الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشجرة العجوز بقلم:زوليخا موساوي الأخضري

تاريخ النشر : 2019-04-02
                             الشجرة العجوز

                 شجرة الزيتون العجوز هادئة، تربّت بأغصانها الخضراء على كتفي وتستمع إليّ. كانت تفهمني رغم تلعثمي في الكلام ورغم نطقي للقاف ألفا وللكاف تاء. ليست الحروف وحدها التي كنت أبعثرها وأنطق بعضها مكان بعض بل حتى بعض الجمل وبعض الحركات لها معنى في رأسي غير الذي يعرفه الناس. مثلا، وضع إبهامي في فمي يعني أني جائعة وتحديقي في شمس الظهيرة يرمز إلى أني أشعر بالنعاس ومعنى أحب خالتي زوبا أني أرغب في الخروج من البيت...

كعادة الكبار في فهم الواقع من منظور واحد ووحيد، لم يحاول أحد أن يفهمني في البداية. المرأة التي تقول إنها أمي أصبح قلبها يفهمني وشعرت أنها كانت تخاف من ساعات صمتي أكثر مما تخاف ألا تفهم ما أقول. فتطرح عليّ الكثير من الأسئلة وهي تتنقل من غرفة إلى أخرى، تقوم بحركات لم أكن افهم منها شيئا ثم بعد ذلك فهمت أنها تعدّ لي الأكل وتنظف لي فراشي ولباسي. فكنت أتبعها من حجرة إلى أخرى وأركز على حركاتها بل وأحاول أحيانا أن افعل مثلها لكني عدلت عن ذلك لأني مرة كدت أغرق في سطل ماء وضعته في باحة الدار استعدادا لغسل الملابس ومرة سقطت تحت المكنسة التي كادت أن تشج لي رأسي ومرة أخرى تدحرج جسدي الصغير على الدرج المؤدي إلى السطح وكاد يغمى عليّ من الخوف ليس من الدم الذي رأيته لأول مرة بل كنت مرعوبة من عيني القط الذي كان ينظر إليّ من أعلى الدرج ويشمت بي.

شجرة الزيتون هي الوحيدة التي تسمعني وتفهمني وتقدّر كل المصاعب التي أمر منها كي أخرج من هذه الورطة: لا أريد أن أبقى طفلة. أكرّر الجملة مئات المرات: لا أريد أن أبقى طفلة حتى أصبح الجميع يرددها بمجرد أن أفتح فمي للكلام.

من الغريب جدا أن لا أحد يكترث لما أقول رغم أني أعرف أني محقة. الأسبوع الماضي، تلقيت ضربا مبرحا من أمي لأني قررت أن أذهب عند صديقتي سعاد ولم أخبر أحدا بالأمر. كيف يمكن ألا أبقى طفلة إن أخبرت أحدا بالأمر؟  لكن يبدو أني نسيت بيت صديقتي وقضيت وقتا في الدوران في متاهة الدروب الضيقة المحيطة بالبيت إلى أن وجدتني إحدى الجارات كانت ذاهبة إلى السوق فأرجعتني إلى البيت. كانت أمي وسط النساء تبكي بصوت مرتفع وقد نفشت شعرها والجميع حولها يحاول إسكاتها وتهدئتها وحين رأتني تلقفتني بين ذراعيها وهي تبكي وتقبلني وتطرح عليّ سلسلة من الأسئلة. لا أدري كيف تفعل أمي كل هذا في وقت واحد لكن كثيرا ما أراها تفعل أكثر من ثلاثة أشياء في وقت واحد كأن تستمع للراديو، تصبن الملابس وتكلّمني.

هل كنت أعرف أنهم قرروا الذهاب إلى المدينة عند عمتي الشريفة وتركي مع جدتي أم فقط حين استيقظت من النوم وجدت نفسي وحيدة.؟

لم أكن خائفة. أتذكر ذلك تماما. لكن شيئا ما كان يكبر في صدري ويجثم على أنفاسي. الآن أشعر بدموع ساخنة على خدي. هل هذا هو الحزن؟ إذن أنا حزينة.  قلت ذلك لشجرة الزيتون العجوز فدانت أغصانها أكثر، أحاطت بي كغيمة لذيذة من السكون.

كيف عرفت الشجرة أني كنت حزينة وجدّتي لم تعرف ذلك؟ أنا دائما حزينة. أظن أني كنت حزينة في بطن أمي. حتى في أجمل اللحظات التي أقفز فيها فرحا مع صويحباتي نقطف الزهور البرية من الأحراش المحيطة بالبيوت بأصابعنا الصغيرة المضمّخة بالحناء في صباحات العيد مزهوات بملابسنا الجديدة، حتى في أعماق تلك اللحظات وصفائها كنت أشعر أني حزينة أو على الأصح أنه يمكنني أن أكون أسعد لو كنت متيقنة أن هذه اللحظات ستدوم. ما كنت أشعر به حينها لم يكن سعادة بل كان فرحا سيزول سريعا.

أظن أن هذا ما كان ينغصّ عليّ لحظات السعادة أو الفرح تلك.

أذكر أني لم أبك حين وجدت نفسي وحيدة مع جدتي ومع شجرة الزيتون العجوز. شعرت أنها صديقتي الوحيدة التي لن تتخلى أبدا عني فجلست إليها وحكيت لها كل شيء.

حكيت لها أني كنت أعرف منذ البداية أني لا أنتمي للأسرة التي أعيش معها. صحيح أني أحبهم: المرأة والرجل أسميهما أمي وأبي، المرأة العجوز الطيبة التي أناديها جدتي وزوبا الحمقاء التي أحبها رغم أنها تخيفني أحيانا.

حكيت لها أني أتيت من بلاد بعيدة. بعيدة جدا يسكنها الملوك والأمراء ويحرس أبوابها الجن بالليل والملائكة بالنهار. لا أدري ما الذي حلّ بمدينتي وبأسرتي الحقيقية. أعرف بيقين أني لست ابنة أمي وأبي أعني هؤلاء الذين أعيش بينهم الآن. لم أجرؤ على سؤالهما عن أصلي ولماذا أتوا بي إلى هنا. ربما وجدوني مرمية على حافة الطريق ورأفوا لحالي و ربما وضعتني عندهم إحدى قريباتهم بعد أن لم تجد رجلا يمكن أن أقول له أنت أبي. لكن التفسير الذي أرجحه و الذي يكسبني راحة كبيرة فأسرد القصة مرة تلو مرة و في كل مرة أدخل عليها تحسينات و إضافات هي أن أمي و أبي الحاليين كانا يشتغلان عند والديّ الحقيقيين في القصر و حين أغارت قبيلة أخرى على مدينتنا و دخلت قصرنا قتلت أبي و أمي الحقيقيين و قتلت كل من كان فيه لكن أبي وأمي الحاليين اختبآ و كانت أمي تحملني في كيس كبير في قبو كانت تحفظ فيه المؤن إلى أن خرجا بي مختبئين تحت جنح الليل فارين من موت محقق.

حكيت كل هذا للشجرة ووصفت لها القصر والحياة فيه: غرفه المتعددة وحدائقه الغناء. كم كنت أحب تلك الحدائق وأغني طيلة لنهار لأشجارها وسواقيها ونباتاتها وحشراتها. حكيت لها عن جمال أمي وقسوة أبي ودسائس الخدم والمرافقين وكل من كان يحاول التقرب من أبي وأمي لينال قسطه من المال والجاه والسلطة وكيف أنهم كانوا أول من تنكّر لوالديّ ولم يرفع أحدهم أصبعا للدفاع عن القصر وعن المدينة وأضفت أن البعض منهم مثل سليمان النجار وخادمته قاموا بالتآمر على أبي وفتحوا للعدو أبواب المدينة بعد أن وضعوا للجنود السم في الطعام.

هزت الزيتونة العجوز رأسها وقالت لي بصوت هامس:

نعم صغيرتي أعرف كل ذلك. صمتت قليلا كأنها تفكّر بعمق ثم أضافت: وقع هذا تماما كما في القصة التي يحكيها لنا أبوك في ليالي الصيف المقمرة.

زوليخا موساوي الأخضري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف