
لما تكبر بترتاح ...
كنا صغار نلهو بالشارع ، نحلم بركوب الدراجة قبل إمتلاكها .
و كان البحر بعيداً عنا و الذهاب إليه يحتاج إلى الكثير من التخطيط ، و الوصول إليه صعب ، فالخوف دائماً علينا أن نغرق .
الطريق إلى المدرسة جميل و العودة إلى البيت أجمل ، و جمعة الأصدقاء فيها كل الجمال ، و بساطة الحياة هي من هونت علينا قلة الحال ، فقد عمت البركة على الجميع بقدر ما نزعت من حاضر أيامنا .
كنا ننتظر أن نكبر لنلقي بأقلام الرصاص ، و نكتب بالحبر الأزرق ، و كان جميلاً أن نقتني القلم الملون ، فنحن نسعى أن نكبر و ننتقل لمرحلة الحرية في الخروج و السهر ، فحين نكبر سوف نتحرر من العديد من القيود البيتية و نرتاح .
كبرنا كثيراً و سمعنا أننا ما بعد الثانوية سوف نرتاح ، فما قبلها الكثير من الشقاء و العديد من الذكريات ، و كانت أثقال الدراسة كبيرة ، و تحدث الكثير لنا بالنصح بأننا سوف نرتاح حين نكبر و ننهى تلك الدراسة ، و حقاً قد حصلنا على قسط من الراحة ، و تنقلنا سريعاً بين الفصول الدراسية ، و التي حملت الكثير من الذكريات ، و حدثونا عن تلك الراحة و التي سوف نحصل عليها بعد تلك الرحلة ، فالعمل في إنتظارنا و إن لم تكن الوظيفة .
توظفنا و عملنا لنجمع المال ، لنتزوج و نبني البيت و نرتاح ، و قد كان لنا ما سعينا ، فقد حدثونا كثيراً أن ما بعد الزواج سوف نستقل و نرتاح .
تزوجنا وفق العادات و التقاليد ، و فرح الكثير لنا ، و قد حصل العروسين على قسط بسيط من الفرح ، و قالو لنا ما بعد الفرح سوف نرتاح .
و بين قسوة الظروف و متطلبات البيت كان لنا الكثير من العناء ، و مشوار طويل من معاناة تربية الأبناء ، و مراحل تعليمهم ، وصولاً لزواجهم ، و هنا فقدنا الكثير من عافية الجسد المترهل أصلاً من تلك السنين ، و رسمت خطوط الكبر على أجسادنا ، و قد حدثونا أننا سوف نرتاح بعد تعليمهم و زواجهم ، و قد كان لنا ما يبدو .
كبرت الأسرة الصغيرة و تعددت مشاكلها ، و لابد من أن يستقل كل من أفرادها ليرتاحوا و نرتاح ، و أن يقسم الميراث و يأخذ كلٌ حقه ليرتاح ، و بعد مماتنا نرتاح ، و قد وصلنا لنهاية الحياة و تفرق الجمع و بعثرت كل الذكريات ، و كان لنا في الموت حقٌ ، و قد تحدثوا عنا بعد الممات و قالو : " ربنا يرحمه مات و إرتاح " .
هي صورة عن تركيبة الحياة في غزة ، روتين سريع من الصراع ما بين تلك الشخصية الغزية ، التي شكلت الصراعات و الحروب و الإنقسام و الفقر و العادات و التقاليد شكلها ، و بين تلك الحياة التي ينقصها كل شئ ، و بين تلك السطور و الكلمات يكمن الحب و المودة ، و الصداقة ، الإجتماعيات .
تسير الحياة بأطيافها بستر الله ، و يسير الفرد وفق منظومة إجتماعية و إقتصادية معقدة ، قد يعجز العلماء عن تفسير طريقة تأقلم الأفراد فيها وفق ضبابية الظروف السياسية .
و يكبر فيها الجميع في كل مرة ليرتاحوا من ظروف دوماً تلاحقهم بكل التفاصيل ، و يحاول الكل أن يسترق بعضاً من اللحظات الجميلة ، لتبقى عالقة ، يستذكرها عند كل ألم ، و يبقى الأمل في الله أن يعوضنا بجناته ، ليترحم علينا من قالوا دوماً عن لما يكبر بيرتاح ، و لما مات إرتاح .
نهاد الحناوي .
كنا صغار نلهو بالشارع ، نحلم بركوب الدراجة قبل إمتلاكها .
و كان البحر بعيداً عنا و الذهاب إليه يحتاج إلى الكثير من التخطيط ، و الوصول إليه صعب ، فالخوف دائماً علينا أن نغرق .
الطريق إلى المدرسة جميل و العودة إلى البيت أجمل ، و جمعة الأصدقاء فيها كل الجمال ، و بساطة الحياة هي من هونت علينا قلة الحال ، فقد عمت البركة على الجميع بقدر ما نزعت من حاضر أيامنا .
كنا ننتظر أن نكبر لنلقي بأقلام الرصاص ، و نكتب بالحبر الأزرق ، و كان جميلاً أن نقتني القلم الملون ، فنحن نسعى أن نكبر و ننتقل لمرحلة الحرية في الخروج و السهر ، فحين نكبر سوف نتحرر من العديد من القيود البيتية و نرتاح .
كبرنا كثيراً و سمعنا أننا ما بعد الثانوية سوف نرتاح ، فما قبلها الكثير من الشقاء و العديد من الذكريات ، و كانت أثقال الدراسة كبيرة ، و تحدث الكثير لنا بالنصح بأننا سوف نرتاح حين نكبر و ننهى تلك الدراسة ، و حقاً قد حصلنا على قسط من الراحة ، و تنقلنا سريعاً بين الفصول الدراسية ، و التي حملت الكثير من الذكريات ، و حدثونا عن تلك الراحة و التي سوف نحصل عليها بعد تلك الرحلة ، فالعمل في إنتظارنا و إن لم تكن الوظيفة .
توظفنا و عملنا لنجمع المال ، لنتزوج و نبني البيت و نرتاح ، و قد كان لنا ما سعينا ، فقد حدثونا كثيراً أن ما بعد الزواج سوف نستقل و نرتاح .
تزوجنا وفق العادات و التقاليد ، و فرح الكثير لنا ، و قد حصل العروسين على قسط بسيط من الفرح ، و قالو لنا ما بعد الفرح سوف نرتاح .
و بين قسوة الظروف و متطلبات البيت كان لنا الكثير من العناء ، و مشوار طويل من معاناة تربية الأبناء ، و مراحل تعليمهم ، وصولاً لزواجهم ، و هنا فقدنا الكثير من عافية الجسد المترهل أصلاً من تلك السنين ، و رسمت خطوط الكبر على أجسادنا ، و قد حدثونا أننا سوف نرتاح بعد تعليمهم و زواجهم ، و قد كان لنا ما يبدو .
كبرت الأسرة الصغيرة و تعددت مشاكلها ، و لابد من أن يستقل كل من أفرادها ليرتاحوا و نرتاح ، و أن يقسم الميراث و يأخذ كلٌ حقه ليرتاح ، و بعد مماتنا نرتاح ، و قد وصلنا لنهاية الحياة و تفرق الجمع و بعثرت كل الذكريات ، و كان لنا في الموت حقٌ ، و قد تحدثوا عنا بعد الممات و قالو : " ربنا يرحمه مات و إرتاح " .
هي صورة عن تركيبة الحياة في غزة ، روتين سريع من الصراع ما بين تلك الشخصية الغزية ، التي شكلت الصراعات و الحروب و الإنقسام و الفقر و العادات و التقاليد شكلها ، و بين تلك الحياة التي ينقصها كل شئ ، و بين تلك السطور و الكلمات يكمن الحب و المودة ، و الصداقة ، الإجتماعيات .
تسير الحياة بأطيافها بستر الله ، و يسير الفرد وفق منظومة إجتماعية و إقتصادية معقدة ، قد يعجز العلماء عن تفسير طريقة تأقلم الأفراد فيها وفق ضبابية الظروف السياسية .
و يكبر فيها الجميع في كل مرة ليرتاحوا من ظروف دوماً تلاحقهم بكل التفاصيل ، و يحاول الكل أن يسترق بعضاً من اللحظات الجميلة ، لتبقى عالقة ، يستذكرها عند كل ألم ، و يبقى الأمل في الله أن يعوضنا بجناته ، ليترحم علينا من قالوا دوماً عن لما يكبر بيرتاح ، و لما مات إرتاح .
نهاد الحناوي .