الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشمكار بقلم:خالد الصلعي

تاريخ النشر : 2019-04-01
لا يهم ، لايهم ، لم يعد شيئ يهم . الجميع خرج عن جادة الصواب . كلهم يلهثون وراء شيئ اسمه المال ، وأنا للآن لم اتعلق بهذا المال .ينعتونني بكل النعوت المقززة ، ورغم ذلك أدهسهم باصراري وقوة ارادتي .
لا يهم أن يصفوني بالمريض أو المعقد أو الأحمق أو المجنون ، فحين أذهب للمستشفى أجدهم جميعهم ينتظرون قدوم الطبيب الذي يتأخر عن موعده بساعة أو ساعتين ، يتبرمون داخلهم ، يتأففون في سريراهم ، يلعنون في صمتهم . وحين يحضر يقفون لتحيته والانحناء له .أنا وحدي الذي أصرخ وأولول وألعن الطبيب والمشفى والمرضى والدواء والشفاء . 
لا يهم اذا رموني بشتى العقد ، لأنهم يجهلون أن الانسان أكثر الكائنات الحية تعقيدا ، وهو المنطقة الكونية الوحيدة التي اعتبرها أحد الفلاسفة أكثر مجهولية وغموضا ، وهم بذلك يمدحونني دون أن يشعروا ، فعلى الأقل أنا أكثر الناس بينهم تمثيلا لحقيقة الانسان لأنني معقد .
لا يهم ان وصموني بالحمق والعته والمس والجنون ، ربما هم لا يبصرون الا شخصي ، فلو نظروا الى ما يحيط بهم لوجدوني اعقل الناس ، الشوارع مكتظة بالحمقى والمجانين ، ومزارت الدجالين تعرف رواجا أكثر من رواج المساجد والحانات .
ولن أنسى حين حضرت ذات يوم لقاء لأحد السياسيين وما هو بسياسي ، فلم أجد لي مكانا . كان الرجل جون المستوى بمسافات بعيدة ، لكنهم كانوا ملتئمين حولهم كآخر عبقري في زمن المغرب المظلم . تماما ، فحين يسود الظلام يتمنى الانسان ولو بصيص نور كي يخرج من العتمة ، لكن للحكلة قولها النهائي . الحلكة شديدة ، فمن يشعل النور ؟ .
انها مقدمة طويلة . اكثر من المعتاد . لا ، لا ليست طويلة ، فقد قرأت مقدمات أطول منها ، لكتب متنوعة . والآن من بدأت القصة ؟ . آه تذكرت .
وقفت تحت دفة المؤسسة البنكية بعد أن بدأت قطرات الأمطار تسقط ، وما هي الا لحظات حتى وقف أمامي "شمكار" * . هذه الفئة بالذات لم يستصغها خاطري منذ ان رأيت أول شمكار يدخل صنجوق القمامة ليبحث فيه عن شيئ يصلح للبيع . وما هي الا أيام معدودات حتى كثروا كالناموس او الذباب . ونحن تعلمنا ان نقتل هذه الحشرات ، ومن تشبه بها فهو منها . 
وقف في البداية بعيدا عني بثلاثة أمتار تقريبا . لكنني كنت أحس ان شيئا بداخلي قد تحرك ، تعكر صفوي ،وبدأ الدم يغلي في شراييني . شاب في مقتبل العمر ، لكنه يشبه شيخا في آخر العمر . متسخ ورث الثياب ، ينتعل صندالة جد بالية ، تنز منه رائحة نتنة كرائحة الجيفة . حتى ان دقات زخات المطر القوية لم تخفف من رائحته العطنة . خمنت ابعاده عن المحيط ، لكن قدوم فتاة نحونا جعلني اتردد في طرده من المكان . هذا المكان لا يناسبه ، أو هو لا يناسبني ، وهو طبعا لا يناسب الفتاة التي يبدو من خلال هندامها انها طالبة في السمتوى الثانوي ، فقد كانت تحمل في يدها اليمنى محفظة خفيفة تستعملها عادة طابات المدرسة . أو لنقل اجتماعنا في مكان واحد حدث خطأ . 
اقترب مني بضع خطوات ، أحسست بضيق شديد يخنقني ، وكأنه يخطواته المقتربة كان يضع يديه على عنقي ليطبق علي . حدجته بعيني لعله يتراجع وراء ، لكنه أخفض عينيه وتوقف . بدأ يحك يدا بيد ، ثم ينفخ فيهما بفمه . حالات القشعريرة سرت في بدنه بسرعة فائقة ، ما جعل جسده يتحرك بشكل مخيف . أخذ يحك في كامل جسده ، مرة وراء رقبته ، ومرة اخرى في بطنه ، ثم يمرر يده الى كتفه . حركات مقززة .
تحولت نقمتي عليه الى شفقة ، فقد كان لا يتزن كلما اشتدت زخات المطر وهبت نسائم باردة نحو ساحة المؤسسة البنكية . يزداد ايقاع ارتجافه ، ويتقلص جسده أكثر ، ينكمش وهو يرتعش ، يحك فروة رأسه بشدة .
لكنه حين سألني سيجارة ، اعاد سخطي عليه مرة أخرى . فعوض ان يطلب لحافا أو رغيفا طلب سيجارة . وحين حركت رأسي بالنفي ، سقط أرضا .فزعت الفتاة وصدرت عنها صرخة مدوية ، نظرت اليها باستغراب ،وكأنني أتساءل ؛ هل كانت تنتظر سقوطه لتصرخ بكل هذا الصوت . ثم قالت له " خذ هاك خمسة دراهم ، اشتر لك سيجارة " . 
المطر لا ينفك يزداد انهمارا ، وكلما اشتد هطوله كلما انخفضت درجة الحرارة . والشمكار يتلوى أمامنا ، لم يعرها انتباها وهي تقدم له خمسة دراهم . البنت اقتربت الينا ، بعض الناس يراقبوننا من الجانب الآخر للشارع ، ربما خالوا اننا ، أنا والفتاة صديقين وقد اختلفا فيما بينهما ، ثم تصالحا . الشمكار يتلوى أرضا ، والشارع أصبح مليئا بالمياه . 
الموقف لا يشبه اي موقف مر علي في حياتي .سألتني الفتاة وقد امتقع وجهها وشحب لونه ، وكانها مجرد دمية ، هل مات . نظرت اليه . لم أحس بأي احساس تجاهه ، كان قد وضع رأسه أيضا على الارض ، ولم يعد يتحرك ، اقتربت الى أنفه ، لم يكن يصعد منه أي نفس .
قلت لها نعم لقد مات .
* الشمكار في اللهجة المغربية هو ذاك المنحرف الذي يشم موادا مخدرة كالسيلسيون ، وهو مادة لزجة تستعمل للصق اطارات الدراجات الهوائية .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف