الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يونس عطاري "إلى بدر شاكر السياب" بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-03-04
يونس عطاري
"إلى بدر شاكر السياب"
النص الأدبي يمتعنا مهما كان تصنيفه، شعر، قصة، رواية، نثر، ما دام هناك صيغة أدبية بالتأكيد سنستمتع به، الشاعر "يونس عطاري" فلسطيني، وعندما نقول فلسطيني فيعني ذلك أنه مسكون في المكان، يجد نفسه/ذاته/حياته/كينونته فيه، من هنا نجده يتحدث عن "طبريا، الكرمل، اليرموك، سمخ، جبل حرمون": "فعُدْ الى “سمخ”₅ مع الغيمِ الودودِ ليحملكَ، خُذْ معكَ مفتاحَ البابِ المرصودِ، اغسلْ بَدَنَك، في نهر الاردن،...“سمخ”، ركنُ طبريا القليل، فرَّ نهرها الى البحر الميت، عندما مدَّ “جبل حرمون₁₃" هذا الحضور للمكان لم يأتي تصنعا، بل جاء ليستعين به الشاعر على مواجهة الظرف/الواقع، فبعد أن حدثنا عن واقعه في مدينة الزرقاء الأردنية، وما فيها من فقر مدقع: "هربتُ الى التلالِ التي جزَّ الغبارُ عشبَها مرتين ماراً بالواديَ الناشفِ خلف كسّاراتِ الجيش العربي₁ فأسمعُ ثغاءَ الماعزِ الاسودِ الذي جرّبَ خبراتِ الجفاف في “الزرقاءِ" كان لا بد من وجود مكان بديل موازي لذلك المكان البائس، فاستحضر وطنه وما فيه من بهاء جمال ليواجه واقعه.
فالطبيعة احد عناصر الفرح، وبما ان فلسطين زاخرة بالمنظار الجميلة، جاء استحضار الشاعر لتلك الطبيعة يعطي مدلولين، الأول الطبيعة المجردة، والثانية طبيعة الوطن/الأرض الني ينتمي إليها الشاعر.
فيما سبق تم استخدام احد عناصر الفر الطبيعة، لكن الشاعر لا يكتفي بالطبيعة، فيتقدم من عنصر آخر، الكتابة، الأداة التي يجد ذاته كشاعر فيها وبها:
هيهات، الرعودُ حُبْلَى و تبقى تلّحُ على الهائمين:"
أنا من تريد، ايها الهارب.
سياجٌ لا يثيرُ الطيورَ، من عشبٍ و زفيرٍ ، من حجرٍ أحياناً، فعُدْ الى “سمخ”₅ مع الغيمِ الودودِ ليحملكَ، خُذْ معكَ مفتاحَ البابِ المرصودِ، اغسلْ بَدَنَك، في نهر الاردن، كُنْ مثل ” السّياب”، اغتسلَ في نهر العذارى ” بويب" وهنا يضيف عنصر فرح ثاني في نصه، فهذه اللغة الشعرية ما كانت لتكون دون استحضار "السياب" وكأن العقل اباطن عند "يونس عطاري" جعله يكتب بلغة شعريه عندما تذكر السياب، ففاض فيه الشعر وجعله يكتب به.
وإذا ما توقفنا عند عملية الانتقال من الطبيعة إلى الشعر نجد فعل "اغسل" وهو فعل يشير إلى حالة الانتقال/التحول من حالة إلى أخرى، وهذا التحول يحمل حالة إيجابية، هكذا حدث مع "انكيدو" وهكذا تعمد المسيح بالماء، وهكذا يدخل المؤمن في الإسلام، فالسياب وعطاري كلاهما اغتسل/تعمد ليتقدما إلى حالة جديدة، حالة الشاعر/النبي/النقي/المؤمن.
ولكن، السياب يمثل حالة الألم/المعاناة، فهو عاش بعيدا عن وطنه، وكان يصرخ في الخليج: "عراق، عراق ليس إلا العراق" وهذا المعاناة جعلت العقل الباطن عند "عطاري" يستحضرها، يقدمها لنا بهذا الشكل:
"كان يغترف الحنين و الانين براحتيه، يسكبه في الجرار كعصير التوت.
النهرٌ لحدٌ جارٍ، إنْ أرادَ رُعاةُ الخواءِ و القبورِ، فيلوذُ الخائبُ بالتلصصِ على كلِّ شيءٍ، كي يتكبدَ حزناً جديداّ، و يهلكَ في شغفِ الحياة، لا خائبَ الا الميتُ، رأى جنيّاتٍ عُدنَ تواً من صدى الدجى و الامنيات كشجرٍ أسلمَ للريحِ وريقاتٍ تنمو كفناجين الفضة كأجراس الحياة" لغة أدبية رائعة، تؤكد أن كاتبها يتقن فن التصوير، لهذا نجدها بمجملها تنبض بالجمال رغم الألم الكامن فيها.
وإذا ما توقفنا عند اللغة الجميلة نجدها تقف موازية لحالة الحزن، وكأن اللغة الجميلة تتصارع مع الفكرة، فكرة الالم، مما يجعلنا نشعر بالألم، لكن بأقل الأضرار، وهذا ما يحسب للشاعر الذي قدم فكرة مؤلمة بلغة جميلة وممتعة.
ولكي نعطي النص حقه، نقدمه كاملا للقارئ
" يونس عطاري
إلى بدر شاكر السياب
هربتُ الى التلالِ التي جزَّ الغبارُ عشبَها مرتين ماراً بالواديَ الناشفِ خلف كسّاراتِ الجيش العربي₁ فأسمعُ ثغاءَ الماعزِ الاسودِ الذي جرّبَ خبراتِ الجفاف في “الزرقاءِ₂” ، صاعداً كنتُ أحملُ طائرتي الورقيةِ كأنها زهرةُ عبّادِ الشمسِ المزركشةِ بالشراشيبِ₃ و ألوانٍ مبرقعةٍ جمعتُ خيوطَها من درزاتِ أكياس علف الدواجن التي كان يربيها أبي، صنعتُ وجهَ تلك الطائرةِ ثمانيّ الأضلاعِ من ورق الأكياس البنية الفاتحة كعامل ماهرٍ في مصنعٍ للطائرات،ربطتُ الخيطان بعضها بالآخر كوّرتُها ككرة اليد الصغيرة ،و كلما وصلتُ قرب مكانٍ الريح طيّرتُها، مددتُ لها الخيطَ فيراها الصبيانُ من جيراننا البدو و اللاجئين الذين لا ورق و لا خيطان عندهم، يأتون الي و معهم علبٍ مربعةٍ فارغةٍ من سجائر ” الكمال”₄ كاتبينَ عليها في بيوتِهم و خيمِهم السوداء رسائل قصيرة الى حبيباتهم الصغيرات، فأثقبها و ارسلها مع خيط الطائرة الى السماء و يهتفون بي: افرد خيطكَ كله و اترك للرياح الطائرة و الرسائل.
هيهات، الرعودُ حُبْلَى و تبقى تلّحُ على الهائمين:
أنا من تريد، ايها الهارب.
سياجٌ لا يثيرُ الطيورَ، من عشبٍ و زفيرٍ ، من حجرٍ أحياناً، فعُدْ الى “سمخ”₅ مع الغيمِ الودودِ ليحملكَ، خُذْ معكَ مفتاحَ البابِ المرصودِ، إغسلْ بَدَنَك، في نهر الاردن، كُنْ مثل ” السّياب”، إغتسلَ في نهر العذارى ” بويب”₆، و في ضوءِ قمرٍ خطفَ ألحاظَ بنت نامتْ أواخرَ الليل في زورقٍ مهجور، حمل السياب “جيكور₇” مع خرير النهر الصغير الى جزرٍ جذلى، كان يغترف الحنين و الانين براحتيه، يسكبه في الجرار كعصير التوت.
النهرٌ لحدٌ جارٍ، إنْ أرادَ رُعاةُ الخواءِ و القبورِ، فيلوذُ الخائبُ بالتلصصِ على كلِّ شيءٍ، كي يتكبدَ حزناً جديداّ، و يهلكَ في شغفِ الحياة، لا خائبَ الا الميتُ، رأى جنيّاتٍ عُدنَ تواً من صدى الدجى و الامنيات كشجرٍ أسلمَ للريحِ وريقاتٍ تنمو كفناجين الفضة كأجراس الحياة.
موتٌ ما، يحتاج الى نهرٍ شغلَ الايتامَ بالسلالِ و السهوبِ.
الأن، هنا، في البيت تلاشى آذانُ الفجر، شرع المزارعون في العويلِ ، دفنوا حزنهمُ خلف الباب قبل الرحيل، تركوه يتلوّى كأفعى ، يسقط على درجات الغياب الطويل.
نشوانٌ ذلك الجبلُ₈ في الجليل
ينتشرُ و تمسحُ الارضَ عيناه، كنسرٍ يتنفسُ و يترقّبُ أسفَ الغزال الطريد، عندما رأى ظلاً مفروداً، يهفُّ بل يرفُّ في صحوةِ مرجِ بن عامرٍ₉، يغفو في الهجير تحت ظل صخرة هوت من معراج صاعدٍ، يتراكض فيه الذهولُ يرمي المحارَ و ريشَ النيصِ₁₀ على النبات و البنات و البنين في وادي اليرموك₁₁ السحيق، وادٍ يزهرُ الرمان و العلّيق₁₂، في كسلٍ يسرّح جدولَهُ بين الحقولِ التي يشرف على ثمارها شعاع الشمس كنافورة اسرفتْ في الهطول في الحدائق العامرة التي كان ينزل إليها شبابُ مخيم اليرموك قوافلَ في صراخ تائه، يرحلون الى بساتين شجر الدفلى على ضفتي نهر اليرموك كأنهم اشباحٌ ترقص في خمارة البلد، يعبرون وحل الحقول كالنواعير التي تلوك ظلال رجال يعبرون النهر، اجسادُهم جسورٌ، أوراقٌ لكتابةِ الاغنيات على مَنْ رحلوا نحو بحيرة طبريا في فجر ندي صافٍ، كانوا أفئدةٌ ترشح كجرار كسيرة في عتمة تستجير منطرحةً ثمراً ناضجاً تحت الاشجار على ترابِ بابٍ ذابَ مقبضُهُ شمعةً على ترابٍ من الطبشور، يكتبنا و يمحينا، يكسو البلاد بالاناشيد، برسائل من رحلوا.
ترابٌ سورٌ،
يربي الصخور و يعطس الندى و تنام تحت ذراته النجوم.
طليتُ القمرُ بالنعاسِ صيفاً
فبدا، في المواسم القصيرة، فؤاداً معلقاً على شباكٍ يفترسه الغياب
تثاءبُ في خُلديَ مرفأٌ
كأنه وليمةُ حطبٍ أحملها
في صُرة، أنأى بها على مهلٍ بين برزخين حين أبصرتُ الأزل يبكي رذاذاً و يرتجفُ على ممشى تشرّبَ عتمة الطوى، يتضرّعُ منكوداً،
ينهش زبد الزلازل، العواصف، نثارَ الجسور، الآجرّ، و المرارة.
ينهش مسالكَ رسمها الهواةُ ضد الطغاة.

كلما وسوستُ الى الرياح
و الخيول، ضحكتْ بحيرةُ طبريا لي، سكبتْ في جراب البعد صدى يهتف بي:
قدْ، تساوى يومَ الغبارِ الزرعُ فأصعدْ نهراً، فاض كصفائح المطر الغزير، كالنوافير الشهيرة،
لينامِ الصغارُ، فراخُ الأوز عند سفوح الجولان في خيام لا سراجَ فيها، خيام كأنها أفياءُ “سمخ”، ظل، شجر، غدير.
هم طيورٌ، بلا اجنحةٍ، في عالم من الاساطير و السلسبيل، “سمخ”، ركنُ طبريا القليل، فرَّ نهرها الى البحر الميت، عندما مدَّ “جبل حرمون₁₃” قدمين من ماء مُترف، من سُحبِ الغبش، فلا يمرُّ يوم طويل، على الصغار و الرضع، ابناء الغائبين الذين كووا بالاسفنج ظهور أيديهم ، و أزالوا وبرَ كلِّ مستورٍ قد جففوه و اوشك يهفهف تحت غيمةٍ تعبر باب الرقيم.
تنادى الدخانُ كسولا، منهمراً، كظلال نخل عتيق، رضع الشهد العالي، و مدّ الغائبون للنارنج الدمشقي اوردتهم، سقوا الهباءَ خلَّ الصهباءِ، غسلوا الصخور بالتوت البري و اغلقوا أبواب الكهوف بالدفلى، رسموا على جدرانها توابيت اسلافهم.
لا يحفر الشعراء بالكلمات سوى القبور
………………………………….
ملاحظات: بالترتيب من 1 الى 13
الجيش العربي: الجيش الاردني. الزرقاء مدينة اردنية و هي مسقط رأسي.
الشراشيب: اشرطة للزينة مجدولة او مفرودة
سجائر الكمال: دخان اردني قديم كان مربع الشكل لون علبته ابيض
سمخ: قريتي جنوب بحيرة طبريا هدمها لاحتلال بعد 1948
بويب: نهر صغير في جنوب العراق في البصرة في قرية السياب ” جيكور ” و هي مسقط راسه
جبل الجليل: جبل الجرمق في الجليل الاعلى في فلسطين.مرج بن عامر: سهل في فلسطين
النيص: من القوارض يميزها غطاء من الأشواك الحادة، التي تستخدمها للدفاع عن نفسها من الحيوانات المفترسة
وادي اليرموك: وادي في جنوب سوريا و شمال فلسطين و الاردن و فيه نهر اليرموك و عنده كان معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد.
العليق: نبات من الأشجار التي لها أشواك ومُتسلقة حيثُ يصل إرتفاعها إلى ما يُقارب 4 أمتار، وأوراقها رحية الشكل ولها ما بين 3-5 فصوص وأزهارها تمتاز بلونها الأبيض المائل إلى القرنفلي وعناقيدها تتكون من العنبات السود،
جبل حرمون:يسمي بجبل الشيخ كناية إلى الرأس المكلل بالثلج، هو أشهر جبال بلاد الشام، فهو يقع بين سوريا ولبنان، ويطل على فلسطين والأردن
إضافة هذا المقال الى قائمة المفضلة"
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف