الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

امـــرأة شـــابّـــة بقلم : صلاح بوزيّان

تاريخ النشر : 2019-03-12
امـــرأة شـــابّـــة  بقلم : صلاح بوزيّان
امـــرأة شـــابّـــة

للكاتب : صلاح بوزيّان تونس

امرأة شابّة ترافقني و تتنقّل معي .. جاءت لا أعلم من أي ؟ وجدتُ نفسي في معهد ثانويّ أوزّع الخبز و الحليب على تلاميذ لا أعرفهم ، الامرأة الشّابة ملتزمة الصّمت ، ولكنّها تمدّني بالخبز السّاخن و علب الحليب ، لا أعلم من أين تأخذ كلّ ذلك الطّعام ، ولكنّني فرحت كثيرًا بإطعام الأفواه الجائعة ، أذكر أنّني اغتسلت هنيهة قبل ذلك كلّه ، اغتسلتُ في سقاية جامع كبير ، ولبستُ قميصا أخضر ، ثمّ التحقتْ بي الجميلة الشّابة ، كأنّني أعرفها من زمن قديم ، و لم أجد في أعماقي سؤالاً حول هذا الملاك ، بيضاء عيناها زرقاوان وشعرها أسود حريري طويل ، لم يدهشني الأمر ولم يصدمني ولم يثر حيرتي ، بل وجدت سكينة وسعادة لا توصفان ، أتممت توزيع الطّعام ، جلس التلاميذ تحت أشجار مورقة وارفة الظّلال ، وانهمكوا يأكلون ويتهامسون ، وأحيانا ينفجرون ضحكًا . كلّ ذلك أمتعني و أنساني تعاسة المدينة ووقاحة الذين لا يُقبلُ منهم صرف و لا عدل ، أمثال ذلك القزم الذي يتحرّش بالجميلات في قاعة المحاضرات ، قزم شرّير يستغّل موقعه ويفعل ما يحلو له ، و الآخر ذلك الذي يبيع طعام تلاميذ خلسة ، والثالث الذي يوهم النّاس أنّه معوّق ، و الرّابع الذي يعرض فلفلا أحمر مخلوطا بالآجر ، و الخامس الذي يصنع الحلويات من بقايا الخبز البايت ، والسادسة التي تلبس جلبابا فضفاضا وتتردّد على السوبرماركت وتسرق المساحيق و علب الشامبو والصابون وقوارير العطور الغالية ، والرّاشي و المرتشي ، ألوان وأشكال خطرت ببالي لمّا بقيت أشاهد الأبرياء يسدّون رمقهم بفتات خبز و قطرات حليب .. الامرأة الشابة تظلّلني ، رائحة عطور شذية تنبعث منها . كانت تذرع الطّرقات جيئة وذهابا . واذكر أنّها أخذتني إلى عين في أقصى المدينة . وأشارت إليّ لأغتسل . أعطتني منشفة كبيرة و قطعة صابون طيّبة وزجاجة عنبر. ثمّ توارت خلف شجرة سنديان . اغتسلتُ و تعطّرتُ . و الغريب بعد ذلك أنّني نسيت جميع هموم و أوجاعي وصرت معافى . منذ تلك المرّة بدأت أفكّر في أمرهذه الامرأة ، بلا شكّ هي رحمة من السّماء ، ولكنّني بدأت أضجر منها لأنّها تدخل بين الجلد و العظم ، صحيح أنّ ملمحها وديع ، فهي جميلة ، بل ساحرة الجمال ، ولكنّ ذلك لا يهمّني ، فمشكلتني ليست الامرأة الجميلة ، بل شغلي أن أفعل شيئا جميلا في المدينة ، أن أنبّه النّاس إلى الكراهية المبثوثة بينهم ، والتي ستقودهم إلى الهلاك ، أن أسرد لهم قصص الأمم الغابرة التي دبّت الكراهيّة بينهم فتهالكوا وحلّ بهم غضب الله ، خزرتُ إليها فتهيّبتها ، استعصى عليَّ الأمر، كيف أضجرُ من نعمة السّماء في غربة تلاحقني في كلّ شبر في المدينة ، الامرأة الشّابة لا تتركني ، تحرسني و تراقبني وأحيانا تنهرني ولكن بالإشارات ، فهي لا تتكلّم .. ولكنّها لا تتركني ، حصل ذلك ..فجأة رأيت أخي يُقبلُ ، صافحني ولم يعانقني ، عانقته أنا ، ورأيت حيرة على وجهه .. حال أخي كحال أهل المدينة .. يحتاج أخي إلى كثير من التّكرار ، وأثناء سفري في المدائن القريبة والبعيدة اكتشفت أنّ كثيرا من الخلق يحتاجون إلى التّكرار .. أحدّثُ الواحد منهم حديثا فينساه بسرعة فائقة .. لذلك ما عدتُ أغضب لبرودة دم أخي و لا لبرودة دم أهل المدينة وإهمالهم للرّوابط و لصلة الرّحم التي أذعنت للرّياح الغربيّة.. كلّ شيء فقد طعمه .. لقد اعتقد في سالف الأزمان أنّ ذلك بمثابة القشور .. لكنّ النّسيان استبدّ بأرواحهم و عقولهم ، والزّمن تفلّت من بين أصابعهم ، أرى الواحد منهم يعضّ الأنامل ويتحسّر، ويحرقه النّدمُ ألف مرّة في لمحة البصر الواحدة .. مصيبة ألمّت بأخي وبكلّ أهل المدينة وكلّ المدائن .. نامت عقولهم و ضعفت ذاكراتهم .. أرى أعينهم زائغة كأنّهم يفتّشون عن شيء لا يعرفونه ما هو .. عبء ثقيل أحمله في دخيلتي .. وسرّ خطير ومحزن عن هؤلاء جميعًا .. مقرفة الأزبال تكسو الأرض .. جبال كثيرة من القاذورات .. ويال بشاعة قصص السّرقات المتكرّرة في الميترو و محطّات القطار .. أمور مفجعة تحدث من حين إلى آخر في المدينة .. و بين هذا وذاك كنتُ أحسّني غريبًا في هذه الأنحاء .. النّجارون يفتحون النّوافذ لتدخل الشّمس وأهل الأحراش يغلقونها بل ويهشّمون الزّجاج ، ويهشّمون قوارير الخمر، ويقتلعون علامات المرور ويحوّلونها إلى طاولات ، كثيرة قوارير الخمر وعلب الجعّة .. لا يكاد يخلو منها مكان .. و لا تخلو منها طريق .. الوافدون على المدينة من أقطار شقيقة يتعجّبون لكثرة علب الجّعة الفارغة .. رقعة حمراء كبيرة وممتدّة .. تتشابه تماما بزوارق الهجرة السّريّة إلى إيطاليا .. تغيّر كلّ شيء .. و كلّ شيء يصحبه سؤال لا جواب له .. كان يتوجّب عليَّ أن أنسى هذا العبء .. إنّني فتاة مأهولة بالخوف و الحيرة والقلق و الغربة .. أمر عجيب ، وأذكر أنّ لصّا حشّاشا سرق حاوية فضلات جديدة وملأها بعلب الشاي التي سرقها من سوق بومنديل ، الشّابة الجميلة ترافقني ولا تعرف الكلل .. أحيانا يجوبني خوف عميق يكادُ يدمّرُ عافيتي .. و ما إن أنظر في وجهها حتّى أطمئنّ .. ظننتها أختي ، و لكن لاَ ، كلّ ما فهمته هو توزيع الخبز و الحليب .. شكت لي جارتي مرّة أمر زوجها النَّسَاءُ .. واقتنعت أنّ السّواد الأعظم يقترف فعلة النّسي .. ربّما النّسيان دواء ينتشل أهل المدينة من أوهام حرب 14 جانفي .. الشابّة جميلة طويلة رأسها ملفّع بخمار.. وقد استطعت بسرعة اكتشاف شعرها الطّويل النّاعم .. عاد أخي مرّة أخرى مرعوبا ، وجهه مصفرّ لكنّه كان حذرًا من الامرأة الجميلة التي ترافقني .. في بادئ الأمر ظّنها طيفا ، و حينما تحقّق منها غلبه الحسد و استبدّ به الحقد ، وطافت به طوائف شيطانية ، ولولا أنّني فتاة لظّنها عشيقتي .. ثمّ خارقت قواه ، تملّكه خوف وارتعد كأنّه ارتكب فعلا شنيعا .. لعلّه سرق .. لعلّه كذب .. لعلّه زنا .. غمغم .. صرخت : تكلّم ما بك ؟ انطق ؟ كلّ شيء هاج وماج .. القبح يُخيّم على المكان .. مزابل كثيرة متناثرة..تغيّر كلّ شيء ، بكا أخي وقال : وشيت بكِ إلى .. قاطعته ماذا ؟ ماذا ؟ وحدّثتهم عن أمر الامرأة الشابّة التي ترافقك ، غفر الله لك أمازلت على قبحك ؟ سامحتك .. سامحتك .. وماذا تراك فاعل ؟ الله أقدر منك ومن أهل المدينة .. ومن الأقزام المفسدين ، كادت الشّابة أن تضربه .. بَصَقَـتْ في وجهه ووعَـدَتـْـه ُبالدّمار .. وفجأة تكلّمت : أيّها الشيّطان الرّجيم يا خائن الدّم ، ستنال جزاءك أبشر بالدّمار العاجل لك ولأمثالك ، أتعادي مُطعمةَ الأيتام والأرامل والفقراء ، لقد خرّبتم المدينة أنت و أمثالك ، ما أبشع أفعالكم الحقد والضّغينة والحسد والكيد ، لا ترحمون و لا تتركون رحمة الله تنزل ، اذهب قطع الله دابرك و أساء خاتمتك ، تسرّب شعاع الشّمس إلى غرفتي .. أفقتُ مذعورة أردّد حسبي الله ونعم الوكيل .. أين الشّابة التّي كانت معي ؟ يا إلهي كنتُ نائمة وأحلمُ . التفت إلى الطّاولة بجانبي ، قرأت على ورقة بيضاء { قــد } . فغمرتني سعادة رغم الأحلام و الأوهام .. وعدتُ إلى النّوم .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف