
بسم الله الرحمن الرحيم
الإشاعة
محمود الجاف
قد يكون من السهل قتل جنود العدو وتدمير مُمتلكاته وهذا الأسلوب تتَضح مظاهرهُ وآثارهُ أمام الأعيُن . ولكن الهزيمة الحقيقة تكمُن في عملية غزو العقل . وقد يُفكر بعض العسكريون على أساس الأعمال الحربية . جنود يتقدمون أو يتقهقرون . معارك بحرية وجوية .. الخ . إلا إن نجاح اغلب العمليات يتوقف تماما على عوامل سيكولوجية . ويخضع المواطنون في النهاية لرغبات المُنتصر أيا كان .
والحرب تُشبهُ إلى حد كبير عداء المسافات الطويلة فلا أحد يستطيع القول أن رأسهُ كان السبب في الفوز أو ساقيه أو رئتيه ولكننا نستطيع الجزم إن كل أجزاءه شاركت بتحقيق هذا الإنتصار .
والإشاعة : هي خبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة التي تنتشر في المُجتمع بشكل سريع ظناً منهُم إنها صحيحة . ودائماً ما تكون شيقة ومُثيرة للفضول وتفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها وتُمثل جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها . علما أن 70% من تفاصيلها تسقط عند انتقالها من شخص إلى آخر .
ولإثارة الإشاعات أهداف ومآرب تتنوع تماشياً مع مُبتغيات مُطلقيها فمنها ما هو مادي كما حصل عندما تفجرت إشاعة مُدوية باحتواء مكائن الخياطة ( سنكر ) على مادة الزئبق الأحمر مما أدى إلى وصول أسعار هذه الخُردة إلى آلاف الدولارات وأحيانا لها أهداف سياسية تحصل في الحروب أو الأوضاع الأمنية غير الاعتيادية وتهدف إلى إرباك الطرف المعني وأحيانا من أجل اللعب واللهو فقد تحوم حول المشاهير كوفاة لاعب أو فنان وغيرها من التي يصنعها المُجتمع بنفسه خُصوصاً للأمور المُزمع أو المُترقب حدوثها .
يُرجع البعض أسباب ترديدها إلى انعدام المعلومات وندرة الأخبار ولهذا يُنصَح بضرورة تزويد الشعب بجميع الأخبار التفصيلية المُمكنة ليكن على بينة مما يدور حولهُ من أحداث تُؤثر على حياتهُ ومُستقبلهُ كما أنها تنتشر بشكل أكبر في المُجتمعات غير المُتعلمة وذلك لسهولة انطلاء الأكاذيب عليهم وقلما يُسأل عن مصدرها لتوثيق ما يُتداول من معلومات لأنهُ بيئة خصبة ومُناسبة لرواجها ومع عدم وجود الطرف المُخول بالرد الأمر الذي يزيد لهيبها ويُبعد عنها الشكوك والأقاويل علما أن انتشار وسائل الإتصالات الحديثة يُعد سببًا هامًا في تداولها حيث يتم تناقل كم هائل من المعلومات في وقت يسير وبكل سهولة . وهناك عوامل وشروط أخرى لابد من وجودها لتهيئ ظروف خلقها وترويجها أهمها توافر ( الأهمية والغموض ) والمقصود هنا أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد وغموض الأدلة الخاصة بموضوع الشائعة وغالباً ما نجدها تحتوي على جزء صغير من الأخبار أو الحقائق ولكن عند ترويجها تُحاط بأجزاء خيالية بحيث يصعب فصل الحقيقة عن الخيال .
لقد وضع ألبورت وبوستمان قانوناً للشائعة على شكل معادلة : الشائعة = الأهمية X الغموض . لقد جرت محاولات عديدة من الباحثين لتصنيفها واختلفوا حول الأسس التي يبنى عليها التقسيم فالعلاقات الاجتماعية بين الناس مُتشابكة والدوافع الذاتية مُتباينة من مُجتمع لآخر ومن هنا نرى أن من الصعب اقتراح تصنيف عام لها بحيث يمكن تطبيقه على أي مُجتمع ليكون قاعدة عملية يُعَوَل عَلَيها حَتى وإن أُعطي للباحِث أو الدارس الخيوط التي تساعدهُ في تفهُم الموضوع وذلك لاختلاف الزاوية التي يقف عندها دائماً فقد يكون مثار اهتمام الموضوع الذي تعالجة قصتها أو الدافع الذي ورائها أو معيار الزمن أو الآثار الاجتماعية في الشعب سواء كانت ضارة ، أو مفيدة ، أو سلبية ولقد حاول بيساو أن يستخدم معيار الوقت في تصنيفه للشائعات وقسمها إلى ثلاثة أنواع :
1 : الشائعة الزاحفة : وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همساً بطريقة سرية وتنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع وهذا النوع يتضمن القصص العدائية التي تُوجه ضد رجال الحكومة والمسؤولين لمُحاولة تلطيخ سمعتهُم أو القصص الزائفة التي تروج لعرقلة أي تقدم : اقتصادي ، سياسي ، اجتماعي ، ويدخل في ذلك ما يقوم به المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة تمس هذه الموضوعات مع نسخ سلسلة لا تنتهي من القصص التي يستمرون في العمل على تغذيتها واستمرار نشرها .
2 : شائعات العنف : وهذا النوع ينتشر كالنار في الهشيم ويغطي جماعة كبيرة جداً في وقت بالغ القصر كتلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب . ولأنها تبدأ بشحنة كبيرة فإنها تثير العمل الفوري لأنها تستند إلى العواطف الجياشة من : الذعر ، والغضب ، والسرور المفاجئ .
3 : الشائعات الغائصة : هي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها البيئة المناسبة ويكثر هذا النوع في القصص المُماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب والتي تصف وحشية العدو وقسوتهُ مع الأطفال والنساء .
على الرغم أن الحروب وأعمال الشغب والكوارث والأوبئة مدمرة في حد ذاتها إلا أنها تشتد إذا أضيفت إليها الشائعات وإن كنا لا نستطيع أن ندعي أنها السبب الوحيد للشغب إلا أنها تلعب دوراً مُسانداً وهاماً فيها وعند حدوثها تروج أسرع من أي وقت آخر وهي تعكس التعصب الشديد وأحياناً تكون وليدة الخيال وتتناقل عمليات تعذيب وقتل وتلبس ثوباً جنونياً يُسرع في عملية الانتقام . إن الشائعة تلعب دوراً كبيراً في التأثير على معنويات الشعب وإن اختلفت درجتها تبعاً لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها ولها آثار نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مُجتمعات كاملة إذا لم تُواجه من قِبل الأطراف الواعية وتزداد خطورتها إذا كانت هُناك جهة ما تُزيد إسعار نارها طلباً لمُبتغياتها فهي تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواب وقد يدعمها أحياناً بعض الوجهاء ورجال الدين وبانتشارها وسيطرتها على عقول الناس قد تغير في السلوكيات والتعاطي مع أمور مُعينة بالنسبة للأفراد وقد يصعب إبطالها أحياناً لتفشيها وتَشَرُب المُجتَمَع لَها .
إن كل من الجندي والمدني هدفا للحرب النفسية . كما إن العمل السيكولوجي هو الذي مكن في النهاية من حرمان العدو من إرادته في المقاومة وهو الذي يفسد المقاتل كفرد ويجعله آلة قتال غير صالحة لأنه ينتزع منه الشيء الوحيد الذي يمده بالصبر في القتال هو الأمل في الانتصار . فالجندي يشبه الدبابة التي يعلوها مدفع إذا كان يمتلئ بالأمل .
لابد من الإنتباه لهذا الجانب والاستعانة بخبراء لقيادة المعارك الإعلامية والنفسية والاستفادة من الأخطاء السابقة وملاحظة ودراسة ردود أفعال العدو وكيفية استخدامه لهذا السلاح . فليس كل ما تراه حقيقة . وما يجري خلف الكواليس اشد خطرًا وسوءًا . لكن أعيننا لاتراه وعقولنا قاصرة عن فهمه وتفسيره .
الإشاعة
محمود الجاف
قد يكون من السهل قتل جنود العدو وتدمير مُمتلكاته وهذا الأسلوب تتَضح مظاهرهُ وآثارهُ أمام الأعيُن . ولكن الهزيمة الحقيقة تكمُن في عملية غزو العقل . وقد يُفكر بعض العسكريون على أساس الأعمال الحربية . جنود يتقدمون أو يتقهقرون . معارك بحرية وجوية .. الخ . إلا إن نجاح اغلب العمليات يتوقف تماما على عوامل سيكولوجية . ويخضع المواطنون في النهاية لرغبات المُنتصر أيا كان .
والحرب تُشبهُ إلى حد كبير عداء المسافات الطويلة فلا أحد يستطيع القول أن رأسهُ كان السبب في الفوز أو ساقيه أو رئتيه ولكننا نستطيع الجزم إن كل أجزاءه شاركت بتحقيق هذا الإنتصار .
والإشاعة : هي خبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة التي تنتشر في المُجتمع بشكل سريع ظناً منهُم إنها صحيحة . ودائماً ما تكون شيقة ومُثيرة للفضول وتفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها وتُمثل جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها . علما أن 70% من تفاصيلها تسقط عند انتقالها من شخص إلى آخر .
ولإثارة الإشاعات أهداف ومآرب تتنوع تماشياً مع مُبتغيات مُطلقيها فمنها ما هو مادي كما حصل عندما تفجرت إشاعة مُدوية باحتواء مكائن الخياطة ( سنكر ) على مادة الزئبق الأحمر مما أدى إلى وصول أسعار هذه الخُردة إلى آلاف الدولارات وأحيانا لها أهداف سياسية تحصل في الحروب أو الأوضاع الأمنية غير الاعتيادية وتهدف إلى إرباك الطرف المعني وأحيانا من أجل اللعب واللهو فقد تحوم حول المشاهير كوفاة لاعب أو فنان وغيرها من التي يصنعها المُجتمع بنفسه خُصوصاً للأمور المُزمع أو المُترقب حدوثها .
يُرجع البعض أسباب ترديدها إلى انعدام المعلومات وندرة الأخبار ولهذا يُنصَح بضرورة تزويد الشعب بجميع الأخبار التفصيلية المُمكنة ليكن على بينة مما يدور حولهُ من أحداث تُؤثر على حياتهُ ومُستقبلهُ كما أنها تنتشر بشكل أكبر في المُجتمعات غير المُتعلمة وذلك لسهولة انطلاء الأكاذيب عليهم وقلما يُسأل عن مصدرها لتوثيق ما يُتداول من معلومات لأنهُ بيئة خصبة ومُناسبة لرواجها ومع عدم وجود الطرف المُخول بالرد الأمر الذي يزيد لهيبها ويُبعد عنها الشكوك والأقاويل علما أن انتشار وسائل الإتصالات الحديثة يُعد سببًا هامًا في تداولها حيث يتم تناقل كم هائل من المعلومات في وقت يسير وبكل سهولة . وهناك عوامل وشروط أخرى لابد من وجودها لتهيئ ظروف خلقها وترويجها أهمها توافر ( الأهمية والغموض ) والمقصود هنا أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد وغموض الأدلة الخاصة بموضوع الشائعة وغالباً ما نجدها تحتوي على جزء صغير من الأخبار أو الحقائق ولكن عند ترويجها تُحاط بأجزاء خيالية بحيث يصعب فصل الحقيقة عن الخيال .
لقد وضع ألبورت وبوستمان قانوناً للشائعة على شكل معادلة : الشائعة = الأهمية X الغموض . لقد جرت محاولات عديدة من الباحثين لتصنيفها واختلفوا حول الأسس التي يبنى عليها التقسيم فالعلاقات الاجتماعية بين الناس مُتشابكة والدوافع الذاتية مُتباينة من مُجتمع لآخر ومن هنا نرى أن من الصعب اقتراح تصنيف عام لها بحيث يمكن تطبيقه على أي مُجتمع ليكون قاعدة عملية يُعَوَل عَلَيها حَتى وإن أُعطي للباحِث أو الدارس الخيوط التي تساعدهُ في تفهُم الموضوع وذلك لاختلاف الزاوية التي يقف عندها دائماً فقد يكون مثار اهتمام الموضوع الذي تعالجة قصتها أو الدافع الذي ورائها أو معيار الزمن أو الآثار الاجتماعية في الشعب سواء كانت ضارة ، أو مفيدة ، أو سلبية ولقد حاول بيساو أن يستخدم معيار الوقت في تصنيفه للشائعات وقسمها إلى ثلاثة أنواع :
1 : الشائعة الزاحفة : وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همساً بطريقة سرية وتنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع وهذا النوع يتضمن القصص العدائية التي تُوجه ضد رجال الحكومة والمسؤولين لمُحاولة تلطيخ سمعتهُم أو القصص الزائفة التي تروج لعرقلة أي تقدم : اقتصادي ، سياسي ، اجتماعي ، ويدخل في ذلك ما يقوم به المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة تمس هذه الموضوعات مع نسخ سلسلة لا تنتهي من القصص التي يستمرون في العمل على تغذيتها واستمرار نشرها .
2 : شائعات العنف : وهذا النوع ينتشر كالنار في الهشيم ويغطي جماعة كبيرة جداً في وقت بالغ القصر كتلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب . ولأنها تبدأ بشحنة كبيرة فإنها تثير العمل الفوري لأنها تستند إلى العواطف الجياشة من : الذعر ، والغضب ، والسرور المفاجئ .
3 : الشائعات الغائصة : هي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها البيئة المناسبة ويكثر هذا النوع في القصص المُماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب والتي تصف وحشية العدو وقسوتهُ مع الأطفال والنساء .
على الرغم أن الحروب وأعمال الشغب والكوارث والأوبئة مدمرة في حد ذاتها إلا أنها تشتد إذا أضيفت إليها الشائعات وإن كنا لا نستطيع أن ندعي أنها السبب الوحيد للشغب إلا أنها تلعب دوراً مُسانداً وهاماً فيها وعند حدوثها تروج أسرع من أي وقت آخر وهي تعكس التعصب الشديد وأحياناً تكون وليدة الخيال وتتناقل عمليات تعذيب وقتل وتلبس ثوباً جنونياً يُسرع في عملية الانتقام . إن الشائعة تلعب دوراً كبيراً في التأثير على معنويات الشعب وإن اختلفت درجتها تبعاً لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها ولها آثار نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مُجتمعات كاملة إذا لم تُواجه من قِبل الأطراف الواعية وتزداد خطورتها إذا كانت هُناك جهة ما تُزيد إسعار نارها طلباً لمُبتغياتها فهي تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواب وقد يدعمها أحياناً بعض الوجهاء ورجال الدين وبانتشارها وسيطرتها على عقول الناس قد تغير في السلوكيات والتعاطي مع أمور مُعينة بالنسبة للأفراد وقد يصعب إبطالها أحياناً لتفشيها وتَشَرُب المُجتَمَع لَها .
إن كل من الجندي والمدني هدفا للحرب النفسية . كما إن العمل السيكولوجي هو الذي مكن في النهاية من حرمان العدو من إرادته في المقاومة وهو الذي يفسد المقاتل كفرد ويجعله آلة قتال غير صالحة لأنه ينتزع منه الشيء الوحيد الذي يمده بالصبر في القتال هو الأمل في الانتصار . فالجندي يشبه الدبابة التي يعلوها مدفع إذا كان يمتلئ بالأمل .
لابد من الإنتباه لهذا الجانب والاستعانة بخبراء لقيادة المعارك الإعلامية والنفسية والاستفادة من الأخطاء السابقة وملاحظة ودراسة ردود أفعال العدو وكيفية استخدامه لهذا السلاح . فليس كل ما تراه حقيقة . وما يجري خلف الكواليس اشد خطرًا وسوءًا . لكن أعيننا لاتراه وعقولنا قاصرة عن فهمه وتفسيره .