الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تجليات الزمن في القصيدة العربية المعاصرة بعض نماذج من الشعر الصوفي بقلم: محمد زيطان

تاريخ النشر : 2019-03-22
تجليات الزمن في القصيدة العربية المعاصرة بعض نماذج من الشعر الصوفي .
تمهيد:
يقولإسحاق بارو: " سواء جرت الأشياء أو ثبتت في مكانها، وسواء نمنا أو استيقظنا فإن الزمان ينساب بإيقاعه المطرد.
التجربة الصوفية والتجربة الفنية منبعهما واحد وتلتقيان عند نفس الغاية يكون فيه الشاعر باحثاً عن التجلي والكشف عن المستور وهي أحدى منطلقات الشعراء المتصوفة للغة التجلي ولغة الأحوال والمقامات لأكتشاف أفق لغوي رمزي أيحائي تنقلب فيه اللغة على عجزها وضبابيتها المحدودة لتنتقل من النقل اللغوي ألى الخلق اللغوي الذي يعتمد لدى شعراء الصوفية بعنوان الأيمائي في اللغة أو ما يسمى حسب أقفال الرموز اللغوية بالأنزياحات التعبيرية المؤدية ألى التعدد الدلالي للقصيدة ، ولهذا كانت مجالس الأسماع الصوفية لم تكن تجالس الأذكار والأوراد فحسب بل كانت إلى جانب ذلك مجالس فنية يروّج فيها الشعر الصوفي وتوطد فيها العلاقة بين التصوف والشعر فتنشط فيها القصائد الغزلية الروحية التي تربي الأذواق وترتقي بالنفوس ألى مقامات السالكين وألى ما يعرف بالعشق الألهي التي تفيض بفردات الجمال والجلال والتي ظهرت جلياً في مدونات الحلاج وأبن الفارض وأبن عربي والشيشتري ورابعة العدوية وخاض الشاعر العراقي المعاصر البياتي في ديوانه الموسوم ( بستان عائشة نماذج جميلة ورائعة في مضمون الرومانسية المقدسة برمز أسطوري معبر عن قدسية الوطن والأرض والأم والمدينة وكذا السياب الذي أتخذ من مدينة جيكور ملاذاً وسكينة ودار أستراحة المحارب روحياً وذوباناً في الذات ، ولدى شعر الفرس شهاب الدين السهروردي وجلال الدين الرومي.
ولقد شكل الاهتمام بالقضايا التكوينية للإنسان محطة مهمة في الفكر الصوفي، خاصة منها المتعلقة بالجانب الروحي، لأنها هي التي تعطيه هويته الحقيقية، فظهر لأجل ذلك الحديث عن المقامات والأحوال والكرامات وطي المكان والمعارج، والزمن هذا الأخير الذي يعدُّ من بين القضايا المسكوت عنها، بل اللامبحوث فيها في إطار المخيال الصوفي، فحتى المؤلفات والمعاجم المشتغلة على المفردة والمصطلح الصوفي، تذهب مذاهب شتى في مقاربتها لقضية الزمن؛ فلسفيا ودينيا وسلوكيا، ولكنها لا تكاد تقدم تصورا مكتمل الملامح لمفهوم الزمن في الخطاب والعرفان الصوفي، مع إقرارهم بما يشكله من أهمية في البنية التكوينية والوجودية للإنسان عامة والعارف الصوفي بشكل خاص، الأمر الذي يجعل محاولة التنقيب والحفر عن مضامينه المعرفية والفكرية سبيلا – لا مناص عنه – لتشكيل عدسة رؤيوية واضحة المعالم. إن التقاطع الواضح في المخيال الصوفي بين عديد المصطلحات كالزمن والوقت والدهر؛ التي تتضافر جميعها لتدلَّ على نسق تصوري واحد هو مرتبط أساسا بالعلاقة بين العبد ورِّبه، في إطار عرفاني يجعل من الزمن هو الفضاء السلوكي؛ الذي يجتهد فيه العبد لنيل مرضاة الله والتقرب إليه بما يحبه، وتعميره بما يرجع عليه بالخير والنفع والصلاح في الدنيا والآخرة، ولهذا تضافرت أقوال العرفاء منوهة بخطير أمر الزمن ( الوقت ) في حياة العبد، فهو عندهم ليس حاكما، بل محكوما عليه بيد الصوفي أمره، يوجهه ويطويه ويخترقه ويسرِّعه ويبطِّئه.
أولا: تجليات الزمن في القصيدة العربية المعاصرة بعض نماذج
. الزمن الصوفي في الشعر العربي المعاصر
الصوفي رنة موسيقية خاصة. للزمن
إذن فالتصوف: «جوهرا فكريا يُمثل مرحلة من مراحل تطور الفكر الديني، حيث تتدخل القوى العقلية في إثبات قدرتها على الإدراك إلى جانب النص الديني، إنّها حركة إيقاظ للقدرة التأويلية للتفكير الإنساني في مواجهة الكون وخفايا الإنسان وحقيقة الخالق وسبيل الوصول إليه.» )
فما أنتجه الفكر الصوفي من حيث الأصالة« هو اجتراح طريق جديدة للمعرفة والإدراك، طريق يتجاوز حدود العقل ومقاييسه المنطقية، وكذلك الحس ومعاييره المادية، فكان أن اجترحوا رؤية القلب أو الحدس أو الذوق، والحقيقة أنّ هذه المُسميات ما هي إلاّ تعبير عن ذلك الصراع الذي واجه الصوفي ثقله ومتاعبه، وهو متمثل بحقيقة مفادها أنّ الحقائق ظاهرة أمكن أن يتم الوصول إليها عن طريق الحّس فتدرك طبيعتها المادية، فتُناسب المدرك بوسيلته المُتبعة أو أن يتم إدراكها عن طريق الاستدلال والمنطق المحسوب، وذلك عن طريق العقل، فالحس إذن والعقل وسيلتا المعرفة الإدراكية للحقائق الظاهرة، أما الحقائق الباطنية فهي سبيل مختلفة، فلابد وأن يتم انتخاب وسيلة تتناسب مع نوع هذه الحقائق حتى توقف الحس والعقل عن الفعالية في الإدراك، فكانت الرؤية القلبية والحدس والذوق، أي مزيج من استعداد فطري ومؤهلات اكتسابية بعد رياضة وإجهاد وسياسة للنفس.» )
يعرف ابن عربي الزمن الصوفي: بأنّه الكلام الذي يُعطي ظاهره ما لم يقصد قائله، وكذلك منزل العالم ما أوجده الله لعينه، وإنّما أوجده الله لنفسه وعليه فالدلالة الرمزية تسير في اتجاه معاكس تماما للدلالة القُصدية، وتتسم الدلالة الرمزية بالتراكم الدلالي، أي طبقات متراكمة من المعاني أو ما يُسميه ابن عربي بدوائر الباطن، والدلالة الرمزية تختلق لنفسها معاني فورية أو دلالية من درجة ثانية، وهو الانتقال من مستوى الشكل الموضوعي للأشياء. أما أدونيس يعرف الرمز الصوفي على أنّه « طريقة الكشف عن المعرفة، والبحث عن المعنى ووسيلة لبناء الهوية، كما هو دعوة لتحرير الكيان البشري إلى جانب كونه دعوة إلى تحرير الفكرة.»
ومن ثمة يمكن اعتبار النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر هي بحث مستمر عن الرمز الإنساني في أسمى معانيه و محاولة وصل الذات في نشدانها المتعالي عبر جدلها الدائم مع الزمن، هي التأمل والاستبصار والانفلات من عالم الخصوصيات والاحتفاء بعالم المُثل، الأمر الذي أفضى بالنفس إلى البحث عن ملاذ روحي تُعوض به إحباطها وانهزاماتها وفشلها في وصل عالمها الأرضي، وهو القول الذي استطاع ابن عربي من خلاله رؤية الأشياء « أرواحا لطيفة غريبة فيها استجابة مُودعة لما يُراد منها، هي سر حياتها، وتلك الأرواح أمانة عند تلك الأشياء محبوسة في تلك الصور تؤديها إلى هذا الطرح الإنساني الذي قدرت له.»
فالشاعر الصوفي لا يروي وإنّما يدرك بإحساسه المفعم بارتقائه إلى المبادئ العليا ويحدُسُ الوقائع بما يمتلك من حس لا يشترك مع غيره الذي ينظر إلى الأمور بطريق المعرفة الاستدلالية في ظاهرها، وهو لا يُبصرُ وإنّما يتبصر باطن الشيء الذي تتحد به.
ليس غريب أن ترتبط تجربة الشاعر المعاصر في أحد أزمانه وعند بعض مُبدعيه بالتجربة الصوفية، لأنّ الشاعر لحظات إبداعه إنّما هو في حالة فناء في ما هو فيه، فقد ينسحب من عالمه إلى عالم آخر لا يكاد يحس فيه إلاّ بذاته، ولقد كانت ولا تزال رغبة الشاعر الصوفي البحث عن المجهول واللاّمرئي أو كما يقول صابر عبد الدايم:« والبحث عن ما وراء المحسوس من أخصّ خصائص التصوف، ثم انتقلت هذه الخاصية إلى الأدب الصوفي، فصار البحث عن الحقيقة والنفاذ إلى صميم الأشياء وكشف ما وراء الطبيعة إحدى سمات الأدب الصوفي. أو كما يقول سعد عيسى:« إنّها حالة روحية يتصل فيها العبد بربه اتصال المتناهي باللاّمرئي، وهي تجربة لا تخضع لمنطق العقل الواعي، وإنّما هي حالة من حالات الوجود الباطن، لها رموزها الخاصة ومن ثم فهي غربة روحية واعتزال العالم البشري) ويمكن القول أيضا:« أنّ الصوفية تحاول وضع زمام الجسد في يد الروح بحيث يحقق الإنسان وجوده الروحي ويستشعر من المتعة الروحية والنشوة الوجدانية، ما يمكن أن يشكل تجربة بسيكولوجية تتسرب في عقله الباطن.» )
إنّ نزوع الشعار الصوفي إلى عوالم اللاّمرئي ولا محسوس مثَل علامة فارقة في إبداعات الشاعر المعاصر من خلال إزاحة مألوف اللغة عن واقع التعبير وإيجاد لغة جديدة من أحد مقوماتها الرمز والإيحاء والذي مكّن الشاعر المتصوف أن يتعامل بها مع غيره لأنّ التعبير بالرمز والإيحاء استطاع أن يقابل الحالة الصوفية التي لا تحدها الكلمة والذي يمكن بالتالي أن يخلق المعادل التخييلي لهذه الحالة، إنّه تعبير لا يخاطب العقل بل القلب « فكما أنّ الحالة الصوفية لا يحكمها مقياس الحس والعقل، ليس في مقدور لغة الاصطلاح والوضع أن تُعبر عما يتناقض مع الاصطلاح والوضع .هذا الفكر الصوفي الذي عرفه أدونيس وغيره إلى درجة الفهم والاستيعاب وجعله يُعيد النظر لا في مضامينه الشرعية فحسب، وإنّما في أدواته الشعرية كذلك، منها اللغة التي صار تغير العلاقات بين كلماتها والأشياء إحدى غاياتها.
ومن الأشياء التي عزّزت اتجاه التصوف في شعر الحداثة العربية استلهامهم للتراث الصوفي العربي والذي يؤكد أدونيس أنّه ليس مجرد رافدا لهذا الشعر وإنما هو المنبع الرئيس، وقد مثل ذلك الشاعر بشر فارس في استخدامه لبعض إيماءات التراث الصوفي في الإشارة إلى ما وراء الحّس من معان لطيفة مُبهمة، ويتجلّى ذلك واضحا في قصيدته " إلى فتاة"
« بصّيريني يا وضوح ثروة القطب الخطير
أنـا في وهج الفـتوح يقظ لكــن حسيـر
خـفَّ بـي كشف طموح وكـبا فهـم كسيـر
فسـرت فوحـات روح في غايابات الخمير.»
لقد وظف الشاعر رموزا تمثلت في لفظة: قطب، الفتوح، كشف، وهي ألفاظ ذات إشعاعات صوفية توحي بجو يشبه ما يعانيه المتصوف من شوق إلى الوصول « فالمصطلحات الصوفية المذكورة لا تعني مدلولها الصوفي فحسب، بل تُشير إلى مجاهدة الشاعر بحثا عن المثال أو الحقيقة المطلقة التي ترتد إليها ظواهر الوجود.»
ويربط أدونيس بين الشعر والتصوف من خلال كونية كل منهما، فالشاعر عنده يترجم ما يشغله ترجمة صادقة عميقة، يحسُّ أنّه يترجم في الوقت نفسه ما يشغل الآخر، وكلامه يكون باسم الآخر وباسم ما بينهما من علامات، أي أنّ اندماج الذات لتشمل الآخر في كل من التجربتين الشعرية والصوفية هو ما ينتج العلاقة بينهما أو كما يقول جُبرا إبراهيم جُبرا عن أدونيس: « يأتينا بالشعر والتصوف معا ويُغرينا بالسماع والتأمل، بل إنّه يكاد يُقنعنا بأنّ لنا نحن أيضا كقراء أن نشارك في نشوة الصوفية والحلم الخارج والإسراء.»
إنّ توظيف التراث الصوفي ارتقى بالعمل الإبداعي وهو في ذلك تعبير صادق عن هموم ومعاناة الشاعر المعاصر فأقبل عليه بنهم وسخاء أثرى به تجربته الشعرية، ويؤكد عثمان حشلاف هذا قائلا: « ولم يكن اهتمام الشعراء المحدثين بالتراث الصوفي لذاته أو لأنّه شيء عظيم فحسب، بل لأنّه الوسيلة الأساسية التي تُمكن الشاعر من الاستمرار في الإبداع والكتابة، إذ بواسطته يُتاح له نقل أحاسيسه الوجدانية وتجربته الشعرية.»
ويقول صلاح عبد الصبور حيال هذا:
« خرجت إليك
علّي أوافي محمليك
ومثلما ولدت، غير شملة الإحرام، فقد خرجت لك
أُسائل الرواد
عن أرضك الغريبة الرهيبة الأسرار.»
المحور الثاني: في الاتحاد بكل مظاهر الوجود والاتحاد بمظاهر الكون عند الشاعر وسيلة لتخطي الكائن إلى عوالم ثانية خارج الحياة « في مناخ الأحلام والأفراح والحسرات والمشاعر والرؤى الغارقة في قرارة الروح حيث انبثاق كوني و طوفان يغسل الواقع ويُشيعُ الحياة والحلم والمادة، فتصرخ الأشياء وتتآخر.» فالشاعر رجل « تشع رؤياه إلى ما وراء أفق الإنسان العادي فتذهله ضخامة الكون وجماله.» وعندها فقط تغدو الكتابة الصوفية لونا خاصا تخترق المُمانعة والتفلُت لترسوا في الأخير على هيمنة التأويل، لأنّها تنشد آفاق المعارف الكونية الكبرى بظاهر الوجود وباطنه ومعرفة مكونات الفعل اللغوي وأدواته الإجرائية التي مست النص الصوفي .
بقلم الباحث محمد زيطان
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف