إسهامات علماء المسلمين في الطب النفسي
الأستاذة: باسمة نعيم اسليم
غزة - فلسطين
اهتم الإسلام بالإنسان ككل متكامل تتداخل فيه عناصر المادة والروح التي قد تمرض كما يمرض الجسد تمامًا بل قد تكون سببًا في علة الجسد مما يجعلها تحتاج إلى علاج نفسي يصلح حالها وبه يستقيم أمرها.
وقد مر العلاج النفسي عبر التاريخ بمراحل مختلفة فكانت البداية مع المجتمعات البدائية والتي كانت تعالج المرض النفسي ، حسب الأسباب التي اُعتقد أنها أدت إليه، فقد كانوا يعتقدون بوجود نوع من المس يصيب المريض العقلي، ولذلك اتسمت معاملتهم بالقسوة والعنف فكانوا يصفدون بالأغلال وتكوى أجسادهم بالنار.
أما في العصور الرومانية واليونانية فكانوا يعتقدون بتقمص الأرواح الشريرة لجسد المريض النفسي فكانوا يعاملون أسوأ أنواع المعاملة وقد عارض بعض أطباء تلك العصور هذه المعاملة أمثال أبقراط ،وجالينوس، وسورانوس وبدأ العلاج بالصلوات والمياه المقدسة وبصاق الكهنة ثم تطور ليشمل أقذع العبارات بقصد الإساءة للشيطان الذي يتقمص جسد المريض حسب اعتقادهم ثم بدأت الدعوة إلى استخدام العنف مع المريض عقاباً للشيطان المستوطن فيه فصار المريض يضرب بالسلاسل الحديدية، ويغطس بالماء المغلي وغيرها من الوسائل واستمر الحال كذلك في العصور الوسطى في الغرب.
ثم تطورت معتقدات المس في نهاية القرن الخامس عشر فصنف المرض على نوعين:
أ- مس قسري يمثل عقاب الله تعالى على خطيئته.
ب- مس إرادي يعاقب فيه الفرد الشيطان فيصنف المريض على أنه من فئة حلفاء الشيطان فيتم تعذيبه بوحشية حتى يتم انتزاع اعتراف منه ثم يتم قتله بالحرق، أو الرجم.
أما في العالم الإسلامي قد أسهم الإسلام بنظامه المتكامل الشامل المنظِّم للحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، في تقويم نظرة الناس إلى النفس البشرية، وأشار إلى شيء من أسرارها وخباياها.
ولقد احتوى القرآن الكريم على وصف موجَز لطبائع النفوس ووسائل علاجها، وكشف للإنسان عن بعض أسرار نفسه وأسرار الكون من حوله، ودعاه إلى دراسة هذه وتلك، ليعرف ويتعلَّم، ومِن ثَمَّ يتجه الاتجاه الصحيح، كما أضافت السُّنَّة النَّبويَّة كثيرًا، وفصَّلت ما ذكره القرآن مُجمَلاً في هذا المجال.
وقد حمل المسلمون مشعل العلم، وبلغوا ذروته، واستطاعوا نقل التراث الشرقي القديم إليهم وقاموا بترتيب وإثراء هذه العلوم حتى أصبح لدينا الطب العربي الإسلامي.
وقد كان للعرب بصمة واضحة في مجال الطب مثل كتاب فردوس الحكمة للطبري، والحاوي للرازي، والقانون لابن سينا وغيرها وهؤلاء يعدون أوائل من اهتم بالطب النفسي.
وكانت معاملة المسلمين للمرضى العقليين تختلف في كثير من الأوجه عن تلك التي يتلقاها المرضى في العالم الغربي ويرجع ذلك إلى:
1- نهي العقيدة الإسلامية عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والمعاملة الإنسانية التي أقرها الإسلام للمريض والضعيف.
2- تأثر الأطباء العرب برواد اليونان الأوائل أمثال أبقراط.
3- اهتمام الحكام العرب وخلفاء المسلمين بالعمران بما في ذلك اهتمامهم بإقامة المستشفيات.
ولقد أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة هامَّة في الدراسات النفسانية، لكنها لم تحظَ من قبلُ باهتمام الباحثين ومؤرِّخي الدراسات النفسانية، فهم يغفلون عن ذكر إسهامات العلماء المسلمين في الدراسات النفسية، رغم أنه قد تُرجم عديد منها إلى اللغة اللاتينية، وأثَّرَت تأثيرًا كبيرًا في آراء المفكِّرين الأوروبيين أثناء العصور الوسطى حتى بداية عصر النهضة الأوروبية الحديثة.
يقول جورج مورا واصفًا مرحلة ازدهار الطب النفسي: "لقد كان موقف العرب أكثر إنسانية نحو المرضى العقليين، مِمَّا أحدث شيئًا من التأثير على نظرة دول أوروبا الغربية تجاه المرضى العقليين، وفي الواقع فإن في المعلومات الموثّقة حول موقف العرب تجاه المرضى العقليين قلة نسبية، لكن على الرغم من ذلك يُعرف كثير من القوى الدينية والأخلاقية والعلمية التي يُفترض أن هذه الاتجاهات قد نشأت عنها، إضافة إلى ذلك فلقد أُسِّسَ عديد من المستشفيات العقلية في بغداد في القرن الثامن الميلادي، وكذلك في دمشق في القرن التاسع الميلادي، وفي القاهرة في القرن الثالث عشر الميلادي، ولقد وصف الرحالة العائدون إلى أوروبا من بلاد العرب في القرن الثاني عشر الميلادي ذلك العلاج المستنير الذي يتلقاه المرضى النفسانيون في تلك المراكز العلاجية، ووصفوا جوَّ الاسترخاء في تلك المراكز العلاجية المحاطة بالنوافير الساحرة والحدائق الغَنَّاء، ووصف كذلك الطرق العلاجية التي تشمل وجبات خاصة وحمامات وأدوية وعطورًا... إلخ".
ثم يُضِيف: "كانت هناك عيادة خارجية ومدرسة طبية مُلحَقة بكل مستشفى، وقد كانت الإمكانات العلاجية مُتاحة للمرضى الأغنياء والفقراء على حد سواء، ويبدو أن معظمهم كان يعاني ذهان الهَوَس والاكتئاب".
ويقول د. سليم عمار: "جاء الإسلام في بقعة تُعتبر مفترَقًا للحضارات القديمة، فأحيا التُّراث العلمي والفلسفي اليوناني والبيزنطي والفارسي والساساني والسرياني... واستطاع بفضل قيمه الأخلاقية والروحية السامية، أن يحوِّل قومًا من البدو الرُّحَّل يعبدون الأصنام، إلى قوم يدْعُون إلى طهارة النفس وسلامة الحياة. وفي هذا الإطار أخذ الطبُّ الرُّوحاني انطلاقة عملاقة خاصة، وأصبح الأطبَّاء العرب شديدي التعلُّق بالممارسة والتجربة، مِمَّا جعلهم ماهرين في المعاينات والنظريات الشاملة، ومنها "النظريات النفسية الجسمية" (Psychosomatic). يذكر هنا اهتمام المسلمين بإقامة المستشفيات واهتمامهم الكبير بها ،وقد كان يطلق عليها (البيمارستانات) وهي كلمة فارسية تعني دار المرضى ثم اختصر اسمها إلى (مارستان) فكانت بداية للاهتمام بالعلاج العقلي والنفسي علاجاً تخصصياً، ويذكر المؤرخون أن أول مستشفى للمضطربين عقلياً أنشئت في العالم الإسلامي في بغداد سنة 705ﻫ.
المستشفيات العقلية في الإسلام
وقد تمثلت معالم تلك الفترة بالمستشفيات العقلية، والنظريات والمصنَّفات.
1- المستشفيات العقلية
يُروَى أنه في نحو عام 93هـ، أسَّس الخليفة الأُمَوِيُّ الوليد بن عبد الملك بدمشق أول بيمارستان للمرضى العقليين، وكانت تخصَّص لهم جرايات تُنفَق عليهم للعيش داخل المأوى وخارجه.
وفي سنة 151هـ أسَّس العباسيون في بغداد أول قسم متخصِّص للأمراض العقلية، ثم نُسِجَت على منواله أقسام أخرى في جميع العواصم الإسلامية في المشرق والمغرب، كان أشهرها مستشفى قلاوون بمصر.
ولقد كانت القيروان في المغرب العربي في أواخر القرن التاسع الميلادي، عاصمة العلم والإشعاع الحضاري زمن دولة الأغالبة الذين شيَّدوا البيمارستانات، ثم شيَّدوا أمثالها في سوسة وصفاقس وتونس، وكانت الصدقات تُنفَق على المرضى، وتقدِّم لهم في المواسم أطيب المآكل والحلويات.
وفي القرن الرابع عشر الميلادي كان مستشفى قلاوون في القاهرة مثالاً مدهشًا للرعاية النفسية، فقد كان يحوي أربعة أقسام منفصلة للجراحة، وطب الأعيُن، والأمراض الباطنية، والأمراض العقلية.
ولقد كانت الهِبات السَّخيَّة التي يدفعها الأغنياء في القاهرة تُتيح للمستشفى أن يقدِّم مستوًى عاليًا من الرعاية الطبية ومتابعة المريض في فترة نقاهته حتى يعود إلى حياته الطبيعية.
وفي تلك المستشفيات ملاحظتان تثيران الاهتمام:
• معالجة المرضى العقليين في مستشفى عامّ، سبق المسلمون به الاتجاه الحديث بما يقرب من ستة قرون.
• اشتراك المجتمع في رعاية المرضى.
وقد كان يخصَّص لكل مريض مرافِقان وعدد من الأطباء اختيروا بعناية من مختلف دول الشرق. وكان يُعزَل المرضى الذين يعانون صعوبةٍ في النَّوم في غرف خاصة، ويُجلَب لهم بعض القُصَّاص المهرة فيسردون عليهم الحكايات مِمَّا يساعدهم على الاستغراق في النَّوم بهدوء. كما كان يُصرَف لكل مريض خمس قطع ذهبية عند خروجه من المستشفى.
وفي عهد الدولة السلجوقية ومن بعدها الدولة العثمانية، بُنِيَ عديد من المجتمعات العلاجية حول المساجد، وكانت تُسَمَّى "التكايا"، وقد استمرَّت لعدة قرون، وهي تماثل إلى حدٍّ كبير المراكز الصِّحِّية العقلية الاجتماعية التي أُنشُئَت حديثًا في أمريكا. كما بُنيَ عديد من المستشفيات في مختلف أنحاء الدولة العثمانية، وكان مستشفى السلطان سليمان القانوني أبدع مستشفى نفسي في العالم في ذلك الحين.
نظريات علماء المسلمين ومصنفاتهم في الدراسات النفسية
2- النظريات والمصنَّفات
لقد سبق بعضُ العلماء المسلمين السابقين، مثل الكندي وأبي بكر الرازي ومسكويه وابن حزم والغزالي وفخر الدين الرازي وابن تيمية وابن قيم الجوزية، سبقوا المعالجين النفسانيين المُحدَثين من أتباع مدرسة العلاج المعرفي السلوكي، في تركيز الاهتمام في العلاج النفساني على تغيير أفكار الفرد ومعتقَداته السلبية أو الخاطئة، على اعتبار أن أفكار الفرد ومعتقداته هي التي تؤثِّر في سلوكه.
وعُنِيَ ابن حزم والغزالي وابن تيمية وابن القيم في علاج السلوك المذموم أو الخلُق السيئ بضده، وهو أسلوب اتبعه المعالجون النفسانيون السلوكيون المُحدَثون في علاج بعض الاضطرابات السلوكية، مثل الخوف والقلق.
ولقد كان لابن سينا قَصَب السَّبْق في اكتشاف عديد من النظريات التي لم يدركها العلماء إلا في العصر الحديث، فقد فسَّر ابن سينا حدوث النسيان بتداخل المعلومات، وهذا التفسير لم يصل إليه العلماء إلا في أوائل القرن العشرين بعد تلك الدراسة التي أجراها جينكنز عام 1924م، والتي أوضحت أن النسيان لا يحدث بسبب مرور الزمن دون استخدام المعلومات، وإنما بسبب انشغال الإنسان وازدياد نشاطه، مِمَّا يؤدِّي إلى التداخل والتعارُض بين معلوماته الجديدة والسابقة.
وقد سبق ابنُ سينا والفارابي العلماءَ المُحدَثين في ذكر أهمِّ أسباب حدوث الأحلام، فذكرَا أن الأحلام تحدث بسبب تأثير بعض المؤثرات الحِسِّيَّة التي تصدر من خارج البدن أو من داخله، كما أشارا إلى المعاني الرمزية للأحلام وكذلك إلى دور الأحلام في إشباع الدوافع والرغبات.
ولقد قدم أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه "إحياء علوم الدين" بشكل خاصّ، مباحث قيِّمة في دراسة السلوك والدوافع والانفعالات والعواطف ودورها في التربية، كما اهتمَّ بإعلاء الدوافع ومجاهدة النفس عن طريق تكوين العادات الصالحة.
ويتميز الغزالي من كثير ممَّن سبقه من العلماء المسلمين، باجتماع قوة العقل والدين عنده في آن واحد، كما أنه لم يدرس النفس كما درسها كثيرون باعتبارها موضوعًا من موضوعات الفلسفة، وإنما درسها باعتبارها سبيلاً إلى زيادة معرفته بعظمة خالقه.
الطب النفسي وعلاقته بالأمراض العضوية:
فطن علماء المسلمين إلى أهمية الجانب النفسي في شفاء الأمراض العضوية، فابتكروا نوعاً من الأوقاف يسمى "وقف خداع المريض" وكان يصرف منه على شخصين يذهبان عند الشخص المطلوب علاجه في البيمارستان (المستشفى) ثم يتحدثان مع بعضهما بصوت خافت حول المرض ويذكر أحدهما في سياق الحديث بأنه كان مريضاً بذلك المرض وشفي منه، فيسمع ذلك المريض المطلوب علاجه فتتحسن حالته النفسية ويتماثل للشفاء.
كما أشار الطبيب المسلم أبو بكر الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، إذ قال "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس" وكان أول من أشار إلى الأصول النفسية لمرض التهاب المفاصل الروماتيزمي، وفرق بينه وبين النقرس، وقرر أنه مرض جسدي في الظاهر إلا أنه ناشئ عن اضطرابات نفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم تلك الأعراض هم أولئك الذين يكظمون الغيظ فيتراكم ويسبب لهم هزات نفسية كبيرة تسبب لهم ذلك المرض.
وأشار الرازي إلى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية، فقد يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال منها الهموم النفسانية.
بالإضافة لذلك فقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوجين.
قصص ملهمة من وحي التراث النفسي الإسلامي:
هذا ويمتلئ التراث الإسلامي بقصص للعلاج النفسي، منها قصة ابن سينا الذي عالج شاباً مريضاً بأن ذهب إليه وذكر أمامه جميع أحياء المدينة التي يعيش فيها، فلاحظ ابن سينا تزايد ضربات قلب الشاب عند ذكر اسم حي بعينه، فبدأ ابن سينا في ذكر أسماء جميع الأسر التي تعيش في هذا الحي، فإذا بالشاب تزداد دقات قلبه عند ذكر اسم أسرة معينة، فأخذ ابن سينا في ذكر جميع أفراد تلك الأسرة فإذا بالشاب تزداد نبضات قلبه عند ذكر اسم فتاة محددة، ففطن ابن سينا إلى حب الشاب لتلك الفتاة وأوصى أهل الشاب بتزويجه من تلك الفتاة حتى يشفى.
ومنها قصة ابن سينا أيضاً مع أحد أمراء بني بويه، حيث أصيب هذا الأمير بمرض عصبي وتوهم أنه بقرة يجب ذبحها، فتوجه إليه ابن سينا ومعه سكين حادة وأوهمه بأنه يريد ذبحه، ثم صاح: " هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن" ثم أخذ الأمير المريض يأكل بشراهة وكان ابن سينا يدس له الدواء في الطعام حتى تم شفاؤه.
العلاج النفسي عند ابن القيم كمثال.
يعد ابن قيم الجوزية أحد أهم علماء النفس المسلمين الذين اهتموا بدراسة النفس الإنسانية والكشف عن مدلولاتها، ولقد كان له – رحمه الله – السبق في وضع علاج للأمراض النفسية واضعاً أبحاثاً قيمة في معالجة النفس الإنسانية كانت أساساً لاستنباط العلاج فيما بعد ومنهجاً أساسياً يتبعه أطباء علم النفس، وقد اعتمد ابن القيم في هذه الأدوية على الصلة بين العبد وربه وهذه الصلة تعد الأساس الذي يعتمد عليه في علاج هذه الأمراض، ومن أبرز نتائج ابن القيم:
1- تخفيف الآلام بالكلام الطيب: حيث يرى أن التخفيف عن المريض بالكلام الطيب يكون له أثر شديد في العلاج فيقول رحمه الله: (وَتَفْرِيحُ نَفْسِ الْمَرِيضِ، وَتَطْيِيبُ قَلْبِهِ، وَإِدْخَالُ مَا يَسُرُّهُ عَلَيْهِ، لَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي شِفَاءِ عِلَّتِهِ وَخِفَّتِهَا، فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ وَالْقُوَى تَقْوَى بِذَلِكَ، فَتُسَاعِدُ الطَّبِيعَةَ عَلَى دَفْعِ الْمُؤْذِي، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْضَى تَنْتَعِشُ قُوَاهُ بِعِيَادَةِ مَنْ يُحِبُّونَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ، وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُمْ، وَلُطْفِهِمْ بِهِمْ، وَمُكَالَمَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَهَذَا أَحَدُ فَوَائِدِ عِيَادَةِ الْمَرْضَى)
2- إزالة الألم بالضد: بنهي النفس عما تشتهيه وفي ذلك يقول:(وَالنَّفْسُ فِي الْأَصْلِ خُلِقَتْ جَاهِلَةً ظَالِمَةً، فَهِيَ لِجَهْلِهَا تَظُنُّ شِفَاءَهَا فِي اتِّبَاعِ هَوَاهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ تَلَفُهَا وَعَطَبُهَا، وَلِظُلْمِهَا لَا تَقْبَلُ مِنَ الطِّبِيبِ النَّاصِحِ، بَلْ تَضَعُ الدَّاءَ مَوْضِعَ الدَّوَاءِ فَتَعْتَمِدُهُ، وَتَضَعُ الدَّوَاءَ مَوْضِعَ الدَّاءِ فَتَجْتَنِبُهُ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ إِيثَارِهَا لِلدَّاءِ، وَاجْتِنَابِهَا لِلدَّوَاءِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُعْيِي الْأَطِبَّاءَ، وَيَتَعَذَّرُ مَعَهَا الشِّفَاءُ).
3- الرجوع إلى الله تعالى والتوكل عليه وتفويض أمره إليه.
4- إعطاء المريض دلالة ومعنى بأن مرضه هو ابتلاء وامتحان من الله تعالى فلا يجزع ويرضى بما كتبه الله له.
5- التماس العوض والخلف من الله تعالى: فهو يعلم أن ما أصابه من هم أو مصيبة واقع فليس له إلا الصبر والنجاة أو الجزع والهلاك.
6- العلاج بالتخييل: عن طريق الإيحاء للمريض بالصحة فتوهم المرض أو الصحة له أكبر الأثر في الإصابة بالمرض أو الشفاء منه.
7- الانفعال الحسن وإثارة المريض انفعالياً بإدخال السرور والبهجة على نفس المريض.
الأستاذة: باسمة نعيم اسليم
غزة - فلسطين
اهتم الإسلام بالإنسان ككل متكامل تتداخل فيه عناصر المادة والروح التي قد تمرض كما يمرض الجسد تمامًا بل قد تكون سببًا في علة الجسد مما يجعلها تحتاج إلى علاج نفسي يصلح حالها وبه يستقيم أمرها.
وقد مر العلاج النفسي عبر التاريخ بمراحل مختلفة فكانت البداية مع المجتمعات البدائية والتي كانت تعالج المرض النفسي ، حسب الأسباب التي اُعتقد أنها أدت إليه، فقد كانوا يعتقدون بوجود نوع من المس يصيب المريض العقلي، ولذلك اتسمت معاملتهم بالقسوة والعنف فكانوا يصفدون بالأغلال وتكوى أجسادهم بالنار.
أما في العصور الرومانية واليونانية فكانوا يعتقدون بتقمص الأرواح الشريرة لجسد المريض النفسي فكانوا يعاملون أسوأ أنواع المعاملة وقد عارض بعض أطباء تلك العصور هذه المعاملة أمثال أبقراط ،وجالينوس، وسورانوس وبدأ العلاج بالصلوات والمياه المقدسة وبصاق الكهنة ثم تطور ليشمل أقذع العبارات بقصد الإساءة للشيطان الذي يتقمص جسد المريض حسب اعتقادهم ثم بدأت الدعوة إلى استخدام العنف مع المريض عقاباً للشيطان المستوطن فيه فصار المريض يضرب بالسلاسل الحديدية، ويغطس بالماء المغلي وغيرها من الوسائل واستمر الحال كذلك في العصور الوسطى في الغرب.
ثم تطورت معتقدات المس في نهاية القرن الخامس عشر فصنف المرض على نوعين:
أ- مس قسري يمثل عقاب الله تعالى على خطيئته.
ب- مس إرادي يعاقب فيه الفرد الشيطان فيصنف المريض على أنه من فئة حلفاء الشيطان فيتم تعذيبه بوحشية حتى يتم انتزاع اعتراف منه ثم يتم قتله بالحرق، أو الرجم.
أما في العالم الإسلامي قد أسهم الإسلام بنظامه المتكامل الشامل المنظِّم للحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، في تقويم نظرة الناس إلى النفس البشرية، وأشار إلى شيء من أسرارها وخباياها.
ولقد احتوى القرآن الكريم على وصف موجَز لطبائع النفوس ووسائل علاجها، وكشف للإنسان عن بعض أسرار نفسه وأسرار الكون من حوله، ودعاه إلى دراسة هذه وتلك، ليعرف ويتعلَّم، ومِن ثَمَّ يتجه الاتجاه الصحيح، كما أضافت السُّنَّة النَّبويَّة كثيرًا، وفصَّلت ما ذكره القرآن مُجمَلاً في هذا المجال.
وقد حمل المسلمون مشعل العلم، وبلغوا ذروته، واستطاعوا نقل التراث الشرقي القديم إليهم وقاموا بترتيب وإثراء هذه العلوم حتى أصبح لدينا الطب العربي الإسلامي.
وقد كان للعرب بصمة واضحة في مجال الطب مثل كتاب فردوس الحكمة للطبري، والحاوي للرازي، والقانون لابن سينا وغيرها وهؤلاء يعدون أوائل من اهتم بالطب النفسي.
وكانت معاملة المسلمين للمرضى العقليين تختلف في كثير من الأوجه عن تلك التي يتلقاها المرضى في العالم الغربي ويرجع ذلك إلى:
1- نهي العقيدة الإسلامية عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والمعاملة الإنسانية التي أقرها الإسلام للمريض والضعيف.
2- تأثر الأطباء العرب برواد اليونان الأوائل أمثال أبقراط.
3- اهتمام الحكام العرب وخلفاء المسلمين بالعمران بما في ذلك اهتمامهم بإقامة المستشفيات.
ولقد أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة هامَّة في الدراسات النفسانية، لكنها لم تحظَ من قبلُ باهتمام الباحثين ومؤرِّخي الدراسات النفسانية، فهم يغفلون عن ذكر إسهامات العلماء المسلمين في الدراسات النفسية، رغم أنه قد تُرجم عديد منها إلى اللغة اللاتينية، وأثَّرَت تأثيرًا كبيرًا في آراء المفكِّرين الأوروبيين أثناء العصور الوسطى حتى بداية عصر النهضة الأوروبية الحديثة.
يقول جورج مورا واصفًا مرحلة ازدهار الطب النفسي: "لقد كان موقف العرب أكثر إنسانية نحو المرضى العقليين، مِمَّا أحدث شيئًا من التأثير على نظرة دول أوروبا الغربية تجاه المرضى العقليين، وفي الواقع فإن في المعلومات الموثّقة حول موقف العرب تجاه المرضى العقليين قلة نسبية، لكن على الرغم من ذلك يُعرف كثير من القوى الدينية والأخلاقية والعلمية التي يُفترض أن هذه الاتجاهات قد نشأت عنها، إضافة إلى ذلك فلقد أُسِّسَ عديد من المستشفيات العقلية في بغداد في القرن الثامن الميلادي، وكذلك في دمشق في القرن التاسع الميلادي، وفي القاهرة في القرن الثالث عشر الميلادي، ولقد وصف الرحالة العائدون إلى أوروبا من بلاد العرب في القرن الثاني عشر الميلادي ذلك العلاج المستنير الذي يتلقاه المرضى النفسانيون في تلك المراكز العلاجية، ووصفوا جوَّ الاسترخاء في تلك المراكز العلاجية المحاطة بالنوافير الساحرة والحدائق الغَنَّاء، ووصف كذلك الطرق العلاجية التي تشمل وجبات خاصة وحمامات وأدوية وعطورًا... إلخ".
ثم يُضِيف: "كانت هناك عيادة خارجية ومدرسة طبية مُلحَقة بكل مستشفى، وقد كانت الإمكانات العلاجية مُتاحة للمرضى الأغنياء والفقراء على حد سواء، ويبدو أن معظمهم كان يعاني ذهان الهَوَس والاكتئاب".
ويقول د. سليم عمار: "جاء الإسلام في بقعة تُعتبر مفترَقًا للحضارات القديمة، فأحيا التُّراث العلمي والفلسفي اليوناني والبيزنطي والفارسي والساساني والسرياني... واستطاع بفضل قيمه الأخلاقية والروحية السامية، أن يحوِّل قومًا من البدو الرُّحَّل يعبدون الأصنام، إلى قوم يدْعُون إلى طهارة النفس وسلامة الحياة. وفي هذا الإطار أخذ الطبُّ الرُّوحاني انطلاقة عملاقة خاصة، وأصبح الأطبَّاء العرب شديدي التعلُّق بالممارسة والتجربة، مِمَّا جعلهم ماهرين في المعاينات والنظريات الشاملة، ومنها "النظريات النفسية الجسمية" (Psychosomatic). يذكر هنا اهتمام المسلمين بإقامة المستشفيات واهتمامهم الكبير بها ،وقد كان يطلق عليها (البيمارستانات) وهي كلمة فارسية تعني دار المرضى ثم اختصر اسمها إلى (مارستان) فكانت بداية للاهتمام بالعلاج العقلي والنفسي علاجاً تخصصياً، ويذكر المؤرخون أن أول مستشفى للمضطربين عقلياً أنشئت في العالم الإسلامي في بغداد سنة 705ﻫ.
المستشفيات العقلية في الإسلام
وقد تمثلت معالم تلك الفترة بالمستشفيات العقلية، والنظريات والمصنَّفات.
1- المستشفيات العقلية
يُروَى أنه في نحو عام 93هـ، أسَّس الخليفة الأُمَوِيُّ الوليد بن عبد الملك بدمشق أول بيمارستان للمرضى العقليين، وكانت تخصَّص لهم جرايات تُنفَق عليهم للعيش داخل المأوى وخارجه.
وفي سنة 151هـ أسَّس العباسيون في بغداد أول قسم متخصِّص للأمراض العقلية، ثم نُسِجَت على منواله أقسام أخرى في جميع العواصم الإسلامية في المشرق والمغرب، كان أشهرها مستشفى قلاوون بمصر.
ولقد كانت القيروان في المغرب العربي في أواخر القرن التاسع الميلادي، عاصمة العلم والإشعاع الحضاري زمن دولة الأغالبة الذين شيَّدوا البيمارستانات، ثم شيَّدوا أمثالها في سوسة وصفاقس وتونس، وكانت الصدقات تُنفَق على المرضى، وتقدِّم لهم في المواسم أطيب المآكل والحلويات.
وفي القرن الرابع عشر الميلادي كان مستشفى قلاوون في القاهرة مثالاً مدهشًا للرعاية النفسية، فقد كان يحوي أربعة أقسام منفصلة للجراحة، وطب الأعيُن، والأمراض الباطنية، والأمراض العقلية.
ولقد كانت الهِبات السَّخيَّة التي يدفعها الأغنياء في القاهرة تُتيح للمستشفى أن يقدِّم مستوًى عاليًا من الرعاية الطبية ومتابعة المريض في فترة نقاهته حتى يعود إلى حياته الطبيعية.
وفي تلك المستشفيات ملاحظتان تثيران الاهتمام:
• معالجة المرضى العقليين في مستشفى عامّ، سبق المسلمون به الاتجاه الحديث بما يقرب من ستة قرون.
• اشتراك المجتمع في رعاية المرضى.
وقد كان يخصَّص لكل مريض مرافِقان وعدد من الأطباء اختيروا بعناية من مختلف دول الشرق. وكان يُعزَل المرضى الذين يعانون صعوبةٍ في النَّوم في غرف خاصة، ويُجلَب لهم بعض القُصَّاص المهرة فيسردون عليهم الحكايات مِمَّا يساعدهم على الاستغراق في النَّوم بهدوء. كما كان يُصرَف لكل مريض خمس قطع ذهبية عند خروجه من المستشفى.
وفي عهد الدولة السلجوقية ومن بعدها الدولة العثمانية، بُنِيَ عديد من المجتمعات العلاجية حول المساجد، وكانت تُسَمَّى "التكايا"، وقد استمرَّت لعدة قرون، وهي تماثل إلى حدٍّ كبير المراكز الصِّحِّية العقلية الاجتماعية التي أُنشُئَت حديثًا في أمريكا. كما بُنيَ عديد من المستشفيات في مختلف أنحاء الدولة العثمانية، وكان مستشفى السلطان سليمان القانوني أبدع مستشفى نفسي في العالم في ذلك الحين.
نظريات علماء المسلمين ومصنفاتهم في الدراسات النفسية
2- النظريات والمصنَّفات
لقد سبق بعضُ العلماء المسلمين السابقين، مثل الكندي وأبي بكر الرازي ومسكويه وابن حزم والغزالي وفخر الدين الرازي وابن تيمية وابن قيم الجوزية، سبقوا المعالجين النفسانيين المُحدَثين من أتباع مدرسة العلاج المعرفي السلوكي، في تركيز الاهتمام في العلاج النفساني على تغيير أفكار الفرد ومعتقَداته السلبية أو الخاطئة، على اعتبار أن أفكار الفرد ومعتقداته هي التي تؤثِّر في سلوكه.
وعُنِيَ ابن حزم والغزالي وابن تيمية وابن القيم في علاج السلوك المذموم أو الخلُق السيئ بضده، وهو أسلوب اتبعه المعالجون النفسانيون السلوكيون المُحدَثون في علاج بعض الاضطرابات السلوكية، مثل الخوف والقلق.
ولقد كان لابن سينا قَصَب السَّبْق في اكتشاف عديد من النظريات التي لم يدركها العلماء إلا في العصر الحديث، فقد فسَّر ابن سينا حدوث النسيان بتداخل المعلومات، وهذا التفسير لم يصل إليه العلماء إلا في أوائل القرن العشرين بعد تلك الدراسة التي أجراها جينكنز عام 1924م، والتي أوضحت أن النسيان لا يحدث بسبب مرور الزمن دون استخدام المعلومات، وإنما بسبب انشغال الإنسان وازدياد نشاطه، مِمَّا يؤدِّي إلى التداخل والتعارُض بين معلوماته الجديدة والسابقة.
وقد سبق ابنُ سينا والفارابي العلماءَ المُحدَثين في ذكر أهمِّ أسباب حدوث الأحلام، فذكرَا أن الأحلام تحدث بسبب تأثير بعض المؤثرات الحِسِّيَّة التي تصدر من خارج البدن أو من داخله، كما أشارا إلى المعاني الرمزية للأحلام وكذلك إلى دور الأحلام في إشباع الدوافع والرغبات.
ولقد قدم أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه "إحياء علوم الدين" بشكل خاصّ، مباحث قيِّمة في دراسة السلوك والدوافع والانفعالات والعواطف ودورها في التربية، كما اهتمَّ بإعلاء الدوافع ومجاهدة النفس عن طريق تكوين العادات الصالحة.
ويتميز الغزالي من كثير ممَّن سبقه من العلماء المسلمين، باجتماع قوة العقل والدين عنده في آن واحد، كما أنه لم يدرس النفس كما درسها كثيرون باعتبارها موضوعًا من موضوعات الفلسفة، وإنما درسها باعتبارها سبيلاً إلى زيادة معرفته بعظمة خالقه.
الطب النفسي وعلاقته بالأمراض العضوية:
فطن علماء المسلمين إلى أهمية الجانب النفسي في شفاء الأمراض العضوية، فابتكروا نوعاً من الأوقاف يسمى "وقف خداع المريض" وكان يصرف منه على شخصين يذهبان عند الشخص المطلوب علاجه في البيمارستان (المستشفى) ثم يتحدثان مع بعضهما بصوت خافت حول المرض ويذكر أحدهما في سياق الحديث بأنه كان مريضاً بذلك المرض وشفي منه، فيسمع ذلك المريض المطلوب علاجه فتتحسن حالته النفسية ويتماثل للشفاء.
كما أشار الطبيب المسلم أبو بكر الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، إذ قال "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس" وكان أول من أشار إلى الأصول النفسية لمرض التهاب المفاصل الروماتيزمي، وفرق بينه وبين النقرس، وقرر أنه مرض جسدي في الظاهر إلا أنه ناشئ عن اضطرابات نفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم تلك الأعراض هم أولئك الذين يكظمون الغيظ فيتراكم ويسبب لهم هزات نفسية كبيرة تسبب لهم ذلك المرض.
وأشار الرازي إلى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية، فقد يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال منها الهموم النفسانية.
بالإضافة لذلك فقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوجين.
قصص ملهمة من وحي التراث النفسي الإسلامي:
هذا ويمتلئ التراث الإسلامي بقصص للعلاج النفسي، منها قصة ابن سينا الذي عالج شاباً مريضاً بأن ذهب إليه وذكر أمامه جميع أحياء المدينة التي يعيش فيها، فلاحظ ابن سينا تزايد ضربات قلب الشاب عند ذكر اسم حي بعينه، فبدأ ابن سينا في ذكر أسماء جميع الأسر التي تعيش في هذا الحي، فإذا بالشاب تزداد دقات قلبه عند ذكر اسم أسرة معينة، فأخذ ابن سينا في ذكر جميع أفراد تلك الأسرة فإذا بالشاب تزداد نبضات قلبه عند ذكر اسم فتاة محددة، ففطن ابن سينا إلى حب الشاب لتلك الفتاة وأوصى أهل الشاب بتزويجه من تلك الفتاة حتى يشفى.
ومنها قصة ابن سينا أيضاً مع أحد أمراء بني بويه، حيث أصيب هذا الأمير بمرض عصبي وتوهم أنه بقرة يجب ذبحها، فتوجه إليه ابن سينا ومعه سكين حادة وأوهمه بأنه يريد ذبحه، ثم صاح: " هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن" ثم أخذ الأمير المريض يأكل بشراهة وكان ابن سينا يدس له الدواء في الطعام حتى تم شفاؤه.
العلاج النفسي عند ابن القيم كمثال.
يعد ابن قيم الجوزية أحد أهم علماء النفس المسلمين الذين اهتموا بدراسة النفس الإنسانية والكشف عن مدلولاتها، ولقد كان له – رحمه الله – السبق في وضع علاج للأمراض النفسية واضعاً أبحاثاً قيمة في معالجة النفس الإنسانية كانت أساساً لاستنباط العلاج فيما بعد ومنهجاً أساسياً يتبعه أطباء علم النفس، وقد اعتمد ابن القيم في هذه الأدوية على الصلة بين العبد وربه وهذه الصلة تعد الأساس الذي يعتمد عليه في علاج هذه الأمراض، ومن أبرز نتائج ابن القيم:
1- تخفيف الآلام بالكلام الطيب: حيث يرى أن التخفيف عن المريض بالكلام الطيب يكون له أثر شديد في العلاج فيقول رحمه الله: (وَتَفْرِيحُ نَفْسِ الْمَرِيضِ، وَتَطْيِيبُ قَلْبِهِ، وَإِدْخَالُ مَا يَسُرُّهُ عَلَيْهِ، لَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي شِفَاءِ عِلَّتِهِ وَخِفَّتِهَا، فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ وَالْقُوَى تَقْوَى بِذَلِكَ، فَتُسَاعِدُ الطَّبِيعَةَ عَلَى دَفْعِ الْمُؤْذِي، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْضَى تَنْتَعِشُ قُوَاهُ بِعِيَادَةِ مَنْ يُحِبُّونَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ، وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُمْ، وَلُطْفِهِمْ بِهِمْ، وَمُكَالَمَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَهَذَا أَحَدُ فَوَائِدِ عِيَادَةِ الْمَرْضَى)
2- إزالة الألم بالضد: بنهي النفس عما تشتهيه وفي ذلك يقول:(وَالنَّفْسُ فِي الْأَصْلِ خُلِقَتْ جَاهِلَةً ظَالِمَةً، فَهِيَ لِجَهْلِهَا تَظُنُّ شِفَاءَهَا فِي اتِّبَاعِ هَوَاهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ تَلَفُهَا وَعَطَبُهَا، وَلِظُلْمِهَا لَا تَقْبَلُ مِنَ الطِّبِيبِ النَّاصِحِ، بَلْ تَضَعُ الدَّاءَ مَوْضِعَ الدَّوَاءِ فَتَعْتَمِدُهُ، وَتَضَعُ الدَّوَاءَ مَوْضِعَ الدَّاءِ فَتَجْتَنِبُهُ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ إِيثَارِهَا لِلدَّاءِ، وَاجْتِنَابِهَا لِلدَّوَاءِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُعْيِي الْأَطِبَّاءَ، وَيَتَعَذَّرُ مَعَهَا الشِّفَاءُ).
3- الرجوع إلى الله تعالى والتوكل عليه وتفويض أمره إليه.
4- إعطاء المريض دلالة ومعنى بأن مرضه هو ابتلاء وامتحان من الله تعالى فلا يجزع ويرضى بما كتبه الله له.
5- التماس العوض والخلف من الله تعالى: فهو يعلم أن ما أصابه من هم أو مصيبة واقع فليس له إلا الصبر والنجاة أو الجزع والهلاك.
6- العلاج بالتخييل: عن طريق الإيحاء للمريض بالصحة فتوهم المرض أو الصحة له أكبر الأثر في الإصابة بالمرض أو الشفاء منه.
7- الانفعال الحسن وإثارة المريض انفعالياً بإدخال السرور والبهجة على نفس المريض.