تاريخياً .. لا يتحد العرب إلا بتوجيهات قوى أجنبية بقلم : حماد صبح
من يراجع تاريخ الاتحادات السياسية العربية يستقر على حقيقة واحدة ، هي أن هذه الاتحادات ، باستثناء اتحاد مصر وسوريا في 28 فبراير 1958 ، تمت بتوجيهات قوى أجنبية معادية للعرب . جامعة الدول العربية التي ظهرت في مارس 1945 كان وراءها بريطانيا لمنع ظهور اتحاد عربي حقيقي بإرادة عربية ولأهداف عربية خالصة ، ومجلس التعاون الخليجي الذي أنشىء في 25 مايو 1981 دفعت إليه أميركا وبريطانيا للثبات في وجه تأثيرات الثورة الإيرانية ، ووضعت له لافتة تمويهية بمسمى" كتلة تجارية "، ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي صار اسمها الآن منظمة التعاون الإسلامي ، دفعت أميركا إلى إنشائها للتصدي معها للاتحاد السوفيتي ؛ مستفيدة من حرق منبر صلاح الدين في المسجد الأقصي في 21 أغسطس 1969 الذي اقترفه اليهودي الأسترالي مايكل روهان ؛ توهيما بأن الهدف من إنشاء المنظمة هو الدفاع عن الأقصى . وأداء كل هذه الاتحادات الهزيل البائس حتى الآن يبين حقيقة ما أنشئت له . الجامعة العربية التي تصنف من أقدم المنظمات الجماعية الكبرى الحالية في العالم بما فيها الأمم المتحدة ؛ لا شبيه لها في فشلها ، ومؤلم ومعلوم الدور الذي قامت به في أحداث الربيع العربي الوهمي المدمر حين سوغت عدوان الناتو على ليبيا ، وتآمرت على سوريا بتجميد عضويتها فيها ، ولم تقف موقف العدل والحق والمسئولية ، النابعة من ميثاقها ، من تمويل بعض دولها للعدوان على سوريا ، ومجلس التعاون الخليجي انتهى بالعداء الحاد بين النظام السعودي والإمارات والبحرين من جهة وبين قطر من جهة أخرى ، ومنظمة التعاون الإسلامي التي زعم ظاهريا أنها أنشئت لحماية الأقصى ضمن مهام إسلامية أخرى ؛ لا تفعل شيئا للمسجد الأقصى الذي يذود عنه أهلنا المقدسيون بأيديهم القليلة وصدورهم المكشوفة للرصاص الإسرائيلي . وفي مؤتمر وارسو تكرر ما حدث سابقا مع العرب والمسلمين . أميركا وإسرائيل استهدفتا منه تأليف ناتو عربي باسم ميسا تنضم إليه إسرائيل وتشرف عليه أميركا لمحاربة إيران ، وقد يضمون إليه لاحقا دولا إسلامية . العرب في الحلف الجديد كالعادة أداة فحسب ، يمولون ويجلبون المحاربين المرتزقة ويشترون الأسلحة من أميركا وبعض الدول الغربية بالمليارات ، ويندفعون بلا عقل إلى جريمة حرب أو حالة عداء مستعصية مع دولة جارة مسلمة قاسمتنا تاريخنا قبل الإسلام وبعد الإسلام أيا كانت شوائب هذا التاريخ وتصافيه ، وقدم أبناؤها مساهمات جليلة في لغتنا وثقافتنا ومفاهيمنا السياسية للحكم وفنوننا وعمراننا ، وهم ، العرب ، يجدون في سهولة قواسم توحدهم مع أميركا وإسرائيل ، ولا يجدون أي قاسم يبعد على الأقل شرهم الأحمق عن إيران إن لم يوحدهم معها . وعلة هذا السلوك الغريب المحطم للذات أن صاحبته ليست دولا حقيقية ذات أهداف ومصالح وطنية لا تتجاوزها في كل أفعالها وتوجهاتها ، وتحدد نوعية علاقتها بالدول الأخرى . هي محميات تدفع تكلفة حمايتها لحماتها الخارجيين ، وبالدقة حماية نظمها الحاكمة القبلية ، تحديدا في الخليج . كل قبيلة تحكم في أي دولة خليجية لا يدوم حكمها ساعات لو رفعت أميركا والغرب وإسرائيل عنها الحماية ، وهو ما جاهر به ترامب ، ولم يكن أحد في حاجة لمجاهرته ، فهو أوضح من الشمس في صحو النهار . ومصر والأردن اللتان تنويان المشاركة في الحلف لا تختلفان كثيرا عن دول الخليج في روح نظامهما السياسي . لو كانت هذه الدول دولا حقيقية مالكة لإرادتها وسيادتها الوطنية ، وممثلة لشعوبها ، ومستمدة حمايتها منها ؛ ما احتاجت لحماية أميركا وإسرائيل وبقية الدول الغربية . فهذه الشعوب لا يمكن أن تحب إسرائيل ، ويستحيل أن تثق في أميركا ، ولا تميل لمعاداة إيران ، ولديها مشكلات وهموم داخلية تحثها على الانشغال بحلها ، وليس لتكوين حلف لا يستهدف سوى مصلحة من يريد تكوينه ، أي أميركا وإسرائيل .
لو كانت هذه الدول دولا حقيقية ببرلمانات تنطق باسم الشعب ، وتحدد ما يريد وما لا يريد ، ونظام قضائي مستقل ، وإعلام حر يقول عن الصواب إنه صواب ، وعن الخطأ إنه خطأ ، ويكشف عن الفساد المستفحل في كل مفاصل الدولة دون خوف من فتك حاكم متسلط مستبد ؛ لوعت أن الحروب والعداوات لا تحل كل المشكلات ، وأن دول الجوار الجغرافي لا حل بين يديها ، حتى في حالة وجود مشكلات حقيقية ، إلا التفاهم الودي السلمي الذي يحفظ مصالح وكرامة كل الأطراف . دول أوروبا تحاربت مئات السنين ، واحتلت أراضي بعضها بعضا ، ودمرت في حروبها المدن وأهلكت ملايين النفوس ، وفي النهاية تيقنت أن التفاهم الودي السلمي هو الحل الأنفع للجميع . لماذا لا تلتقط الدول العربية خاصة الخليجية عبرة التاريخ الأوروبي ؟! في الحق أنها لا تملك إرادة الاعتبار من هذا التاريخ لكون أمرها ليس في يدها ، وإنما في يد السيد الحامي لنظمها التي لم تتخط الإدراك القبلي الضيق لمفهوم المجتمع والدولة والعلاقات الدولية . وغامضٌ ما قد ينتهي إليه مشروع ميسا أو الناتو العربي الجديد ، وحديث صحيفة " وول ستريت جورنال " عن شعور عناصر الحلف بالانخفاض المفاجىء لسقف أمانيهم وتوقعاتهم ، وأن عناصره ستقنع مثلما قال أنطوني زيني الذي كلفه ترامب بتولي محادثات تكوين الحلف ب " تعزيز التعاون الإقليمي في ميدان الطاقة والتجارة " ؛ قد لا يكون الكلمة الأخيرة في شأنه ، ويؤكد هذا ما ذكرته نفس الصحيفة عن دعوة أميركا لبعض عناصره الرئيسية لاجتماع ، الأربعاء القادم ، في واشنطون لمناقشة " إنشاء مراكز تدريب ، وتحديات عسكرية أخرى " . والواضح ، في موازاة الغامض في شأن الحلف ، أن أي صيغة له لن تكون لخير أي دولة عربية ، وكل حصاده سيكون لأميركا وإسرائيل ، أليستا وراء تكوينه ؟! وألا يشبه كل الاتحادات العربية السابقة في كونه بمؤثرات قوى أجنبية معادية للعرب ، فكيف نتوقع منه الاختلاف عنها في النتائج ؟! بل المتوقع أن يكون أسوا منها بما لا يقاس .
من يراجع تاريخ الاتحادات السياسية العربية يستقر على حقيقة واحدة ، هي أن هذه الاتحادات ، باستثناء اتحاد مصر وسوريا في 28 فبراير 1958 ، تمت بتوجيهات قوى أجنبية معادية للعرب . جامعة الدول العربية التي ظهرت في مارس 1945 كان وراءها بريطانيا لمنع ظهور اتحاد عربي حقيقي بإرادة عربية ولأهداف عربية خالصة ، ومجلس التعاون الخليجي الذي أنشىء في 25 مايو 1981 دفعت إليه أميركا وبريطانيا للثبات في وجه تأثيرات الثورة الإيرانية ، ووضعت له لافتة تمويهية بمسمى" كتلة تجارية "، ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي صار اسمها الآن منظمة التعاون الإسلامي ، دفعت أميركا إلى إنشائها للتصدي معها للاتحاد السوفيتي ؛ مستفيدة من حرق منبر صلاح الدين في المسجد الأقصي في 21 أغسطس 1969 الذي اقترفه اليهودي الأسترالي مايكل روهان ؛ توهيما بأن الهدف من إنشاء المنظمة هو الدفاع عن الأقصى . وأداء كل هذه الاتحادات الهزيل البائس حتى الآن يبين حقيقة ما أنشئت له . الجامعة العربية التي تصنف من أقدم المنظمات الجماعية الكبرى الحالية في العالم بما فيها الأمم المتحدة ؛ لا شبيه لها في فشلها ، ومؤلم ومعلوم الدور الذي قامت به في أحداث الربيع العربي الوهمي المدمر حين سوغت عدوان الناتو على ليبيا ، وتآمرت على سوريا بتجميد عضويتها فيها ، ولم تقف موقف العدل والحق والمسئولية ، النابعة من ميثاقها ، من تمويل بعض دولها للعدوان على سوريا ، ومجلس التعاون الخليجي انتهى بالعداء الحاد بين النظام السعودي والإمارات والبحرين من جهة وبين قطر من جهة أخرى ، ومنظمة التعاون الإسلامي التي زعم ظاهريا أنها أنشئت لحماية الأقصى ضمن مهام إسلامية أخرى ؛ لا تفعل شيئا للمسجد الأقصى الذي يذود عنه أهلنا المقدسيون بأيديهم القليلة وصدورهم المكشوفة للرصاص الإسرائيلي . وفي مؤتمر وارسو تكرر ما حدث سابقا مع العرب والمسلمين . أميركا وإسرائيل استهدفتا منه تأليف ناتو عربي باسم ميسا تنضم إليه إسرائيل وتشرف عليه أميركا لمحاربة إيران ، وقد يضمون إليه لاحقا دولا إسلامية . العرب في الحلف الجديد كالعادة أداة فحسب ، يمولون ويجلبون المحاربين المرتزقة ويشترون الأسلحة من أميركا وبعض الدول الغربية بالمليارات ، ويندفعون بلا عقل إلى جريمة حرب أو حالة عداء مستعصية مع دولة جارة مسلمة قاسمتنا تاريخنا قبل الإسلام وبعد الإسلام أيا كانت شوائب هذا التاريخ وتصافيه ، وقدم أبناؤها مساهمات جليلة في لغتنا وثقافتنا ومفاهيمنا السياسية للحكم وفنوننا وعمراننا ، وهم ، العرب ، يجدون في سهولة قواسم توحدهم مع أميركا وإسرائيل ، ولا يجدون أي قاسم يبعد على الأقل شرهم الأحمق عن إيران إن لم يوحدهم معها . وعلة هذا السلوك الغريب المحطم للذات أن صاحبته ليست دولا حقيقية ذات أهداف ومصالح وطنية لا تتجاوزها في كل أفعالها وتوجهاتها ، وتحدد نوعية علاقتها بالدول الأخرى . هي محميات تدفع تكلفة حمايتها لحماتها الخارجيين ، وبالدقة حماية نظمها الحاكمة القبلية ، تحديدا في الخليج . كل قبيلة تحكم في أي دولة خليجية لا يدوم حكمها ساعات لو رفعت أميركا والغرب وإسرائيل عنها الحماية ، وهو ما جاهر به ترامب ، ولم يكن أحد في حاجة لمجاهرته ، فهو أوضح من الشمس في صحو النهار . ومصر والأردن اللتان تنويان المشاركة في الحلف لا تختلفان كثيرا عن دول الخليج في روح نظامهما السياسي . لو كانت هذه الدول دولا حقيقية مالكة لإرادتها وسيادتها الوطنية ، وممثلة لشعوبها ، ومستمدة حمايتها منها ؛ ما احتاجت لحماية أميركا وإسرائيل وبقية الدول الغربية . فهذه الشعوب لا يمكن أن تحب إسرائيل ، ويستحيل أن تثق في أميركا ، ولا تميل لمعاداة إيران ، ولديها مشكلات وهموم داخلية تحثها على الانشغال بحلها ، وليس لتكوين حلف لا يستهدف سوى مصلحة من يريد تكوينه ، أي أميركا وإسرائيل .
لو كانت هذه الدول دولا حقيقية ببرلمانات تنطق باسم الشعب ، وتحدد ما يريد وما لا يريد ، ونظام قضائي مستقل ، وإعلام حر يقول عن الصواب إنه صواب ، وعن الخطأ إنه خطأ ، ويكشف عن الفساد المستفحل في كل مفاصل الدولة دون خوف من فتك حاكم متسلط مستبد ؛ لوعت أن الحروب والعداوات لا تحل كل المشكلات ، وأن دول الجوار الجغرافي لا حل بين يديها ، حتى في حالة وجود مشكلات حقيقية ، إلا التفاهم الودي السلمي الذي يحفظ مصالح وكرامة كل الأطراف . دول أوروبا تحاربت مئات السنين ، واحتلت أراضي بعضها بعضا ، ودمرت في حروبها المدن وأهلكت ملايين النفوس ، وفي النهاية تيقنت أن التفاهم الودي السلمي هو الحل الأنفع للجميع . لماذا لا تلتقط الدول العربية خاصة الخليجية عبرة التاريخ الأوروبي ؟! في الحق أنها لا تملك إرادة الاعتبار من هذا التاريخ لكون أمرها ليس في يدها ، وإنما في يد السيد الحامي لنظمها التي لم تتخط الإدراك القبلي الضيق لمفهوم المجتمع والدولة والعلاقات الدولية . وغامضٌ ما قد ينتهي إليه مشروع ميسا أو الناتو العربي الجديد ، وحديث صحيفة " وول ستريت جورنال " عن شعور عناصر الحلف بالانخفاض المفاجىء لسقف أمانيهم وتوقعاتهم ، وأن عناصره ستقنع مثلما قال أنطوني زيني الذي كلفه ترامب بتولي محادثات تكوين الحلف ب " تعزيز التعاون الإقليمي في ميدان الطاقة والتجارة " ؛ قد لا يكون الكلمة الأخيرة في شأنه ، ويؤكد هذا ما ذكرته نفس الصحيفة عن دعوة أميركا لبعض عناصره الرئيسية لاجتماع ، الأربعاء القادم ، في واشنطون لمناقشة " إنشاء مراكز تدريب ، وتحديات عسكرية أخرى " . والواضح ، في موازاة الغامض في شأن الحلف ، أن أي صيغة له لن تكون لخير أي دولة عربية ، وكل حصاده سيكون لأميركا وإسرائيل ، أليستا وراء تكوينه ؟! وألا يشبه كل الاتحادات العربية السابقة في كونه بمؤثرات قوى أجنبية معادية للعرب ، فكيف نتوقع منه الاختلاف عنها في النتائج ؟! بل المتوقع أن يكون أسوا منها بما لا يقاس .