
*بيانُ أَصلِ الذِّكرِ والتسبيحِ*
إنّ الحمد لله سبحانه وتعالى، نحمده حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، ونُثني عليه بما هو أهله، الثناء الذي يليق بكماله وجلاله وجماله، كما أثنى على نفسه، وكما أثنى عليه نبيّه ورسوله ومُصطفاه وخير خلقه، سيّدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعد ...
إنّ خَيرَ الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات ذِكرُ الله تعالى، والتسبيح من أفضل القربات، وهو من الذكر الذي حثَّ عليه النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودلّ عليه القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب41- 43.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَلا أُنَبِّئْكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لكم مِنْ إِنفاق الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمنْ أن تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا
أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) صحيح الترمذي.
إنّ ذكر الله تعالى هو أَحبُّ الكلام إليه، ولقد دلّنا النبيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريقته في الذكر، والتسابيح التي يُحبّها، وبيّن لنا
الثواب العظيم الذي يناله المؤمن الذاكر لله تعالى بتلك الأذكاروالتسابيح، ولقد جاءنا في السنّة أذكارٌ وتسابيحٌ مقيّدة بزمنٍ مُعيّنٍ وعددٍ محدّد، وأخرى غير مقيّدة، أي مُطلقة، والمسلمون مأمورون باتّباع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أقواله وأفعاله وأحواله.
- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) رواه مسلم.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) رواه مسلم.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خُذُوا جُنَّتَكُمْ)، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟، قَالَ: (لَا ؛ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهَا يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنْجِيَاتٍ،
وَمُقَدَّمَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) أخرجه النسائي.
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ). قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْمِلَّةُ). قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!؟ قَالَ:(التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا
بِاللَّهِ) أخرجه أحمد في مسنده.
والباقيات الصالحات وَرَد ذكرها في القرآن الكريم، وبيّن لنا الله تعالى أنها خيرٌ ثوابًا، وخيرٌ أملًا، وخيرٌ مَردًّا. قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ
رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف 46. وقال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌعِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا) مريم76.
ولقد وردت في السنّة أحاديث صحيحة تُبيّن فضل الذكر بالباقيات الصالحات، وسَنّ لنا النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرْدًا يوميًّا من هذه الكلمات المباركات (صباحًا ومساءًا، ودُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبة، وعند النوم)، بيّناه في كتابنا (الطريقة المحمدية للذكر والتسبيح)، الذي أجازه لنا الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الجمهورية التونسية، والشيخ الطيّب الغُزِّي إمام وخطيب جامع عقبة بن نافع بالقيروان - تونس.
إنّ الطريقة الـمُحمّديّة للذكر والتسبيح، طريقةُ سيّد الخلقِ وإمامِ المهتدين والأولياء الصالحين، ولا تُنسب إلّا إليه، فهي من أحاديثه الصحيحة الصريحة التي وفقنا الله تعالى بفضله وكرمه إلى جمعها وترتيبها وتقديمها في هذا الكتاب لبيان فائدة الذكر والتسبيح بالطريقة الصحيحة الواردة عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إنّ أفضلَ مُعلِّمٍ، وأعظم قدوةٍ، وخير مُربِّي للناس، هو الرحمة المهداة، والنعمة المُسداة، سيّدنا ونبيّنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي
أمرنا ربّنا سبحانه وتعالى بطاعته، واتّباعـه والاقتداء به، قال تعالى:
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب 21.
وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُالْعِقَابِ﴾الحشر7.
إنّ أساس الذكروالتسبيح وضعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبنص أحاديثه الصحيحة الصريحة، والأصل والأساس للذكر والتسبيح هو وِرْدُ النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سَنّه للمؤمنين، ولا بديل عنه، ولا
يُعقل تفضيل وِرْدٍ آخر، أو تقديمه على وِرْدِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ آل عمران 31.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
الأنفال24.
قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ النساء 80.
قال تعالى:﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ النور54.
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ النور56.
ولقد بيّن لنا النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدة عظيمة في التوجّه
إلى الله تعالى بالدعاء، والدعاء عبادة، وذِكْرُ اللهِ تعالى وتسبيحه عبادة، يتوجّه المؤمن بها إلى الله تعالى راغبًا قُرْبَهُ وَوِلَايَتَهُ وحِفْظَه وَرِعَايته، فوجب على المؤمنين اتّباع هذه القاعدة في الدعاء والذكر.
- عَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلَ
هَذَا)، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ -: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ) حديث صحيح رواه أبوداود والترمذي.
وإنّ أفضلَ ثناءٍ وتمجيدٍ للهِ هو بالكلام الذي يُحبُّه سبحانه وتعالى،
ويُعَدُّ التّسبيح بالباقيات الصالحات إظهارٌ لتوحيد الله تعالى، وتمجيده، وتنزيهه عمّا لا يليق بجلاله، وحمده لكمال ذاته وصفاته، وذلك من أعظم ما أثنى به الله سبحانه وتعالى على نفسه، وهو أحب الكلام إليه، ثم الصّلاة والسّلام على النبيّ المختارالذي صلّى الله عليه في عُلاه، ثم الاستغفار- وهو دعاء -.
إنّ الله تعالى أمر المؤمنين بنشر الدعوة إليه كلٌّ على قدر عِلْمه: قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف 108.
ولقد حثّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتباعه على التبليغ عنه، ولو
آية:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري.
ولقد دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن سَمِع مقالته فوعاها
وحَفِظَها وبَلَّغَها:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ
مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) رواه الترمذي. أي جَمّل اللهُ وحَسّن اللهُ مؤمنًا سمع مقالة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حديثًا فحفظه ووعاه وفهمه، ولم يقف عند ذلك بل بلّغه للناس، بل أسمعه، بل كتبه، بل نشره. هذا المؤمن مُبَشَّرٌ من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنضارة والحُسْنِ والجمال، وأيُّ جمالٍ وأيُّ حُسْنٍ أفضل من جَمالِ الدين، وجَمَال الإيمان، ومحبّة النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن رجب رحمه الله في "الحِكَم
الجديرة بالإذاعة ص34":) فالواجبُ على كلِّ مَن بلَغه أمرُ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرَفه أن يُبيِّنه للأمّة، وينصح لهم، ويأمرهم باتّباع أمره، وإن خالف ذلك رأيَ عظيمٍ من الأمة ؛ فإنّ أَمْرَ رسول اللهِ أحقُّ أن يُعَظَّم ويُقتَدي به مِن رأي أيِّ مُعَظَّمٍ قد خالف أمْرَه في بعض الأشياء خطأً، ومِن هنا ردَّ الصحابة ومَن بعدهم على كُلِّ مخالفِ سنَّةٍ صحيحة، وربَّما أغلظوا في الردِّ لا بُغضًا له؛ بل هو محبُوبٌ عندهم، مُعظَّمٌ في نفوسهم، لكن رسول الله أحبُّ إليهم، وأَمْرُه فوق أَمْرِ كُلِّ مخلوقٍ، فإذا تعارض أمرُ رسولِ اللهِ وأمرُ غَيْره فأمرُ الرسول أَوْلَى أن يُقدَّم ويُتَّبَع، ولا يَمنع من ذلك تعظيمُ مَن خالف أَمْره وإن كان مغفورًا له، بل
ذلك المُخَالِف المغفور له لا يَكرَه أن يُخالَفَ أَمْرُه إذا ظهر أمرُ الرسول بخِلافِه) اهـ.
عَنْ مَعْنِ بْنُ عِيسَى ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ،
يَقُول:) إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أُخْطِئُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي، فَكُلَّمَا
وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلَّمَا لَمْ يُوَافِقِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَاتْرُكُوهُ) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر- باب معرفة أصول العلم وحقيقته - رقم الحديث (891).
وفي كتاب "إعلام الموقعين 1/6" لابن القيّم رحمه الله: (قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ
اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ) اهـ.
وفي الرسالة القشيرية: قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله : (الطُّرُق كلها مَسدودةٌ على الخَلْقِ إلّا من اقتفى أثر الرسولِ عليه الصَّلاةِ والسَّلام .. مَذْهبنا هذا مقيّدٌ بأصولِ الكتابِ والسُنّة .. عِلْمُنا هذا مُشيّدٌ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ.
إنّ خير الأعمال ذكر الله تعالى، وخير الذكر ما ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذكر والتسبيح عبادة عظيمة يغفل عنها الكثير، استحوذ الشيطان على طائفةٍ فأنساهم ذكر الله فخسروا وأصبحوا من حزبه، قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ المجادلة 19. وتكاسلت طائفةٌ عن الذكر، وراءُوا فدخلوا في النفاق، قال تعالى:﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ النساء 142. وسبقت طائفةٌ واشتغلوا
بالذكر الكثير، وكثرة الصّلاة والسّلام على النبيّ، فسَمَت أرواحُهُم، وحفّتهم الأنوار، فأحبُّوا حتى صاروا محبوبين، وهم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، فهم في المعيّة، وهم أهل الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللهَ -عزّ وجلّ- إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ؛ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: (سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا،
وَالذَّاكِرَاتُ) رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّت) صحيح البخاري.
قال ابن القيّم رحمه الله - كتاب مدارج السالكين (2/ 395- 396): (وَالذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوِلَايَةِ الَّذِي مِنْ أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ وَمَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ، وَبِالذِّكْرِ يَصْرُعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. وَهُوَ جَلَاءُ الْقُلُوبِ وَصِقَالُهَا وَدَوَاؤُهَا إِذَا غَشِيَهَا اعْتِلَالُهَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الذَّاكِرُ فِي ذِكْرِهِ اسْتِغْرَاقًا، ازْدَادَ الْمَذْكُورُ
مَحَبَّةً إِلَى لِقَائِهِ وَاشْتِيَاقًا، وَإِذَا وَاطَأَ فِي ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسَانِهِ، نَسِيَ فِي جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. بِهِ يَزُولُ الْوَقْرُ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَالْبَكَمُ عَنِ الْأَلْسُنِ،
وَتَنْقَشِعُ الظُّلْمَةُ عَنِ الْأَبْصَارِ، زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. وَهُوَ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صَرَعَهُ كَمَا يَصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا
مِنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُونَ: مَا لِهَذَا؟ فَيُقَالُ: قَدْ مَسَّهُ الْإِنْسِيُّ. وَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ عَنِ الذِّكْرِ كَانَ كَالْجَسَدِ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ) اهـ.
قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ هود 88.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى سَيّدنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَمَنْ اتَبِعَ هداه وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وعلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ، وما أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْررْتُ، ومَا أَعلَنْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى،
وَالتُّقَى، وَالْعفافَ، والْغِنَى. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَات. اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَاهْدِ بِنَا، وَانْصُرْنَا وَانْصُرْ
بِنَا، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. اللَّهُمَّ أَعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْغَافِلِينَ. اللَّهُمّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ الصّادِقِ الأَمِين سيّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ .. آمِينْ. والحمدُ لله ربِّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
الحبيب خميس محمد بوخريص
[email protected]
إنّ الحمد لله سبحانه وتعالى، نحمده حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، ونُثني عليه بما هو أهله، الثناء الذي يليق بكماله وجلاله وجماله، كما أثنى على نفسه، وكما أثنى عليه نبيّه ورسوله ومُصطفاه وخير خلقه، سيّدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعد ...
إنّ خَيرَ الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات ذِكرُ الله تعالى، والتسبيح من أفضل القربات، وهو من الذكر الذي حثَّ عليه النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودلّ عليه القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب41- 43.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَلا أُنَبِّئْكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لكم مِنْ إِنفاق الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَمنْ أن تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا
أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) صحيح الترمذي.
إنّ ذكر الله تعالى هو أَحبُّ الكلام إليه، ولقد دلّنا النبيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على طريقته في الذكر، والتسابيح التي يُحبّها، وبيّن لنا
الثواب العظيم الذي يناله المؤمن الذاكر لله تعالى بتلك الأذكاروالتسابيح، ولقد جاءنا في السنّة أذكارٌ وتسابيحٌ مقيّدة بزمنٍ مُعيّنٍ وعددٍ محدّد، وأخرى غير مقيّدة، أي مُطلقة، والمسلمون مأمورون باتّباع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أقواله وأفعاله وأحواله.
- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) رواه مسلم.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) رواه مسلم.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خُذُوا جُنَّتَكُمْ)، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟، قَالَ: (لَا ؛ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهَا يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنْجِيَاتٍ،
وَمُقَدَّمَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) أخرجه النسائي.
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ). قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْمِلَّةُ). قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!؟ قَالَ:(التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا
بِاللَّهِ) أخرجه أحمد في مسنده.
والباقيات الصالحات وَرَد ذكرها في القرآن الكريم، وبيّن لنا الله تعالى أنها خيرٌ ثوابًا، وخيرٌ أملًا، وخيرٌ مَردًّا. قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ
رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف 46. وقال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌعِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا) مريم76.
ولقد وردت في السنّة أحاديث صحيحة تُبيّن فضل الذكر بالباقيات الصالحات، وسَنّ لنا النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرْدًا يوميًّا من هذه الكلمات المباركات (صباحًا ومساءًا، ودُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبة، وعند النوم)، بيّناه في كتابنا (الطريقة المحمدية للذكر والتسبيح)، الذي أجازه لنا الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الجمهورية التونسية، والشيخ الطيّب الغُزِّي إمام وخطيب جامع عقبة بن نافع بالقيروان - تونس.
إنّ الطريقة الـمُحمّديّة للذكر والتسبيح، طريقةُ سيّد الخلقِ وإمامِ المهتدين والأولياء الصالحين، ولا تُنسب إلّا إليه، فهي من أحاديثه الصحيحة الصريحة التي وفقنا الله تعالى بفضله وكرمه إلى جمعها وترتيبها وتقديمها في هذا الكتاب لبيان فائدة الذكر والتسبيح بالطريقة الصحيحة الواردة عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إنّ أفضلَ مُعلِّمٍ، وأعظم قدوةٍ، وخير مُربِّي للناس، هو الرحمة المهداة، والنعمة المُسداة، سيّدنا ونبيّنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي
أمرنا ربّنا سبحانه وتعالى بطاعته، واتّباعـه والاقتداء به، قال تعالى:
﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب 21.
وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُالْعِقَابِ﴾الحشر7.
إنّ أساس الذكروالتسبيح وضعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبنص أحاديثه الصحيحة الصريحة، والأصل والأساس للذكر والتسبيح هو وِرْدُ النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سَنّه للمؤمنين، ولا بديل عنه، ولا
يُعقل تفضيل وِرْدٍ آخر، أو تقديمه على وِرْدِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ آل عمران 31.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
الأنفال24.
قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ النساء 80.
قال تعالى:﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ النور54.
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ النور56.
ولقد بيّن لنا النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدة عظيمة في التوجّه
إلى الله تعالى بالدعاء، والدعاء عبادة، وذِكْرُ اللهِ تعالى وتسبيحه عبادة، يتوجّه المؤمن بها إلى الله تعالى راغبًا قُرْبَهُ وَوِلَايَتَهُ وحِفْظَه وَرِعَايته، فوجب على المؤمنين اتّباع هذه القاعدة في الدعاء والذكر.
- عَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلَ
هَذَا)، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ -: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ) حديث صحيح رواه أبوداود والترمذي.
وإنّ أفضلَ ثناءٍ وتمجيدٍ للهِ هو بالكلام الذي يُحبُّه سبحانه وتعالى،
ويُعَدُّ التّسبيح بالباقيات الصالحات إظهارٌ لتوحيد الله تعالى، وتمجيده، وتنزيهه عمّا لا يليق بجلاله، وحمده لكمال ذاته وصفاته، وذلك من أعظم ما أثنى به الله سبحانه وتعالى على نفسه، وهو أحب الكلام إليه، ثم الصّلاة والسّلام على النبيّ المختارالذي صلّى الله عليه في عُلاه، ثم الاستغفار- وهو دعاء -.
إنّ الله تعالى أمر المؤمنين بنشر الدعوة إليه كلٌّ على قدر عِلْمه: قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف 108.
ولقد حثّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتباعه على التبليغ عنه، ولو
آية:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري.
ولقد دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن سَمِع مقالته فوعاها
وحَفِظَها وبَلَّغَها:
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ
مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) رواه الترمذي. أي جَمّل اللهُ وحَسّن اللهُ مؤمنًا سمع مقالة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حديثًا فحفظه ووعاه وفهمه، ولم يقف عند ذلك بل بلّغه للناس، بل أسمعه، بل كتبه، بل نشره. هذا المؤمن مُبَشَّرٌ من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنضارة والحُسْنِ والجمال، وأيُّ جمالٍ وأيُّ حُسْنٍ أفضل من جَمالِ الدين، وجَمَال الإيمان، ومحبّة النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن رجب رحمه الله في "الحِكَم
الجديرة بالإذاعة ص34":) فالواجبُ على كلِّ مَن بلَغه أمرُ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرَفه أن يُبيِّنه للأمّة، وينصح لهم، ويأمرهم باتّباع أمره، وإن خالف ذلك رأيَ عظيمٍ من الأمة ؛ فإنّ أَمْرَ رسول اللهِ أحقُّ أن يُعَظَّم ويُقتَدي به مِن رأي أيِّ مُعَظَّمٍ قد خالف أمْرَه في بعض الأشياء خطأً، ومِن هنا ردَّ الصحابة ومَن بعدهم على كُلِّ مخالفِ سنَّةٍ صحيحة، وربَّما أغلظوا في الردِّ لا بُغضًا له؛ بل هو محبُوبٌ عندهم، مُعظَّمٌ في نفوسهم، لكن رسول الله أحبُّ إليهم، وأَمْرُه فوق أَمْرِ كُلِّ مخلوقٍ، فإذا تعارض أمرُ رسولِ اللهِ وأمرُ غَيْره فأمرُ الرسول أَوْلَى أن يُقدَّم ويُتَّبَع، ولا يَمنع من ذلك تعظيمُ مَن خالف أَمْره وإن كان مغفورًا له، بل
ذلك المُخَالِف المغفور له لا يَكرَه أن يُخالَفَ أَمْرُه إذا ظهر أمرُ الرسول بخِلافِه) اهـ.
عَنْ مَعْنِ بْنُ عِيسَى ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ،
يَقُول:) إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أُخْطِئُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي، فَكُلَّمَا
وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلَّمَا لَمْ يُوَافِقِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَاتْرُكُوهُ) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر- باب معرفة أصول العلم وحقيقته - رقم الحديث (891).
وفي كتاب "إعلام الموقعين 1/6" لابن القيّم رحمه الله: (قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ
اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ) اهـ.
وفي الرسالة القشيرية: قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله : (الطُّرُق كلها مَسدودةٌ على الخَلْقِ إلّا من اقتفى أثر الرسولِ عليه الصَّلاةِ والسَّلام .. مَذْهبنا هذا مقيّدٌ بأصولِ الكتابِ والسُنّة .. عِلْمُنا هذا مُشيّدٌ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ.
إنّ خير الأعمال ذكر الله تعالى، وخير الذكر ما ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذكر والتسبيح عبادة عظيمة يغفل عنها الكثير، استحوذ الشيطان على طائفةٍ فأنساهم ذكر الله فخسروا وأصبحوا من حزبه، قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ المجادلة 19. وتكاسلت طائفةٌ عن الذكر، وراءُوا فدخلوا في النفاق، قال تعالى:﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ النساء 142. وسبقت طائفةٌ واشتغلوا
بالذكر الكثير، وكثرة الصّلاة والسّلام على النبيّ، فسَمَت أرواحُهُم، وحفّتهم الأنوار، فأحبُّوا حتى صاروا محبوبين، وهم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، فهم في المعيّة، وهم أهل الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللهَ -عزّ وجلّ- إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ؛ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: (سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا،
وَالذَّاكِرَاتُ) رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّت) صحيح البخاري.
قال ابن القيّم رحمه الله - كتاب مدارج السالكين (2/ 395- 396): (وَالذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوِلَايَةِ الَّذِي مِنْ أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ وَمَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ، وَبِالذِّكْرِ يَصْرُعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. وَهُوَ جَلَاءُ الْقُلُوبِ وَصِقَالُهَا وَدَوَاؤُهَا إِذَا غَشِيَهَا اعْتِلَالُهَا، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الذَّاكِرُ فِي ذِكْرِهِ اسْتِغْرَاقًا، ازْدَادَ الْمَذْكُورُ
مَحَبَّةً إِلَى لِقَائِهِ وَاشْتِيَاقًا، وَإِذَا وَاطَأَ فِي ذِكْرِهِ قَلْبُهُ لِلِسَانِهِ، نَسِيَ فِي جَنْبِ ذِكْرِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. بِهِ يَزُولُ الْوَقْرُ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَالْبَكَمُ عَنِ الْأَلْسُنِ،
وَتَنْقَشِعُ الظُّلْمَةُ عَنِ الْأَبْصَارِ، زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. وَهُوَ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صَرَعَهُ كَمَا يَصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا
مِنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُونَ: مَا لِهَذَا؟ فَيُقَالُ: قَدْ مَسَّهُ الْإِنْسِيُّ. وَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِذَا خَلَا الْعَمَلُ عَنِ الذِّكْرِ كَانَ كَالْجَسَدِ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ) اهـ.
قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ هود 88.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى سَيّدنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَمَنْ اتَبِعَ هداه وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وعلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ، وما أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْررْتُ، ومَا أَعلَنْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى،
وَالتُّقَى، وَالْعفافَ، والْغِنَى. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَات. اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَاهْدِ بِنَا، وَانْصُرْنَا وَانْصُرْ
بِنَا، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. اللَّهُمَّ أَعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْغَافِلِينَ. اللَّهُمّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ الصّادِقِ الأَمِين سيّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ .. آمِينْ. والحمدُ لله ربِّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
الحبيب خميس محمد بوخريص
[email protected]