الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القاهرة الجديدة نجيب محفوظ بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-03-16
القاهرة الجديدة  نجيب محفوظ بقلم:رائد الحواري
القاهرة الجديدة
نجيب محفوظ
صديقي "محمد عبد الله البيتاوي" حدثني كثيرا عن شخصية "محجوب عبد الدائم" كأحد ابرز الشخصيات القذرة روائيا، فهي تتماثل مع "أبو الحيزران" كقائد فاشل (مخصي)، وشخصية "رجب اسماعيل" كضحية القمع، والأمثلة عديدة في الأب العالمي، فهناك حقد "مكبث" وصراع "هملت" وعظمة "زوربا"، أحببت التعرف على "محجوب"، من هو؟، ولماذا أصبح مثلا للقذارة؟، وهل كان يمكنه التخلي/التخلص من الدوافع التي جعلته في الحضيض؟، وهل للمجتمع دور فيما آل إليه، أم أنه كان مهيأ ليكون ما كان؟، اسئلة مبررة لكلا منا، فنحن لسنا مجرد متلقين فقط، وعلينا أن نتساءل ونبحث ونفكر، حتى لا نكون مخطئين بحق الغير، حتى لو كانوا شخصيات وهمية/أدبية.
"محجوب"
شخصية مهزوزة، ضعيفة تميل إلى حيثما يميل الناس، كان يتلقى مصاريف الجامعة من والده الفقير، فكان يرسل له ما يكفيه على حساب بقية الأسرة، على أمل أن يتخرج ويأخذ دوره الاقتصادي والاجتماعي في العائلة، يتعرض الأب لحادث، يجعله غير قادر على الاستمرار في عمله، يفقد وظيفته، وهذا أثر على "محجوب" الذي وجد نفسه في حالة ضيق مادي ونفسي، فلم يبقى على تخرجه إلا خمسة شهور، يحاول الاتصال بقريبه "الاخشسدي" لكنه كان أكبر انتهازي وصولي، فيرفض مساعدته، يُسلك أموره بصعوبة إلى أن يتخرج ويبدأ البحث عن عمل/وظيفة، وبعد حادثة اغتصاب "إحسان" من قبل البيك "قاسم فهمي"، كان لا بد من وجود (زوج) لإحسان يخفي معالم الجريمة، يقترح "الاخشيدي" على البيك أن يكون "محجوب" هو الزوج، وهنا يكون الاخشيدي قد ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، خلص البيك من مشكلة الاغتصاب، وخلص نفسه من زجه في زواج سيسبب له مشاكل عائلية، وخدم "محجوب" الذي سيستفيد منه مستغلا فضله عليه، فقد زوجه وأسكنه في شقة في حي محترم، وأصبح يتقاضى راتب جيدا، يمكنه أن يجاري الطبقة الراقية.
بعد عقد الزواج: "وتسلم عشرين جنيها ليستعين بها على اصلاح شأنه فأخذ الأوراق ذاهلا، لأنه لم يكن رأى شيئا كهذا من قبل، وجعل يعبث بها باهتمام، ويتفرس فيها بغرابة وانكار، هذا ثمن القرنين اللذين يحلي بهما رأسه، كل قرن بعشرة جنيهات" ص123، "محجوب" كان يتقدم من الهاوية برجليه، وكان يعي ويعرف أنه جزء فاعل في الانهيار الذي يحصل لإحسان، فهو مشارك في الجريمة، فقد تستر عليها، وسهل على البيك الاستمرار في اغتصابه، فمتى يريد إحسان يجدها تنتظره متهيأة لهذا اللقاء، وهو من جعل زوجته (تقتنع/تتغاضى) عن هذا الإثم الذي تقدم عليه، من خلال نظرته للمستقبل:
"أنه لا يطمع أن تنظر إليه كزوج بالمعنى المفهوم لأنه هو نفسه لا يستطيع أن ينظر إليها هذه النظرة، وحتم أن تراه ـ في قرارة نفسها ـ قوادا، كما يراها، في قرارة نفسه ـ عاهرة ـ فهل يمكن أن يسعد قواد وعاهرة معا؟!، هذه هي المسألة دون زيادة أو نقصان، أنه لا يروم من حياته الزوجية معنى اجتماعيا، ولا ذرية صالحة، ولا احتراما متبادلا، كل ما يريده رغبة متبادلة، ميل يعادل ميله، شهوة بشهوة" ص136، لقد فقد الزواج الهدف والغاية منه، المتمثل بتشكيل عائلة، اسرة، وما الزواج عند "محجوب" إلا (وظيفة) لرفع مستواه الاقتصادي، والموظف لم يكن صاحب مبدئ، بل كان ينظر إلى (وظيفة الزوج) على أنها مرحلة يمكنه من خلالها أن يحقق مصالحه الشخصية، وبعدها يمكنه أن يتخلى عنه وينتقل إلى وظيفة جديدة.
مشكلة "محجوب" أنه يعي أنه يمارس الرذيلة، ويعلم أنه يسهم في إفساد "إحسان"، وأنه يشارك البيك جريمة، ويعي أنه قواد وليس زوج، فبعد أن يصبح البيك وزيرا، يفكر محجوب بهذا الشكل:
"... وكان يشعر دائما بغريزته بأنه إذا نحج في جذبها إلى محيط أطماعه فقد ضمن فوزا عظيما" ص163، التوغل في الهاوية أكثر، فهو يريد من (زوجته) أن تتقدم أكثر للبيك، وتقدم له أكثر مما قدمته في السابق، ليرفع من مكانته ومركزه:
"ـ إنه الآن يذعن لرغباتك فلا تفلتن من بين يديك هذه الفرصة الجميلة، الفرصة السعيدة لا تسنح في عمر مرتين، تناسي هذه الرغبة الفجائية في السفر فهي رغبة خالية، أعلمي أنك إذا فقدت حبه يوما فسنلقى الحياة عابسة متجهمة، إذا لم نحسن الافادة من ظروفنا فسنضطر غدا إلى مغادرة حينا هذا إلى حي فقير، وليغلقن المجتمع الراقي أبوابه في وجوهنا" ص166، لهذا نقول أن "محجوب" مثلا للرذيلة والنذالة، لا يعطي الأخلاق أي اهتمام أو مكانة، فقد فكر بمصلحته الشخصية، فلا يهمه زوجه ولا غيرها، المهم أن يرتقى وظيفا، ويصبح صاحب مركز وظيفي (محترم):
"ـ همتك، همتك يا بطة! فعلى نتيجة سعيك يتوقف مصيرنا" ص178، إذا ما توقفنا عند هذا القول بشكل مجرد، لا يمكننا أن ننسبه إلى زوج، بل إلى قواد، صاحب ملهى ليلي يدفع بعاهراته ليتفنن في خدمة (الزبائن)، ليحصل على الرضا ثم على المال.
بعد أن يرفض "محجوب" التخلي عن وظيفته الجديدة مدير مكتب الوزير للاخشيدي، يُكمن الاخشيدي لمحجوب وللبيك الوزير، فيرسل ابوه محجوب إلى الشقة الفارهة التي يعيش فيها محجوب، ليبرهن للأب ان محجوب يخفي عنه مكانته الوظيفية وأنه أصبح من أصحاب المال، وفي ذات الوقت ليبين له أن أبنه يشغل/يستخدم زوجته كعاهرة، ويرسل أيضا زوجة الوزير لترى زوجها في حضن غيرها، وهنا يتعرض محجوب لموقف لا يحسد عليه، لكنه ورغم شدة الموقف يفكر بهذه الطريقة:
"... وتوثب بجامع قوته ليمتلك زمام الوقف الذي يتهدده باقتراب موعد الوزير... ما الذي دله على مسكنه؟ ما الذي جاء به! وهل من المصادفات أن يجيء في يوم الوزير وقبيل الموعد بقليل! وشم في الجو رائحة مؤامرة نتنة، وتخايل لعينيه شبح الاخشيدي بوجهه المثلث وعينيه المستديرتين" ص 205و206، ولم تقتصر نذالة محجوب على تقديم زوجته كعاهرة لقاسم بك فهمي" بل نجده يهمل اسرته واحاجتها الملحة للمال، ويمارس الكذب على أبيه: "...فاقترضت مبلغا كبيرا ما زالت مدينا به، هكذا فزت في الوظيفة ولكن ما زلت أكابد الارتباك والفاقة، هذه هي الحقيقية" ص208، وبعد أن يصل البيك في الموعد ويسأل الأب عن الزائر يجيبه محجوب: "هذا حمى جاء لزيارة كريمته" ص209، شخص يعرف يتقن الكذب ويمارس العهر بحرفة عالية. وبعد أن تحضر زوجة البيك وتكشف حقيقة ما يجري، لا يهتم "محجوب" لهذه الفضيحة وهذا الموقف الشاذ، بل يهتم فقط: "أنتهى كل شيء، انتهت الوظيفة والماهية" ص213.
بدايات إحسان
البدايات كانت ايجابية بالنسبة ل"إحسان" الفتاة شريكة "محجوب" في نذالته فعندما وجدت أباها يساوم أحد الأشخاص على جسدها وكرامتها، نجدها تقف موقفا صلبا: "ضاعت حياتي حقا ولكن البركة في إحسان، ...فأدركت أنه يساومه على عرضها، وثار غضبها، وشعرت بالخزي والعار، ثم قطعت الشاب بقسوة لم تدع له أملا! خرجت من التجربة ظافرة" ص20، إذن المرأة صاحبة ارادة، ونجحت في الرد على من يحاول المس بكرامتها وشرفها.
لكن بعد أن تجد وترى وتفكر في مصير عائلتها، فحالتها يرثى لها، تقرر التخلي عن حبها وحبيبها، في سبيل العائلة، فهي تقدم على عمل (نبيل) وتنكر ذاتها في سبيل اسرتها، لهذا علينا أن نقدر هذا الموقف المتفاني في الضحية: "إني أحب علي، ولكني أحب اخوتي كذلك، ولا يجوز أن يذهب اخوتي ضحية لأنانيتي، لذلك ـ لا شيء آخر ـ ينبغي أن أذعن لأبي، أنا لا أحب البيك، ولا أحب الجاه، والله يعلم بذلك" ص118، يصطحبها البيك في رحالة وفي الطريق تتعطل السيارة، فيقترح أن يذهبا إلى فيلا قريبة ليستريحا فيها إلى أن يتم تصليح السيارة، وهناك تغتصب ويتم فض بكارتها، وتبدأ الخطوة الأولى لسقوط "إحسان" في الرذيلة، فتقبل أن تكون زوجة "لمحجوب" وفي ذات الوقت من حق البيك، أن يأتيها متى أراد وفي منزلها، منزل زوجها "محجوب"، فهي ضحية البيك ومحجوب واسرتها والمجتمع، ويمكننا أن (نغفر) لها خطيئتها، لأن دوافعها كانت نبيلة، وهي لم تنزلق بإرادتها، بل كانت مجبرة ومكرهة، بعد أن اغتصبها البيك ولم تعد عذراء، فكانت ضعيفة وبائسة عندما وافقت على الزواج من "محجوب" وعلى شروط الزواج الأخرى، فكانت مذهولة لما جرى لها، بحيث فقدت قدرتها على الرفض أو المواجهة وحتى على التفكير ، فحالة الانكسار هيمنت عليها وافقدتها ارادتها القوية.
يستوقفنا اسم "محجوب عبد الدائم" فمحجوب يعني أن هناك شيء/حدث/شخص، مخفي/محجوب عن الأنظار، لكنه موجود، وحاضر وفاعل، "وعبد الدائم" يعني إنه أسير للبقاء والوجود والحضور، فالمحجوب مستمر في اختفائه، لكنه موجود بيننا: "...أن مجتمعنا يستطيع أن يهضم هذا الوزير وامثاله إذا أساعه بشيء من النسيان. وسوف يقبع عاما او هامين أو أكثر في نادي محمد علي، عسى أن تخرجه غدا المظاهرات الوطنية عن عزلته وتحمله كالأبطال إلى الوزارة مرة أخرى، فيعيد سيرته الأولى، أو يلعب دورا جديدا" ص217، اعتقد ان السارد تعمد أن يكون للاسم معنى ويقدم من خلاله فكرة الرواية، فكرة استدامة فساد البيك والاخشيدي وأبو إحسان ومحجوب والمجتمع.
لغة الشخصيات
إذا ما توقفنا عند لغة الشخصيات سنجدها جميعها تتحدث بلغة عالية المستوى، وكلها تستخدم الثقافة الدينية في حديثها إذا ما استثنينا "علي طه" الذي يحمل فكر علمي يتنافى الثقافة الدينية المهيمنة: "أومن بالمجتمع، الخلية الحية للإنسانية، فلنرع مبادئه، على شرط إلا نقدسها لأنه ينبغي أن تتجدد جيلا بعد جيل، بالعلماء والمربين" ص9، وما سواه كان يتحدث بلغة الدين والمجتمع، اعتقد أن الصوت الواحد للشخصيات لم يخدم شخصيات الرواية، بل اعطانا دلالة إلى هيمنة السارد عليها، فأنطقها بصوته هو لا بصوتها هي.
الرواية من منشورات مكتبة مصر، دون ذكر سنة الطباعة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف