
بقلم :- منى الفارس
من منا لا يعرف البويجي هذه المهنة التي كان يحترفها اناسا فقراء كانوا بأمس الحاجة للنقود اليسيرة لأعانتهم على تكاليف الحياة كنت طفلة لا اتجاوز السادسة من عمري عندما كنت برفقة والدي في سوق خان التجار في نابلس رأيت رجلا يفترش الارض ويضع امامه طاولة خشبية متدنية الارتفاع وبجانبه صندوقا يحتوي على العديد من علب ورنيش الاحذية والفراشي ريثما يقترب منه رجلا انيق الهندام يمد قدمه ويضعها امامه على الطاولة الخشبية ويبدأ ذلك الرجل بمسحه حذاء ذلك الرجل بفوطة ومن ثم يستعمل الفرشاة المغمسة بلون الورنيش المناسب لحذاء ذلك الرجل واحيانا يجلس صاحب الحذاء على كرسي ليكون مرتاحاً ولا يكلف عناء الوقوف ويكمل البويجي عمله بتلميع الحذاء بدقة وعناية وحذر من ان يلطخ الجرابات التي يلبسها صاحب الحذاء الذي يعتبر زبون مهم للبويجي ومن واجبه ان يحترمه ويبتسم في وجهة رغم انه يجلس تحت قدميه وينظف له حذائه استوقفني ذلك المنظر ولم اتزحزح من مكاني حتي اكتمل المشهد ومد صاحب الحذاء يده الى جيبه واخرج عددا من النقود المعدنية واعطها للبويجي ثمنا لهذه الخدمة وشكر البويجي صاحب الحذاء لأنه جاء لعنده ولم يذهب لغيره من البويجيه. استغربت كثيرا وتساءلت لما يقبل هذا البويجي مثل هذا العمل المهين لكرامته مقابل تلك المبالغ الضئيلة واحتقرت كذلك صاحب الحذاء الذي لم يتروع في وسع قدمية في وجه ذلك الانسان البسيط والفقير ليمسح له حذائه ويلمعه لما لا يقوم هو بنفسه بمسح حذائه وتلميعه ولما كبرت وبداءة الحياة توضح لي ان ذلك الانسان كان يعمل ومقابل عمله ياخذ اجره ، مهما كان عمله فهو لا يعتبره اذلال له وانما كان يعينه على قضاء حاجياته المعيشية فهو شرف ووسام له من ان يسرق او ينصب او يأخذ النقود مقابل ان يتنازل عن قيم ومبادئ يعتز بها .
لقد تلاشت هذه الحرفة في زماننا ربما لسبب ان انتشار علب الورنيش الحديثة وسهلة الاستعمال واصبحت في متناول جميع من يشتري حذاء واما لسبب ان الناس البسطاء تعلموا مهن اخرى افضل من هذه المهنة لجلب النقود التي تقضي حوائجهم وتحقق مصالحهم .
ولكن مهنة البويجي والتلميع لم تقف في زماننا على تلميع الاحذية وانما تعدت لتصل الى تلميع الاشخاص وتنظيفهم ليظهروا للعيان انهم قيادين وأكفاء وابطال واصبحوا البويجين الان يكسبون اجورا عاليا منها المادي ومنها المعنوي بالحصول على مسمى وظيفي ليصبح رفيقا لذلك الشخص الذي بذل جهدا كبيرا في تلميعه وإظهاره بأجمل حلة خلقية واخلاقية .
هذه مقارنة بسيطة وعميقة بين البويجي قديماً والبويجي حديثا ان القديم كان انسانا بسيطا وفقيرا ويتمتع بضمير حي يجبره على تنظيف الحذاء بدقة واستخدام ورنيش اصلي وعدم تلطيخ الجوارب والتعامل باحترام مع صاحب الحذاء كل ذلك لأنه يعمل بشرف وغايته الحصول على الاجر من ذلك الشخص الذي لا يعرف اسمه لينفقها على اولاده واسرته وقضاء حاجياته المعيشية ليعود الى اطفاله مرفوع الراس لأنه يغنيهم عن مد ايدهم لتسول او الوقوع في براثن الجوع والحرمان .
وبين البويجي في هذا الزمن الذي يتقن استخدام لسانه وترقيصه بحرفيه عالية ليرسم فيها صورة ذلك الرجل ويظهرها بحلة جميلة متألقة تدهش كل من يراها مستخدم الخدعة البصرية لكل من يراها. ربما من داخله لا يحب هذا الشخص ولا يكن له اي احترام وانما يوعد نفسه ان من يرافقه سيحصل على المكاسب المادية الكبيرة ربما مبالغ طائلة واحيانا مناصب وظيفية، وريثما ينتهي هذا البويجي من تحقيق ما اوكل اليه او تبرع هو بعمله، يبتعد ويكون قد حصل على اجرته التي اوعد بها ويقول لنفسه سياتي يوما يكتشف به الناس الصورة الحقيقية وانا مالي المهم الذي اريده حصلت عليه.
الفرق واضح ان البويجي قديما كان سعيدا يذهب الى بيته رافعا راسه امام اولاده ينام كنوم الاطفال لا يوجد ما يقض مضاجع نومه واحلامه واما الاخر لا يستطيع رفع راسه ومصارحة اولاده بما يفعل وعندما يذهب لنومه يشتهي النوم والاحلام السعيدة .
فيا بويجين هذا الزمان تخلوا عن مهنتكم وأثاروا لكرامتكم ايقظوا ضمائركم كي نحترمكم واولادكم يرفعون رؤوسهم بكم ..
من منا لا يعرف البويجي هذه المهنة التي كان يحترفها اناسا فقراء كانوا بأمس الحاجة للنقود اليسيرة لأعانتهم على تكاليف الحياة كنت طفلة لا اتجاوز السادسة من عمري عندما كنت برفقة والدي في سوق خان التجار في نابلس رأيت رجلا يفترش الارض ويضع امامه طاولة خشبية متدنية الارتفاع وبجانبه صندوقا يحتوي على العديد من علب ورنيش الاحذية والفراشي ريثما يقترب منه رجلا انيق الهندام يمد قدمه ويضعها امامه على الطاولة الخشبية ويبدأ ذلك الرجل بمسحه حذاء ذلك الرجل بفوطة ومن ثم يستعمل الفرشاة المغمسة بلون الورنيش المناسب لحذاء ذلك الرجل واحيانا يجلس صاحب الحذاء على كرسي ليكون مرتاحاً ولا يكلف عناء الوقوف ويكمل البويجي عمله بتلميع الحذاء بدقة وعناية وحذر من ان يلطخ الجرابات التي يلبسها صاحب الحذاء الذي يعتبر زبون مهم للبويجي ومن واجبه ان يحترمه ويبتسم في وجهة رغم انه يجلس تحت قدميه وينظف له حذائه استوقفني ذلك المنظر ولم اتزحزح من مكاني حتي اكتمل المشهد ومد صاحب الحذاء يده الى جيبه واخرج عددا من النقود المعدنية واعطها للبويجي ثمنا لهذه الخدمة وشكر البويجي صاحب الحذاء لأنه جاء لعنده ولم يذهب لغيره من البويجيه. استغربت كثيرا وتساءلت لما يقبل هذا البويجي مثل هذا العمل المهين لكرامته مقابل تلك المبالغ الضئيلة واحتقرت كذلك صاحب الحذاء الذي لم يتروع في وسع قدمية في وجه ذلك الانسان البسيط والفقير ليمسح له حذائه ويلمعه لما لا يقوم هو بنفسه بمسح حذائه وتلميعه ولما كبرت وبداءة الحياة توضح لي ان ذلك الانسان كان يعمل ومقابل عمله ياخذ اجره ، مهما كان عمله فهو لا يعتبره اذلال له وانما كان يعينه على قضاء حاجياته المعيشية فهو شرف ووسام له من ان يسرق او ينصب او يأخذ النقود مقابل ان يتنازل عن قيم ومبادئ يعتز بها .
لقد تلاشت هذه الحرفة في زماننا ربما لسبب ان انتشار علب الورنيش الحديثة وسهلة الاستعمال واصبحت في متناول جميع من يشتري حذاء واما لسبب ان الناس البسطاء تعلموا مهن اخرى افضل من هذه المهنة لجلب النقود التي تقضي حوائجهم وتحقق مصالحهم .
ولكن مهنة البويجي والتلميع لم تقف في زماننا على تلميع الاحذية وانما تعدت لتصل الى تلميع الاشخاص وتنظيفهم ليظهروا للعيان انهم قيادين وأكفاء وابطال واصبحوا البويجين الان يكسبون اجورا عاليا منها المادي ومنها المعنوي بالحصول على مسمى وظيفي ليصبح رفيقا لذلك الشخص الذي بذل جهدا كبيرا في تلميعه وإظهاره بأجمل حلة خلقية واخلاقية .
هذه مقارنة بسيطة وعميقة بين البويجي قديماً والبويجي حديثا ان القديم كان انسانا بسيطا وفقيرا ويتمتع بضمير حي يجبره على تنظيف الحذاء بدقة واستخدام ورنيش اصلي وعدم تلطيخ الجوارب والتعامل باحترام مع صاحب الحذاء كل ذلك لأنه يعمل بشرف وغايته الحصول على الاجر من ذلك الشخص الذي لا يعرف اسمه لينفقها على اولاده واسرته وقضاء حاجياته المعيشية ليعود الى اطفاله مرفوع الراس لأنه يغنيهم عن مد ايدهم لتسول او الوقوع في براثن الجوع والحرمان .
وبين البويجي في هذا الزمن الذي يتقن استخدام لسانه وترقيصه بحرفيه عالية ليرسم فيها صورة ذلك الرجل ويظهرها بحلة جميلة متألقة تدهش كل من يراها مستخدم الخدعة البصرية لكل من يراها. ربما من داخله لا يحب هذا الشخص ولا يكن له اي احترام وانما يوعد نفسه ان من يرافقه سيحصل على المكاسب المادية الكبيرة ربما مبالغ طائلة واحيانا مناصب وظيفية، وريثما ينتهي هذا البويجي من تحقيق ما اوكل اليه او تبرع هو بعمله، يبتعد ويكون قد حصل على اجرته التي اوعد بها ويقول لنفسه سياتي يوما يكتشف به الناس الصورة الحقيقية وانا مالي المهم الذي اريده حصلت عليه.
الفرق واضح ان البويجي قديما كان سعيدا يذهب الى بيته رافعا راسه امام اولاده ينام كنوم الاطفال لا يوجد ما يقض مضاجع نومه واحلامه واما الاخر لا يستطيع رفع راسه ومصارحة اولاده بما يفعل وعندما يذهب لنومه يشتهي النوم والاحلام السعيدة .
فيا بويجين هذا الزمان تخلوا عن مهنتكم وأثاروا لكرامتكم ايقظوا ضمائركم كي نحترمكم واولادكم يرفعون رؤوسهم بكم ..