الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فلسفة القتل و فلسفة الإبادة بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2019-03-12
فلسفة القتل و فلسفة الإبادة بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
فلسفة القتل و فلسفة الإبادة ( لعادل بن مليح الأنصاري )


هناك قوانين يجب أن يفهمها البسطاء من البشر , أو المهمشين الذين يسيرون على الأرض ولا هم لهم إلا لقمة العيش يجلبونها لأطفالهم ويكتفون بهذه الرفاهية الحضارية لو توفرت في ظل هذا الصخب اليومي من أحداث وحاجات ورغبات وأمال وإحباطات وكل ما تعج به قواميس العصر الحديث من محاولة للتخفيف من هذا التكاثر البشري الذي بات يهدد العالم المتحضر وأصحاب الدماء النقية سواء بأموالهم أو بمكانتهم أو بقربهم من أصحاب الدماء الزكية , الإنسان مخلوق مفكر وحكيم , وهو المسيطر على الكون بذكائه واختراعاته وفلسفته وحتى قلب قدرته على قلب الحقائق كيفما كانت وكيفما يراها هو , ونحن هنا نتكلم عن الإنسان الراقي المتحضر الذي يرى في قتل إنسان جريمة وتعدي على حقوق وجوده وأحقيته في الحياة .
النظام العالمي الجديد أو بالأصح منذ أن قرر خوض الحرب الأولى , وبغض النظر عن أسبابها ونتائجها , إلا أن الإبادة التي ارتكبت في حق ملايين البشر نتيجة الحربين العظميين , هي أقل أهمية من مسبباتها حتى لو كانت تافهة في حقيقتها , وليس مهما أن يباد أولئك الملايين من الشباب فقط لأن بضعة من القادة يجلسون في أمان داخل صالات مكيفة يحتسون الكحول والقهوة والدونات ثم يضعون الخطط حتى يقضي كل منهم على أكبر عدد من جنود أعدائه لخلافات وقعت بينهم , فلسفة الإبادة تلك مقبولة ويهيئ القادة الحكماء شعوبهم لتقبل تلك الإبادة بالشعارات والأغاني والموسيقى والرقص .
هل يهم أن نناقش أسباب كل الحروب البشرية العنيفة وعدالة القضايا التي قامت مكينة الموت بحصد تلك الملايين من أجلها ؟
تكرار تلك الحروب وما تفرزه من ضحايا كأنه يضع قانونا بشريا لا انفكاك منه , وهو أن إبادة البشر بعضهم البعض هي من سنن الكون التي تحد من تكاثر البشر والذي ربما يؤدي لعمليات إبادة بطريقة أخرى لولم تحصدهم تلك الحروب , وربما لن نكون مبالغين لو قلنا أن نهاية البشر ربما ستأتي ببساطة من قائد ملهم يضغط على زر مستقبلا يمحي دولا عدة ببساطة , ولن تكون تلك عملية قتل خارج القانون , بل إبادة جماعية مشروعة فرضتها قوانين السيطرة والكرامة والعزة ربما .
لقد صنع الإنسان المتحضر قوانين تجعلك تحتار في القيمة الحقيقية لحياة البشر , فبينما يقتص القانون من قتل إنسان لإنسان أخر , وتشدد تلك القوانين على قيمة الحياة البشرية وتحميها وتسطر الصفحات في دساتيرها على كيفية حماية الأرواح وحفظ كرامتها وعدم المساس بها بل وحتى حمايتها خارج حدود أوطانها , وتحذر الآخرين من التعرض لحياتهم المقدسة , وفي نفس الوقت يشعلون حروبا لأتفه الأسباب لتحرق في سعيرها حياة الأخرين وكأنهم ليسوا بشرا يستحقون حماية أرواحهم !
فكيف نبرر القيام بتلك الإبادة الجماعية لمجموعة كبيرة من البشر , بل وربما يصنعون من زعماء الموت أبطالا مقابل تلك الإبادة , هل تعتبر قيمة حياة الفرد أكبر من قيمة حياة الملايين إذا ما دعت الرغبة في الانتصار والثأر والانتقام وربما العبث والجنون لبعض المتسلطين على شعوبهم .
ما هو الرقم الذي نستطيع الوصول إليه لو تتبعنا ضحايا الحروب منذ تكون المجتمعات الحديثة ؟
مثلا :
- الحرب العالمية الأولى عدد ضحاياها حوالي 18 مليون إنسان .
- الحرب الثانية عدد ضحاياها حوالي 60 مليون إنسان .
- أما بقية الحروب البشرية فيمكن الرجوع لها في جوجل وسنصل لأعداد لا تصدق من الضحايا لتلك الحروب , والأعجب من ذلك أن مرتكبي تلك الإبادات يُطلق عليهم قادة وزعماء أمة وابطال حروب بالرغم من تفاهة قضاياهم أكثر الأحيان , فهي لا تخلوا من أطماع مادية ونزاعات عرقية وعنصرية وأحيانا صفات مرضية وعقلية , ولا يخجل التاريخ البشري من الاعتراف بتمكن بعض المرضى العقليين من قيادة الشعوب ورميها في أتون الحروب والموت والدمار ,وربما يفخر الكتاب والعقلاء الذين يسطرون التاريخ لنا بقيادة أولئك المجانين للبشرية وتحويل مجتمعاتهم المدنية للخراب والدمار والموت والمآسي التي لا حصر لها .
هل نستطيع تقبل فلسفات تبرر القبول بقتل الملايين كما تبرر عدم القبول بقتل إنسان ما بغض النظر عن التفاصيل الأخرى ؟
من الطبيعي أن يُطلق القضاة في شتى ارجاء الأرض من فوق منصات العدالة التي يمثلونها بإطلاق كلمة مجرم على شخص (ربما) أحيانا قتل دفاعا عن نفسه أو ماله أو حتى قتله لإنسان دون مبرر مقبول , ولكنه لن يتجرأ بإطلاق كلمة مجرم إبادة على شخص تسبب بموت الملايين خلال الحروب العبثية غالبا , فهناك فرق بين قاتل وبين قائد سياسي محنك وبطل أمة ورمز وطن يقتل الآلاف وربما الملايين عبر التاريخ البشري الطويل .
أخيرا :
من الفلسفات البشرية المضحكة أن اتخاذه قرارا بإبادة شعوب وجهة نظر , بينما القاتل لفرد هو مجرم معدوم الضمير ينبغي للبشرية من التخلص من خطره على البشرية !
وربما قريبا ستتطور وجهات النظر تلك لتواكب عصر الانفجارات العلمية , فيظهر لنا قادة يبيدون دولا وشعوبا بضغطة زر فتتساقط الصواريخ النووية من الفضاء لتمحو تلك الدول لأن القائد الهمام له وجهة نظر .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف