تزيجان ثقافي
------------------------------------------------
عادة؛ الحروب والثورات تُغيّر النفوس إلا عندنا. نحن كما نحن. شللية. تخندق. وإعتبار الآخر جزء من المشكلة لا الحل.
أسرّني القاص التركي محمد صبري كنج، وهو دكتور متخصص بالفلسفة من جامعة فينا، عن أبطال مجموعته القصصية المعنونة بالجذر التربيعي للحياة، بأنهم حقيقيون، من لحم ودم. اطلعني على صورهم، غالبيتهم من التزيجان، والتزيجان هم الغجر الذين تختلف تسميتهم من بلد إلى آخر، يعروفون بالتزيجان في ألمانيا وفرنسا والنمسا، و بالجبسي في دول الكومنولث والولايات المتحدة الأمريكية، وفي مصر بالزلط، وعندنا هم (النَور) أو القرباط .
(القرباط) أو (التزيجان) يعيشون حياة بوهيمية في ألمانيا، والبوهيمية في الأصل مصطلح يعود للقرن التاسع عشر اطلقه الإنكليز على نمط حياة غير تقليدية لفنانين وكتاب ومهمشين في الدول الغربية، بينما استخدمها الفرنسيون كصفة تحقير أو ازدراء لمجموعة الأشخاص التي تدعى (الغجر).
في إحدى قصصه يتحدث القاص كنج عن حلاق تركي في فينا، كانت مهمته رعاية المسنين طواعية دون أجر، و يخدم سيدتين واحدة ألمانية زوجة ضابط نازي فقدت عينًا لها في الحرب العالمية الثانية، والثانية عراقية زوجة مسؤول نجت من حرب الخليج الثانية، و يشرح كيف غيّرت الحربُ النفوسَ من خلال هاتين السيدتين .
خلال زيارتي القصيرة لألمانيا، قبل خمس سنوات من بدء الربيع العربي، اصطحبني صديق مقيم في مدينة قريبة من ميونخ إلى بيت والده المتزوج من (تيزجانية). صادفت الزيارة حضور أخوته من أبيه، كانوا في حالة سكر وابتهاج، فقال لي بأن ألمانيا تعاملهم كمضطهدين، جرى عليهم ما جرى على اليهود، تقدم لهم رعاية كاملة، يأكلون يشربون يتسكعون ولا يعملون، فالحكومة تتكفل بحياتهم وسكنهم ومعيشتهم.
بعد ثمان سنوات، أطرح على نفسي هذا السؤال لماذا لم تُغيّر الحرب غالبية السوريين الذي أًخرجوا أو خرجوا من البلاد، لا على الصعيد الاجتماعي ولا الثقافي ولا السياسي ؟
اجتماعيًا، تجد المهور عادت إلى الارتفاع، وطقوس الأعراس عادت كما هي، وكذلك المآتم، وظاهرة (الأراكيل) باتت جزء من اكسسورات الشباب، تجدهم في الحدائق العامة يفسدون الطبيعة وصفوة المكان. يمحمون بتصرفاتهم جهود وتضحياتهم أخوتهم في سبيل الحرية والعدالة والمساواة. فينبطق على هؤلاء وصف قاموس الأكاديمية الفرنسية (1932) للغجر : ”من يعيش حياة التشرد، وحياة غير منتظمة، بدون موارد مضمونة، ومن لا يقلق حيال الغد“.
وفي المقابل نجد الطبقة المفترض أن تكون صانعة قرار التغير، تعيش حياة ليس كما يصفها قاموس الكلية الأمريكية للغجري: ”شخص ذو ميول فنية أو فكرية، يعيش ويتصرف من دون أي اعتبار لقواعد السلوك التقليدية“. بل في انعزالية تامة عن القاعدة الشعبية، ، وسط انعدام رؤيا، وتجاهل تام للظروف الواقعية، وممارسة صيد عثرات وأخطاء غيرها، وتكرار ذاتها، دون طرح فكر جلي ، وبلا برنامج عمل حقيقي، ولا تملك مشروع وطني حقيقي.
تجد الندوات والمحاضرات ذات الاتجاه الواحد، تخاطب جمهورًا محددًا. تكرس الجيتوهات الفكرية. بينما انصرف البعض، كمتخصص لشرح الفضائح، ونشرها على حبل غسيل مواقع التواصل الاجتماعي.
بالعودة لصديقي الكاتب الذي يعلق على حكاية بطل قصة من قصصه، الذي وجد ميتًا مشوهًا في بيته، بأنه انتحر بعد أن أوصد الأبواب، وترك كلبه معه الذي أكل جسد صاحبه بعد جوعه وعدم تمكنه من الخروج، بأنّ التزيجان في ألمانيا يعيشيون على رواتب الدولة الألمانية ويقضون حياتهم عبثًا، مستفيدين من تعرض أسلافهم للاضطهاد.
نعيش مع كل أسف حالة (قربطة) اجتماعية ثقافية سياسية.
علاء الدين حسو
28.01.2018
------------------------------------------------
عادة؛ الحروب والثورات تُغيّر النفوس إلا عندنا. نحن كما نحن. شللية. تخندق. وإعتبار الآخر جزء من المشكلة لا الحل.
أسرّني القاص التركي محمد صبري كنج، وهو دكتور متخصص بالفلسفة من جامعة فينا، عن أبطال مجموعته القصصية المعنونة بالجذر التربيعي للحياة، بأنهم حقيقيون، من لحم ودم. اطلعني على صورهم، غالبيتهم من التزيجان، والتزيجان هم الغجر الذين تختلف تسميتهم من بلد إلى آخر، يعروفون بالتزيجان في ألمانيا وفرنسا والنمسا، و بالجبسي في دول الكومنولث والولايات المتحدة الأمريكية، وفي مصر بالزلط، وعندنا هم (النَور) أو القرباط .
(القرباط) أو (التزيجان) يعيشون حياة بوهيمية في ألمانيا، والبوهيمية في الأصل مصطلح يعود للقرن التاسع عشر اطلقه الإنكليز على نمط حياة غير تقليدية لفنانين وكتاب ومهمشين في الدول الغربية، بينما استخدمها الفرنسيون كصفة تحقير أو ازدراء لمجموعة الأشخاص التي تدعى (الغجر).
في إحدى قصصه يتحدث القاص كنج عن حلاق تركي في فينا، كانت مهمته رعاية المسنين طواعية دون أجر، و يخدم سيدتين واحدة ألمانية زوجة ضابط نازي فقدت عينًا لها في الحرب العالمية الثانية، والثانية عراقية زوجة مسؤول نجت من حرب الخليج الثانية، و يشرح كيف غيّرت الحربُ النفوسَ من خلال هاتين السيدتين .
خلال زيارتي القصيرة لألمانيا، قبل خمس سنوات من بدء الربيع العربي، اصطحبني صديق مقيم في مدينة قريبة من ميونخ إلى بيت والده المتزوج من (تيزجانية). صادفت الزيارة حضور أخوته من أبيه، كانوا في حالة سكر وابتهاج، فقال لي بأن ألمانيا تعاملهم كمضطهدين، جرى عليهم ما جرى على اليهود، تقدم لهم رعاية كاملة، يأكلون يشربون يتسكعون ولا يعملون، فالحكومة تتكفل بحياتهم وسكنهم ومعيشتهم.
بعد ثمان سنوات، أطرح على نفسي هذا السؤال لماذا لم تُغيّر الحرب غالبية السوريين الذي أًخرجوا أو خرجوا من البلاد، لا على الصعيد الاجتماعي ولا الثقافي ولا السياسي ؟
اجتماعيًا، تجد المهور عادت إلى الارتفاع، وطقوس الأعراس عادت كما هي، وكذلك المآتم، وظاهرة (الأراكيل) باتت جزء من اكسسورات الشباب، تجدهم في الحدائق العامة يفسدون الطبيعة وصفوة المكان. يمحمون بتصرفاتهم جهود وتضحياتهم أخوتهم في سبيل الحرية والعدالة والمساواة. فينبطق على هؤلاء وصف قاموس الأكاديمية الفرنسية (1932) للغجر : ”من يعيش حياة التشرد، وحياة غير منتظمة، بدون موارد مضمونة، ومن لا يقلق حيال الغد“.
وفي المقابل نجد الطبقة المفترض أن تكون صانعة قرار التغير، تعيش حياة ليس كما يصفها قاموس الكلية الأمريكية للغجري: ”شخص ذو ميول فنية أو فكرية، يعيش ويتصرف من دون أي اعتبار لقواعد السلوك التقليدية“. بل في انعزالية تامة عن القاعدة الشعبية، ، وسط انعدام رؤيا، وتجاهل تام للظروف الواقعية، وممارسة صيد عثرات وأخطاء غيرها، وتكرار ذاتها، دون طرح فكر جلي ، وبلا برنامج عمل حقيقي، ولا تملك مشروع وطني حقيقي.
تجد الندوات والمحاضرات ذات الاتجاه الواحد، تخاطب جمهورًا محددًا. تكرس الجيتوهات الفكرية. بينما انصرف البعض، كمتخصص لشرح الفضائح، ونشرها على حبل غسيل مواقع التواصل الاجتماعي.
بالعودة لصديقي الكاتب الذي يعلق على حكاية بطل قصة من قصصه، الذي وجد ميتًا مشوهًا في بيته، بأنه انتحر بعد أن أوصد الأبواب، وترك كلبه معه الذي أكل جسد صاحبه بعد جوعه وعدم تمكنه من الخروج، بأنّ التزيجان في ألمانيا يعيشيون على رواتب الدولة الألمانية ويقضون حياتهم عبثًا، مستفيدين من تعرض أسلافهم للاضطهاد.
نعيش مع كل أسف حالة (قربطة) اجتماعية ثقافية سياسية.
علاء الدين حسو
28.01.2018