الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفلاح والصحراء في "ثلاث ليال فلسطينية جداً" صبحي شحروري بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-03-13
الفلاح والصحراء في
"ثلاث ليال فلسطينية جداً"
صبحي شحروري
تحضر فلسطين في هذه المجموعة من خلال العنوان، الذي يشير إلى أنها فلسطينية جدا، أي متعلق بفلسطين وبالفلسطيني، نجد هذا الحضور من خلال المكان، أو من خلال استخدم بعض اللهجة/الألفاظ التي يستخدمها الفلسطيني، او من خلال ذكر الفلسطيني نفسه، ونجدها تتراوح بين القصة الطويلة كما هو الحل في قصة "عن الليلة الثانية وحواشها" أربعون صفحة، وبين قصة الومضة كما هو الحال في "وقت التسكع في فضاءات مريبة" وهذا التفاوت في حجم القصص يشير إلى طاقة القاص الابداعية، وكأنه يقول لنا: أستطيع أن اكتب (ما يقترب من الرواية) والومضة وما بينهما، فحجم القصص بحد ذاته يعطي جمالية للمجموعة، وعندما ختم القاص مجموعته بقصص الومضة كان يراد به أن يودع القارئ بهذا الشكل الجميل والسريع، وكأن الوقت استنزفه فأراد أن يقدم فكرته من خلال شكل جميل ومختزل ومكثف.
سنأخذ بعض القصص ونرى كيف قدم "صبحي شحروري" الفلسطينية، في قصة "تسوق وأدعية" يتحدث عن مشاعره ووصفه لمدينة عربية في الخليج العربي، وعن الأبراج الشاهقة التي شيدت فيها، لكن القاص يبقى متعلق بالمكان الفلسطيني: "يسمي الناس عندنا الطريق في المرتفعات حبايل، جمع حبلة، ويبدو من اسمها أنها تبيت لك عناء، ولكنها في الهواء الطلق ونسيم البحر يعينك بهباته الطرية" ص89، من خلال هذا المشهد قدم لنا القاص ميزات "الحبايل" في فلسطين، فهي مرتفعة، والصعود إليها صعب، لكن يواكب الصعود حالة من (المتعة والراحة)، فنسيم البحر والهواء العليل يمنحان الصاعد طاقة تمكنه من الوصول إلى القمة، وهناك سيجد متعة أخرى تتمثل في المناظر الخلابة التي يراها أمامه وأسفل منه.
في المقابل نجده يقدم لنا "الأبراج الشاهقة " والصعود إليها بهذا الشكل: "أما وسط هذا المركز، وهي مبردة صناعيا، فيمكن أن تهب عليك هبات تخلع كتفك، أو توقفك على رجل واحدة" ص89، الجميل في هذا المقطع أن القاص يستخدم لغة تتناسب ونظرته السلبية للأبراج، وكأن اللغة المجردة وصيغة الخطاب كافية لتشير إلى فكرة القاص عن الابراج، وإذا ما قارنا بين الحبايل الطبيعية والابراج بالتأكيد نجد الفرق الهائل والكبير بينمها، من هنا يمكننا القول أن "صبحي شحروري" أستطاع أن يعطينا جمالية المكان الفلسطيني وميزته عن الصحراء/المكان (المصطنع الحديث والعصري) فرغم ما فيه من رفاهية تكيفيات، يبقى غير صحي وغير مريح.
في هذه الابراج يجد القاص خليط عجيب من الناس، يقدم لنا هذه الخليط بهذا الشكل: "... كلهم كانوا هنودا، وربما باكستانيون وبنغاليون، بادرت هذا الرجل الأخير بكلام عربي مبين، وصوت رزين، فرد علي "إيدو أراب" كما يريدون.
الدنيا هنا شذرات، ولديهم مكابس تحكم فيها الكلمات، مثلما يصنع أهل عنبتا في تكسير اللوز" ص89و90، ارتباط القاص بالمكان أخذه إلى "عنبتا" البلدة الفلسطينية القريبة من طول كرم، فرغم أن الحديث يدور عن أشخاص، إلا أن المكان الفلسطيني كان حاضرا، وهذا ما يشير إلى المكانة التي يعطيها القاص لفلسطين، فهو مسكون بها، من هنا نجده في أية موقف أو ظرف او مكان سرعان ما يحدث عن فلسطينيته.
الدعاء يشير إلى حالة حرجة/غير سوية يمر بها الإنسان، فيدعو الله ليخصله مما يمر به، فكلما مر القاص بمشهد او بحالة لا تعجبه نجده يدعو الله، مثلا بعد أن صعد الأبراج الشاهقة نجد هذا الدعاء: "اللهم أبق لنا السير المكشوف واحينا من الروف، ومن غبش الضوء في الزوايا والممرات، ومن الرطوبة الخانقة" ص89، الدعاء جاء بلغة قريبة من اللهجة المحكية، وهذا ما يجعله قريب من القارئ، والجميل فيه أنه يذم الأبراج بطريقة غير مباشرة، ويقدمنا من جمالية ورفاهية الطبيعة الفلسطينية.
وعندما يدخل إلى هذا سوق الكبير نجد يدعو بهذا الدعاء: " اللهم أدم علينا نعمة قطاطيم اللحم البلدي، وأذناب البصل، والبيض من غير المزارع، وجعل الهم كل ذلك نافعا" ص90، أيضا نجد القاص يذم المواد الغذائية المباعة في الاسواق لما فيها من مواد صناعية/كيماوية، ويقدمنا من الطعام الفلسطيني الصحي، فنجد يستخدم لفظ "قطاطيم" التي تستخدم للإشارة إلى الشيء القليل والبسيط.
وبما ان القاص يتسوق في اكبر الأسواق العربية، ويرى الخير الكثير من المواد والأصناف، إلا أنه يترك هذه (النعم والخيرات) ويتقدم من فلسطين بهذا الدعاء: "اللهم أدم علينا الزيت والرصيع والعدس، إذا العالم من حولنا انتحس، وهو بالفعل منحوس، وبحكمة القتلة واللصوص" ص91، نجد حرص القاص على استخدام الألفاظ الفلسطينية "ارصيع" كتأكيد على عشقه لفلسطين وعلى عدم مبالاته بهذه المدينة وبهذه الاسواق وبهذه الجموع، وهنا تكمن أهمية القصة، تقديم الفكرة بطريقة (شعبية) تحمل شيء من السخرية، لكنها بالتأكيد توصل الفكرة وبعمق.
نتوقف قليلا عند فكرة الصحراء والريف، الفلاح والبدوي، فهناك عداء قديم ازلي بينهما، هذا ما جاء في الملحمة السومرية "عشتار ومأساة تموز" التي تتحدث عن الصراع بين الفلاح والراعي للاقتران بعشتار، وما جاء على لسان الراعي تموزي من فضائل الحليب واللبن والجبن إلا تأكيد على هذا الخلاف/الصراع وعدم التوافق بينهما، وهذا ما اكده القرآن الكريم عندما تحدث عن قصة الراعي الذي تدخل أغنامه أرض الفلاح وتأكل المزروعات: "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)" وهذا تأكيد آخر على الصراع/الخلاف بين الراعي/البدوي والفلاح، يقد قدم "صبحي شحروري" هذا الصراع/عدم الانسجام بين الفلاح/القاص وبين البدوي/الصحراء في هذه المجموعة في أكثر من قصة، فنجد عدم انسجام الفلاح/القاص مع (الصحراء) ـ رغم ما فيها من أدوات وتكنولوجيا ـ.
في قصة "عن الليلة الثالثة" والتي جاء فيها: "... ركبنا في سيارته الb.m.w الجديدة، ... غادنا... تقاطرت الأشياء في المجيء إلينا من جانبي الطريق، بل ومن مسافات بعيدة، فالأرض رمل صحراوي يمتد إلى مسافات هائلة، وييسر قدوم الأشياء والافكار من كل تلك الاتجاهات" ص92، إذن هناك صحراء ممتدة، ومنظرها يعطي انطباعات وأفكار، فما هي هذا الانطباعات والأفكار التي تأتي للقاص اثناء مشاهدته للصحراء؟: "عن نظام الحبوس (وزارة الأوقاف الدينية) في الدولة العلية العثمانية، ...إن ربع ثروات العالم الإسلامي كانت حبوسا، ربع المساحات العقارية، والمساحات الصالحة للزراعة في تونس كانت حبوسا، عشية الاحتلال الفرنسي، ثلث منازل العاصمة الجزائرية عند الاحتلال 1830 كانت حبوسا" ص92، المثير للدهشة أن القاص جاء بهذه الفقرة التي تتحدث عن "الحبوس" مباشرة بعد أن رأى الصحراء، فأثر الصحراء عليه جعله يفكر بذكريات سوداء، الدولة التركية وما فعلته في بلادنا، الاحتلال الفرنسي في تونس والجزائر، كل هذا السواد والذكريات المؤلمة جاءت بعد مشاهدة الصحراء.
ورغم أن فلسطين تأتي في لقصة إلا أنها تأتي بصورة التعب والقسوة: " كنا نعمر الأرض في لف الجبل، ونبني السلاسل الحجرية لحفظ التربة في أرض طينية مشتدة، هذا في الصيف، أما في الربيع فنقضي الوقت في تغربل الأرض من الأعشاب، أما في الشتاء فكله عمل وتحضير لما يمكن أن يثمر في آخر الربيع أو أول الصيف" ص94، رغم أننا نجد الحديث عن فلسطين، إلا أن أثر الصحراء على القاص جعله يقدمها بطريقة قاسية، وليس بتلك الصورة البهية التي وجدناها في القصة السابقة.
يستمر أثر الصحراء على الفلاح/القاص من خلال هذا المشهد: "... ومن المعتقدات عند الجاهليين: أن الجن قد تتلبس في أنواع كثيرة من الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات، وهذه غرفة كلها بمطايا الجن" ص95، رغم ان الحديث عن فلسطين إلا أن الصحراء جعلت حديثه غير محبب، حديث عن جهالة الناس والخوف الذي يحملونه عن الجن.
وأثر الصحراء لا ينتهي عند هذا الحد، بل نجد القاص يذهب إلى "أحمد باشا الجزار" وما فعله أثناء فترة حكمه لفلسطين، يحدثنا عن جبروته: " وقد قتل في إحدى السنين، مائة وستين رجلا خنقا، وفي السنة التي تليها قتل نحو ستين، وكان يقتل الكبير والصغير، وكان إذا عامل أحد المغضوب عليهم بالرفق، وعزف عن قتله، يجذم أنفه ثم يصلم أذنه اليمنى، ثم يقلع عينه اليمنى" ص97، كل هذه الأحداث يتذكرها القاص أثناء سيره في الصحراء، من هنا يمكننا القول أن الصحراء عدو الفلاح، ولا يمكنه الانسجام معها، فكل هذا الألم والقسوة جاءت بأثر الصحراء، وكأن القاص يقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ هذا ما تفعله الصحراء بنا، تجعلنا نفكر بالألم والقسوة، فما حاجتنا إليها؟ ـ.
في "وقت للتسكع في فضاءات مريبة" يستخدم الومضات التي يتألق بها القاص، فيقدم (الفلسطينية) بواقعية، ما في من ايجابيات وسلبيات، ففي الأول ومضة يحدثنا عن طفولته وعن "لكن" الغسيل، وفي الثانية يحدثنا عن الحجاب، وفي الثالثة عن العرافة، وفي الرابعة عن أبيه الذي يصاب بعرق النسا، وفي الخامسة عن اخته التي تمرض، فيُذهب بها إلى طبريا، ليعاجلها مشعوذ، وفي السادسة يأخذنا إلى الاحتفالات في القرية والاهازيج التراثية المغناة، ورغم اننا نستطيع أخذ تلك القصص كلا على حدة، إلا أننا أيضا نستطيع أن نجمعها معا، فهي تبدأ بالحديث عن طفولة القاص وانتهي بالاحتفالات الشعبية الريفية.
المجموعة من منشورات المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2003.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف