الأمل - قصة قصيرة
بقلم عمر السيد عبد الرؤوف
نظر إليه شذراً وقال غاضباً: لا مكان لك عندي في الورشة، إنك لا تصلح للعمل معي:لا تتعلم ولا تستجيب. نظر إليه الغلام بشعره المغبر وعينيه الدامعتين وجسده النحيل، وقد أنهكه العمل وأعيته حرارة الشمس قائلاً: الله يرضى عليك يا عم "سالم"دعني أكمل اليوم حتى أحصل على أجرتي. ولكن لم تشفع تلك التوسلات والدموع المنهمرة ولم تلن من قساوة قلب الأسطى "سالم". ذهب الطفل إلى البيت يجر أذيال الخيبة، وقد إسودت الدنيا في عينيه، إن أمه وأخته الصغيرة بانتظاره في البيت، ينتظرون قدومه ومعه الخمسة جنيهات والتي يستعينون بها في شراء الخبز والفول المدمس، هذا طعامهم اليومي للصباح والمساء، لقد حرمتهم الظروف من تناول وجبة الغذاء نظراً لضيق اليد والفاقة التي غرست أنيابها بعد وفاة الأب إثر حادث أليم اغتال شبابه وانقض عليه الموت بمخالبه وترك زوجته وابنه وطفلته الرضيعة رهنا لقساوة الحياة وأمواجها العاتية تقذف بهم ذات اليمين وذات اليسار يصارعون قساوة الفقر وألم الفراق، ترك الطفل المدرسة وهو في الصف الرابع الابتدائي، وألجأته الظروف للعمل لإعالة أسرته.
رجعت الأم مع ابنها إلى الورشة تتوسل للأسطى سالم أن يعيده ولكن الرجل أبى وكابر ، وقال : إن ابنك رقيق العظم والجسم لا يصلح للعمل وهو عبء عليَّ ومُحال أن أقبله للعمل مرة ثانية، ذهبت محاولاتها سدى، ولم تفلح دموعها. وكان يسير بجوار الورشة الأستاذ"رؤوف" رجل قد تخطى الأربعين من عمره يعمل في المدرسة المتوسطة مدرساً للرياضيات. سمع الحديث وقد رقَّ قلبه حزناً على حال الغلام ، وأشار إلى المرأة وقد تبادل معها الحديث وعرف ظروفها وأشفق عليها من نوائب الدهر، وطلب منها أن يتكفل بابنها ويعيده إلى دراسته مرة ثانية، وسيعطيها مبلغاً شهرياً يساعدها على مصاعب الحياة، ليس هذا فحسب بل عرض عليها أن يصطحب معه ابنها لعيش معه في بيته مع زوجته وابنتيه الصغيرتين وقد خصص له غرفة خاصة به وبدأ بمتابعته والاهتمام به ولم يبخل عليه بالوقت ولا بالمال وتابعه في مادة الرياضيات والعلوم ، وقامت زوجته بشرح اللغة العربية والفروع الأخرى وقد أظهر الغلام نبوغاً وتفوقاً منقطع النظير، حيث كان يتميز بالذكاء الحاد والفطنة وسرعة البديهة، ومرت الأيام وكبر الفتى وأنهى المرحلة الثانوية وكان من أوائل الجمهورية وتلقى منحة مجانية للسفر إلى إحدى الدول الأوربية لاستكمال دراسته الجامعية وتخصص في الجراحة وكان متميزا بين أقرانه وأعجب به أساتذته أيما إعجاب واختصوه بالرعاية والاهتمام، وكان يعمل خلال دراسته الجامعية في أحد المطاعم يغسل الصحون لكي يلبي متطلباته المعيشية والدراسية، حتى أنهى سنوات الدراسة بتقديرات مرتفعة جعلته مؤهلاً لاستكمال الدراسات العليا وبعدها حصل على الماجستير والدكتوراة وعرضت عليه الجامعة أن يكون أستاذاً فيها، وأصبح مشهوراً في العمليات الجراحية يعرفه القاصي والداني وانتشرت شهرته في الأفاق وحصل على الكثير من الجوائز العلمية وسُجلت الكثير من الكتب والأبحاث باسمه، وأُجريت معه الكثير من المقابلات الصحفية والحوارات التلفازية وكان دائماً يتحدث عن ظروفه الحياتية الصعبة ودور الأستاذ رؤوف الذي انتشله من حياة الفقر والبؤس، ذلك الملاك الذي أرسله الله له، وكان رد الجميل أن تزوج إحدى ابنتيه وبنى مستشفىً تخصصياً كبيراً باسم الأستاذ رؤوف كجزء من رد الجميل له والوفاء بفضله عليه.
بقلم عمر السيد عبد الرؤوف
نظر إليه شذراً وقال غاضباً: لا مكان لك عندي في الورشة، إنك لا تصلح للعمل معي:لا تتعلم ولا تستجيب. نظر إليه الغلام بشعره المغبر وعينيه الدامعتين وجسده النحيل، وقد أنهكه العمل وأعيته حرارة الشمس قائلاً: الله يرضى عليك يا عم "سالم"دعني أكمل اليوم حتى أحصل على أجرتي. ولكن لم تشفع تلك التوسلات والدموع المنهمرة ولم تلن من قساوة قلب الأسطى "سالم". ذهب الطفل إلى البيت يجر أذيال الخيبة، وقد إسودت الدنيا في عينيه، إن أمه وأخته الصغيرة بانتظاره في البيت، ينتظرون قدومه ومعه الخمسة جنيهات والتي يستعينون بها في شراء الخبز والفول المدمس، هذا طعامهم اليومي للصباح والمساء، لقد حرمتهم الظروف من تناول وجبة الغذاء نظراً لضيق اليد والفاقة التي غرست أنيابها بعد وفاة الأب إثر حادث أليم اغتال شبابه وانقض عليه الموت بمخالبه وترك زوجته وابنه وطفلته الرضيعة رهنا لقساوة الحياة وأمواجها العاتية تقذف بهم ذات اليمين وذات اليسار يصارعون قساوة الفقر وألم الفراق، ترك الطفل المدرسة وهو في الصف الرابع الابتدائي، وألجأته الظروف للعمل لإعالة أسرته.
رجعت الأم مع ابنها إلى الورشة تتوسل للأسطى سالم أن يعيده ولكن الرجل أبى وكابر ، وقال : إن ابنك رقيق العظم والجسم لا يصلح للعمل وهو عبء عليَّ ومُحال أن أقبله للعمل مرة ثانية، ذهبت محاولاتها سدى، ولم تفلح دموعها. وكان يسير بجوار الورشة الأستاذ"رؤوف" رجل قد تخطى الأربعين من عمره يعمل في المدرسة المتوسطة مدرساً للرياضيات. سمع الحديث وقد رقَّ قلبه حزناً على حال الغلام ، وأشار إلى المرأة وقد تبادل معها الحديث وعرف ظروفها وأشفق عليها من نوائب الدهر، وطلب منها أن يتكفل بابنها ويعيده إلى دراسته مرة ثانية، وسيعطيها مبلغاً شهرياً يساعدها على مصاعب الحياة، ليس هذا فحسب بل عرض عليها أن يصطحب معه ابنها لعيش معه في بيته مع زوجته وابنتيه الصغيرتين وقد خصص له غرفة خاصة به وبدأ بمتابعته والاهتمام به ولم يبخل عليه بالوقت ولا بالمال وتابعه في مادة الرياضيات والعلوم ، وقامت زوجته بشرح اللغة العربية والفروع الأخرى وقد أظهر الغلام نبوغاً وتفوقاً منقطع النظير، حيث كان يتميز بالذكاء الحاد والفطنة وسرعة البديهة، ومرت الأيام وكبر الفتى وأنهى المرحلة الثانوية وكان من أوائل الجمهورية وتلقى منحة مجانية للسفر إلى إحدى الدول الأوربية لاستكمال دراسته الجامعية وتخصص في الجراحة وكان متميزا بين أقرانه وأعجب به أساتذته أيما إعجاب واختصوه بالرعاية والاهتمام، وكان يعمل خلال دراسته الجامعية في أحد المطاعم يغسل الصحون لكي يلبي متطلباته المعيشية والدراسية، حتى أنهى سنوات الدراسة بتقديرات مرتفعة جعلته مؤهلاً لاستكمال الدراسات العليا وبعدها حصل على الماجستير والدكتوراة وعرضت عليه الجامعة أن يكون أستاذاً فيها، وأصبح مشهوراً في العمليات الجراحية يعرفه القاصي والداني وانتشرت شهرته في الأفاق وحصل على الكثير من الجوائز العلمية وسُجلت الكثير من الكتب والأبحاث باسمه، وأُجريت معه الكثير من المقابلات الصحفية والحوارات التلفازية وكان دائماً يتحدث عن ظروفه الحياتية الصعبة ودور الأستاذ رؤوف الذي انتشله من حياة الفقر والبؤس، ذلك الملاك الذي أرسله الله له، وكان رد الجميل أن تزوج إحدى ابنتيه وبنى مستشفىً تخصصياً كبيراً باسم الأستاذ رؤوف كجزء من رد الجميل له والوفاء بفضله عليه.