الأخبار
ماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفتوة في شعر صفيّ الدين الحِلّيّ بقلم:د.محمد بكر البوجي

تاريخ النشر : 2019-04-06
الفتوة في شعر صفيّ الدين الحِلّيّ بقلم:د.محمد بكر البوجي
الفتوة في شعر صفيّ الدين الحِلّيّ

الدكتور محمد بكر البوجي 

أستاذ الأدب و النقد في  جامعة الأزهر ، غزة ، فلسطين 

تعريف بالشاعر صَفيّ الدين الحِلي ّ :
هو عبد العزيز بن سرايا بن ابي القاسم الملقب ب   صفيّ الدين الحِلّيّ ( 1277 – 1349 ) ينسب الى مدينة الحِلة  في العراق ،  حيث ولد فيها .كان كثير الترحال بين الكوفة وبغداد والشام ومصر وماردين ، أقام مدة في ماردين  وتقرب من ملوك الدولة الأرتقية 1 ، مدحهم فأجزلوا له العطاء ، كذلك مدح السلطان الملك الناصر  في القاهرة ، عاد إلى بغداد وتوفي هناك .
1 أسس أرتق بن أكسب إمارة  في الأناضول ومعه قبائل من تركية ، ثم صار حاكما للقدس وفلسطين ، طردهم الفاطميون من فلسطين عام 1098 ، ذهبوا إلى شمالي العراق وأسسوا إمارة جديدة ، كانت نهايتهم على يد الخرقان السود ( آل قراقويونكو) سنة 1408 ، وكانت إمارتهم في جنوبي شرق الأناضول ( ديار بني بكر ) ومردين شمالي الجزيرة الفراتيىة .. الموسوعة الحرة .


مفهوم الفتوة  :
جاء في قاموس لسان العرب .. الفتاء .. الشباب . الفتي والفتية ..الشاب والشابة  . وفي معجم  المعاني الجامع .. الفتوة ..الشباب بين طوري  المراهقة والرجولة . الفتوة .. حمية  ، مروءة ، نجدة ،  كرم ، إنه من أصحاب الفتوة . الفتوة ..رجل قوي البنية  يفرض سيطرته  وحمايته على حي أو منطقة ، ويأخذ من أصحابها مالا نظير حمايته لهم . فتوة ..جمع فتى ، فتى الولد ..صار فتى قويا .
تطور  دلالة الفتوة  :

جاء في شعر طرفة بن العبد قوله  :
    إذا القوم قالوا مَنْ فتى خِلت أنني ..عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلدِ
يأتي مفهوم الفتوة هنا ، القوة في الدفاع عن القبيلة ، لكن سرعان ما يذكر محبوبته .خولة . وعلاقته  معها بقوله  :
  وما زال تشرابي الخمور ولَذتي .. وبيعي وإنفاقي طريفي ومُتلَدي 
هنا تأخذ  الفتوة معنى الحمية والقوة والمروءة . هذا أيضا ما أجاد بع عنتر بن شداد  القائل  :
ولقد أبيت على الطوى وأظله .. حنى أنال به كريم المأكل 
ويقول الشاعر امرؤ القيس في هذا الاتجاه  :
عليها فتىً لم تحمل الأرض مثله ..أبرّبميثاق وأوفى وأصبرا 
يقول الشاعر الصعلوك عروة بن الورد  :
أُقسم جسمي في جسوم ٍكثيرة ٍ..وأحسو قُراح الماءِ والماءُ بارد 
ويقول الشاعر زهير بن أبي سلمى :
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ..فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدم 
أخذت دلالة الفتوة معان عدة كما عرفتها القواميس العربية ، مثل الكرم ،  والصدق  ، والإخلاص ، والمروءة ، وحماية القبيلة والأهل .
ثم جاء  عصر الإسلام وحافظ على المعنى الإيجابي للفتوة مثل الشهامة والكرم وحماية الضعيف ، وقد استمر شعراء الصعاليك في فتوتهم  حيث كانوا يأخذون من الغني ويعطون الفقراء ،  قال شاعر الفتوة في  العصر الأموي  أبو النشناش التميمي :
    فعش معذرا أو مت كريما فإني أرى الموت لا يُبقي على من يطالبه
وقول الصعلوك  زعيم الفتوة في العصر الأموي  الشاعر ، عبيد الله بن الحر الجعفي  . في الأخذ من الأغنياء وتوزيعها بالتساوي على رجاله الفقراء :
  أقول لفتيان الصعاليك اسرحوا بأموالكم أو تهلكوا في  الهوالك
  إذا ما غنمنا كان قسمةً ولم نتبع رأي الشحيح المُتارك 
إن مصطلح الفتوة  بمعناه الإيجابي يرتبط بالافعال الكريمة والشباب الجيد القادر على فعل الصالحات . لهذا جاءت في القرآن الكريم  مفردة الفتوة والفتى  للدلالة على للدلالة على  شباب صالح  يقوم بعمل إيجابي تجاه ربه ، يقول القرآن عن أهل الكهف   ( أنهم فتية آمنوا بربهم  وزدناهم هدى) الكهف 31  . كذلك عن النبي إبراهيم عليه السلام  ، قال ..( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) 
الأنبياء 60 .نعلم صدق هذه الشخخصيات  كما جاء في الآيات الكريمة2
وقد انتقلت الفتوة بمفاهيمها المتنوعة إلى الأناضول  مع السلاجقة  بعد سقوط بغداد عام 556 هج .1258  م  . وانتهاء دورها في بغداد ، عرفت هناك باسم ( الآخية ) وهي أقرب إلى الصوفية . 3

2 = انظر ..الفتوة عند العرب ، عمر الدسوقي ، القاهرة ، دار نهضة مصر ، 1951 ، ص53
3 . مقال على الشبكة العنكبوتية للدكتور . علاء الدين منصور ، رحلة ابن بطوطة 
لهذا نضع تعريفا خاصا بنا في هذا البحث لمفهوم الفتوة ، معتمدا على الشعرالجاهلي وما جاء في القرآن الكريم ، وهو .. الشجاعة في احقاق الحق ومساعدة الضعيف ، وذم البخلاء الاغنياء ، ومدح السادة الكرماء ، وأن يتسم الفتي بالفروسية  والنجدة والحكمة ، والفخر بنفسه وقوته . كان شاعرنا صفي  الدين الحلي فارسا شجاعا ، عربيا صادق العروبة ، يظهر في شعره تعصبه للعروبة ، وحماسه لقومه ، يبث فيهم روح الأنفة والطموح ، في  وقت فقد الوطن فيه الأمن ، وانتشرت الفتن والحروب ، دفعه ذلك للرحيل ‘لى يار بني بكر بن وائل ، ثم رأى في مصر مقرا له ، مدح سلطانها الملك الناصر  وتقرب إليه بقوله .. وقلت لقلبي لا خيل عندك تهديها ولا مال ، ونظمت في مدح السلطان الأعظم مستخدما السيف والقلم . وقال فيه شعرا كثيرا، شاعرنا قال في كل فنون الشعر تقريبا ، فلم يترك فنا شعريا دون النظم فيه .

فنون شعر الفتوة :
1.. الفروسية  :
 تدل الفروسية على الشجاعة والقوة ، وهي  صفة يمتاز بها من ينافس في الميدان ، وويثبت ذاته ، ويظهر قوته ومكانته في المجتمع ، احتلت  الفروسية مكانة عالية عند شاعرنا وأصبحت سمة ممية لشخصيته ، لهذا ترتاح نفسيته عند ذكره شعر الفروسية ، تسبق الفروسية الشعرية عند العرب ، وهي نادرة في أدبياتنا العربية أن يجمع الرجل بينهما ، الفارس له مكانة عالية ، لكن أن يجمع الرجل بين السمتين فهذا اكتمال تام للشخصة ، وهذا ما امتاز به شاعرنا صفي الدين ، فاكتملت له سمة الزعامة والقوة . يقول تعبيرا عن ذلك :
  فلم يسمعوا إلا صليل مُهندي .. وصوتَ زئيري بين قعقعة اللّجم 
جعلتهم نهبا لسيفي ومقولي .. فهم في وبال من كلامي ومن كَلمي (ص 18 )
هنا يفخر بأنه جمع بين الحسنيين ، الكلام الشعري ، وقوة سيفه .
ومن شعره ايضا :
  وإني ليُدمي قائم السيف راحتي .. إذا دُميت منهم خدود الكواعب 
  فإن كلِموا منها الجسوم فإنها .. فلولُ سيوفٍ ما نَيَتْ في المضارب 
  يظهر الشاعر فروسيته وأنه يدمي أعداءه بسيوف لم تلن أثناء الضرب (ص 15 )
نلاحظ في مجمل قصائده في هذا الفن أنها تعبر عن عنفوان شبابه ، يريد اثبات ذاته في ميدان الفروسية الى جوار الشعر ، يتمتع بقيم الفروسية بكل تجلياتها ومظاهرها حتى يبرز شخصيته ، إذ تتفجر الفتوة عنده حيوية وشبابا ، تتخذ قصائده هنا من الفروسية مرتكزا له ، لديه المنعة والقوة في محاولة منه  لإظهار شخصيته أمام القبيلة وأعدائها على حد سواء ، مستذكرا صموده في المعارك التي خاضتها القبيلة . إنه يتحدى الموت متجاوزا اللحظة الراهنة التي منحته حضورا شعريا وسلوكا شبابيا فتيا  يمتاز به ، إنه الفتى الذي يمتلك كل أدوات الفتوة ، بما فيها الفروسة وخوض المعارك ، ومقدرته على التحكم بقيادة الخيل ونواصيها كيفما يشاء بمهارة عالية قد لا يجدها في أبناء قبيلته ، ولا حتى أعدائه ، يمنح حياته معان جميلة وملامح أسطورية تجعله متفوقا على  فتوات عصره إلى جانب شرف الكلمة وسمو المكانة التي يتمتع بها سادة القوم .
كان الفرس المطية الافضل لشاعرنا ، فلم يكر الناقة في شعره كعادة العرب رغم كثرة ترحاله في صحارى موحشة بعيدة تحتاج الى مطية تتحمل أعباء السفر ، لم يذكر غير الخيل في شعره وهي سمة الفتوات الاثرياء ، يتخذ من الفرس صديقا كما فعل امرؤ القيس ، يرجع ذلك إقامته في مناطق ليست صحراوية مثل مردين  وديار بني بكر شمالي نهر الفرات ، وبغداد ومصر حيث الوديان  والماء الوفير و الأرض الصلبة  التي لا تحتاج الى ناقة ، بل إلى فرس يجري بسرعة دون كلل ، يصف فرسه بقوله :
 إذا قَرُب الرامي إلى فِيه نحره .. سعى نحوه بالقَسْر عَيّ مجانب 
فيقبل في بطء كخطوة سارق ..ويدير في جَريٍ كركضة هارب 
                               ......
 سَريت بها والجو بالسحب مُقتّم .. فلما تبدىَ النجم قلت لصاحبي 
بحرف حكى الحرفَ المُفخم صوتها .. سليلة نُجبٍ أُلحقت بنجائب ص16
نراه يمزج  في وصفه الفرص بين عنتر الذي يكلم فرسه وبين امرؤ القيس الذي يصطاد بخفة على فرسه . ربط الشاعر الخيل بعناصر أخرى مرتبطة داخل النص الشعري ، ليشكل حالة حضور شخصي بقدرات فائقة ترتبط بقدرات الخيل ، لأن الخيل يخوض غمار الموت بحثا عن حياة صاحبه ، ربط أداءه في الحياة والفتوة بقوة الخيل  وامتلاك أدوات التفاعل معه .

2.. الكرم :
الكرم صفة الإنسانية الصادقة ، صفة العربي وسجية من سجاياه التي يتمسك بها ، مدحت العرب الكرم بصفته قيمة للشهامة والفتوة والقيم الاجتماعية التي تخفف عن المحتاج وتربط العلاقة بين أبناء الصحراء ، الكرم إيمان بتكريس الحياة ، إنه رديف الفروسية ، لهذا أكثر شاعرنا من قصائد الكرم والجود والعطاء والإنفاق ، وقد تجسدت هذه المعاني في شخصه وفي فتوته ، لأن القبيلة تحب الكرم والكرماء ، والمجتكع الإنساني عموما . قد تكون قصائده في الكرم من نسج الخيال الشعري  ، وقد تكون انعكاسا حقيقيا لحالة يعيشها ، إنه شاعر الفتوة والفروسية ، كيف لا يكون كريما ! جاء في شعره عن الكرم تعبيرا عن كرمه في الحياة بقوله :

  يلذُ لنفسي بذل ما قد ملكته ..وبسط يدي فيما تجمع في قبضي ص49 
فعلا إنها حياته الصادقة في الكرم ، أليس هو القائل :
أيا رب قد عودتني منك نعمةً ...أجود بها للوافدين بلا مَنِ
هذا هو شاعرنا ، أضافة إلى أنه يتحدث عن حماية الجار ونجدته ، وهي من أهم سمات الفتوة ، وهي أيضا من سمات الكرم الإنساني والعربي  ، يقول في ذلك :
وإذا خاف ضَيّما جارُنا وجليسُنا ..فمن دونِه أموالنا ورؤوسنا 
أظل وأمسي راقدَ الجار ساهرا ..سواميّ من خوف وجاري في مأمنِ ص 29
استطاع شاعرنا أن يجمع بين الكرم والفروسية وحماية الجار، وهي من أهم سمات الفتوة .
3- الرحلات والسفر :
كثير من الناس  تجبرهم ظروف الحياة على السفر تاركين خلفهم الديار والأهل ، يتألمون على فراقهم ، وينتظرون عودتهم ، ينطلقون خارج الديار بحثا عن أفق أوسع  وحياة أرحب ، وتجارب إنسانية أوسع ، حياة تملؤها المغامرات والفتوة وعشق دروت الحياة والتواءاتها ، شاع في أدب الرحلات في كثير من الآداب العالمية ، وقد امتلأت دواوين الشعراء العرب وكتبهم بهذا النوع من الادب ، حيث يصف الشاعر ما صادفه من أحداث ووقائع ، وما يلاقي من مشاق ومتاعب أومن ملذذات وفوائد ، شاعرنا يعشق السفر والترحال ، جال الكثير من بلاد العالم مثل الشام ومصر والعراق وماردين وتركية ، لم يترك مكانا يستطيع الوصول إليه إلا وسافر إليه واقام فيه ، لكن تبقى الديار  والأهل هم طقوس الحياة ، ينسج فيها الاساطير والروحانيات ، يذكرها في حله وترحاله . قد ينتقل الشاعر من رغد الحياة وحلوها إلى مكان يجاهد فيه من أجل الوصول إلى مبتغاه وإلى أرفع المناصب التي يصبو  إليها.في شعر الرحلات يذكر الشاعر كل ما يصادفه من بيئة جديدة وجبال ووديان وحيوانات وطيور ، لكنه قد يصل في ترحاله إلى مناصب تفتخر به قبيلته ،  كما حدث مع شاعرنا صفي الدين الحلي ، فهو يجري خلف الحياة وملذاتها في مرحلة الفتوة ، إن متعة المغامرة سمة من سمات شخصسة شاعرنا ، نراه يرسم بحروفه معظم خطوات رحلاته وتنقله بين البلدان ، كان طموحا في الوصول إلى السلطان ليتبوأ أعلى المناصب ، في رحلاته أيضا يصف الماضي ويربطه بالمستقبل معاتبا أهله بقوله :
  ولما رايتُ العزَ قد عزّ عندكم ..ولا صبر لي بين المنيّة والمَنِ
ثنيَتُ عناني مع ثنائي عليكم ..فاصبحت والثاني العنان هو المُثنّي ص 28 

وعن طموحه نحو العلا يقول :
  وما زال علمي يقيني إلى العُلى .. فيسبق حقَ جاهد الأكل بالأذن 
وزرت ملوكا كنت أسمع وَصْفهم .. فيُنهضني شوقي وقعّدني أمني
وعند لقائه بالملوك وتعرفه اليهم ، يقول :
  فلما تلاقينا وقد برَح الجفا  .. رأت مُقلتي أضعاف ما سَمعتْ أُذُني
خطبت بِوُدي عندهم لا هِباتِهم .. فاصبحت بالعزِ المُمّنع في حِصن 
هكذا تحولت حياته من محتاج إلى لقمة العيش إلى نديم الملوك ،  لكنه لم ينس أصله وقبيلته  ، شاعرنا أحب السفر والترحال ليس عشقا في مشاهدة الطبيعة أو البحث عن حياة أفضل ، ويبدو أن سقوط بغداد في يد المغول وإحساسه بالضعف  والهزيمة دفعه إلى مغادرة الديار والبحث عن مكان بديل يحقق فيه شيئا من طموحه وانطلاقه وحريته بعيدا عن مكان الهزيمة والضيق ، هذه المرحلة شهدت أسماء لامعة في الفكر العربي مثل ، ابن خلدون ، وابن عربي ، وابن منظور ، ايضا ويلمع فيه اسم شاعرنا صفي الدين الحلي .
4 = الحكمة  :
تقوم الحياة على الخير والشر ، وقد يصطدم الإنسان بقضايا كثيرة ، بالموت المعنوي والموت البيولوجي ، المادي الحقيقي ، يعيش الإنسان بطبعه في مجتمع يشعر بالفرح والإحباط  واليأس ، بالجبن والشجاعة ، بالحب والكره ، مجموعة انفعالات تسيطر على كل إنسان في مجمل الحياة ، يمر الإنسان في مرحلة شبابه بنوع من التمرد على المجتمع والخوض في مجموعة تجارب بعد مرور فترة الشباب والخوض في مراحل العمر المتقدمة ، يحاول الإنسان نقل تجاربه للآخرين ، هذا ما يسمى الحكمة ، إنها توازن في الفعل والأداء ، وعي مسبق لجيله ، يعرف بالعدل وإحقاق الحق ، ارتبطت الحكمة بتقدم السن ، لكن الشعراء يختلفون عن غيرهم ، ذلك أن وعيهم أسبق ، والشعر نبوءة ، الشاعر حساس بطبعه ومتوازن ، شاعرنا امتاز بالحكمة مبكرا قبل مغادرته الديار ، وازدادت شخصيته  وعيا وحكمة  مع تقدم العمر وخوض تجارب الحياة بحلوها ومرها . إذن الحكمة ، هي خلاصة وعصارة العقل والحياة ، هي تسجيل لأفكار الشاعر ورؤيته في الحياة والكون ، فيما سبق وما سيأتي ، إن صياغة الحكمة شعرا هو نتاج اعتداد الشاعر بذاته وثقافته واطلاعه على ثقافات الآخرين ، شاعرنا لا شك أنه رأى تقافات مغايرة في رحلاته المتواصلة لاماكن متعددة الثقافات والمناخات الثقافية ، راى سعادة الآخرين وبؤسهم ، تأمل في حيواتهم ، الحكمة هي خلاصة خبرات حياتية عميقة ، وتأملات  في الكون وظواهره ، ومتابعة سلوك الإنسان وتقلباته ، يسكب كل هذا في مفردات  تحمل في طياتها رؤية حياتية شاملة ، تصلح لكل العصور ، إنها تشمل الصدق والكرم والبخل والشجاعة والفتوة ، القوة والضعف ، الوفاء والخيانة ، إنها تكشف حقيقة أنفسنا وعلاقاتنا بمن حولنا .  يقول شاعرنا في الحكمة :
إن الزرازيرَ لما قام قائِمُها ..تَوَهمتْ أنها صارت شَواهيِنا 
وما كل وإن في الطِلاب بمخطىءٍ ..ولا كلُ ماضٍ في الأمورِ مَصائبُ
وليس حَسودٍ ينشر الفضلَ عائبا ..ولكنه مغري بعد المناقبِ
وما كلُ من هزّ الحسامَ بضاربٍ  ..ولا كلُمن أجرى اليراع بكاتب ص 6 

عشرات الأبيات الشعرية التي تجري مجرى الحكمة .

5= الفتوة و التحريض  :
هو دفع الناس لإثارة الشغب ضد الحاكم الظالم ، وهو ارتكاب المحظور من الأفعال من إثارة  العنف والهيجان داخل الجماعة ، التحريض هنا سياسيا ، وليس غير ذلك ، فلم يكن التحريض على السرقة أو الفوضى أو الفتنة الطائفية ، هنا معناه تحريض سياسي وإثارة الشغب ضد السلطة الطاغية ، كما في قوله تعالى ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) الأنفال 65 ،  وهو هنا حث المؤمنين عاى القتال .وقد يمتاو الشعر السياسي بطابعه التحريضي والإحماء عليه ، وقد يكون التحريض نتاج القمع في نظام الحكم ، وغالبا ما يكون سلوك المهزوم ومن لديه الإحساس بالعجز عن الفعل المباششر ، فيطلب من الجماعة ويحرضهم لفعل أحداث  تصيب اهداف الشاعر سواء القومية أو الشخصية ، وعادة ما يكون التحريض ضد غياب الوعي لدى عامة الناس ، لأن الشاعر نصير الجماعة المغلوب على أمرها ، فهو يطالب بالحرية من سلطة أجنبية أو طاغية ، حيث يعيش الإنسان حياته ويتأمل ذاته ويتفاعل مع صدى روحه ، يحتاج الشاعر إلى وعي فائض أو اطلاع على مجريات الأحداث حتى يتنسنى له الانطلاق نحو التحريض والثورة ، هنا لا يستطيع الشاعر أن يفصل بين ذاته وبين عامة الناس ، لأنهم جميعا في بوتقة واحدة يخضع للظلم ، وقد خاض الشعر العربي فن التحريض منذ القدم سواء في  عصر ما قبل الإسلام أو ما بعده حتى يومنا هذا ، شاعرنا صفي الدين الحلي يشعر أنه فتى المرحلة وأن واجبا قوميا على عاتقه ، عاش  فترة سقوط بغداد في يد المغول ،  أحس أن من اهم واجباته تحريض الناس ضد المغول  بعد تدميرهم بغداد حاضنة الثقافة العربية ، إنه يشعر بالفتوة تمور في داخله ، فدعى إلى الثورة ، شعر بضعف المسلمين فأراد أن يعبر عن إرادة الأمة وآلامها ، وتحفيزها نحو الهمم العالية والدفاع عن ديار المسلمين ، لهذا كثر عنده الشعر التحريضي ، مثل قوله  :
 نظرنا خطاياكم  فأغريتم بنا ..كذا من أعان الظالمين على الظُلمِ
أخلوْا المساجد مِنْ أشياخِنا وبَغوا ..حتى حملنا فأخْلينا الدواوينا
فيا لها من دعوةٍ في الأرض سائرة .. قد أصبحت في فمِ الأيامِ تلقينا ص 19
كم ْ مِنْ عدو لنا  أمسى بسطوتِه .. يُبدي الخضوع لنا خَتَلا وتَسكينا
كالصّلّ يُظهر لِينا عند مَلمسِه ..حتى يُصادفُ في الأعضاء تَمْكينا ص25
غدا لأوامر السلطان طوْعا ..لكن لا يُعَدُ من الرعايا ص42
هنا يحرض شاعرنا ضد سقوط بغداد وأفعال المغول فيها وفي مساجدها  وضد من يتعامل معهم ، ومن بفعل ذلك ليس من رعايانا .


6 =   النفس الأبية وعدم الابتذال  ( البطولة )  :
 إنا لقومٍ أَبَتْ أخلاقُنا شرفا ..أن نَبتدي بالأذى من ليس يُؤذينا 
بِيضٌ صنائِعُنا سُودٌ وَقائعُا .. خُضرٌ مَرَابعُنا حُمْرٌ مَوَاضِينا

شاعرنا لديه إحساس بأنه فنى المرحلة  وبطلها ، وأن الفتوة ممزوجة بالبطولة  جزء من رغباته في تكوين شخصيته ، إنه يرفض ماء الحياة ممزوجا بالذل ،  النفس الأبية  سعادته ودنياه ، وهو يقبل على الحياة بشجاعة دون نقصان ،لا تدفعه نفسه لتحقيق مآربها الدنيوية ، إنه ليس من صغار النفوس ، كان يجسد في حياته أشعار العرب  بما يمتازون به من الإباء والعزة ، لهذا خاض شاعرنا معظم دروب  الحيا بحثا عن حياة العز والكرامة . فلم يهن يوما أو يضعف أمام قوة السلاطين وإغراءاتهم ، يتخذ من عنتر بن شداد نموذجا له في البحث عن حياة خالية من العبودية ، واتخ من الفضائل الإنسانسة مثالا له في الحياة ، لقد وجه حياته للدفاع عن المجتمع والقبيلة ، يعتز بعروبته ، كان يطلب الموت أهون عليه من حياة الذل والاستحقار ، لم يشعر يوما بالدونية .
نراه ايضا في شعره لا يخون ولا يغدر ،كان يحث بالاعتزاز بعروبته ويدعو إلى حسن معاملة الأجانب ، وعدم الخضوع لهم ، رغم إحساسه الحاد بالاغتراب بعد سقوط بغداد ، فقد ترفع عن الدنايا ، لان النفس الأبية لا تتجرع كؤوس الذل مقابل قيمة مفقودة . شاعرنا يرفض إحساسه بالاغتراب ، لهذا دخل في صراع مع نفسه ، إذ تتأجج حالة الصراع عندما يشعر الإنسان بضياع بعض القيم الاجتماعية نتيجة الحرب والهزيمة وبعد فقدان الديار ، هنا يرى صفي الدين  نفسه بطلا من أبطال الفتوة ، تلبسته حالة من أخلاق الفداء والبطولة والفتوة الشريفة ، يدعو أمته أن تكون صلبة قوية لا تخضع ولا تتعاون  مع الأعداء ، زار شاعرنا معظم سلاطين المناطق  وأخذ منهم العطاءات الكثيرة ، لكنه بقي يحتفظ بعزة النفس ، لم يتنازل يتنازل عنها ولم يذل نفسه امام أي سلطان ، بل  كان يهجو بعض السلاطين  الذين لا يتفاعلون معه بطريقة إيجابية أو يحاولون إذذلاله ، نرى في شعره الكبرياء الإنساني والشموخ ، والبطولة الفائضة التي تنم عن ردة فعل عكسية لإحساسه بالاغتراب ، وهو نوع من الحماية لشخصيته وكبريائه ،  قد لا نستطيع تسجيل موقف واحد من خلال شعره أنه تنازل عن شخصية الفتوة المعتزة بذاتها . يقول في شعره :
سَلي الرِماحَ العَوَالي عن مَعالينا ..واستشهدي البِيضَ هل خاب الرَجا فينا
لما سَعَيْنا فما رّقّت عزاؤمنا  ..عمّا نَروم ولا خَابتْ مَساعِينا ص 20
 سَمَتْ بيّ العلياءُ نَفْسٌ أبيّة  .. ترى أقبحَ الأشياءِ أخذَ المواهب 
وفي الأدب الباقي الذي قد وهبني  .. عزاءٌ من الأموال عن كلِ ذاهب 
وظللتُكأني أملكُ الدهرَ عِزةً  .. فلا تنزلُ الأيامُإلّا على حُكمي  ص 22

كثيرة هي القصائد التي تدل على  رأينا في هذا الشاعر ، حيث العزة والكرامة بعد ضياع الديار ومفارقة الأهل والأحبة .
بعد ذلك نستطيع القول .. أن شاعرنا يمتلك معظم ملامح شخصية الفتوة التي تؤهله لان يكون بطلا قياديا  كريما ،  فارسا مغوارا منافحا عن أبناء قومة محرضا لهم على الفعل الجاد من أجل الحرية وعدم التعاون مع الاعداء .

الخلاصة :
  لقد اجتمعت في شخصية الشاعر صفي الدين الحلي معظم سمات شخصية الفتوة التي كانت تلازمه في فترة دخول المغول بغداد ، وظلت تلازمه في حله وترحاله ، ومن أهم هذه الصفات :  الفروسية ، التي تعد من أهم سمات شخصية الرجل الفتوة ،  وقد وصف فرسه وبطولاته وهو على صهوة حصانه ، كذلك سمة التحريض ، فقد كان محرضا ضد المغول وضد السلطان الظالم ، نراه يدعو إلى التمرد وعدم لقاء الأعداء لأنهم كالأفعى ، ناعم الملمس ، يقتل عند تمكنه ،  كذلك سمة الكرم ، الرجل الفتوة بطبعه كريم على رجاله وعلى مجتمعه ، هذا ما لمسناه في شعر شاعرنا ، ونجده أيضا كثير الترحال والسفر بحثا عن أفق أوسع للحياة بعد تدمير المغول  ديار الشاعر في بغداد ، كذلك وجدناه حكيما في شعره وفي رؤيته للمجتمع وفي رؤيته للحياة والكون ، ومع ذلك لم يبتذل في مدح السلاطين ، كان صادقا  دون التنازل  عن كبريائه وفتوته التي كان يعتزff بها دوما ، لا زالت بعضا من أبياته الشعرية تجري على ألسنه المثقفين في الوطن العربي ، بل إن البعض يرى أن ألوان بعض أعلام الدول العربية ، الأسود والأبيض والأخضر والأحمر ، مأخوذة من بيت قاله صفي الدين الحلي ، ألا وهو :  
بِيضٌ صنائِعُنا سُودٌ وقائِعُنا ..خُضرٌ مَرابِعُنا حُمْرٌ مَوَاضِينَا 


المصادر والمراجع :
 _ ديوان صفي الدين الحلي ، دار صادر ، بيروت ، ط1 ، 1990 ، نسخة إلكترونية 
_ قاموس لسان العرب ، مادة .ف ت و .
_ قاموس معجم المعاني ، مادة . ف ت و .
_ الموسوعة الحرة ، جوجل .
_ مقال  الدكتور رحيم هادي الشمحي ، توظيف الفرس في الشعر العربي ، جوجل .
_صورة الخيل في شعر أبي تمام والمتنبي ، ايمان شريم ، جوجل
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف