتفق مع التواريخ الحقيقة لأحداث عصر الآباء ،فعصر الآباء حتى باعتراف التوراة – هو حقبة تاريخية مستقلة ومنفصلة عن تلك الحقبة التي ظهر فيها النبي موسى، وبينهما أكثر من خمسة قرون من الزمان•

ٲما في الفصل الثاني إرهاصات نشأة الديانة اليهودية يدحض الباحث مزاعم وجود دولة إسرائيل فيقول أن دولة إسرائيل (السامرة) ما هي إلا دويلة فلسطينية محلية أنشأها الملك «عمري» في العام ( 880ق.م) واستمرت أقل من قرنين من الزمان، حيث دمرها الآشوريون عام ( 721ق.م) وسبوا أهلها إلى آشور بشمال العراق، والاجتياح الأشوري لفلسطين كان نتاجا للتحالف السياسي العسكري مع بعض ملوك الفلسطينية، بعد أن كان ولائهم للفرعون المصري، الأمر الذي دفع بالفرعون إلى تحفيز مدن أخرى وأهمها السامرة على الوقوف في وجه المتعاملين مع الأشوريين، وهذا كان من شأنه التعجيل في اجتياح إسرائيل وتدميرها وسبي أهلها، وهؤلاء المسبيون لم يرجعوا إلى ديارهم قط، بل ذابوا عرقيا وثقافيا في تلك المجتمعات•

وفيما يتعلق بمملكة يهوذا (والتسمية تعود للاسم الكنعاني لمنطقة أورشالم وصحراء يهوذا جنوب فلسطين) فقد ا نشأت نحو عام ( 735ق.م) والتي دامت قرابة قرن ونصف من الزمان، وبازدهارها وتدخلها في سياسة التجارة الدولية أدى ذلك إلى تصادمها مع البابليين، فيما عرف بالسـبي البابلي عـام ( 587ق.م) على يد الملك الكلداني «نبوخذ نصر،» ولقد كشفت التنقيبات الأثرية على المستوى العقائدي/الديني، أو الثقافي، أو المعماري، أو أنماط الحياة استمرار للمعتقدات الدينية والحياة الثقافية للعصور السابقة بطابعها الكنعاني، وتدل على أن سكان هذه الممالك كانوا يعبدون الأصنام، وأنهم بالرغم من عبادتهم الإله يهوه، فهم أيضا عبدوا الإله بعل•

وينقل لنا الباحث ما حدث زمن السبي البابلي و ما آل إليه حال اليهود آنذاك وبعده إذ أن الأشوريون زمن «سرجون الثاني» وابنه «سنحاريب» هاجموا أورشاليم وفرضوا عليها حصارا انتهى باعتراف يهوذا بسيادة الأشوريين ودفع الجزية لهم، واستمر ذلك حتى سقوط نينوى عام ( 612ق.م) وقيام الدولة البابلية وبعد سقوط الإمبراطورية البابلية على يد الفرس نفذ «كورش الفارسي» سياسته في إعادة الشعوب ومعها آلهتها ولقد هدفت هذه السياسة الفارسية إلى خلق نظام إداري للإمبراطور ذي طابع لا مركزي من حيث الشكل، يساعد على حكم المناطق الشاسعة للإمبراطورية وجاءت عودة المسبيين على عدة موجات كان أولها عقب دخول «كورش» إلى بابل عام ( 539ق.م) وهكذا بمساعدة الفرس تم تحديد الهدف: إعادة ديانة يهوه القديمة• 

يوضح الأستاذ عبد الغني سلامة أن كهنة اورشليم ٲخذوا على عاتقهم تدوين التوراة، وكتابة ماضي عريق لهذا المجتمع الجديد أدى إلى نشوء إثنية تمركزت حول عبادة يهوه. وهكذا تحول المركز الديني من السامرة إلى القدس• وهكذا بعث الديانة الجديدة،وصيغ التاريخ اليهودي مع بناء أورشليم الجديدة وهيكلها الجديد في زمن «كورش» و»داريوس» الفارسي أي بعد العام 520 ق.م،وهي فترة تاريخية لا يمكن اعتبارها استمراراً للتاريخ الفلسطيني على أي صعيد، أو تصورها على أنها صفحة جديدة في تاريخ فلسطين القديم، بل هي تاريخ مستقل في أصوله ومساراته ومصائره كما يؤكد الكاتب•

وفي حديثه عن التوراة واللغة العبرية يشرح الأستاذ عبد الغني لنا أن الديانة اليهودية ترتكز على عميدتين أساسيتين وهما التوراة والتلمود و يؤكد المؤرخون ان التوراة هي خليط من حكايات شعبية وأساطير وملاحم وإحداث حدثت قبل عملية التدوين بمئات السنة سعيا منها لخلق تاريخ لما أطلقت عليه تسمية شعب إسرائيل ولقد كتبت التوراة باللغة الآرمية و اللغة الآرامية والكنعانية هما لهجتان ضمن لغة واحدة، وهي متطورة عن العربية القديمة التي كانت شائعة في وادي الرافدين وبلاد الشام فلقد تبلورت في القرن الثاني ق. م وتميزت كلغة في القرن الخامس بعد الميلاد، ولقد أطلق على اللغة الارمية اللغة العبرية في العهد اليوناني وتحديدا زمن المكابيين وبما أن اللغة هي أحد المكونات الأساسية للهوية القومية والعرقية لأي شعب، سعت الحركة الصهيونية إلى أن تثبت أن اللغة العبرية هي لغة عريقة وقديمة شأنها شأن باقي اللغات السامية الحـية، ومن ثم تثبت علاقة الشعب اليهودي التاريخية مع هذه اللغة، وهـذا من منطلق الفهم القائم على حقيقة أن الكيان القومي لا يصل إلى مرتبة نشوء وتكوين أمـة إلا بإتقان لغة واحدة، ولذلك نرى أن الصهاينة قد عملوا على إحياء العبرية تحت شعار لغة واحدة وشعب واحد ولقد اعترف الانتداب البريطاني باللغة العبرية كلغة رسمية في البلاد عام 1922الى جانب الإنجليزية والعربية.

أما عن الديانة اليهودية فيخبرنا الباحث أن دعوة النبي موسى كانت دعوة للبشرية جمعاء لعبادة الخالق الأوحد، وعدم الشرك به،و الدعوة إلى مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية . ويؤكد المؤرخون أن هذه الديانة نشأت في البيئة المصر أما مصطلح «يهود» أو «يهودي» فـقد استعمل لأول مرة من قبل البابليين في إشارة إلى من جيء بهم من يهوذا (الاسم الكنعاني لاورشليم)

أما الديانة اليهودية التي نعرفها الآن فيؤكد الباحث أنها تكونت فعليا في بابل، وتطورت بعد ذلك في القدس خلال فترة الحكم الفارسي وبأمر منه، ووصلت مرحلة النضوج شبه الكامل في الفترة اليونانية والرومانية، وهي الفترة المعروفة بمرحلة المكابيين•

بعد ذلك ينتقل الأستاذ عبد الغني سلامة للفصل الثالث الذي خصصه لاستعراض الفتوحات و الغزوات التي عرفتها فلسطين • إذ قام الفرس عام 538 بغزو فلسطين بقيادة كورش و إرساء ديانة يهودية ولقد عاش اليهود في منطقة أورشليم طوال فترة الحكم الفارسي متمتعين بما يشبه الحكم الذاتي كإقليم موال للإمبراطورية ولكن هزم اسكندر المقدوني جيش الفرس وسقطت امبراطورية الفرس وبعد موته أصبحت فلسطين تابعة للبطالسة المصريين ما يقرب المائة عام (198 ~ 300ق.م،) وبعد ذلك ولمدة خمسين عاما أخرى ( 152 ~ 198ق.م) ضمت فلسطين إلى السلوقيين، ولقد أثرت الثقافة اليونانية على اليهود فقد كانت اللغة اليونانية لغة التجار والمثقفين والطبقة الوسطى من النيل حتى شرق بلاد فارس فكان من الضروري ترجمة التوراة من الارامية إلى اليونانية كما انقسمت المؤسسة الدينية اليهودية إلى تيارين في تعاملهم مع الغزو اليوناني فمنهم من حاول المزج بعقلانية بين الديانة اليهودية واليونانية وسموا بالفريسيون أما التيار الأخر وهم الاسيون فقد اعتزلوا الحضارة اليونانية ووفي هذا يقول «شلومو ساند:» «وليس من المبالغة القول إنه لولا التعايش بين اليهودية والهيلينية الذي ساهم في تحويل العقيدة اليهودية إلى دين ديناميكي مهود، لظل عدد اليهود عند هذا الحد الضئيل، ولكان عددهم اليوم كعدد السامريين؛ فالهيلينية غيرت وأثرت في الثقافة الدينية اليهودية، وفي أعقاب هذا التطور التاريخي حلقت الديانة اليهودية على أجنحة النسر اليوناني، وانطلقت معه في جولة طويلة عبر أرجاء البحر المتوسط"

ثم انتقلت فلسطين الى حكم الرومان الذين نصبوا أسـرة يهودية لمساعـدتهم في حـكم فلسـطين، بدلا من المكابين (الحشمونائيين) لانهم دعموهم ضد اليونان فحكم المنطقة ملوك تابعون لروما عرفوا ب»الهرادسة،» أشهرهم كان هيرود الكبير الذي عرفت فترة حكمه بعدم الاستقرار إذ قام بفصل السياسة عن الدين واعدم كل رجال الكنيس الذين يحاولون التدخل في الشؤون السياسية ففي فترته نشب صراع حول الشؤون الدينية بين الفريسين و الاسيون والصدوقيين و كان اليهود بلا كيان سياسي او حكم ذاتي فحاولوا ا إشعال فتيل التمرد ولكن أخمده القائد الروماني «فسبسيان،» وبعد استلامه العرش خرب القائد الروماني مدينة القدس واحرق الهيكل وقتل العديد من اليهود وشرد بقيتهم في أنحاء الأرض• 

ولكن يؤكد المؤرخين أن نفي اليهود من فلسطين وتشتيتهم في ربوع الأرض أسطورة ابتدعها محرري الرواية اليهودية لان "المنفى القسري" مهم لفهم التاريخ اليهودي من زاوية تراجيدية، ولتبرير عدم مسارعة اليهود في العودة إلى «وطنهم المزعوم،» فاليهود يطالبون دوما الآخرين بالنظر إليهم كشعب مميز ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي «شلومو ساند» أن اليهود في عهد الرومان لم يتعرضوا لأية عملية إجلاء أو تسفير أو طرد. ويقول: "سياسة النفي الناجعة التي اتبعتها الإمبراطورية الآشورية ومن بعدها البابلية والتي اقتلعت مجموعات كاملة من السكان، لم تندرج ضمن الأساليب والطرق المعروفة للقيصرية الرومانية، بل إن سياسة نفي السكان لم تطبق أبدا في الشرق الأوسط في عهد الرومان و الكشف عن حقيقة عدم تعرضهم لأية عملية طرد، وأنهم اختاروا الهجرة طوعا ستجعل مطالبتهم بالسيادة مجددا على فلسطين ضعيفة وغير مقبولة •" 

ويوضح الكاتب أنه في العهد الروماني ضعف الوجود اليهودي بشكل كبير، حيث أنه بعد قمع التمردات، وخراب الهيكل - الذي كان يمثل محور الحياة اليهودي -وقتل العديد من السكان

وبعد تفرق اليهود، وفقدان القيادة الدينية التقليدية مبرر وجودها، لم يعد اليهود يشكلون شعبا موحدا لهم تاريخ واحد أو لغة مشتركة، وقد اندمجوا ضمن البـيئات التي عاشوا بها وذابوا بين ظهراني السكان، كلٌ حسب منطقته•وكان الاتفاق الذي نظم العلاقات بين السلطات الرومانية واليهود يقضي ببقاء اليهودية كديانة داخلية مع تحريم أي نشاط تهويدي، وبقاء إدارة المؤسسات المحلية التي أُخذت منهم بأمر من هدريانوس» وكذلك المحاكم الدينية، أما موضوع القدس فلم تتنازل السلطات الرومانية بشأنه، وبقيت محرمة على اليهود ومغلقة في وجههم، واستمر ذلك بعد الفتح العربي الإسلامي في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب"وقد ظلت الحضارة اليونانية تتغـلغل في المجتمع المحلي بما فيه من سكان يهود، وشيئا فشيئاً صار الناس يتحدثون اللغة اليونانية، وفي عهد" الحاخام يهودا الأول" كان الناس يسخرون من اللغة الآرامية بلهجتها العبرانية، وصارت اليونانية هي اللغة الرسمية بما في ذلك لغة السنهدرين (أعلى هيئة شرعية من كبار اليهود) .

ولكن تحت حكم قسـطنطين الأول» ( 337 ~ 306م) وفرض المسيحية في ربوع الإمبراطورية الرومانية وصارت فلسطين منطقة مقدسة لدى عموم المسيحيين ووضع القيصر «مرسـيانوس» ( 457 ~ 450م) حدا نهائيا لمؤسسة الرئاسة الدينية اليهودية، ورفض تعيين رئيس جديد، وبذلك اختفت مظاهر الحياة اليهودية من فلسطين إلى حد كبير، وكان على العالم أن ينتظر أكثر من 1500سنة أخرى حتى يشهد ظهور ما يسمى بالشعب الإسرائيلي•

ينتقل بعد ذلك المؤلف لاستعراض عوامل تراجع الوجود اليهودي في فلسطين والدي لخصها في العوامل التالية:تعرض اليهود للقمع والقتل وخراب الهيكل و فشل القيادات اليهودية في كسب ثقة السكان وهجرة رجال الدين وانتشار الثقافة اليونانية الهيلينية وطغيان اللغة اليونانية في أواسط اليهود الى جانب سيطرة السلطة العلمانية على المؤسسة الدينية بانتصار الفريسيين على الصدوقيين زمن اليونان والرومان وانتشار المسيحية وتدفق موجات العرب إلى فلسطين والتي تكثفت في فترة الفتح العربي الإسلامي، وفترة الحكم الأموي، وفي فترة حكم صلاح الدين الأيوبي، واستمرت بعد ذلك دون انقطاع•

يكشف لنا الباحث أيضا في هذا الجزء من الكتاب عن سمات التوطن العربي في فلسطين الذي دام أكثر من أحد عشر قرنا من الزمان، وهي فترة حكم الفرس واليونان والرمان بحثا عن الأرض الخصبة والاستقرار ولقد استمر هذا المد العربي إلى أن جاء الفتح العربي الإسلامي ورفد المنطقة بدماء عربية جديدة من الجنود الفاتحين وعائلاتهم، وفي عهد القائد صلاح الدين الأيوبي حدث تدفق آخر للقبائل العربية إلى فلسطين بتشجيع من صلاح الدين، لسد الفراغ ورفد المنطقة بطاقات ودماء عربية جديدة، للدفاع عن الأرض المقدسة ومقاومة احتلال الفرنجة وجعل من فلسطين منطقة مفتوحة أمام الأفواج العربية القادمة من الصحراء، وهذا المـدد أنعـش العناصر السكانية القـديمة وجعـلها تتقـوى على العناصر الأجنبية (اليونانية والرومـية)•

ٲما في الفصل الرابع والأخير من الكتاب اليهودية و الصهيونية يشرح لنا الباحث الأسباب التي أدت إلى أفول نجم اليهود واصفا زمانهم الذي عاشوا فيه في الظلال والذي امتد خمسة عشر قرنا "بالتاريخ اليهودي المفقود" • فدمار القدس عام 70 م وتنكيل "هارديا"' باليهود عام 135م مع تضافر عوامل أخرى جعل اليهود الذي نجوا يبحثون عن وسيلة للبقاء فوجد بعضهم في اعتناق المسيحية ملجأ من سياط الموت في حين هامت فئة منهم على وجهها في الأرض والقلة القليلة الباقية عاشت في معزل عن الآخرين كطائفة هامشية صغيرة لم يأت التاريخ على ذكرها بعد ذلك •

ويشير عبد الغني سلامة أن اليهود الذين ضربوا في الأرض ينشدون الأمان تفرقوا في عدة دول منها بلاد الأندلس والمغرب و بلاد فارس وأوربا والجزيرة العربية حتى أن بعض اليهود وصل بهم الأمر إلى التوجه إلى بابل و الانضمام إلى بقية المسبيين•في تلك الدول انصهر الفارون في نسيج المجتمع وعاشوا فيها وحاول الناشطون منهم دعوة الناس إلى اليهودية يحاولون بعث الحياة فيها من جديد ولقد نجحوا في ذلك فلقد انتشرت اليهودية في كل من اليمن و الحبشة و أواسط و شرق أوربا وبلاد الأندلس وشمال إفريقيا •

ويكشف لنا الباحث في هذا الجزء من الكتاب عن حقيقة يخشى اليهود حد الموت اذ يؤكد عبد الغني سلامة أن ليس لليهود أي رابطة عرقية مع العرق السامي فاليهود ينحدرون من شعوب الخزر ويستشهد الباحث بما جاء في كتاب القبيلة الثالثة عشر لارثوركوستلر الذي كتب ما يؤيد ذلك:

"الأغلبية الكبرى من يهود العالم في الوقت الحاضر، هم من أصل أوروبي شرقي وبالدرجة الأولى من أصل خزري، وهذا يعني أن أجدادهم لم يجيئوا من الأردن، بل من نهر الفولغا، ولم يجيئوا من أرض كنعان، بل من القوقاز، مهد الجنس الآري، وهم من حيث التركيب الوراثي أقرب إلى قبائل الهون والآوجور، منهم إلى ذرية إبراهيم وإسحق، وبالتالي – إذا ثبت ذلك – فإن تعبير معاداة السامية سيكون خاليا من معناه، وقصة إمبراطورية الخزر تكاد تبدو كأنها أكبر خدعة اقترفها التاريخ في أي وقت مضى•"

فبعد سقوط إمبراطورية الخزر تماما تحت أقدام الغزو المغولي في القرن الثالث عشر الميلادي تفرق يهود الخزر وهاجروا إلى مناطق آمنة ليشكلوا نواة التجمع اليهودي الكبير في أوروبا الشرقية وروسيا وأوكرانيا وأوروبا الغربية، والأغلبية الساحقة من يهود الولايات المتحدة الأمريكية• وهذا ينفي أنهم على حد عبارة المؤلف أنهم "الوريث الشرعي " أو المباشر لبني إسرائيل وهي حقيقة يخشى اليهود تعميمها فتقوض حق الدولة الإسرائيلية في الوجود•

ويجيب الباحث عن تساءل القارئ عن كيفية نشأة الحركة الصهيونية فيوضح عبد الغني سلامة أنها نتاج للسياسة الأوربية بعزل اليهود ثقافيا و مجتمعيا و جغرافيا في جيتوات اذ ساهمت هذه السياسة إلى حماية خصوصية اليهود وإبقاء جذوة اليهودية تشتعل فجعلت منهم وحدة اجتماعية مستقلة قوية لم تضعفها التقلبات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي عرفتها أوربا في العصور الوسطى و الحديثة ولكن بانتصار الليبرالية في فرنسا تحرر يهود فرنسا من قيود الجيتوات و شيئا فشيئا بدأت أوربا ترفع قيودها عن اليهود حتى تحرر اليهود في أوربا الغربية و الوسطى و الشرقية في بداية الفرن العشرين•

ويشير سلامة إلى أن ظهور الحركة القومية في أوربا والتي عمقت التناقضات الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية بين المجموعات اليهودية والمجتمعات الأوربية هي من أشعلت الرغبة في اليهود للبحث عن هويتهم القومية و لكن بعد اغتيال قيصر روسيا ازداد الوضع سوءا فتنامت مشاعر اللاسامية ويستعرض الباحث الحلول التي ارتآها اليهود للخروج من أزمتهم ومنها التدين وانتظار المسيح ٬ اعتناق المسيحية ٬ الذوبان في المجتمعات والحصول على مواطنة عادية ٬الهجرة إلى ربوع الأرض أو المشاركة في الثورات الاجتماعية للتمرد على الوضع القائم• تعددت الحلول ولكن تنامي الظاهرة القومية في أوربا رجحت كفة التيار المنادي إلى ببعث القومية اليهودية ويؤكد الباحث أن هذا التيار دعمه ظهور" برجوازية يهودية باتت تتلمس مصالحها الذاتية في نطاق وطن قومي لليهود تحالفت مع طبقة رجال الدين •

أرادت هذه النخب (الصهيونية) تأميم الديانة اليهودية، ومصادرتها لصالح مشروعهم الجديد، وكانت نقطة البدء هي تحويل تاريخ الجماعات اليهودية إلى سيرة شعب إثني صاحب قضية قومية•ولم يبق عليهم إلا البحث عن حليف دولي يشترك معهم في المصلحة يبارك ولادتها ويثبت وجودها • ويشير عبد الغني سلامة إلى ميلاد فكرتين من الصهيونية فكرة تعتمل في الفكر اليهودي تنشد حلولا لازمة اليهود وفكرة تصاغ في أروقة الامبريالية وصنع القرار كأداة للمشروع الاستعماري الغربي في الوطن العربي ورغم أن التيار اليهودي كان معاديا للصهيونية الامبريالية التي وصفها بالصهيونية اللاسامية ورفض اليهودي العادي لها لأنها لا تعبر ولا تجسد مصالحهم لبقيت الصهيونية اليهودية مجرد حلم•

يتمثل المخطط الكولونيالي في استعمار الوطن العربي والسيطرة عليه، ومن ثم نهب ثرواته وجعله سوقا لمنتجاتها، وكذلك السيطرة على الممرات المائية والخطوط الدولية ولا يكون ذلك إلا بغرز كيان موال في قلب الوطن العربي، ذو دور وظيفي محدد كما هو: موقع متقدم للإمبريالية،وحليف عضوي، ورأس جسر للسياسة الأمريكية، وقامع لحركات التحرر، ومدافعا عن المصالح الحيوية الأمريكية، وتشتيت العرب•وهو مشروع سياسي استعماري تولت دول أوروبا ثم لاحقا أمريكا – تنفيذه بكل ما تطلب ذلك من دعم ومساندة، بما في ذلك اختلاق بُعد تاريخي لهذا المشروع، أي ل «الشعب اليهودي "

ويشير الباحث أن الصهيونية لم تكن استجابة لتطلعات اليهود, ولم تكن حلا لمشاكلهم، بل كانت ثمرة اتفاق سياسي بين البرجوازية اليهودية وبعض رجال الدين، مع الدول الأوروبية التي كانت تتطلع لاستعمار الوطن العربي، وإقامة كيان سياسي موال له في قلبه أما عن القومية اليهودية فينفي الباحث أن يكون هنالك وجود لشعب يهودي أو ما يمكن تسميته بالشعب اليهودي وهو حلم تسعى الحركة الصهيونية إلى تحقيقه وصهر شعب عرقي على حد عبارة المؤلف شعب لازمن تاريخي تطوري له لهذا يستنجدون بالتوراة وطمروا التاريخ الفلسطيني ولكن حتى التجمع اليهودي في إسرائيل اليوم فإنه يفتقر إلى السمة الاجتماعية بالمعنى السوسيولوجي، فهو شعب غير مترابط الأجزاء، وقد فشل رهانه على جعل الدين أساسا لانبعاث قومية خاصة بـه، أو دافعا لهجرة يهود العالم إلى فلسطين، واليوم نرى أن ثلاثة أرباع يهود العالم يرفضون القدوم لإسرائيل، ويفضلون الاندماج في بلدانهم كمواطنين عاديين ولا يلعب الدين معيارا حاسما في عملية تشكل الأمة، أو محددا قاطعا لشخصيتها الإثنية، خلافا لليهودية التي تريد أن تجعل من الدين معيارا وأساسا رئيسا لتشكل الأمة اليهودية وعلى هذا الأساس أرى أنه الأنسب تسمية الشعب اليهودي بالجماعة الدينية أو الجماعة اليهودية، وبناء عليه فإن من أعيد تجميعهم في القرن العشرين من أكثر من مائة دولة لم يكونوا يوما ما شعبا يهوديا، بل كانوا جماعات يهودي متناثرة تعيش أوضاعا مختلفة ومتباينة، والقسم الأعظم من هذه الجماعات آثر أن يبقى في موطنه الحقيقي•

ٲما تعريف طبيعة الدولة الإسرائيلي والهوية اليهودية فيراه الأستاذ عبد الغني سلامة أمرا معقدا للتداخل الكبير بين الديني والعلماني ويفسر «ساند» عدم الفصل بين الديني والقومي بسبب الضعف البنيوي للقومية اليهودية وهشاشتها، حيث استعار الخطاب القومي من الخطاب الديني كل مفرداته ورموزه. ويضيف: «لا وجود لقومية يهودية بدون الغلاف الديني الذي يلفها، فالصهيونية المركزية الإثنية كانت بحاجة دوما للعكاز الديني لتعريفها ن دولة إسرائيل تحكم توجهاتها وسياساتها العقيدة الصهيونية،وهي عقيدة (قومية يمينية متطرفة) قائمة على الاستعلاء والعنصرية والتوسع والاستيطان •

وتستمد الصهيونية أيديولوجيتها من التوراة والجيش هو المكون المركزي الأساسي والجوهري للدولة الإسرائيلية فالمجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري•و تعرف إسرائيل نفسها بأنها دولة اليهود، أو دولة يهودية، الأمر الذي يجعل منها دولة دينية، وبالتالي فإن الروابط التي ستجمع بين مواطنيها هي فقط الروابط الدينية اليهودية والمشكلة أن إسرائيل تنظر لنفسها على أنها دولة عصرية ديمقراطية؛ علما بأن أبسط بديهيات الدولة في العصر الحديث – حتى لو لم تكن ديمقراطية – هي ضمان حقوق المواطنة. وهذه الحقوق غير متاحة بشكل عادل أمام جميع مواطني دولة إسرائيل، وبالذات أمام العرب الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين. وهذا يجعل من شعارات الديمقراطية ودولة المواطَنة مجرد شعارات جوفاء لا تجد لها تطبيقات حقيقية على الأرض•. يصف ساندي إسرائيل فيقول أنها ليست دولة مهمتها الرئيسة خدمة شعب مدني متساو (في الحقوق والواجبات،) إنما خدمة شعب عرقي إثني بيولوجي ديني، وهمي تماما في الحقيقة ومن ناحية تاريخية، لكنه حيوي ويمارس الإقصاء والتمييز في حياته السياسية، فهذه الدولة رغم التوجهات الليبرالية والتعددية الظاهرة فيها، ترى أن من واجبها الاستمرار في عزل شعبها «العرقي» المختار، ليس فقط عن مواطنيها غير اليهود، ولا عن عمالها الأجانب الذين ولدوا فيها وحسب، وإنما أيضا عن سائر أمم وشعوب العالم•

ينتقل بعد ذلك الباحث ليستعرض الأساطير التي وظفتها الحركة الصهيونية في إضفاء شرعية عن احتلال فلسطين وتشريد شعبه الأبي وهي :أسطورة الأصل التاريخي ٬ أسطورة العبودية٬ أسطورة اقتحام كنعان٬ أسطورة المملكة الموحدة ٬ أسطورة العلاقة بين مملكتي يهودا و السامرة٬ حيلة دمج التواريخ وخلطها بعضها مع بعض٬ أسطورة أصول نشأة الديانة اليهودية ٬ أسطورة المنفي والشتات اليهودي٬ أسطورة وحدة الأصل٬ أسطورة ارض إسرائيل ارض اليهود ٬ أسطورة أن اليهود شعب ٬ أسطورة نقاء الشعب اليهودي عرقيا ٬ أسطورة شعب الله المختار ٬ أسطورة ارض الميعاد٬ أسطورة معاداة السامية٬ أسطورة اضطهاد المسلمين لليهود ٬و أسطورة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض• 

يعد الكتاب مخزنا للمعطيات والحقائق التاريخية الهامة التي من شٲنها أن تزيل الكثير من للالتباسات في ذهن العربي والغربي و فيه لا يسعى الكاتب عن إماطة اللثام عن الحقائق فحسب فقراءة متمعنة للكتاب ستكشف الكثير من الحلول التي طرحها هنا وهناك فهو يرى ٲن نهاية المشروع الامبريالي الاستيطاني الإسرائيلي وانهياره حتمي رغم ما تتلقاه إسرائيل من دعم دولي خاصة وأنها محمية بموجب القانون الدولي ومن الصعب نزع شرعيته إضافة إلى هيمنة الامبريالية العالمية وعجز العرب عن لعب دور دولي فعال ومؤثر وٲنه من الضروري :

-تناول تاريخ فلسطين القديم كتاريخ مستقل وقائم بذاته ومتحرر من قبضة الدراسات التوراتية وليس كخلفية تاريخية رغم انه يعد من اعقد المسائل وأكثرها تشابكا لما طاله من تشويه و تحريف على أيدي الحركة الصهيونية قديما وحديثا وبسبب تداخل الدين والأسطورة بالتاريخ والسياسة •

-كتابة التاريخ الفلسطيني من منظور علمي موضوعي يؤدي إلى تقويض دعامة أساسية من دعائم الصهيونية و إعادة الاعتبار لجزء مهم وأساسي من التاريخ العربي القديم وحرمانها من استغلال البعد التاريخي• 

فالأستاذ عبد الغني سلامة يؤمن أن وضوح رؤية التاريخ الفلسطيني سيؤدي إلى إنشاء أرضية صلبة تبنى عليها الحقائق التاريخية وتخول فلسطين المطالبة بالحقائق الثابتة للشعب الفلسطيني "لان من يتقن فهم التاريخ يتقن صناعة المستقبل "وهو ينبه أن إعادة التاريخ وتصويبه مهمة تاريخية علمية تتطلب أقصى درجات المهنية والموضوعية وهي مهمة وطنية تسعى إلى تثبيت الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في وطنه وإعادة الاعتبار لتاريخه وهي مسؤولية ليس الفلسطيني وحده فقط بل كل المثقفين العرب لان القضية الفلسطينية كما يؤكد الباحث قضية إسلامية لان المقدسات الإسلامية و المسجد في فلسطين يعني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو ما يجعل تحرير فلسطين واجب وطني وديني وقومي وإنساني لهذا على المسلمين وكل أحرار العالم الكفاح ضد الصهيونية بصفتها حركة عنصرية معادية للإنسانية ترتكب جريمة ضد شعب آخر وتعتدي على المقدسات الدينية •
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف