رجال تحت السوط
بدا في السبعين من عمره أو أكبر من ذلك بقليل.. مر من أمامي كظل باهت، فابثق في داخلي سؤال حائر: أيعقل أن يكون هو، أم أن خيالي المثخن بالوجع قد أوهمني بذلك؟، سؤال أربكني للحظة جعلته يبتعد قليلا، فرحت أتابع خطاه المثقلة بالألم.. قفوته التي انحنت بأعباء السنين.. جسده النحيف وحالة من التردد تحول بيني وبين مناداته، إلا أني في نهاية الأمر فعلتها ولحقت به، ا
استدار نحوي بعينين غائرتين ووجه شاحب، ثم ارتسمت على شفته ابتسامة ذابلة، كما لو أنها خرجت رغما عنه وهمس باسمي فاردا ذراعيه، فيما أنا أغوص في صدمتي الموغلة وفيض الأسئلة.
جلسنا في ركن منزو من المقهى القريب، ناولته سيجار فأقبل عليها بنهم غريب، وشره لم أعهده فيه من قبل، وضعت سجائري أمامه، لكي ادرأ عنه حرج السؤال، تناول سيجارة أخرى حين وضع النادل القهوة أمامنا، أشعلها بيد ترتجف وسألني كي يحرف انتباهي عنه، إن كنت قد أحلت إلى التقاعد، فأشرت بالنفي، ابتسم حينها وعقب قائلا: احالوني منذ عام.، ثم رشف رشفة أخرى وأطرق مليا، فساد صمت بيننا، لم يتخلله سوى سحب الدخان المنبعثة من جوفه الملتهب كحائط يفصل بيننا.
صوت عبد الوهاب الذي صدح برائعته "لأ مش انا اللي أبكي " انتشلني من سيل الصور والذكريات التي عشناها سويا في الوزارة ووضعني أمام السؤال الذي باغتني به في تلك اللحظة: شو عامل في دنياك؟.
- الحمد لله...ماشية...أنت كيف أوضاعك؟
- اوضاعي.......
ثم راح يبث لواعجه وكأنه في انتظار اللحظة التي يجد فيها من ينصت إليه ، أو يقاسمه الوجع، حدثني عن بكره الذي هاجر ولم يعد ..عن مرضه الذي جاء إثر ذلك.. عن الذي يصغره وكيف يعاني بعد أن بترت ساقه في إحدى الجمع.. عن زوجة أخذها الحزن إلى جوار ربها، مخلفة أحزانا وأفواها لا يقدر على سد رمقها.. عن ملاحقات ومداهمات كلما علا صوت في الجوار عن وعن وأنا غارق في صمتي وحزني، أتابع نظرات الرجل التائهة وشفاهه المرتعشة مع كل حرف ينز من بينها، أغو ص في حزني خلف دخان سجائره التي لا تنطفئ وتشدني إلى قاع جرح ينزف بداخلي، ظلمة ثقيلة تطمس الأشياء من حولي.. أغمض عيني هربا من وقعها.. دورا يوشك أن يطيح بي ..اتكأ على ساعدي، كتمثال نبت في المكان فجأة ، فيوقظني سوت النادل الذي وضع فاتورة الحساب، نظرت إلى صاحبي فلم أجده، وحين التفت إلى النادل بتلك النظرات المستهجنة أشار بيده جهة الباب.
بدا في السبعين من عمره أو أكبر من ذلك بقليل.. مر من أمامي كظل باهت، فابثق في داخلي سؤال حائر: أيعقل أن يكون هو، أم أن خيالي المثخن بالوجع قد أوهمني بذلك؟، سؤال أربكني للحظة جعلته يبتعد قليلا، فرحت أتابع خطاه المثقلة بالألم.. قفوته التي انحنت بأعباء السنين.. جسده النحيف وحالة من التردد تحول بيني وبين مناداته، إلا أني في نهاية الأمر فعلتها ولحقت به، ا
استدار نحوي بعينين غائرتين ووجه شاحب، ثم ارتسمت على شفته ابتسامة ذابلة، كما لو أنها خرجت رغما عنه وهمس باسمي فاردا ذراعيه، فيما أنا أغوص في صدمتي الموغلة وفيض الأسئلة.
جلسنا في ركن منزو من المقهى القريب، ناولته سيجار فأقبل عليها بنهم غريب، وشره لم أعهده فيه من قبل، وضعت سجائري أمامه، لكي ادرأ عنه حرج السؤال، تناول سيجارة أخرى حين وضع النادل القهوة أمامنا، أشعلها بيد ترتجف وسألني كي يحرف انتباهي عنه، إن كنت قد أحلت إلى التقاعد، فأشرت بالنفي، ابتسم حينها وعقب قائلا: احالوني منذ عام.، ثم رشف رشفة أخرى وأطرق مليا، فساد صمت بيننا، لم يتخلله سوى سحب الدخان المنبعثة من جوفه الملتهب كحائط يفصل بيننا.
صوت عبد الوهاب الذي صدح برائعته "لأ مش انا اللي أبكي " انتشلني من سيل الصور والذكريات التي عشناها سويا في الوزارة ووضعني أمام السؤال الذي باغتني به في تلك اللحظة: شو عامل في دنياك؟.
- الحمد لله...ماشية...أنت كيف أوضاعك؟
- اوضاعي.......
ثم راح يبث لواعجه وكأنه في انتظار اللحظة التي يجد فيها من ينصت إليه ، أو يقاسمه الوجع، حدثني عن بكره الذي هاجر ولم يعد ..عن مرضه الذي جاء إثر ذلك.. عن الذي يصغره وكيف يعاني بعد أن بترت ساقه في إحدى الجمع.. عن زوجة أخذها الحزن إلى جوار ربها، مخلفة أحزانا وأفواها لا يقدر على سد رمقها.. عن ملاحقات ومداهمات كلما علا صوت في الجوار عن وعن وأنا غارق في صمتي وحزني، أتابع نظرات الرجل التائهة وشفاهه المرتعشة مع كل حرف ينز من بينها، أغو ص في حزني خلف دخان سجائره التي لا تنطفئ وتشدني إلى قاع جرح ينزف بداخلي، ظلمة ثقيلة تطمس الأشياء من حولي.. أغمض عيني هربا من وقعها.. دورا يوشك أن يطيح بي ..اتكأ على ساعدي، كتمثال نبت في المكان فجأة ، فيوقظني سوت النادل الذي وضع فاتورة الحساب، نظرت إلى صاحبي فلم أجده، وحين التفت إلى النادل بتلك النظرات المستهجنة أشار بيده جهة الباب.