بشرى بن فاطمة
يحظى الفن التشكيلي التركي بتنوع ميّزه وارتقى برؤاه الفنية التي امتلكت خصوصيتها واندمجت مع الحداثة من خلال بيئتها، فللتنوع الجغرافي تأثير مفعّل لتجربة ارتقت للعالمية لتكون لها بصمة خاصة وحضورا له تميّزه فلا يمكن الحديث عن الفن التشكيلي التركي دون المرور بفن المستشرقين ثم الفنون الإسلامية الخط العربي والمنمنمات وفن العمارة والزخرف، وهو ما ساعد على إكساب الفنون الحديثة تطوّرها الفكري والحسي والفهمي من الداخل التركي نظاما مجتمعا وسياسة وبناء للوعي والذوق وهو ما كان دافعا لانضاج هذه التجربة واكسابها خصوصية جعلتها مرجعا يتوافق مع طبيعة انتمائها المزدوج والمتنوع ثقافيا.
إلى حدود القرن الثامن عشر، في تركيا كان التعبير في الفن التشكيلي على شكل منمنمات وبشكل رئيسي لتوضيح المخطوطات، وقد أدت الاتجاهات الجديدة التي ظهرت في القرن الثامن عشر إلى تحويل تركيز الاهتمام نحو الرسم الزيتي، وكانت أولى الأمثلة على ذلك الجداريات ومع مرور الوقت، تضاعفت المعارض وأقبل الكثيرون على اقتناء الأعمال الفنية كما بدأت البنوك والشركات الخاصة بالاستثمار في قطاع الفن.
إن مدى تطور الفن التركي في القرن الماضي مثير بتعدّد تجاربه وتشكيلاته التي لا تنفصل عن واقعها ما سهل انتشارها وعكس شغف التغيير الذي تميّز به الفنانون الأتراك الذين كانوا على عجلة من أمرهم للتعبير عن أنفسهم بطرق متنوعة بنوها على كسر النمطية التعبيرية في الرموز والأيقونات في العلامة البصرية ومدلولها لتندمج من خصوصيتها العثمانية إلى تعبيرها العالمي الخاص عن تركيا.
فالإلهام الغربي والمدارس الفنية العالمية وجدت طريقها إلى تركيا في بداية القرن العشرين حيث شهدت تطور السريالية والتجريد والاندماج مع فناني المناظر الطبيعية التركية والفن الحديث والفن المعاصر لتتطوّر الحركة بشكل تصعيدي في التعبير الجمالي الذي انفصل عن طابع التكرار العثماني للتعبير الفني ليلامس فيه التجريب الغربي الحديث لكل الأشكال والخامات والأساليب.
ومن بين هذه التجارب الحديثة والمؤثرة في الحركة البصرية التركية بخصوصيتها الغربية نذكر تجربة "بيدري بايكام" و"إفني عرباس" و"غولغون بشارير" حيث تميّز كل منهم بطابعه التصويري الخاص الذي أثر على استيعاب الحداثة الفنية وتطويرها بما يتماشى مع الواقع التركي والموقف الفني الخاص.
يعتبر بيدري بايكام من أبرز التشكيليين في تركيا والعالم له طابعه التشكيلي المتفرد بالتطوير المرحلي المتماهي بين التعبيرية والحداثة إذ يبني حركته الفنية على المساحات اللونية وفضاءاتها المشكلة وفق الموقف الفني من قضايا الواقع ونفسياته الوجودية محمّلا أعماله الرموز التي تشي بجمالياتها التكميلية في الإفصاح عن المفاهيم ودلالاتها.
بيدري بايكام
طوّر بايكام أسلوبه وحاكى المعاصرة في سردية الشخوص ورمزياتها اعتمد في تعبيره على الألوان على القصاصات الجرائد والحرف حيث استعان به في كثير من اللوحات ليتكامل في الفكرة.
بيدري بايكام
أفني عرباس
أفني عرباس
أما التشكيلية التركية غولغون باشارير فتعتبر أيضا من الرائدات اللاتي توجهنا للأسلوب الفني الغربي الحديث وتجربتها مؤثرة في الفن التشكيلي التركي لها رؤية تعبيرية في نقل الواقع وملامح الحياة التركية وتفاصيل المدن المشبعة بحركة بصرية جمالية في تمازج الشخوص والحياة اليومية التي تتفجر في اللوحة وفق علامات بصرية تمنح المكان هويته سواء من خلال المدن أو اللغة والخط المكتوب ما يمنح اللوحة حركة وحيوية تحاكي الماضي وتستنطق الأمكنة .
غولغون بشارير
الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections