مشهدٌ ليليّ
أصرّتْ بناتُ صدري أن أطلّقهَا..
رجتْني الاستجابةَ راحةً لي، منعَهَا كبريائي، حبستُها،
غافلتْني، انزلقَتْ، أغرقتْ شفتيَّ برِيقِها المالح.
قراءة / أيمن دراوشة
..............
صلاح الأسعد * سوريّة
فن القصة الومضة هو فن مستحدث ، ولا فضل لأحد أن يدعي بأنه من ابتكرها… بداية ظهور القصة الومضة ظهرت بظهور وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث لاحظ كتاب الفيسبوك أنَّ الجمهور لم يعد له وقت لقراءة المطولات والملاحم فهو جمهور يريد المختصر المفيد سواء شعراً أو نثرًا ؛ ولهذا بدأت القصة الومضة مجرد كلمات قليلة بقصد الحكمة والعظة والاختصار ، وهذا لا يكلفنا قراءة أكثر من ثوان معدودة … ثم تحولت وتطورت بشكل عفوي بسبب التسارع التقني وبروز الكتاب واندفاعهم للظهور، حتى أصبحت فنًّ بحد ذاته وعندما أصبح للومضة جمهور ومشجعون ومسابقات بدأ البقية بالتقليد والمحاولات والمنافسة بنيل الجوائز المعنوية ، حتى انتشرت على نطاق فيسبوكي واسع… للاستزادة صحيفة آفاق حرة – القصة الومضة بداياتها ومفهومها – أيمن دراوشة
نعود إلى قصة الكاتب صلاح الأسعد من سوريا فنبدأ بالعنوان الذي حمل اسم "مشهد ليلي" والعنوان مهم جدًّا كونه يمثل المدخل الذي ترتكز عيه القصة، بل يشكل القصة كاملة، وإن كنت أفضل بأن يكون العنوان كلمة واحدة فقط، إلا أنَّ الكاتب قد وفِّق بوضع عنوان مثير للذة القراءة، "فالمشهد" يحمل معنى البصر، وهو المشاهدة، أمَّا "ليلي"، فيرتبط بمعناها المجازي الكثير من المعاني فالليل حامل للهموم والأرق والألم وعدم القدرة على النوم على الرغم من النعاس الشديد، إذًا من هذا العنوان الجاذب نستطيع أن نستشف فحوى القصة، وهو المعاناة من الهموم المؤرقة لتصبح حسب سرد القاص المختزل إلى متلازمة لا يستغنى عنها.
يتحدث الكاتب بضمير المتكلم "الأنا" "بنات صدري"، "كبريائي" ... فالهموم والأرق والتعب هو القضية، وكأن الآلام جزء من جسد أنهكته أعباء الحياة وهمومها، لدرجة رفض السارد أن يهجرها حتى لو طلبت منه ذلك "رجتْني الاستجابةَ راحةً لي"
" منعَهَا كبريائي، حبستُها"
لتنتهي القصة بانزلاق بنات صدره على شفتيه بريق مالح، والملوحة ضد العذوبة، مما يعني هنا رمزًا واستقرارًا للوجع والهموم.
البناء الفني لمجمل القصة وحدة متكاملة، وعلاقات متعددة متداخلة معقدة، فالقضية قضية تلاحم وتفاعل وتكامل، واللفظ عند كاتبنا رمز يشكل صورة في سياق لغوي، والصورة والبيان ضروريان لإيصال الفكرة التي نريدها.
مشهد ليلي هو العذاب والمعاناة، الحزن والبكاء، الضياع والمنفى، التيه في كل لحظة.
إن التجديد هو البحث عن صيغة تفترضها القصة الومضة، أمَّا اللغة فهي الأنا الفردي، والأسلوب القصصي هو الأنا الجمعي.
"غافلتْني، انزلقَتْ، أغرقتْ شفتيَّ برِيقِها المالح"
لغة القصة واقعية، والمواقف محملة على التفجير، فاللغة عند الكاتب مزيج من العامي الفصيح واللغة المثالية المنتقاة، مما جعل من قراءتها سهلة قريبة من الذوق العام، لتؤدي دورها بكل اقتدار.
الألفاظ حملت الدلالات والرموز بدءًا من العنوان وحتى نهاية القصة، لتشكل رمزًا بعيدًا يكثف حالة الشعور وطاقة تحمل كل المعاني والدلالات وهو تجسيم لحالة الانفعال بقال جمالي.
ولو تتبعنا الظواهر اللغوية لوجدنا أن الفعل الماضي هو العنصر السائد " رجتني – حبستها – غافلتني انزلقت – أغرقت..." والفعل يقيم علاقات الأشياء يحول الأشياء ويتحول بها محاولا التركيز على الجدلية القائمة على الحركة الذي هو بحد ذاته عنصر توتر ودوران واضطراب حول حلقة لا تنغلق في الزمن.
الفعل الماضي هنا هو للتداعي فهو ذاكرة القاص المحكوم عليها بالألم والعذاب ... وفي التداعي تبرز الجزئيات والتفاصيل لترسم لنا مسار التحولات...
الصورة ليست من الرمزية الغامضة، وإنما هي صور بسيطة اعتمدت على الرمز واللفظ الموحي والصدمة، هذه الصور على الرغم من سهولتها فهي ذات بعد عميق تؤكد حالة القلق والاضطراب والحيرة...، فالقاص يحمل قضية وقضيته جسر للتوصيل الجيد، ومناخًا كان ذا قدرة على تحريك الخيال، وعلى الإقناع النفسي الذي أكسبها طاقة جديدة.
وختامًا ليس لي أي مأخذ سلبي على القصة، سوى الطول وتشكيل الحروف الذي وددت أن يكون كاملًا.
أصرّتْ بناتُ صدري أن أطلّقهَا..
رجتْني الاستجابةَ راحةً لي، منعَهَا كبريائي، حبستُها،
غافلتْني، انزلقَتْ، أغرقتْ شفتيَّ برِيقِها المالح.
قراءة / أيمن دراوشة
..............
صلاح الأسعد * سوريّة
فن القصة الومضة هو فن مستحدث ، ولا فضل لأحد أن يدعي بأنه من ابتكرها… بداية ظهور القصة الومضة ظهرت بظهور وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث لاحظ كتاب الفيسبوك أنَّ الجمهور لم يعد له وقت لقراءة المطولات والملاحم فهو جمهور يريد المختصر المفيد سواء شعراً أو نثرًا ؛ ولهذا بدأت القصة الومضة مجرد كلمات قليلة بقصد الحكمة والعظة والاختصار ، وهذا لا يكلفنا قراءة أكثر من ثوان معدودة … ثم تحولت وتطورت بشكل عفوي بسبب التسارع التقني وبروز الكتاب واندفاعهم للظهور، حتى أصبحت فنًّ بحد ذاته وعندما أصبح للومضة جمهور ومشجعون ومسابقات بدأ البقية بالتقليد والمحاولات والمنافسة بنيل الجوائز المعنوية ، حتى انتشرت على نطاق فيسبوكي واسع… للاستزادة صحيفة آفاق حرة – القصة الومضة بداياتها ومفهومها – أيمن دراوشة
نعود إلى قصة الكاتب صلاح الأسعد من سوريا فنبدأ بالعنوان الذي حمل اسم "مشهد ليلي" والعنوان مهم جدًّا كونه يمثل المدخل الذي ترتكز عيه القصة، بل يشكل القصة كاملة، وإن كنت أفضل بأن يكون العنوان كلمة واحدة فقط، إلا أنَّ الكاتب قد وفِّق بوضع عنوان مثير للذة القراءة، "فالمشهد" يحمل معنى البصر، وهو المشاهدة، أمَّا "ليلي"، فيرتبط بمعناها المجازي الكثير من المعاني فالليل حامل للهموم والأرق والألم وعدم القدرة على النوم على الرغم من النعاس الشديد، إذًا من هذا العنوان الجاذب نستطيع أن نستشف فحوى القصة، وهو المعاناة من الهموم المؤرقة لتصبح حسب سرد القاص المختزل إلى متلازمة لا يستغنى عنها.
يتحدث الكاتب بضمير المتكلم "الأنا" "بنات صدري"، "كبريائي" ... فالهموم والأرق والتعب هو القضية، وكأن الآلام جزء من جسد أنهكته أعباء الحياة وهمومها، لدرجة رفض السارد أن يهجرها حتى لو طلبت منه ذلك "رجتْني الاستجابةَ راحةً لي"
" منعَهَا كبريائي، حبستُها"
لتنتهي القصة بانزلاق بنات صدره على شفتيه بريق مالح، والملوحة ضد العذوبة، مما يعني هنا رمزًا واستقرارًا للوجع والهموم.
البناء الفني لمجمل القصة وحدة متكاملة، وعلاقات متعددة متداخلة معقدة، فالقضية قضية تلاحم وتفاعل وتكامل، واللفظ عند كاتبنا رمز يشكل صورة في سياق لغوي، والصورة والبيان ضروريان لإيصال الفكرة التي نريدها.
مشهد ليلي هو العذاب والمعاناة، الحزن والبكاء، الضياع والمنفى، التيه في كل لحظة.
إن التجديد هو البحث عن صيغة تفترضها القصة الومضة، أمَّا اللغة فهي الأنا الفردي، والأسلوب القصصي هو الأنا الجمعي.
"غافلتْني، انزلقَتْ، أغرقتْ شفتيَّ برِيقِها المالح"
لغة القصة واقعية، والمواقف محملة على التفجير، فاللغة عند الكاتب مزيج من العامي الفصيح واللغة المثالية المنتقاة، مما جعل من قراءتها سهلة قريبة من الذوق العام، لتؤدي دورها بكل اقتدار.
الألفاظ حملت الدلالات والرموز بدءًا من العنوان وحتى نهاية القصة، لتشكل رمزًا بعيدًا يكثف حالة الشعور وطاقة تحمل كل المعاني والدلالات وهو تجسيم لحالة الانفعال بقال جمالي.
ولو تتبعنا الظواهر اللغوية لوجدنا أن الفعل الماضي هو العنصر السائد " رجتني – حبستها – غافلتني انزلقت – أغرقت..." والفعل يقيم علاقات الأشياء يحول الأشياء ويتحول بها محاولا التركيز على الجدلية القائمة على الحركة الذي هو بحد ذاته عنصر توتر ودوران واضطراب حول حلقة لا تنغلق في الزمن.
الفعل الماضي هنا هو للتداعي فهو ذاكرة القاص المحكوم عليها بالألم والعذاب ... وفي التداعي تبرز الجزئيات والتفاصيل لترسم لنا مسار التحولات...
الصورة ليست من الرمزية الغامضة، وإنما هي صور بسيطة اعتمدت على الرمز واللفظ الموحي والصدمة، هذه الصور على الرغم من سهولتها فهي ذات بعد عميق تؤكد حالة القلق والاضطراب والحيرة...، فالقاص يحمل قضية وقضيته جسر للتوصيل الجيد، ومناخًا كان ذا قدرة على تحريك الخيال، وعلى الإقناع النفسي الذي أكسبها طاقة جديدة.
وختامًا ليس لي أي مأخذ سلبي على القصة، سوى الطول وتشكيل الحروف الذي وددت أن يكون كاملًا.