الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وزير إعلام الحرب بقلم سليم النجار

تاريخ النشر : 2019-03-15
وزير إعلام الحرب
قبل عشر سنوات وفي مجمع النقابات المهنية في العاصمة الاردنية عمان نظمت امسية ثقافية وحفل اشهار وتوقيع كتاب ياسر عرفات وجنون الجغرافيا للكاتب المناضل والسياسي المثقف نبيل عمرو ، وكانت امسية بهية ومفعمة بالكلمات كانت اجملها كلمة الراحل الكبير خيري منصور والتي تحشرج صوته بالدموع لكنه استطاع ان يبقي صوته في مرمى مسامعنا دون ان يختنق، لكنه وبكل اقتدار نجح في هزنا من الاعماق، كيف لا وهو العالم الخبير بأبناء النكبة والكاتب المجبول بوجع السنين، فقد نجح بأن يهز اقوى ما فينا لتتساقط الدموع والتي بعد كلماته كانت أجمل ما فينا.

استمر خيري منصور في تقديم مطالعته النثرية للكتاب" ياسر عرفات وجنون الجغرافيا" واستمر الحضور في البكاء بصمت، ومع طول كلمته ومطالعته للكتاب غادر الحضور صمتهم وسمحوا لاكفهم بأن تعلوا لتمسح عن وجوههم دموع غزيرة خجلة من كل شيء ولكنها محملة ايضا بكل شيء اوله ان زمان الوفاء لم يمت وان للحب والفرح مكان في قلب الفلسطيني يزاحم الوجع والبكاء...

لا اعرف كم تكبد خيري منصور من الحب والتعب ليكتب تلك المراجعة للكتاب، ولا اعرف كم سال من الدمعات لينتج تلك الكلمات، لكني اعرف شيئا واحدا فقط انه احسن انتقاء الوقت في هزنا؛ فقد كان الحضور مليء بالدموع...

لم يكن حال نبيل في تلك الامسية بأحسن من حال حضوره؛
اذ ذرفت مقلتيه الدموع بدون حساب فزاد الطين بلة بأن شرعن لكل الحضور بأن تستجيب قلوبهم وعيونهم لمزيدا من الدموع مع كل كلمة ينتزعها خيري من تلك الاسطر المكتوبة على ورق ابيض شفاف تخترقه خطوط زرقاء خطت بعناية تليق بهكذا مناسبة وبهكذا كتاب.

كان بكاء الحضور في تلك الامسية كبكاء الشعوب في صباح يوم ينهزم فيه الطغاة وتنتصر الثورة...

قرأ المرحوم خيري منصور مطالعته للكتاب والتي اخذت منا كثير من الدمع والوقت حتى انا خفنا من نهايتها، ولكن لفرط جمال كلماته لم نحفظ منها الكثير او لربما لانشغالنا بإخفاء الدموع فقد فاتنا الكثير مما قال لنحفظ، لكن فقرة واحدة بقيت عالقة في ذاكرتي ولم تغادرني منذ ذلك الوقت، وبقيت تلك الكلمات تدور في خلدي وتستفيق كلما رأيت نبيل عمرو فيما بعد او قرأت شيئا لخيري منصور بعدما رحل.

وقد قال خيري منصور في حينها من جملة ما قال:" لقد سرقت منا السياسة مثقفا واديبا يافعا كان من الممكن ان يكون راوي الحكاية الفلسطينية وسادنها الاول" ، واضاف لعل هذا العمل "ويقصد كتاب ياسر عرفات وجنون الجغرافيا" ينجح بما لم ينجح به الكثيرون منا وانا منهم بأن يستمع(نبيل) لنداء الكلمة وبأن يدق جدران الخزان لاعنّاً السياسة، ام ان اصراره على سلوك هذا الدرب هو بمثابة الوفاء لمن رحلوا او لتأكيد ما هو مؤكد ان السياسي مثقف بطبعه".

هزتني تلك الكلمات في حينها ولا زالت وعادت بي الذاكرة الى كل تفاصيلها ما ان علمت بصدور كتاب نبيل عمرو الجديد وهو رواية بعنوان وزير اعلام الحرب. والتي تقع على متن 196 صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدار دار الشروق بعمان ورام الله.

هذه الرواية وكما يقول كاتبها في الصفحة الخامسة منها وفي معرض تقديمه لها" هذا النص استعدت وقائعه من ذاكرتي، قمت ببعض التصرف بأسماء الاشخاص والاماكن، وكل ما عدا ذلك كان حقيقيا".

هذه الرواية التي تمر جل احداثها عبر ثلاثة ايام هي خلاصة لواقع اليم نتجت عنه هزيمة حزيران 1967 وصيغت منه احداث الرواية.

تبدأ الرواية بالتقديم لشخصية(عبد الشقي) وزير اعلام الحرب وظروف نشأته ومناقبه ومآثره وعمله في القرية "كفر عرب" مرورا بالتعريف على ابنائه خميس وجمعة وصولا الى اطلاق لقب وزير اعلام الحرب عليه وحتى سحب اللقب منه ومن ثم وفاته.

في الصفحة 27 تبدا احداث الرواية بالدوران والفعالية اكثر حيث تدخل شخصية محورية في احداث الرواية تنازع شخصية عبد الشقي بطولة الرواية، حيث تبدا شخصية الشيخ جابر ابو الجود بالظهور مع بداية اسيقاظه من قيلولته، الصفحة 27 ويعود الكاتب ليستعرض شخصية الشيخ جابر وسيرته الشخصية وقصصه وحكاياته عبر الصفحات39 -52 ، ثم يعود في الصفحة 169 ليخبرنا بمآل الشيخ ابو الجود ونهايته، ولا يفوت الكاتب استعراض بعض من جوانب الحياة الاجتماعية في فلسطين وفي "كفر عرب" بالذات وكذلك استعراض الاحوال السياسية والتقلبات التي عانت منها فلسطين ولا يفوت الكاتب خلال هذه الصفحات مجتمعة ان يتناول الاراء والتوجهات السائدة واهم الاصوات والاذاعات المؤثرة في وعي الناس ومعرفتهم وبالاخص اذاعة صوت العرب ومذيعها الشهير وذائع الصيت احمد سعيد اضافة الى اذاعة اسرائيل ولندن .

وما ان تدخل عتبة النص حتى يدرك القاريء ان الكاتب بدا يتوسع بالتصوير كمن يحمل كاميرا ويلتقط فلاشات سريعة للوجوه والاماكن والشخصيات وتفاصيل الحياة اليومية لقرية من قرى فلسطين تقع تحت الحكم الاردني اسمها حسب الرواية" كفر عرب" والتي احسن الكاتب بتسميتها في هذا الاسم المستعار لما له من دلالات عميقة ذات ارتباط وثيق بالواقع. ولا يحتاج القاريء الفطن او المطلع على جغرافيا فلسطين وتاريخها الى كثير من الاجتهاد لمعرفة ان هذا الاسم المستعار "كفر عرب" ما هو إلا ستار شفاف كالستار التي تختفي خلفه طاولة لعب البوكر والقمار في مقهى القرية، وان دورا هي الاسم الحقيقي الذي تدور فيه احداث الرواية وهذا ما تؤكده بقية التفاصيل والشخصيات مثل ساحة الكراج والمخفر وصالون الحلاقة لصاحبه"نعيم الدايمي" والمقهى وشخصية ابو علوان وهو ترميز لابو عطوان والد البطل باجس ابو عطوان
وان غابت هذه التفاصيل عن القاريء فقد يستنبط المكان مز خلال الشخصيات كشخصية الطالب"فواز ابو الجود" الذي ينوي الدراسة في دمشق وهي شخصية تقترب في الكثير من جوانبها من سيرة الكاتب الشخصية.

تبدأ الرواية بالانتهاء من عند الصفحة 152 والتي تشير الى وفاة بطل الرواية عبد الشقي وصاحب اسمها وزير اعلام الحرب، ثم تبدا الرواية بتفكيك الحبكة وصولا الى "القفلة" وهذا ما تستشعره سريعا وبسرد سلس جميل وبدون تكلف وبأسلوب اقرب الى السهل الممتنع ودون الاغراق في تفاصيل لا داعي لها، ولكن الاهم والاجمل ان الكاتب لم يفته الاجابة عن جميع الاسئلة الوطنية والسياسية والاشكالات المطروحة عبر صفحات الرواية وهو ما شرع به منذ الصفحة 152 وحتى آخر الرواية، كما لم يفت الكاتب البوح ببعض مواقفه السياسية والاجتماعية تارة على لسان شخصياته في الرواية او حتى على لسانه هو بنفسه عندما يتخذ صفة الراوي او عن طريق شخصية الطالب فواز الذاهب للدراسة في دمشق.

عند الصفحة 155يستمر الكاتب في الذهاب نحو النهاية فيذكر السكرتير يوسف العامل في المخفر وطبيعة وظيفته ولم يفته وصف تسليم المخفر والسلاح بعد النكسة للمحتل الجديد ص 157. ولم يطل الكاتب الاحداث ليخبرنا الى اين آلت الامور بيوسف عندما ترك بلده وذهب للضفة الشرقية ليبحث عن الملازم اول محمودص 159 الى ان يعود الى البلاد عبر اتفاق اوسلوا ويعمل خبيرا ومستشارا امنيا.

ثم يصل الكاتب للحديث عن مآل نعيم ابن الدوايمة عبر خيارات مفتوحة تتسم بالواقعية وتبتعد عن التهويل والصور الوردية التي يحاربها الكاتب كسياسي ومثقف ومناضل في الواقع وككاتب واقعي ومسؤول في النص حيث تنتهي برحيل نعيم الى الضفة الشرقية وسكنه في مخيم شلنر وافتتاحه لصالون للحلاقة لكن هذه المرة ليس تحت اسم العصري فهذا الاسم لا يتوافق مع واقع المخيم وحاله فسماه العودة.

وكذلك الحال بالنسبة لشخصية سرحان بطل المظاهرات والحمل على الاكتاف حيث قرر الرحيل ايضا الى الضفة الشرقية.

وقبل ان يختتم الكاتب فصول روايته يعود للحديث عن شخصية شيخ المشايخ ابو الجود ورغم انكسارها مقارنا دورها بدور الشيخ سلمان السبع في اشارة الى الشيخ سلمان الهزيل من حيث التعاطي مع الاحتلال بعد استعراض السلوك الخلقي واسقاطه على الحالتين كمقاربة بين طرفين واجهتهم نفس الظروف ويختمها بالحديث عن وفاة الشيخ منقع الدم وابو الجود وتصويره لخروج اهل كفر عرب عن بكرة ابيهم لوداعه ص 183.

ولا تستقيم النهايات والمرويات لدى الشعب الفلسطيني إلا بادوار البطولة والتضحية (الواقعية) والاتيان بها على انها الحل والمنجى من براثن الغدر والطغيان، وهذا الدور انيط بالاسم المستعار ابو علوان ص185 صاحب المقهى وكيف ان الايام والاحلام والتجارب علمته الكثير بعد ان اكلت من عمره وسرقت وطنه، وكيف نهض من رماد النكبة والنكسة ولم يستكين حاله كحال اسطورة شعبه طائر الفينيق؛ اذ سرعان ما استفاق الوطن في ابو علوان شادا من ازره بعد ان اشتد عوده ووعيه ونضجت تجربته فدعى اصدقائه القدامى الى لقاء سري وبدا يبشر بالثورة عندما جمع رفاقه القدامى على ظهر ص189 موجها لهم سؤالا واحدا، ما العمل؟.

لم تقف حدود ابو علوان عند هذا السؤال، فالكاتب وابو علوان اشتركا في صنع النهاية ص194 بين الاجتماع الثاني والثالث دخل ابو علوان ورفاقه التاريخ من باب واسع ومجيد، فقد غيروا مفهوم بلد بأسره تجاه ما حلّ به، كانت صلية البندقية بمثابة التحول المطلوب في وعي الناس. لم تعد المسألة سلطة ذهبت وأخرى أتت. لقد جائت الانطلاقة واستمرت الثورة وانتزعت المبادرة بيدها وبدمها معلنة ان الفلسطيني سيد قراره ودمه، وانه وطنه ودمه ليس شعارا للانقلابات والكراسي.

ولتبقى الحقيقة مفتوحة على الامل ولتبقى الرواية في طور التأليف احسن الكاتب في اختلاق الظروف الملائمة في النص عبر توارث الحكاية بين ابو عطوان الاب والابن في سيرة حقيقة تنبض بالحياة وتسيل من حروفها قطرات دم تروي ارضا عطشى للحرية.

تلك الدمعات في عيون الحاضرين وتلك الحشرجة التي لم تستطيع ان تخنق الكلمة في صوت خيري منصور ازدادت وتعاظمت معي بمرور الايام كلما تحسست قلما مرهفا بحب فلسطين مجبول بحبات عرقها لم ينظر للثورة من بعيد بل كان ابنها ومشط بندقيتها وصوتها الاثير ، فما نريده منك يا نبيل ان تكتب حكايتك وحكايتنا لاسباب واشياء كثيرة لن تكون اولها وصية خيري منصور ولن تكون نهايتها ما قاله الغيب لمحمود درويش :" أكتب !
فقلت : على السراب كتابةٌ أخرى
فقال : أكتب ليخضرّ السراب
فقلت : ينقصني الغياب
وقلت : لم أتعلم الكلمات بعد
فقال لي : أكتب لتعرفها وتعرف أين كنت
وأين أنت وكيف جئت ومن تكون غداً
ضع اسمك في يدي واكتب لتعرف من أنا
واذهب غماما في المدى
فكتبت : من يكتب حكايته يرث أرض الكلام
ويملك المعنى تماما ..."
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف