الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الذَّوَبَانُ الثَّقَافِيُّ وَأَثَرهُ عَلَى الفَردِ وَالأَمنِ القَومِيِّ بقلم:د. أشرف إبراهيم محمد زيدان

تاريخ النشر : 2019-03-19
الذَّوَبَانُ الثَّقَافِيُّ وَأَثَرهُ عَلَى الفَردِ وَالأَمنِ القَومِيِّ
د. أشرف إبراهيم محمد زيدان
قسم اللغة الإجليزية/كلية الآداب/جامعة بور سعيد
ملخص الدراسة:
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تعريف مفهوم الذوبان الثقافي assimilation))، وأنواعه، وعلاقته بمصطلح الهجنة (hybridity)، والفرق بينه وبين مصطلحات التأقلم (integration) والتقليد (Mimicry) والامتزاج البيولوجي لسلالات عرقية متميزة أصيلة (amalgamation) وأخيرا مصطلح المثاقفة (Acculturation)، والنتائج السلبية لهذا الذوبان الثقافي بالنسبة للمهاجر، وأثره الإيجابي على الأمن القومي للدولة المستضيفة. وسيتم دراسة هذا الموضوع من خلال تحليل رواية الكاتب الكندي مايكل أنداتشي (المريض الإنجليزي)؛ وذلك بإلقاء الضوء على المصطلحات الآتية: مفهوم الآخر، والحيز الثالث، والتعددية الثقافية، ومدى علاقتها بحياة المهاجرين ومعاناتهم سواء أكانت هذه الهجرة داخلية أم خارجية (فى مصر بعض المحافظات يزيد عدد المهاجرين فيها عن عدد سكانها الأصليين). ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة ما يلي: على المهاجر أن يتكيف مع مجتمع الدولة المستضيفة دون أن يتخلى عن هويته الأصلية؛ فالتأقلم يساعده على المشاركة المجتمعية، دون التنازل عن أصله وعاداته وتقاليده، كما هو الحال مع الذوبان الثقافي. وعلى الدولة (أيضا) أن لا تسمح بإقامة غيتوات (ghettoes) داخل المجتمع، كما فعل الملك لويس الرابع عشر مع اليهود، إذ إنه أجبرهم على الذوبان داخل المجتمع الفرنسي، وعدم العيش فى أحياء خاصة بهم؛ من أجل حماية الأمن القومي. وتُبرِزُ هذه الدراسة كرامة المهاجرين، وكيفية مقاومة: المحاكاة، والهيمنة، والجمود؛ من أجل كتابة تاريخهم من وجهة نظرهم، وليس من وجهة نظر الآخر.

الكلمات المفتاحبة:
الذوبان الثقافي، التأقلم، الآخر، التشويه، ما بعد الاستعمار، المريض الإنجليزي.

الذَّوَبَانُ الثَّقَافِيُّ وَأَثَرهُ عَلَى الفَردِ وَالأَمنِ القَومِيِّ
مقدمة
ولد مايكل انداتشي في كولومبو (سيريلنكا) فى عام (1943م) لأسرة تعود جذورها العريقة إلى هولندا. هاجر إلى إنجلترا مع أمه فى عام 1954م، بعد أن استحالت الحياة الزوجية؛ نظرًا لإدمان الزوج الخمر والمخدرات، ثم انتقل بعد ذلك إلى كندا فى عام 1962م، واستقر بها، وحصل على الجِنسِيَّة الكَنَدِيَّة. درس أنداتشي في جامعة تورنتو، وحصل على الماجستير من جامعة أنتيريو فى عام (1967م)، وقام بالتدريس في جامعة انتيريو الغربية؛ وقد تعددت مواهب أنداتشي الأدبية؛ إذ إنه يكتب الرواية والشعر والنقد وبعض السيناريوهات وأخيرا دخل مجال التحرير؛ وحصد العديد من الجوائز المحلية.
تتميز أعمال أنداتشي المتنوعة بسرد مثير للذكريات والعواطف، وأساليب حوارية بسيطة لكنها معبرة وفلسفية، وغياب الفروق النوعية بين الشعر والنثر (فالشعر أكثر وثائقية، بينما الرواية أكثر مجازية)، وأخيرا تتأرجح أعماله بين المحاكاة الواقعية، وإعادة البناء الخيالي. وتلقي أعماله الضوء على المضطهدين والمهمشين من أهل الشرق؛ سواء أكانوا فى بلدانهم الأصلية أو فى المهجر. وفي بداية أعماله كانت صورة المرأة مشوهة؛ إذ إنها تبدو دائما تابعة للرجل، ودائما ما كان يُنظر إليها بوصفها مواطن من الدرجة الثانية، وليس من حقها أن تتعلم أو ترث؛ فهى باختصار قطعة من الآثاث المنزلي يحركها زوجها كيفما يشاء. وهذا ما أكدته أيضا الكاتبة الفرنسية اليسارية سيمون دي بيفوار (1908-1986) في كتابها (الجنس الثاني) (1949م)؛ فعندما يجامع الرجل أكثر من امرأة يُطلق عليه لفظ فحل (Stud)، ولكن عندما ترتكب المرأة الحماقة نفسها يطلق عليها عاهرة (Slut). ومن أهم أعمال أنداتشي الروائية: (النجاة من المجزرة) (1976م)، و(في جلد أسد) (1987م)، و(المريض الإنجليزي) (1992م)، و(شبح أُنيل) (2001م).
تلقي هذه المقالة الضوء على ثلاثة محاور أساسية، طبقا لرواية مايكل أنداتشي (المريض الإنجليزي) (1992م). أولا: حياة المهاجر بوصفها نوع من الذوبان الثقافي أو التأقلم أو بوصفها رحلة من أجل اكتشاف الذات. ثانيا: النتائج السلبية لهذا الذوبان الثقافي على المهاجر ، وأخيرا: أسباب فشل هذا الذوبان الثقافي المهدِّد، وأثره الإيجابي على الأمن القومي من وجهة أخرى. وسيتم دراسة تلك المحاور وفقا لمفهوم الآخر ، والهجنة، وأخيرا مفهوم التعددية الثقافية الكندية (1971م). وفي البدء يجب أن نقدم للقاريء نبذة مختصرة لأحداث رواية مايكل أنداتشي (المريض الإنجليزي) حتى تكتمل الصورة أمام القراء.
ملخص الرواية
تصنف رواية (المريض الإنجليزي) على أنها ضمن روايات ما بعد الاستعمار. وقد أطلق على أدب ما بعد الاستعمار في بدايات الأربعينيات والخمسينيات (أدب دول الكومَنولث):أي أدب الدول التي خضعت للاستعمار الإنجليزي. ولكن مع نهاية الثمانينيات أطلق عليه (أدب ما بعد الاستعمار/ أدب الدول المحتلة). ويعود الفضل في ذلك إلي: إدوارد سعيد وكتابه (الاستشراق) (1978م)، وهومي بابا وكتابه (موقع الثقافة) (1994م)، وأخيرا مقالة سبيفاك (هل من حق المهمش أن يتكلم؟) (1988م). والجدير بالذكر أن هؤلاء المفكرين قد تربوا في الغرب، وحملوا جنسيات ذلك المحتل، وتأثر الأول بالبنيوية وميشيل فوكو، والآخران بالتفكيكية والمدرسة النفسية (لاكان). وتعرضت آراء سعيد وبابا للعديد من الانتقادات؛ لا مجال لذكرها الآن.
يحاول أنداتشي في رائعته (المريض الإنجليزي) أن يعطي المضطهدين والمهمشين والمسكوت عنهم فرصة في كتابة تاريخهم بالإضافة إلي تشويه صورة الآخر (الغرب). فبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في إيطاليا، فى عام 1944م، اتجهت شمالا مخلّفة وراءها فضاءً من الكنائس المدمرة، والمكتبات المحروقة، والفنون المدفونة بين الأنقاض، والحدائق الملغمة، كما خلفت أدبا كان يستُخدم كسلاح فتاك في تلك الحروب. وتدور أحداث الرواية في فيلا معزولة ومدمرة استخدمت بوصفها وَحدة طبية لجيش الحلفاء (Allies) في أثناء الحرب. وتجمع تلك الفيلا (بين ما تبقى من جدرانها) أربع شخصيات رئيسية، تعاني من آثار الحرب: فالممرضة الكندية (هَنا) (Hana) التى فقدت أباها وزوجها وطفلها الذي لم يولد؛ واللص والجاسوس الكندي (كرافايجيو) (Caravaggio) الذى أصابته لعنة العاهات حيث فقد أصابعه على يد الألمان؛ والجندي الهندي المهاجر (كيربل/كيب) (Kirpal/Kip) الذى يشعر بالتعب والارهاق؛ وأخيرا الرجل المريض الماشي (Almásy) الذي تشوهت ملامحه لدرجة لا يمكن التعرف عليه، ويطلق عليه (المريض الإنجليزي) بسبب لكنته. ولكننا نكتشف بعد ذلك أنه طيار هنجاري تحطمت طائرته في الصحراء الليبية، ومغامر يرسم خرائط للحلفاء (cartographer). إجمالا تكون هذه المجموعة عائلة متعددة الجنسيات، ويرى بعض النقاد أن هذا المكان يرمز إلى التعددية الثقافية الكندية ومفهوم العولمة، ويعده بعضهم فرصة لإعادة اكتشاف الذات؛ لأنهم يستردون هوياتهم الأصلية، وانسجامهم مع مجتمعاتهم في مرحلة ما قبل الهجرة/الاستعمار. وقد كُتِبَت الرواية بلغة شاعرية، ولا تتبع الحبكة التقليدية؛ إذ إنها تجمع ما بين التقديم والتأخير.
تعريف الذوبان الثقافي
تثير الرواية قضية الذوبان الثقافي للمهاجرين؛ وخاصة من جنوب شرق آسيا؛ وهناك تعريفات متعددة لـــ الذوبان الثقافي داخل المجتمعات الأجنبية، ومنها: أن تتبني الأقلية والمهمشون العاداتَ والتقاليد الخاصة بالثقافة السائدة والمهيمنة. وباختصار بسيط نقول إنها عملية استبدال قومية وهوية المهاجر بهوية وقومية الدولة المستضيفة. فطبقا لــــ بارك وبرجس (1921م) يعرَّف الذوبان الثقافي بوصفه عملية من التغلغل والانصهار عندما يكتسب الأشخاص أو بعض الفئات الذكريات والعواطف والميول الخاصة بأشخاص وفئات أخرى [الدولة المستضيفة] من أجل الذوبان والانصهار معهم فى بيئة ثقافية عامة (p.735). وتضيف بوخريــال (2011م) أنَّ المهاجرين والمهمشين يمكنهم (أيضا) أن يستفيدوا من هذا الذوبان الثقافي؛ حين يطوقوا في مجتمع تقليدي متكامل (p. 2). وتوضح بيري (1951م) أنَّ الذوبان يساعد المجموعات ذات الثقافات المختلفة في التوافق على ثقافة عامة. والدليل المؤكد لذلك؛ غير عادات اللبس، والسكاكين، والشوك، واللغة، والطعام، والرياضة، والمواصلات التي من السهل نسبيا اكتسابها وتذوقها؛ ولكن (أيضا) الأشياء غير الملموسة بوضوح، مثل: القيم، والذكريات، والميول، والأفكار. لذا يشير الذوبان إلى انصهار التراث الثقافي، ويجب أن نميزه عن الاختلاط البيولوجي والتقليد (p. 217).
ويقسم جوردن الذوبان الثقافي إلى سبعة أقسام: ثقافي (تبني الأنماط الثقافية، والمعتقدات الدينية، وسلوكيات الدولة المستضيفة)، وبنيوي/تركيبي (أن يصبح المهاجر منصهرا وذائبا في المؤسسات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية والثقافية للدولة المضيفة، ومكونا لعديد من الصداقات الشخصية مع المواطنين الأصليين للبلد)، والمصاهرة/التزاوج (الزواج بين المهاجرين والمواطنين على نطاق واسع)، وتحقيق المعرفة الشخصية (تنمية الإحساس بمبدأ الأخوة)، والتصالح النفسي (غياب التعصب)، والتصالح السلوكي (غياب التفرقة العنصرية)، وأخيرا الذوبان الثقافي المدني (غياب صراع القوي) (p.71).
الذوبان الثقافي للمهاجر الهندي كيب
يعتبر المهاجر الهندي كيربل (Kirpal)- أحد الشخصيات الرئيسة في رواية مايكل أنداتشي (المريض الإنجليزي)- منسجما ومنصهرا ومتكيفا وذائبا فى المجتمع الانجليزي بمجرد تحدثه اللغة الإنجليزية، واكتسابه الطقوس السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإنجليزي : (لقد أسمع نفسه كلمتي "جاف جدا. جاف جدا" بلغته الإنجليزية المكتسبة) (p. 187): فى المرة الأولى نطق حرف الـ (v) دبليو (w)، ولكنه فى المرة الثانية نطقها مثل الإنجليز؛ وهذا سبب تكرار (جاف جدا) مرتين؛ فهو معجب وفخور بالغرب لتفوقهم وتحضرهم. ومن ثَمَّ بدأ يشارك هذا المجتمع عاداته وتقاليده، ويدين بالولاء له؛ كما يقول المثل الإنجليزي: فهو (مَلَكِي أكثر من المَلِك). وطبقا للكاتب فرانز فانون (1968م) فإن كيب يشعر بالدُّونِيَّة أمام الإنجليز؛ لذا يتبني ثقافة المستعمر، ليتغلب علي هذا الشعور (p. 235).
الآن أمّن كيربل وضعه الاجتماعي والاقتصادي؛ فقد حصل على وظيفة مفكك ألغام (sapper) في الجيش البريطاني، وامتلك مسكنا، وكسب أصدقاء كثر من البريطانيين، وتوج ذلك بحبيبة كندية تعمل في مهنة التمريض (هَنا). واستطاع ذلك المهاجر أن يحقق ذوبانا ثقافيا مع هذا المجتمع الجديد عن طريق صهر شخصيته وهويته داخل الأغلبية، وعن طريق تبني عادات وتقاليد وطقوس هذا المضيف: (لذلك استطاع أن يحقق مكاسب بعيدا عن آلات الحرب الفوضوية، وأصبحت لديه عائلة بعد مرور عام فى الخارج كما لو كان شخصا مسرفا عائدا من الغربة، وأصبح لديه كرسيا ثابتا على المائدة، ويبادلهم الأحاديث.) (p. 187)؛ لذا بدأ يتنازل كيربل عن أخلاقياته وسلوكه وحتى عن عقيدته وأخيرا اسمه من أجل أن يصبح مواطن من الدرجة الأولى. وهذا يعني أنه قد وضع نهاية لهويته الهندية، ولكنه يكتشف لاحقا أنه خدع نفسه عندما صادق المستعمِر. ومن المعروف أن هذا الهندي قد هاجر إلى إنجلترا ضد رغبة وتوقعات عائلته التي كانت تطمح فى أن يصبح طبيبا.
يرى هومي بابا (1994م) أن طبيعة العلاقة بين المغتصِب والمغتَصب قائمة على تبادل المنافع، وليست قائمة دائما على الصراع والخلاف أو الاستعلاء والدونية؛ ويقسم بابا الأماكن إلى ثلاثة أنواع: يشير النوع الأول إلى المستعمِر، والثاني إلى المستعَمر، والثالث إلى الهجين/الحيز الثالث. ويؤكد مفهوم الهجنة عدم نقاء السلالات؛ فكاتب الرواية مايكل أنداتشي مواطن كندي، ومع ذلك يريد أن يشعر دائما أنه يعيش فى بلده الأصلي سيريلنكا؛ لذا فهو ينتمي لكلا الدولتين. ولكن تعرض بابا للنقد اللاذع من قبل أشكروفت وآخرين؛ لأن هذه العلاقة تنفي عدم التوازن، وعدم المساواة بين القوتين غير المتوازنتين، وتتجاهل (في الوقت نفسه) ما تتميز به كل ثقافة محلية من خصوصية؛ فبتأكيده على التأثيرات الثقافية واللغوية والسياسية، المتحولة على كل من المستعَمر والمستعِمر، يجب أن تُضاعف سياسات الذوبان الثقافي، عن طريق ستر أو تمويه الفروق الثقافية (p.109).
هناك تعريفان لمصطلح (الهجنة) وفقا للكاتب روبرت ينج (1995م)؛ ففي القرن التاسع عشر كان ينظر إليها بأنها تطعيم بين الأجناس البشرية المختلفة، وأما في القرن العشرين فيصف مصطلح (الهجنة) كيف أصبح البشر مزيجا وخليطا من ثقافات متعددة ومختلفة. وهناك خمسة أنواع من الهجنة: عرقية ولغوية وأدبية وثقافية ودينية؛ ففى رواية آتشبي (تداعى الأشياء) (1958م) يعد اعتناق ابن بطل الرواية (Nwoye) للديانة المسيحية (فى نظر الأفارقة) نوعا من الخسارة، وشكلا من أشكال الخضوع والاستسلام للقيم الثقافية الأجنبية. يضطر المهاجر الهندي أن يغير اسمه إلى كيب (Kip) بدلا من كيربل سينج؛ لأنه يبدو غريبا للإنجليز: ينطقه الإنجليز (كيربر) والتي تعني (سمكا إنجليزيا مملحا) وليس كيربل: (ففى خلال اسبوع نسي اسم كيربل سينج تماما، ولم يبالِ بذلك.) (الرواية: 77)؛ فهذا الشعور بالتضاؤل دليل واضح على هيمنة وسيطرة المستعمِر.
توظف بوتشي إيمتشا—مثلها فى ذلك مثل معظم الكتاب الأفارقة الآخرين وكذلك الكتاب المهاجرين الأفرو-كاريبيين—تقاليد الواقعية الأوروبية في كتاباتها. وهذا يعد أمراً مهما؛ لأنهم خالفوا بذلك العديد من الكتاب الإنجليز البيض، مثل: جون فاولز وأنجيلا كارتر، الذين انخرطوا في تجارب الحداثة وما بعد الحداثة قبل سبعينيات القرن الماضي، وتجلى ذلك فى: استخدام اللغة، والأسلوب، والصوت السردي. ويعود تفضيل الواقعية لعدد لا بأس به من الكتاب المهاجرين، من البلاد التي كانت (في الأصل) مستعمرات بريطانية، إلى الأسباب الآتية، أولا. تتوافق التقاليد الواقعية بشكل جيد مع توقعات جمهور القراء، الذين رأوا روايات كتاب ما بعد الاستعمار نوعاً من الشهادة الاجتماعية. فكما توقع القراء أن تستخدم أعمال (إيكويانو) بوصفها شهادة على الآثار السلبية للعبودية، فلقد توقعوا (في الوقت نفسه) أن تكون أعمال (عبد الرزاق جورنه وبوتشي إيمتشا وكتاب آخرين) في مرحلة ما بعد الحرب، شهادة على الآثار غير الإنسانية للاستعمار. ويرى البعض أنَّ السمات العامة لـ أدب ما بعد الحداثة، ومنها التلاعب باللغة والتقاليد، تتعارض مع مهمة تصوير أهوال العهد الاستعماري البائد، وما لحقه من عهود. ثانيا: ثانيا: استطاع كتاب ما بعد الاستعمار؛ من خلال التقاليد الواقعية، أن يُشرِبوا الرواية البريطانية بعض المفردات والتعابير، المأخوذة من بلدانهم الأصلية. وقد نالت أعمال سام سيلفون شهرة عالمية لأنه كتب بلغة تمزج بين الإنجليزية ولغة الكاريبي (Creole)، وهناك (أيضا) نماذج مُتَشابِهَة بين كُتَّاب الشتات الأفريقي (استخدام اللغة الإنجليزية، أم اللغة الأم فى الإبداع بين مؤيد ومعارض). منذ القرن التاسع عشر، أصر من يطلقون على أنفسهم واقعيين، من أمثال ستندال (Stendhal)، أنّه يجب على الرواية أن تقدم لغات وخبرات الحياة اليومية. ويري ستندال أنّ (الرواية مرآة تمشي متنزهةً فى طريق كبير) (342p. )، وليست بعضًا من صورة الأرستقراطية الرومانسية المليئة بالمجازات والحيل المعقدة. وقد اغتنمت إيمتشا وجورنه هذه الروح بعد مرور قرن من الزمان من أجل تصوير الظروف السيئة القذرة التي عاشها العديد من المهاجرين.
مفهوم الآخر
بدأ مفهوم الآخر بوصفه مصطلحا فلسفيًّا، ويعود الفضل في ذلك إلى المفكر الفرنسي عمانويل ليفينس (Levinas)، ثم أصبح أكثر شعبية بفضل كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق)؛ إذ إنه اتخذ دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية. واستخدم هيجل المفهوم نفسه: ويبدو ذلك جليا في الثنائيات التالية: السيد/العبد، الرجل/المرأة، الشمال/الجنوب ...الخ. ويري ميشيل فوكو أن مفهوم القوة مرتبط بـ (المعرفة)؛ وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وقسم المفكر الإيطالي أنطونيو جرامشي المجتمعات إلى نوعين: مجتمع سياسي وتحكمه القوة، وآخر مدني ويسوده التوافق/الدستور.
فبينما ينتظر (كيب) دوره في المقابلة الشخصية، للحصول على الوظيفة التطوعية مع بداية الرواية، تقول له السكرتيرة:(الإنجليز يتوقعون منك أن تحارب معهم دون أن ينخرطوا معك فى أية حوارات شخصية) (الرواية: 188). ويؤكد جوردن أنَّ المهاجرين لا يتمتعون بحقوق متساوية، وإنما تنالهم مشاعر عدائية؛ لأنهم مختلفون في اللون والدين والأصل (3p.). ويؤكد هذا المشهد أن كيب سيعاني من العزلة؛ لأنهم ينظرون إليه باعتباره الآخر. وتؤكد جميز بولدون (1924-1987) (أن اللون ليس حقيقة بشرية أو شخصية، وإنما قضية سياسية؛ لذا فإنه على البيض أن يدركوا تماما، أن حريتهم تخرج من رحم حرية السود؛ لأنهم وجهان لعملة واحدة). ويضيف فانون: (يُحدِث الاستعمار فجوة اجتماعية داخل الدولة المحتَلة بين الأغنياء والعامة؛ لذا فإننا نجد الفلاح الذي ينتقل إلى العيش في المدينة، يتبنى سلوكيات ذلك المستعمر، ويرى نفسه أكثر مدنية من المُستَقِرين في الأرياف؛ ومن ثم يحتقرهم ويتجاهل قيمهم الثقافية) (p. 57). ففي مصر، على سبيل المثال، ننظر إلى أهل القاهرة على أنهم رمز المدنيّة والحضارة بعكس غيرهم من سكان المحافظات الأخرى. وفي بعض الدول الأخرى يقسم الناس إلى قبائل وحضر وصلب وأخيرا (بدون).
ويرى فرانز فانون (1986م) أنَّ الاستعمار لا يكفيه فقط أن يُحكِم قبضته الحديدية على الشرق، وأن يفرغ عقول السكان الأصليين من الأشكال والمحتويات كافة؛ بل ويتحول أيضا إلى ماضي هؤلاء المهمشين؛ من أجل تحريفه وتشويهه بشكل تام وتدميره (p. 109). إن الغرب يحاول أن يستأصل ويشوه ثقافة الآخر، عن طريق استبدال ثقافته بالثقافات المحلية، وعن طريق هدم الثوابت الحضارية والمقومات الأخلاقية للمستعَمر (colonized)، وأخيرا استخدامه كدليل وتابع وهجين للأوروبي: يوصف الشرقي بالهمجي والمتخلف والجاهل والضعيف—للأسف نفس هذه التسميات ينعت بها المهاجرين إلى بعض محافظات مصر؛ فهناك المهندس الفلاح والدكتور الفلاح، وهلم جرا.
وطبقا لـ هومي بابا، يحاول المستعمِر جاهدا أن ينظر إلى الآخر، بوصفهم مجموعات بشرية منحطة ودونية، على أساس عرقي، لكي يبرر احتلاله، ويؤسس أنظمة إدارية وتعليمية من أجل مزيد من الهَيمَنَة والحكم (p.70). إن أصدقاء كيب في الجيش لا يتعاملون معه بوصفه رجلا إنجليزيا حقيقيا؛ ودائما ما يتجاهلونه بسبب بشرته: (ولكنه يعلم أن ذلك يؤلمه، ولكنه اعتاد عليه. وفي إنجلترا يتم تجاهله في الثكنات العسكرية المختلفة، ولكنه أصبح يفضل ذلك [مرغما]) (الرواية: 196). ومع أنه أصبح ذائبا ومنصهرا معهم؛ إلا أنه ما زال يسمى (الآخر)؛ ويعتبر ذلك نوعًا من الاستثناء والاستبعاد. ويعتبر (في الوقت نفسه) نوعًا من الازدواجية، لكل من المستَعمَر والمستعمِر؛ وهذا بدوره يفتح الباب واسعا على المقاومة والتمرد (لاحقا). لذا فإن أدب ما بعد الاستعمار، يسير على سياسة الأدب الاستعماري نفسها: التشويه التام. ويتم ذلك عن طريق إعطاء الشخصيات التي كانت مُهَمَّشة في الأدب الاستعماري، الفرصة الكافية للتعبير عن ذواتهم وتاريخهم الشخصي.
يرى الغربُ أهلَ الشرق بوصفهم أناس همجيين أدنى منهم في المنزلة، مع أن حضارة الآخر القديمة كانت أكثر مدنية وتقدما؛ فقد أُطلق على أوروبا في العصور الوسطي عصور الظلام، بينما الشرق كان ينعم بالحضارة والتقدم: (إن هذا العالم [الشرق] كانت لدية حضارة منذ قرون، وكانت لديه ممرات وطرق) (الرواية: 140). ويقسم الغرب العالم إلى أربعة أقسام: العالم الأول ويشمل إنجلترا وفرنسا وأمريكا. ويضم العالم الثاني كندا واستراليا ويمكن أن نضيف إليهما روسيا. وتأتي الهند كدولة تكنولوجية منفردة في العالم الثالث. وأخيرا العالم الرابع ويضم الدول الفقيرة. ويرى البعض أن هذا التصنيف مجحف وغير عادل؛ لأنه يتجاهل تماما الحضارات القديمة، ومنها الحضارة المصرية والإغريقية. فإن المحتل يروج دائما لشائعات عدة، عن:كسل وغباء أبناء تلك الدول المحتلة من خلال النكات العنصرية والصور السينمائية؛ وهذا ما أطلق عليه بابا (Stereotyping) (الصورة النمطية) عن شخص أو شيء معين: فبعض الدول دائما ما تروج العديد من الشائعات عن بعض جيرانها بأنهم كسالى وغير عمليين وغير أذكياء؛ ويحدث ذلك (غالبا) في أوقات الأزمات بين الدول.
فالغرب يسعي دائما إلى تشويه صورة المناهضين للاستعمار باتهامهم بأنهم كانوا عملاء للغرب، وليسوا أبطالا قوميين. فالغربي لديه السلطة بنوعيها (المعرفة/البطش) على انتهاك حرمات الشرقي والسيطرة عليه. ويربط ميشيل فوكو بين المعرفة والقوة: الشخص الذي لديه معرفة لديه قوى مطلقة (Sireteanu,2012, p. 165)؛ ويبدو ذلك جيدا في الاقتباس التالي: عندما قررتُ [Almásy] الرحيل رأيت مرآة معلقة عاليا على الحائط؛ وبالنظر إليها رأيتها تعكس فراشا. ويبدو أن هناك شيئا صغيرا، كلب مثلا، تحت الغطاء؛ فسحبت الجلباب، ووجدت طفلة عربية صغيرة مربوطة في أرجل الفراش وهي نائمة (الرواية: 138). ويذكرنا موقف الفتاة العربية بموقف الفتاة الأفريقية في رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلي الشمال) (1966م). ويختلف بابا مع فانون في نظرته للاستعمار. فيري الأول أن الاستعمار ليس فقط عنفًا وهيمنة واضطهادًا مباشرًا، وإنما يصحبه فترات من التفاعل والتواصل المعقد والمتنوع. ولكن اتهمه أشكروفت وآخرون (2000م) بتفريغ التاريخ من محتواه، وإبعاد الثقافات عن سياقها اللغوي والجغرافي؛ وهذا بدوره يؤدي إلى خلق مفهوم عولمي معنوي، يتجاهل خصوصيات المواقف الثقافية الخاصة بالآخر (p. 109).
تمثل رواية أنداتشي (المريض الإنجليزي) الغرب والشرق بطرق مختلفة. فالأول يرمز إلى النظام، والوضوح، والهويات الراسخة، والقومية، والحضارة، والمعرفة، وأخيرا الفهم الجيد لطبيعة الحياة. والثاني يرمز إليه بوصفه مكانا تعشش فيه الفوضي، ويكتنفه الغموض، وتسوده الهويات المهجنة، والاضطهاد، والفقر، والبدائية، وأخيرا ضعف وقلة الحماية—مكتوب على جواز السفر الأمريكي أن الطيران الأمريكي يدافع عن حامل هذه الوثيقة في أي مكان. وفي بعض الدول نجد تلك العبارة القاتلة (في حالة فقد الجواز يدفع صاحبه غرامة مالية). ويعتقد ستيورات هال (1996م) أن الغرب لديه القوة ليجعلنا نرى أنفسنا وكأننا (آخر) (p. 225). وهذا يبدو واضحا في علاقة (كيب) بكل من رسام الخرائط الهنجاري (Almásy)، والممرضة الكندية، والجاسوس واللص كارفيجيو. ويهاجم بابا مفهوم الثنائيات الذي يزرعه الغرب في نفوس البشر، ومنها: المركز/الهامش، المتمدن/الهمجي، المثقف/الجاهل... وهلم جرا. ويؤكد بابا أن الثقافات يجب أن تتوافق من أجل خلق نوع من التفاعل، ونقل الخبرات، والتغيير، ولا يجب أن تسمح لتلك الثنائيات التقليدية أن تسود (تيبايل،2010، 13).
فرسام الخرائط ، صاحب الشخصية المحروقة والمشوهه، يمثل الغرب الذي لديه السيطرة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية بفضل امتلاكه للمعرفة. وفي المقابل، نجد كيربل يشير إلى الشرقي الذي يسعي حثيثا إلي الذوبان الثقافي والانخراط والتثاقف والتكامل داخل الحضارة الغربية. فأطفال الغرب ينشئوا على أن يكونوا فريدين ومستقلين ، لا نظير لهم. وأطفال الشرق، في المقابل، تهدف تربيتهم أن يكونوا اجتماعيين ومتعاونيين كي يسهل ذوبانهم مع الأطفال الأجانب. وبالنظر إلى فراش المريض، نجده في وسط الفيلا المدمرة؛ وذلك يعني أنه في المركز/الوسط، وترتبط به (أيضا) جميع شخصيات الرواية؛ فإن مستواه التعليمي عالٍ جدا: (أعلم [يقول كيب] أنني لو رفعت كأس الشاي بطريقة خاطئة؛ سأطرد وأُنفَى. وإذا أخطأت رابطة العنق سأجلد. هل هي السفن التي منحتكم تلك القوة؟ هل هي، كما قال أخي، لأنَّ لديكم التواريخ والمطابع؟) (الرواية: 283). ويمثل ذلك المريض الإنجليزي (أيضا) الحضارة الإنسانية الأوروبية، والعولمة، والوجه القبيح للغرب. فإنه (اختصارا) رمز أوروبا: فهو محروق، ومعصوب العينين، وعاجز جنسيا: (ينام عضوه الجنسي مثل سمكة حصان البحر) (الرواية: 3)؛ وإن هذا (بدوره) ليؤكد انهيار أوروبا الوشيك جدا.
ينتقد المريض الإنجليزي (Almásy) في هذه الرواية الغرب نفسه؛ لإصراره على تشويه وإفساد صورة الشرقي، عن طريق تسمية أشياء بغير أسمائها المعروفة للعالم: (عين، بير، وادي، فوجارا، كوتاره، شادوف [...] يريد فينيلون بارنز(Fenelon) أن يسمي الأشجار الحفرية على اسمه. ويريد أن تسمى القبيلة على اسمه أيضا؛ فقد قضى عاما في مفاوضات لتحقيق ذلك. ولكن تفوق عليه بوتشن ((Buchan عندما نجح في تسمية أحد الكثبان الرملية على اسمه) (الرواية: 139). يؤكد ذلك أنَّ بعض الغربيين، غير راضين عن سياسات بلدانهم؛ ويشير (في الوقت نفسه) إلى ما تفعله إسرائيل في فِلَسطين. عندما ينتقد المريض الغرب هنا، يتذكر ما تعرضت له بلده من خراب وتدمير من قبل الروس. ويذكرنا ذلك (أيضا) بدعم أمريكا لدراسات ما بعد الاستعمار، قبل أن تتحول هي الأخرى إلى دولة استعمارية بامتياز.
وفي المقابل، نجد كُتَّاب ما بعد الاستعمار يشوهون ويسحبون البساط من تحت أقدام الغرب؛ ويعتبر ذلك نوعا من سوء التمثيل المتعمد (Misrepresentation). فإن السيدة الأرستقراطية الإنجليزية (كاثرين) تكره الكذب، ومع ذلك، تخون زوجها مع صديقه (الرواية: 152)، وأخيرا تموت وحيدة في الصحراء. وأما المريض فيحرم من اسمه، ولا يمكن التعرف عليه بسبب احتراق وجهه، ويخون بلده والحلفاء عندما يعطي الخرائط للألمان، مقابل طائرة ينقذ بها عشيقته (كاثرين). ويرمز حرمانه من الاسم إلى الغياب؛ لأن الأسماء والمعرفة تعطيان قوة. ويذكرنا هذا المشهد بصورة الأفارقة في رواية جوزيف كونراد (قلب الظلام) (1901م) إذ إنهم يحرمون، ليس فقط من تواريخهم الثقافية، وإنما الشخصية أيضا (Su, 2011, p. 295). وبالنظر إلى غرفة المريض نجدها تشبه القبر؛ وتضطر الممرضة إلى أن تضع كل المرايا الموجودة في غرفة فارغة؛ لئلا يروا الحقيقة المرة لواقعهم (الرواية: 23). وتاريخيا، كان الإنجليز يسحبون الضباط الذين تظهر عليهم أعراض السن؛ حتى يظنوا دائما أنهم أقوياء وشباب. وإذا نظرنا إلى المريض، نجده يعيش في الماضي؛ وهذا يعني أنه بلا حاضر أو مستقبل. ويؤكد (أيضا) أن المستقبل للشرق وليس للغرب: تموت جميع الشخصيات الإنجليزية في الرواية بسبب الحروب: (لورد سافك، ومادوكس، وكاثرين، وكل أعضاء نادي الرمل). ونجد كيربل، في المقابل، ذكيا، ومتعاونا، ومحبوبا؛ وله (أيضا) اسم، وماضٍ، وحاضر، وبالتالي مستقبل. وأخيرا ينجح البدو (بالرغم من صَمتِهِم طِيلَة الرواية) في علاج المريض؛ بينما يعجز الدواء الغربي في ذلك (الرواية:17). وباختصار، تعتقد تايسون (2006م) أن مصطلح (الشرقي) اختراع غربي؛ لكي يظهر تفوقه وسمو حضارته على الآخر، ويبرر (في الوقت ذاته) عدوانه واحتلاله (p. 421).
يحاول كتاب ما بعد الاستعمار إعادة كتابة الأعمال الاستعمارية؛ عن طريق استخدام التناص/الهجنة الأدبية، ومنها روايات: دانيال ديفو، وتشارلز ديكنز، وتشارلوت برونتي، وجين أوستنن، وروديارد كبلنج، وآخرين؛ من أجل تسليط الضوء على الآثار السلبية للإمبريالية والاستعمار، إضافة إلى سياسة قَلبِ الأدوار: بمعنى إعطاء المهمشين والمضطهدين والنساء، الفرصة الكاملة لكتابة تاريخهم وحياتهم الشخصية. ومن هذه الأعمال: رواية جين رايس (بحر ساركاسو الواسع) (1968م)، ورواية مايكل أنداتشي (المريض الإنجليزي)، ورواية كوتسيا (العدو) (1986م)، التي تستدعي رواية ديفو (روبنسون كروسو). وتعيد رواية رايس كتابة شخصية (بيرث)؛ من أجل إعطائها الفرصة لتتكلم عن ماضيها، وعلاقتها الرومانسية مع زوجها -ظلت بيرث حبيسة ومهمشة في رواية تشارلوت برونتي (جين إير) (1847م)؛ نظرا لخبلها وجنونها. وفي الوقت نفسه، يُمنح روشستر الفرصة ليدافع عن نفسه، في رواية رايس: وهذا هو الفارق بين كتابات الغرب وأخلاقيات الشرق. وتستدعي رواية أنداتشي رواية الكاتب روديارد كبلنج (كيم) (1901م)، وكتاب المؤرخ هيرودوت (التورايخ)، الذي يضيف إليه المؤلف ملاحظاته أو صفحات من كتب أخرى؛ من أجل إثبات زيف التاريخ، وأن التاريخ يجمع بين الواقع والخيال، وكيف أن تمرد الهنود ضد الحكم البريطاني، هو المسئول عن جلب الدمار والخراب إلى الهند، وأن الإنجليز ما جاءوا إلا لتحرير العقول وتعليم الهنود. وترى تانزلي (2004م) أن استدعاء هيرودوت المتكرر في الرواية؛ يبين العلاقة الثلاثية بين: المستكشف، والجاسوس، والعاشق (p. 231).
وللأسف؛ فإنه بعد استقلال الدول العربية والأفريقية، تفوقت تلك الحكومات على الاستعمار، في زيادة التهميش والاضطهاد والتشويه؛ خاصة ضد أحزاب المعارضة. وهناك يقسم السكان إلي مجموعات عرقية (غجر وصلب وبدون) ويعتنقون مذاهب دينية مختلفة (سنية، شيعية، علمانية). إنَّ هؤلاء المهمشين، في مسيس الحاجة إلى حرية تحميهم من بطش المستعمر، وأصحاب السلطة من أبناء البلد الأصليين. ويري أشكروفت وآخرون (1989م) أن تاريخ القومية الهندية، علي سبيل المثال، سيطر عليه أصحاب السمو الرفيع منذ فترات طويلة-أصحاب الجاه الاستعماري، وأصحاب السمو من الطبقة البرجوازية القومية؛ ويعود السبب في ذلك إلي الغزو البريطاني (p. 217).
التعددية الثقافية
إنَّ أغلبية المهاجرين ممزقون بين هويتهم الأصلية وحياتهم الجديدة. وربما يجد المهاجر وظيفة مناسبة، ولكنه لن يشعر أبدا بأنه جزء من هذا المجتمع أو الدولة المضيفة الكبرى: وهذا ما يطلق عليه الرؤية المزدوجة (double consciousness). فالمهاجر يبذل قصارى جهده من أجل تغيير وضعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وهناك علاقة مثلثية فطرية بين المهاجر، ومكان الانتماء، والدولة المستضيفة. ويري فيرنر وسيرول (1945م) أن سلوك المهاجرين مع مرور الزمن يشبه سلوك أبناء الدولة المستضيفة (p.6). ومع ذلك فالإقامة لفترات طويلة فى المهجر ليس ضروريا أن يحسن ظروف المهاجرين الاجتماعية؛ فـــ كيب حصل على وظيفة مرموقة ولكنه لم يشعر أبدا بأنه جزء من المجتمع المحلي أو الدولة المضيفة الكبرى:
تعتبر قصص المهاجرين خير شاهدٍ على بعض ذرات الأمل، ولكنها تحمل (في الوقت نفسه) بين جنباتها حكايات وتواريخ عن الفقر والاضطهاد وسوء الفهم. فإن الشخص يهاجر بحثا عن الثروة والراحة؛ لذا فإنه يعتنق مباديء: المثاقفة، والذوبان، والتكيف، والتكامل بأنواعه وأشكاله كافة [...] وفي المقابل، نجده يعمل في وظائف مهينة ووضيعة لساعات طويلة وبأجور زهيدة، ونجده (أيضا) يواجه تحديات اللغة التي يجهلها، ولا يستطيع أن يعبر عما يعاني منه، ثم تأتي معاناته من: التمييز الديني، والثقافي، والعِرقِي في نهاية المَطَاف. وتثبت الحقيقة المرة والمريرة، أن حلم الثروة وقبول الحياة في الغربة، قد تحول إلى وهم وكابوس. وبعامة، فإن هذه الرحلة تعتبر فرصة مناسبة، لاكتشاف الذات البشرية، والفهم الواعي لنوازع ومكامن الطبيعة البشرية/طبائع البشر ((Angel, 2003, p.1.
تقدم كندا صورة فسيفسائية للتعددية الثقافية؛ وهذا يقنع كثير منهم بأن يحتفظوا بسماتهم الثقافية وعاداتهم المختلفة هناك. ولكن (في المقابل) نجد أن أوروبا وأمريكا تفرضان على المهاجرين أن يتبنوا جميع العادات والتقاليد الخاصة بالدول المستضيفة (Pokhriyal, 2011, p. 6). وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكية (جون آدم) في خطبته المشهورة (1818م):
يأتي المهاجرون إلينا ليتمتعوا بحياة تسودها الحرية والاستقلال، ولا يجب عليهم أن ينسوا العمل الجاد أيضا. وإذا لم ينسجموا ويتكيفوا مع شخصية وأخلاق وطبيعة هذا البلد، ويتناسون تماما كل ما يتعلق بماضيهم وبلدانهم؛ فالمحيط دائما فاتح ذراعيه لهم ليعودوا مرة أخرى إلى بلدانهم وأهلهم (as cited in Sollors, 1986, p. 4).
وتعتقد داس (2012م) أن رواية مايكل أنداتشي تستدعي كيف تتوافق مجموعة من جنسيات مختلفة- وفي ظروف شاقة- عن طريق نكران هويتهم الفردية، واعتناق نفس التفكير والمبادئ، ونشر الحب الذي يساعدهم على تحمل الحياة (p.366). فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تعيش أربع شخصيات في فيلا مدمرة مكونين مجتمعا متعدد الجنسيات: فـــ كيب يمثل الشرق، والآخرون يمثلون الغرب؛ ويرى البعض أنّ هذا المكان يرمز إلى كندا. ويُصور كيب كوسيط بين الشرق والغرب. وتعتقد باتشي (2004م) أن ماضي كيب يرمز إلى (الاستعمار) وحاضره إلى (ما بعد الاستعمار)؛ فشخصيته تأخذ موقفا وسطا بين أصله الهندي وبين إخلاصه للدولة التي علمته (p. 22).
أسباب فشل الذوبان الثقافي
مع نهاية الرواية تتضح الصورة أمام جميع شخصيات الرواية؛ ويقرر كل من (كيربل) و(هَنا) العودة إلى وطنيهما الأصلي-هُنا يتذكر ذلك الهندي اسمه الحقيقي. وهناك العديد من الأسباب التي ساعدت على فشل ذلك الذوبان الثقافي في الغرب. فبالنسبة لـــ (هنا) فقد انتهت الحرب، وتوفي المريض الهنجاري، وعاد كيربل إلى موطنه الأصلي. وبالنسبة للهندي فدوافعه كالتالي. أولا: تأكد أن شخصيته الجديدة أصبحت صورة مشوهة لا ملامح لها؛ وهذا ما أطلق عليه بابا (التقليد) (mimicry) : يعد التقليد نوعا من المقاومة أو المسخ. وثانيا: وفاة أعز أصدقائه الذين تعاملوا معه بوصفه إنسانا من الدرجة الأولي، وهما: اللورد سافوك (Suffolk) (الذي تبناه وعلمه حتى التحق بالأكاديمية الهندسية الإنجليزية) وزميله في العمل هارديHardy) ) (الرواية: 216). وأخيرا: ضرب هيروشيما ونجاساكي: بعدما انتشرت أخبار الدمار الشامل الذي تعرضت له أكبر مدينتين يابانيتين نتيجة القصف النووي الأمريكي- والذي وضع نهاية فورية للحرب العالمية الثانية- يتفق كارفاجيو وكيربل مع الجندي: (هل كان ممن الممكن أن يحدث ذلك لشعب أبيض؛ إن هذا معناه تدمير ونهاية الحضارة) (الرواية: 286). ويصوب كيب أيضا سلاحه إلى المريض (فهو يرمز إلى المعتدي) محاولا قتله ولكنه لا يستطيع: (لو يغلق عينيه لرأى شوارع آسيا ممتلئة بالنار) (p. 284). إن ضرب اليابان يذكر كيربل بنصيحة أخيه له: (لا تصافح أو تثق في الغرب؛ انهم تجار عبيد وانتهازيين ورسامي خرائط [إمبرياليين]) (p. 85). ان الأمريكان يمارسون سياسة القتل منذ تأسيس دولتهم، ومن ذلك: أبادت أكثر من (27) مليون من الهنود الحمر، وقتلت (20.000) من أهالي ترينيداد، واستعبدت أكثر من (14) مليون أفريقي من أجل بناء الدولة، ومات أكثر من مليونين منهم بسبب ظروف النقل السيئة، ومات أكثر من (1.5) مليون مكسيكي من أجل أن تتسع مسساحة دولة الحريات، وتم تصفية أكثر من مليوني فتنامي، وذبح حوالي مليوني عراقي من أجل توفير الطاقة للأمريكان [...] وهلم جرا. وقد تمردت وثارت هذه الشخصيات ضد تلك القوي الاستعمارية بعد أن تأكدوا أن حياتهم في المهجر تعد ذوبانا ثقافيا سلبيا؛ فقد فهموا (خطأ) أن حياتهم هناك نوع من تبادل المصالح، واعتقدوا (أيضا) أنَّ الغرب أرض الفرص والرفاهية والمساواة والإنسانية. الآن يحقق كيربل أمنية والديه عندما يتزوج من هندية، ويصبح طبيب أسنان، ويسعى جاهدا أن ينسى الممرضة الكندية: (عندما ظهر وجهها محاه على الفور) (الرواية:293). يستمع كارافاجيو وهَنا بحياتهما فى كندا؛ وتقول الأخيرة لزوجة أبيها: (لقد سئمت الحياة فى أوروبا) (الرواية:85).
لغة المستعمِر أم اللغة الأم
يسعى أدب ما بعد الاستعمار، إلى خلق هوية مستقلة غير مرتبطة بالدول الاستعمارية، ومنها محاولة بعض الكتاب الأفارقة، الكتابة باللغات المحلية بدلا من لغة المستعمر. ولكن ينقسم كتاب ما بعد الاستعمار إلى قسمين: القسم الأول يستخدم لغة المستعمِر (اللغة الإنجليزية/ الفرنسية/ الأسبانية) للإبداع والشهرة، ويطلق عليه الاستيلاء (Appropriation)، في الوقت الذي يصر فيه كتاب القسم الثاني على استخدام لغة المضطَهد (اللغات المحلية) للتعبير عن معاناتهم الشخصية؛ وللتحرر من لغة غَزَت عقولهم، وسيطرت على عملية الإنتاج والتوزيع والقراءة، ويطلق على ذلك النفي (Abrogation). وللأسف يحصد المؤيدون للاستعمار على الجوائز، ومنهم: سَلمَان رشدي، وآسيا جبار، والطاهر بن جلون، وهلم جرا. ويختفي المعارضون عن الأنظار، ومنهم: الطيب صالح، ومحمد زَفزَاف، وآخرون.
يوهم الغربُ الآخرَ بأنه المركز الذي تدور حوله جميع أحداث العالم الثالث؛ لذا يحاول بعض الكتاب العودة مرة أخرى إلى حياة ما قبل الاستعمار: صحيح أن الغرب يضع المعايير الأساسية للتقييم (Universality)، ولكن يجب ألا ننسى أن أدب العالم الثالث، يتسم ببعض الصفات المحلية؛ لذا فإن نوجوجي وأتشبي وآخرون، يسعون إلى كتابة أدب أفريقي خالص فريد، يهتم (أساسا) بالهوية الأفريقية. وعلى هذا الأدب، أن يتصل اتصالا مباشرا بالمجتمعات المحلية. ويؤكد أتشيبي (أن السمة الأساسية التي تميز الأدب الأفريقي عن نظرائهم الغربيين، أنه يعطي اهتماما ملحوظا للوظيفة الاجتماعية للكتابة، أكثر من وظيفتها باعتبارها أداة للتعبير عن الذات) (Ashcroft et al, 2002, p. 125). إنَّ عاطفة وفكر الفنانين الأفارقة، يجب أن يكونا متميزين؛ ولقد طور كلا من: إيمي سيزار، وليوبولد سيدر سيجور مفهوم (الزنوجة): يؤكد هذا المصطلح أن الأدب الافريقي عاطفي أكثر منه عقلاني؛ ويؤكد (في الوقت نفسه) التكامل والوحدة أكثر من التحليل والتشريح (Ashcroft et al, 2002, p. 20).
إن استخدام بعض الكلمات العربية في رواية أنداتشي، ومنها: عجاج، وجبلي، وهابوب، تنبع من رغبة الكاتب في أن يقدم لغة أخرى وجديدة على الآخر؛ حتى يشعر بمدى المعاناة، التي عاني منها المهاجرون الأوائل. ويعتبر ذلك نوعا من أنواع رفض الاستعمار. ولكن تايسون له رأي آخر؛ فعندما يكتب نوجوجي بلغته المحلية؛ من الصعب عليه أن يبقى حيا؛ إذ إن دول النشر العظمى والمؤثرة، لا تنشر إلا بالإنجليزية أو الفرنسية. ويضيف تايسون أن الحل الوحيد للكتابة المحلية، هو وجود مترجم متكمن (p. 422).
خاتمة
تحاول رواية أنداتشي أن تستعيد أصوات المهمشين؛ عن طريق إعادة قراءة وتفكيك الأدب الاستعماري، وإعطائهم فرصة لكتابة تاريخهم، وقتها يصل المضطهدون إلى المركز، وتصبح لهم مكانة المنتصر. إنَّ هذه الرواية تُعلِي من شأن أهل الشرق، وتقاوم التقليد والسيطرة والجمود، وتؤيد التأقلم بدلا من الذوبان الثقافي؛ فالأول يساعد الإنسان على المشاركة دون أن يفقد هويته الأصيلة والأصلية، والثاني يحوله إلى مسخ لا أكثر. وعلى الدولة (أيضا) أن لا تسمح بإقامة غيتوات (ghettoes) داخل المجتمع، كما فعل الملك لويس الرابع عشر مع اليهود، إذ إنه أجبرهم على الذوبان داخل المجتمع الفرنسي، وعدم العيش فى أحياء خاصة بهم؛ من أجل حماية الأمن القومي.


REFERENCES
Aschroft, Bill, Gareth Griffiths, and Helen Tiffin (2002) nd edition. The Empire Write Back: Theory and Practice in Post-Coloinal Literatures. London and New York: Routledge.
__________ (2000). Post-Colonial Studies: The Key Concepts. London and New York: Routledge.
Angel, Ann (January 2003). The Voices of Cultural Assimilation in Current Young Adult Novels. The ALAN Review. Retrieved from http://scholar.lib.vt.edu/ejournals/ALAN/v30n2/pdf/angel.pdf
Bache, Nina C. (2004). Space in The English Patient. MA Thesis, Oslo: the University of Oslo. Retrieved from https://www.duo.uio.no/bitstream/handle/10852/25346/18175.pdf?sequence=1
Baldwin, James (1992). The Fire Next Time. New York: Penguin.
Bhabha, Homi K. (1994). The Location of Culture. London and New York: Routledge.
Das, Pauline & Christina, Mary (February 2012). Making Life Livable in Adverse Conditions: A Study of Michael Ondaatje’s The English Patient. Language in India: Strength for Today and Bright Hope for Tomorrow, 12. Retrieved from http://www.languageinindia.com/feb2012/ondaatjerevised.pdf
Fanon, Frantz (1986). Black Skin, White Masks. (1952) (trans. Charles Lam Markmann) London: Mac Gibbon & Kee.
------------- (1968). The Fact of Blackness. The Postcolonial Studies Reader. Ed. By Ashcroft et al (1995). London and New York: Routledge: 324-27.
Friedman, Rachel D. (2008). Deserts and Gardens: Herodotus and The English Patient. Arion, 3rd ser., 15: 3, 47-84.
Gans, H., (1979). Symbolic Ethnicity: The Future of Ethnic Groups and Cultures in America’. Ethnic and Racial Studies, 2(1), 1-20. Retrieved from http://faculty.washington.edu/charles/562_f2011/Week%2010/Gans%201979.pdf
Gordon, M. (1964). Assimilation in American life. New York: Oxford University Press.
Hall, Stuart (1994). Cultural Identity and Diaspora. Colonial Discourse and Post-colonial Theory: a Reader. Ed. Patrick Williams and Chrisman. London: Harvester Wheatsheaf. 392-401.
Ondaatje, Michael (1992). The English Patient. New York: Vintage Books.
Park, Robert E. and Ernest W. Burgess (1921). Introduction to the Science of Sociology. Chicago: University of Chicago Press.
Pokhriyal, Chetana (2011). The Theme of “Alienation” and “Assimilation” in the Novels of Bharati Mukherjee: A Socio-Literary Perspective. Retrieved from http://www.inter-disciplinary.net/wp-content/uploads/2009/08/chetanapaper.pdf
Said, Edward (1978). Orientalism. London: Penguin.
Salih, Al Tayab (1966). Season of Migration to the North. Trans. Denys Johnson-Davies (1969). Oxford: Heinemann.
Sireteanu, Ileana (2012). Erasing and Rebuilding Levels of Identity in Ondaatje's The English Patient and Margaret Atwood's The Handmaid’s Tale. Retrieved from http://www.uab.ro/reviste_recunoscute/philologica/philologica_2003_tom2/26.sireteanu_ileana.pdf
Sollors, W. (1986). Beyond ethnicity: Consent and descent in American culture. New York: Oxford University Press.
Su, John J. (2011). Postcolonial Fiction of the African Diaspora. The Encyclopedia of Twentieth-Century Fiction (volume 1, pp. 294-98). West Sussex: Wiley-Blackwell Press.
Tibile, Ramesh (2010). The Location of Culture: Homi K. Bhabha’s New Methodology of Cultural Analysis. The Criterion: An International Journal in English, Vol. I. Issue I:12-16.
Tyson, Lois (2006). Critical Theory Today: A User-Friendly Guide. New York, N.Y. London: Routledge.
Warner, W.L., Srole L., (1945). The Social Systems of American Ethnic Groups. New Haven: Yale University Press.
Young, Robert J. C. (1995). Colonial Desire: Hybridity in Theory, Culture and Race. London: Routledge.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف