الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ماريّا وعبد الرحيم بقلم: السفير منجد صالح

تاريخ النشر : 2019-04-04
ماريّا وعبد الرحيم بقلم: السفير منجد صالح
ماريّا وعبد الرحيم

عبد الرحيم شاب طموح يدرس الطب في كلية الطب البشري في هافانا ويعيش في سكن الطلاب التابع للكلية في حي الفيدادو وسط العاصمة، والمقابل لفندق "هافانا ليبري"، هافانا الحرة، حيث أطلق عليه هذا الاسم بعد إنتصار الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو وتشي غيفارا، عام 1959، إذ كان يتبع قبل ذلك لسلسلة فنادق الشيراتون.

الفندق يُجاور سينما يارا ويُقابل بضلع ثالث أيضا كافيتريا "كوبيليا، التي تقع في حديقة فسيحه تكسوها أشجار باسقة دائمة الخضرة، والمتخصصة في صنع وتقديم البوظة الكوبية، المصنّعة بالفواكه الطبيعية وخاصة الفواكه المدارية كالاناناس والجوافة والبابايا والمانغا والقشطة. وتعتبر بحق من أجود أنواع البوظة وأطيبها مذاقا، وتضاهي بل ربما تتفوق على البوظة الايطالية الشهيرة.

كان عبد الرحيم طالبا مجتهدا في السنة الخامسة، متوسّط الطول مربوع القامة، وسيم، بل إن وسامته زائدة كرجل، يزيّن وجهه شارب أسود مشذّب يزيده لمعانا بياض وجهه ونقاء بشرته، تبارك الخالق.

وكان قد تعرّف قبل مدّة على زميلة له تصغره بعام دراسي وتكبره بخمس سنوات تُدعى ماريا من التشيلي، جارة الارجنتين، شريط ساحلي طويل وضيّق ممدود من الشمال للجنوب، وتقع في قعر قارة أمريكا الجنوبية على المحيط الهاديء.

وماريا هذه كان أكثر ما يميّزها، سلبا للاسف الشديد، هي تلك البقعة الداكنة التي تتوسط جبهتها والتي تجعلها تبدو أشبه ما تكون بوحيد القرن، سمراء نحيلة، عمشاء في عينها اليسرى، شعرها قصير يشبه نبتة النتشة البرّية أو نبتة شوكية في صحراء أريزونا.

مواصفاتها الانثوية متواضعة جدا، ولكنها نعم تنتمي الى الجنس الآخر، غير الرجال بالطبع، أي النساء. أو كما أفتى ذلك الجهبذ الذي إسمه معمّر القذّافي، في رائعته، التي لم يوجد مثلها مثيل، لا في التاريخ القديم ولا الحديث، "الكتاب الاخضر"، بتوصيف الفرق ما بين الرجل والمرأة: "المرأة تحيض إذا فهى إمرأة، والرجل لا يحيض إذا هو رجل"، ما شاء الله!!! وماريا من الشق الذي يحيض.

ويبدو أنهما تعارفا عن قرب وإقتربا أكثر من بعضهما، غمزا وهمسا ولمسا، وتحادثا وتواعدا مرّة وتواعدا مرّة أخرى وخرجا معا ودخلا معا وأكلا معا وشربا معا ودرسا معا، وتجاورا وتناغشا وتحّابا وتزوجا، مبروك وبالرفاة والبنبن.

وكان لعبد الرحيم صديق عزيز، مهنّد، كان قد وصل للدراسة في هافانا بعد سنتين من وصول عبد الرحيم، ولكن مهنّد يدرس تخصص الإقتصاد في جامعة هافانا ويسكن في سكن جامعي على شاطيء المحيط يبعد حوالي كيلومترين عن سكن عبد الرحيم.

مهنّد لم يستسغ يوما علاقة عبد الرحيم بماريا نظرا للفوارق بينهما، وأنّه كان يرى أنّها لا تناسبه، وكأنّها حُذفت عليه من السماء أو كأنها نزلت عليه بالمظلّة (البراشوت) ولبسته وتملّكته بفعل سحر ساحر.

وكان مهنّد، وبحكم علاقة الصداقة والزمالة والمعزّة، ما فتيء يقول لعبد الرحيم كلما التقاه:

-         "يا رجل، حرام عليك، ألم تجد في هافانا كلها، مترامية الاطراف، والتي تعج بالحسناوات من كافة الالوان والاشكال والاحجام والمقاسات إلا وحيد القرن ماريا هذه؟! ماذا دهاك يا "زلمه"، هل عملت لك سحرا؟"

وكان عبد الرحيم يرد بظرافة زائدة وبضحكة:

-         "إنه الحب يا صديقي، إنه الحب".

يا إلهي، هل يعقل أن يكون الحب أعمى الى هذه الدرجة، أم أن الحب كالفنون جنون كما يقال!!!

كان والد ماريا مسؤولا في الحزب الاشتراكي التشيلي في عهد الرئيس الاشتراكي سلفادور اليندي، الذي قتله الجنرال الدكتاتور أغسطو بينوشيت في إنقلاب دموي عام 1973، بعد أن حاصره برفقة ثلاثين من رجاله الاوفياء قي قصر الحكم، المونيدا، وسط العاصمه سنتياغو، وأبادهم جميعهم قصفا بالطائرات. وقد نجت من القصف إبنتا الرئيس، بياتريس وأيزابيل، اللتين أصر رفاق والدهما على إخراجهما من قصر المونيدا قبل بداية قصفه.

وقد هرب والد ماريا الى كوبا مع مئات الكوادر المسؤولة من الحزب الاشتراكي خوفا من بطش بينوشت وأجهزتة القمعية، السريّة والعلنية. وقد ذهب ضحية هذا الانقلاب الدموي آلاف الضحايا وآلاف المخطوفين المغيّبين وآلاف المشردين في الداخل والى الخارج. وقد استمر حكم بينوشت، بالحديد والنار ضد معارضيه، حتى عام 1990.

وقد غُيّبت ومُسحت ذكرى الرئيس المغدور أليندي وكامل حقبته السياسية والانسانية خلال تلك المدّة، وبقيت الامور على حالها حتى الى ما بعد أفول نجم بينوشت وإختفائه ودكتاتوريته عن مسرح البلاد، حيث لاحقته المطالبات الدولية، بعد أن بلغ من العمر عتيا، من أجل إعتقاله ومحاكمته وخاصة في إسبانيا وبريطانيا.

وبعد عودة الديمقراطية، أُعيد الاعتبار للرئيس الاشتراكي وتم وضع تمثال له في أحد أركان قصر المونيدا في عهد الرئيسة الاشتراكية ميشيل باتشيليت، التي كان أبوها نفسه قد قضى غيلة تحت التعذيب في سجون بينوشت وعلى أيدي جلاديه.

وفي زيارة رسمية الى التشيلي، ولقاء رسمي معها، تحدثت الرئيسة باتشيليت عن تجربة أبيها المؤلمة التي إنتهت بقتله في محبسه. ولكن الامر الجدير بالذكر والذي تُرفع القبعة له هو أن الشعب التشيلي قد تجاوز محنة هذه الحقبة وعم السلم الاهلي بين كافة مواطنية.

والامر ذاته ينطبق على جنوب إفريقيا، فبعد سنوات مرعبة من حكم الاقلية البيضاء، الابارتهايد، والفظائع التي إرتكبتها ضد الاكثرية السوداء، أصحاب البلاد الاصليين والحقيقيين، جاء السلم الاهلي وعم بعد إستلام نيلسون منديلا حكم البلاد.

تجربتان فريدتان جديرتان بالدراسة والحذو حذوهما في حالات مشابهه في هذا العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط أو على الأصح في منطقة غرب آسيا، مهد الحضارات والديانات السماوية.

ومع أن والد ماريا وعائلته غادروا كوبا، وخاصة بعد إنتحار بياتريس، إبنة الرئيس المغدورأليندي، المأساوي حيث حذفت نفسها من شرفة فندق في هافانا كانت تعيش فيه، واضعة حدّا لحياتها ولمعاناتها لمدة أربع سنوات بعد إغتيال والدها.

وقد توطّنت عائلة ماريا لاجئة سياسية في كندا، ثم حصلت العائلة كلها على الجنسية الكندية وأصبحوا مواطنين كنديين بكامل الحقوق والواجبات. لكن ماريا كانت تحب هافانا التي ترعرعت فيها، ولذلك فقد فضلت أن تكمل دراستها في الطب هناك، وهذا ربما كان من حسن طالع وحظ عبد الرحيم الذي إلتقى بها.

أنهى عبد الرحيم سنته السادسة بنجاح وتخرّج من كلية الطب بدرجة بكالوريوس. وكانت خطته أن يعود الى عمّان لعمل سنة الامتياز في مستشفى البشير، ويلتحق بنقابة الاطباء بعد النجاح في إمتحان الامتياز.

بعدها ربما يعمل لفترة كطبيب عام ثم يعود أدراجه الى هافانا لاكمال دراسته في التخصص وحيث تنتظره زوجته العزيزة ماريا. هذا ما كانت تشتهي سفينة عبد الرحيم، ولكن هل يا ترى ستسير الرياح كما تشتهي سفينته؟

بعد مرور ثلاثة أشهر على مغادرة عبد الرحيم الى عمّان وإلتحاقه بسنة الامتياز في مستشفى البشير في العاصمة الاردنية، إلتقى مهنّد مع صديقه علاّن القسمان، الذي كان يدرس الطب أيضا وكان مبرّزا في دراسته، حيث كان حين تخرّجه من بين العشرة الاوائل بين خريجي كليات الطب على مستوى جمهوربة كوبا كلها. اللقاء كان مرتّبا من قبل علاّن حيث أحب أن يلتقي بمهنّد ليبحث معه في أمر هام وطاريء.

علاّن:

-         منذ عدّة أيام أرغب في رؤيتك لأعلمك بخبر طاريء ومزعج.

مهنّد:

-         خيرا إن شاء الله.

علاّن:

-         ماريا زوجة صديقنا عبد الرحيم رأيتها عدة مرات في الايام الاخيرة وفي السكن الجامعي المختلط في الفيدادو، الذي نسكن فيه، تدخل الى غرفة 85 في الطابق الثامن، التي يسكن فيها ثلاثة من الزملاء الافارقة الزنوج ولا تخرج من غرفتهم إلا متأخرا وربما في مرات لا تخرج لحين صباح اليوم التالي. وهذا قطعا لا يجوز ولا نقبل به.

مهنّد:

-         طبعا قطعا لا يجوز، ولكن هل تحدّثت معها بهذا الخصوص؟

علاّن:

-         لا. لم أتحدث معها في هذا الموضوع.

مهنّد:

-         إذا أقترح عليك حتى تقطع الشك باليقين أن تتحدّث معها وترى ماذا تجيبك وأي تفسير يمكن أن تعطيك إيّاه.

غادر علاّن. بعدها إلتقى مع ماريا وعبّر لها عن إستغرابه وإمتعاضه لزياراتها المتعددة لغرفة رقم 85 في الطابق الثامن والتي يسكنها ثلاثة من الطلاب الزنوج الافارقة.

أجابته ماريا بكل بساطة ودون لف أو دوران:

-         شوف يا علاّن، أنا أحب زوجي عبد الرحيم، أحبه كثيرا. ولكنه الان في عمّان، بعيدا عنّي، وأنا لدي "إحتياجات فسيولوجية"، متطلّبات جسدية، ألبّيها في غرفة 85 الى حين عودة زوجي، بعدها وعندما يعود زوجي أقطع العلاقة معهم وأعود الى أحضانه. "ويا دار ما دخلك شر".

صُعق علاّن من صراحة أو ربما وقاحة جواب ماريا ورؤيتها وتفسيرها لما يحدث من خيانة نكراء. ذلك الحدث المصيبة الذي لو حدث في مكان آخر وزمان آخر لإستلّت الخناجر وأريق السائل القاني أنهرا وبركا.

علاّن بدا "فارعا دارعا" يبحث عن مهنّد ليزفّ إليه الخبر اللعين، وحين قابله باغته دون مقدمات برد فعل ماريا وجوابها.

مهنّد يضرب كفا على كف ويقول:

-         لا حول ولا قوة إلا بالله. "رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا". ماذا تظن نفسها هذه الشمطاء وحيد القرن؟؟!!

علاّن:

-         ما العمل؟ لا يمكن أن نبقى مكتوفي الايدي. يجب أن نفعل شيئا.

مهنّد:

-         طبعا. يجب أن نفعل شيئا. إكتب رسالة لعبد الرحيم وقل له فيها ما يلي: " بعد البسمله والتحيات والاشواق، أود أن أؤكّد لك أن زوجتك ماريا تحبك حبّا جمّا، حبّا خارقا للحدود والمسافات والفيافي والقفار والمحيطات والقارات، حبّا لما وراء البحار والبحيرات بمياهها المالحة والعذبة. حبّ يتفوّق على حب جولييت لروميو، وليلى لقيس إبن الملوّح، ولبنى لقيس إبن ذريح.

ولكن ولأسفها الشديد، وهي تذرف دموعا مدرارة بسبب ذلك، فإنك لست معها وبجانبها وعن يمينها وعن يسارها ومن فوقها ومن تحتها، وهي بشر، تصيب وتخطيء، ولكن أهم ما في الامر، بيت قصيد الامر، أن لديها إحتياجات فسيولوجبّة، طبيعيّة، ترغب في تلبيتها وإشباعها.

وبما أنك بعيد عنها آلاف الأميال البحرية والبرية والجويّة، فإنها تلبّي متطلّباتها ورغباتها، مؤقتا، وأشدد على مؤقتا، مع الزملاء الزنوج الافارقة الثلاث القاطنين في الغرفة 85 في الطابق الثامن من السكن الجامعي في الفيدادو، وليس مع أشخاص غرباء خارج السكن الجامعي لا سمح الله، إنما مع الزملاء الزنوج الافارقة، مع واحد منهم ربما، وربما مع ثلاثتهم، وذلك لحين عودتك الميمونة الى هافانا وألتحاقك بها لتعود المياه الى مجاريها ويمشي القطار ثانية على سكته، وتزقزق العصافير فرحا بصباح مشرق جديد وبلم شملكما الاكيد، فإنظر ما أنت فاعل؟ دمتم ودام فضلكم، ودام رأيكم السديد، وقراركم العتيد".

عبد الرحيم بعث لها ورقة الطلاق وصرف نظره عن التخصص ولم تعد قدمه تطأ أرض هافانا مطلقا.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف