الشاعر العربي في مواجهة الغزاة
د. محمد عبدالله القواسمة
يسجل للشاعر العربي في العصر الحديث أنه لم يقف موقفًا سلبيًا أو محايدًا لما تعرضت له أمته من اعتداء وغزو؛ كما أنه لم يزل واقفًا في وجه الأعداء والمعتدين بشعره أو بشعره وجسده معًا، فألهب حماس الجماهير، وحث على ضرورة الصمود والمقاومة، وفضح المتقاعسين والمتخاذلين والخائنين. وكان عند اشتداد البأس، ووقوع المصائب يبعث الأمل في النفوس، ويوقد شعلة التفاؤل في استرداد الحق، والانتصار على الطغاة.
ففي العهد العثماني عندما اشتد اضطهاد الأتراك للعرب، وقف الشاعر إبراهيم اليازجي يصيح منبهًا العرب إلى ما يحيط بهم من مخاطر، ويدعوهم إلى نبذ الآمال الخادعة:
تنبّهوا واســـــــــــــتفيقوا أيّها العربُ فَقَدْ طَمَى الخطبُ حتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فــــــــــــــــيمَ التعللُ بالآمالِ تخدعُكُمْ وأنتمْ بينَ رَاحَاتِ القَنَا سـُــــــــــــــلَبُ
عندما جاء الاستعمار الفرنسي إلى سوريا ندد الشعراء بهذا الاستعمار، وأبدع أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1925 قصيدة "نكبة دمشق " التي مطلعها:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
وفيها يأسى لما حل بدمشق، ويفضح طبيعة المستعمرين وجرائمهم، ويدعو إلى مقاومتهم والحذر من أساليبهم، ويكشف عن حقيقتهم. يقول مخاطبًا دمشق: سلي من راع غيدك بعد وهن أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا قلوب كالحجارة لا ترق
ثم يأتي الاستعمار البريطاني إلى فلسطين حاملًا خططه لجعلها وطنا قوميًا لليهود، وطارحًا وعده المشؤوم، وعد بلفور، فيتصدى الشعراء العرب لهذا الخطر الأنجلوصهيوني؛ فهذا الشاعر إبراهيم طوقان في عام 1930 يخلد في قصيدته الثلاثاء الحمراء الشهداء الثلاثة: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، الذين أعدمتهم بريطانيا إثر ثورة البراق التي اندلعت بين العرب واليهود عام 1929. وفي قصيدة أخرى يدين طوقان من يفرط بأرضه ويبيعها لعدوه الصهيوني.
أعداؤنا منذ أن كانوا ( صيارفة) ونحن منذ هبطنا الأرض ( زراعُ)
لم تعكسوا آية الخلاق بل رجعت إلى اليهود بكم قربى وأطباعُ
يا بائع الأرض لم تحفل بعاقبة ولا تعلمت أن الخصم خداعُ
وفي عام 1932م يحذر الشاعر عبد الرحيم محمود من ضياع المسجد الأقصى في قصيدة تنبؤيّة يخاطب فيها الأمير سعود بن عبد العزيز عند زيارته فلسطين ومروره بقريته عنبتا، قرية الشاعر:
يا ذا الأَميرِ أَمامَ عَينِكَ شاعِرٌ ضُمَّت عَلى الشَكوى المَريرَةِ أضلُعُهْ
المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَزورُهُ أَم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ
ثم نرى الشاعر نفسه يستشهد في معركة الشجرة عام 1948 التي دارت بين العرب والحركة الصهيونية. لقد كان استشهاده ترجمة لما ورد في قصيدته المعروفة:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
وبعد النكبة يظهر شعراء المقاومة يتحدون الاحتلال من بينهم: محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد. وإثر حرب عام 1967لم يحتمل الشاعر تيسير سبول هزيمة أمته في الحرب فآثر الانسحاب من الحياة. وفي الوقت ذاته تغدو القضية الفلسطينية محطة مهمة من المحطات التي التقى الشعراء العرب حولها؛ فجاءت قصائدهم تعلي من بطولات أهلها، وترثي شهداءها، وتحث على استمرار المقاومة، ورفض الهجوم عليها كما حدث في حصار بيروت الذي يذكرنا بالشاعر علي فودة الذي استشهد أثناء الحصار، وهو صاحب قصيدة " إني اخترتك يا وطني" التي غنّاها الفنان مارسيل خليفة.
إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية
إني اخترتك يا وطني سرًّا وعلانية
إني اخترتك يا وطني
فليتنكّر لي زمني
ما دمت ستذكرني
يا وطني الرائع يا وطني
وفي الانتفاضة الأولى عام 1987 نرى نزار قباني يحيي أطفال الحجارة، وهم يتصدون لقوات العدو الإسرائيلي:
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجارة..
وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة
وفي الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى عام 2000 يشارك معظم الشعراء العرب في رثاء الطفل محمد الدرة الذي قتله الجنود الإسرائيليون في غزة، وتصدر مؤسسة البابطين للإبداع الشعري ما ورد من شعر في هذه المناسبة الأليمة في ديوان ضخم.
وعندما يأتي الأمريكيون إلى العراق يقف الشاعر العربي رافضًا هذا العدوان، ومشجعًا وداعيًا لمقاومته بأي وسيلة من الوسائل، وتنثال القصائد في تمجيد الشاب منتظر الزيدي الذي قذف الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد عام 2008، وقد أطلق على هذه القصائد قصائد الحذاء رمز الرفض والمقاومة، مثل قصيدة الشاعر محمد نصيف التي امتدح فيها مطلق الحذاء والفعل نفسه ومطلعها:
أطلقْ حذاءك تسلمْ إنه قدرُ فالقول يا قومُ ما قد قال منتظر
وحيا الشاعر عيسى العدوي صاحب الحذاء في قصيدته "تحية إلى الحذاء العربي البغدادي" مطلعها:
هذا مساء زها في ليله قمرُ بدرًا تلألأ في بغداد 'منتظَرُ
ما نريد أن نقوله في نهاية هذا المقال: إن الشاعر العربي كان له دور مهم في التصدي لأعداء أمته، وبرز دوره في كل منعطفات التاريخ عندما وقعت بلادنا العربية تحت الاحتلال الأجنبي. وقد دفع كثير من الشعراء ثمن هذا الدور من حياته ودمائه. وما زال الشاعر العربي يؤدي هذا الدور بحماس، وغيرة، ووطنية، وشجاعة.
[email protected]
د. محمد عبدالله القواسمة
يسجل للشاعر العربي في العصر الحديث أنه لم يقف موقفًا سلبيًا أو محايدًا لما تعرضت له أمته من اعتداء وغزو؛ كما أنه لم يزل واقفًا في وجه الأعداء والمعتدين بشعره أو بشعره وجسده معًا، فألهب حماس الجماهير، وحث على ضرورة الصمود والمقاومة، وفضح المتقاعسين والمتخاذلين والخائنين. وكان عند اشتداد البأس، ووقوع المصائب يبعث الأمل في النفوس، ويوقد شعلة التفاؤل في استرداد الحق، والانتصار على الطغاة.
ففي العهد العثماني عندما اشتد اضطهاد الأتراك للعرب، وقف الشاعر إبراهيم اليازجي يصيح منبهًا العرب إلى ما يحيط بهم من مخاطر، ويدعوهم إلى نبذ الآمال الخادعة:
تنبّهوا واســـــــــــــتفيقوا أيّها العربُ فَقَدْ طَمَى الخطبُ حتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فــــــــــــــــيمَ التعللُ بالآمالِ تخدعُكُمْ وأنتمْ بينَ رَاحَاتِ القَنَا سـُــــــــــــــلَبُ
عندما جاء الاستعمار الفرنسي إلى سوريا ندد الشعراء بهذا الاستعمار، وأبدع أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1925 قصيدة "نكبة دمشق " التي مطلعها:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
وفيها يأسى لما حل بدمشق، ويفضح طبيعة المستعمرين وجرائمهم، ويدعو إلى مقاومتهم والحذر من أساليبهم، ويكشف عن حقيقتهم. يقول مخاطبًا دمشق: سلي من راع غيدك بعد وهن أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا قلوب كالحجارة لا ترق
ثم يأتي الاستعمار البريطاني إلى فلسطين حاملًا خططه لجعلها وطنا قوميًا لليهود، وطارحًا وعده المشؤوم، وعد بلفور، فيتصدى الشعراء العرب لهذا الخطر الأنجلوصهيوني؛ فهذا الشاعر إبراهيم طوقان في عام 1930 يخلد في قصيدته الثلاثاء الحمراء الشهداء الثلاثة: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي، الذين أعدمتهم بريطانيا إثر ثورة البراق التي اندلعت بين العرب واليهود عام 1929. وفي قصيدة أخرى يدين طوقان من يفرط بأرضه ويبيعها لعدوه الصهيوني.
أعداؤنا منذ أن كانوا ( صيارفة) ونحن منذ هبطنا الأرض ( زراعُ)
لم تعكسوا آية الخلاق بل رجعت إلى اليهود بكم قربى وأطباعُ
يا بائع الأرض لم تحفل بعاقبة ولا تعلمت أن الخصم خداعُ
وفي عام 1932م يحذر الشاعر عبد الرحيم محمود من ضياع المسجد الأقصى في قصيدة تنبؤيّة يخاطب فيها الأمير سعود بن عبد العزيز عند زيارته فلسطين ومروره بقريته عنبتا، قرية الشاعر:
يا ذا الأَميرِ أَمامَ عَينِكَ شاعِرٌ ضُمَّت عَلى الشَكوى المَريرَةِ أضلُعُهْ
المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَزورُهُ أَم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ
ثم نرى الشاعر نفسه يستشهد في معركة الشجرة عام 1948 التي دارت بين العرب والحركة الصهيونية. لقد كان استشهاده ترجمة لما ورد في قصيدته المعروفة:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
وبعد النكبة يظهر شعراء المقاومة يتحدون الاحتلال من بينهم: محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد. وإثر حرب عام 1967لم يحتمل الشاعر تيسير سبول هزيمة أمته في الحرب فآثر الانسحاب من الحياة. وفي الوقت ذاته تغدو القضية الفلسطينية محطة مهمة من المحطات التي التقى الشعراء العرب حولها؛ فجاءت قصائدهم تعلي من بطولات أهلها، وترثي شهداءها، وتحث على استمرار المقاومة، ورفض الهجوم عليها كما حدث في حصار بيروت الذي يذكرنا بالشاعر علي فودة الذي استشهد أثناء الحصار، وهو صاحب قصيدة " إني اخترتك يا وطني" التي غنّاها الفنان مارسيل خليفة.
إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية
إني اخترتك يا وطني سرًّا وعلانية
إني اخترتك يا وطني
فليتنكّر لي زمني
ما دمت ستذكرني
يا وطني الرائع يا وطني
وفي الانتفاضة الأولى عام 1987 نرى نزار قباني يحيي أطفال الحجارة، وهم يتصدون لقوات العدو الإسرائيلي:
بهروا الدنيا..
وما في يدهم إلا الحجارة..
وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة
وفي الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى عام 2000 يشارك معظم الشعراء العرب في رثاء الطفل محمد الدرة الذي قتله الجنود الإسرائيليون في غزة، وتصدر مؤسسة البابطين للإبداع الشعري ما ورد من شعر في هذه المناسبة الأليمة في ديوان ضخم.
وعندما يأتي الأمريكيون إلى العراق يقف الشاعر العربي رافضًا هذا العدوان، ومشجعًا وداعيًا لمقاومته بأي وسيلة من الوسائل، وتنثال القصائد في تمجيد الشاب منتظر الزيدي الذي قذف الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد عام 2008، وقد أطلق على هذه القصائد قصائد الحذاء رمز الرفض والمقاومة، مثل قصيدة الشاعر محمد نصيف التي امتدح فيها مطلق الحذاء والفعل نفسه ومطلعها:
أطلقْ حذاءك تسلمْ إنه قدرُ فالقول يا قومُ ما قد قال منتظر
وحيا الشاعر عيسى العدوي صاحب الحذاء في قصيدته "تحية إلى الحذاء العربي البغدادي" مطلعها:
هذا مساء زها في ليله قمرُ بدرًا تلألأ في بغداد 'منتظَرُ
ما نريد أن نقوله في نهاية هذا المقال: إن الشاعر العربي كان له دور مهم في التصدي لأعداء أمته، وبرز دوره في كل منعطفات التاريخ عندما وقعت بلادنا العربية تحت الاحتلال الأجنبي. وقد دفع كثير من الشعراء ثمن هذا الدور من حياته ودمائه. وما زال الشاعر العربي يؤدي هذا الدور بحماس، وغيرة، ووطنية، وشجاعة.
[email protected]