الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سأطعم العصافير بقلم:أزهر اللويزي

تاريخ النشر : 2019-01-20
#سأطعم_العصافير بقلم أزهر اللويزي
على ضفاف نهر دجلة تقع قرية الناعور التي يعيش أهلها على الزراعة ورعي الأغنام ، فضلآ عن صيد السمك ، وبيوتات صغيرة متقاربة تأويهم ، ونوايا سليمة وأحلام بسيطة تقودهم ، وأعراف وتقاليد عربية تحكمهم .
سرمد وعامود صديقان حميمان ، يقضيان أغلب الوقت سويآ ، وتربطهما صلة قرابة من جهة الأم .
إختار سرمد طريق العلم وتحقيق الذات وترك الأثر الإيجابي ، فحصل على شهادة طب الأسنان ، ورئيس جمعية خيرية لرعاية الأيتام ، وكاتب في مجلة ألف باء .
أما عامود فكان يُحسن رعي الغنم والإستماع إلى الأغاني الشعبية والربابة ، وكلما نصحه سرمد بتطوير نفسه وترتيب أولوياته ، يتعذر بالظروف القاسية ، حتى تجاوزه قطار النجاح فيما بعد على حد زعمه !
بعد حفنة من السنين إلتقى الصديقان طبيب الأسنان وراعي الغنم وتعانقا بحرارة ، وكانت على عامود أمارات إضطرابات نفسية حادة .
أغلق سرمد باب عيادته وأصطحبه إلى زميلته الدكتورة رشا من أجل تشخيص حالته ومعالجتها ، فاستقبلتهما بأريحية وحفاوة بالغة .
وبعد حوار قصير شرع عامود سرد حالته النفسية المتردية غير المسبوقة ، فأمرته بالذهاب إلى المختبر لإجراء فحوصات طبية عاجلة ، فتغيرت ملامحه واكتسحه إحباط عميق وتثاقلت خطاه ، وكأنه يجرُّ جبلآ خلفه رغم حديثها المفعم بالرأفة والحنو .
أجرى الفحوصات الطبية وبدأ الوجل يمزّق مدرعة صبره ، فهمس بأُذن سرمد : أنا خائف ، الخوف تغلغل في أعماقي حتى عظامي ، إبقى معي ولا تذهب .
هدّأ من روعه قليلآ وحدثه عن شعلة الأمل ورياح التفائل ، ثم حاول أن يضحكه من خلال دندنته لإحدى الأغاني التي كان عامود يغنيها ، حينما يرتقي على رحلة الصف وتل القرية الصغير :
عاندي وسلمي عليّه .. خلّي لوم الناس إليّه
عانديهم عانديهم .. خل يفركون بديهم
وإيدك الحلوه بديّه
الملفت للنظر أن عامود لم يبتسم وبقي متجهمآ كئيبآ . فجأة فجّر عامود قنبلته وتحدّث بمرارة : أتدري يا سرمد .. عندما كنت مراهقآ ، وجدت عصفورآ صغيرآ يدرج على الأرض ، وتهبط أمه تارة وتطير وتزقزق أخرى ، فخنقت صغيرها أمامها عابثآ ، في مشهد ترجف له القلوب ، وأدركت أني هشمت قلبها ، وما زال ذلك المشهد يؤلمني كسياط لاذعة لا تفتر لحظة ، وسينتقم الله مني لا محالة .
آلمت سرمد القصة كثيرآ ، وقال له :
كُف عن البكاء يا عامود وتصالح مع ذاتك ، فأنت لم تبلغ الحُلم ولم يجرِ عليك القلم ، وفي ذلك درس لك فيما تبقى من عمرك ، ثم أتبع قائلآ :
يا ساهر الظلماء ماذا أفزعك ؟
جفّت دموع الليل ، جفّف أدمعك
إن اللطيف الله حسبك ، فابتسم
سيطيب هذا الصبح ما قد أوجعك
صمت عامود وتكوّر على نفسه ، ودعا بلسان لاهج مرتجف : سامحني يا ربِّ ، فإني أُعاهدك أن أحترم مخلوقاتك ، وسامحيني أيتها العصفورة المفجوعة .
ردّد سرمد مع نفسه : سبحان الله ما أضعف الإنسان ، وما أشد تعقيده في الوقت نفسه ؟
ثم قال لعامود : كثيرآ ما تترك أخطاء الماضي جراحات غائرة في نفوسنا ، وندبات موجعة في قلوبنا ، تصحبنا ما حيينا .
بعد ساعة من إجراء الفحوصات الطبية ، قرأ صاحب المختبر إسم عامود ، فتجمّد شعوره وحبست أنفاسه ولم يستطع النهوض ! .
نعم حاول وحاول ثم نهض أخيرآ ببطء شديد وتثاقل ، ودخلا على الدكتورة فقرأت التشخيص وأمعنت فيه ، وساد الصمت والوجوم ، ثم أزاحت خصلة متدلية عن وجهها الذي بدا كأنه فلقة قمر ، وقطّبت حاجبيها المقوسين وخلعت نظارتها الطبية .
خارت قوى عامود ، وقبل أن تنطق الدكتورة عطست وعطست ، وبدا عامود كطائر حُبس في علبة مظلمة .
أجابته الدكتورة : فحوصاتك سليمة ولا داعي للقلق والإضطراب بعد اليوم .
أضاف سرمد : لقد سامحتك العصفورة ، والعطاس من الرحمن كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام .
تبادلا التبسم سرمد والدكتورة رشا ، وعمّت السعادة أرجاء المكان ، وانحدرت من عامود دموعآ حلوة وخرج مسرعآ وهو يُغمغم : سأطعم العصافير سأطعم العصافير ، وتلاشى كالسراب ! .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف