مصباح(فوزي)رشيد
**
[email protected]
**
[email protected]
بمناسبة اليوم الوطني للبلديات .
**
( يوم الخميس الموافق لـ : 17.01.2019 )
************************
" أ أقف واعظا أمام سيّد الواعظين " هكذا قال الشّيخ ( كشك ) بمناسبة تأبين ( عمر التلمساني ) - رحمهما الله واسكنهما فسيح جنانه - . " كفى بالموت واعظًا " كما جاء في الحديث اللشّريف .
في هذه الصّبيحة شاءت الأقدار أن تأخذ منا أحد الرّجال المعمّرين ، من خير ما أنجبت بلديّتنا ، ولم ينتبه كثرة المارّة إلى اللّوحة التي تشير إلى جنازة وقد تم وضعها على جانب الطّريق ، ولأن اليوم ( خميس ) يوم سوق أسبوعي ، وأهم حدث بالنسبة لسكّان البلدية الذين لا يجمعهم سوى الموت أو السوق الأسبوعي فارقنا فيه الجار العزيز مبتسما حسب رواية بعض من وقفوا عند رجليه في اللّحظات الأخيرة . ولمّا حكيتها لأحد الأصدقاء ، قال لي بالحرف الواحد " إن الرّجل كان يعيش من عرق جبينه " .
بقيت طول الوقت منشغلاً بهذه الرّواية ، إلى أن دخل عليّ أحد الأبناء وقطع خلوتي ليسألني عن اليافطة قامت المعلّقة على أعمدة الكهرباء . وفي الحقيقة والحقّ يقال كنت أظنّه يتكلّم عن لوحة العزاء المنصوبة على حافّة الطّريق ، لأن اليافطات التي كان يعنيها هي لافتات البلدية التي تعوّدنا عليها ، وتعني أن هناك حدثًا ما ، أو مناسبة وطنية أو دينية أو حتى محلّية ، يتم الاعداد لها مسبقًا . غير أن الفضول دفعني إلى التحرّي عن حدث أو مناسبة ممكنة يعلمها غيري بينما أجهلها. وليس في مدينتنا المحترمة من مصدر آخر سوى العناوين التي تبثّها قنوات التلفزيون ، وحتى الأئمّة في المساجد لا يدلون بأسماء الموتى كي نتعرّف عليهم وعلى عناوينهم ، ومن حسن حظّي ربما ، أنّني قد عرفت الحدث من خلال حصّة قامت ببثّها إحدى القنوات الوطنية احتفاء بذكرى " اليوم الوطني للبلديات " . ولم أكن أعرف ذلك من قبل .
وكما هو الشّان بالنّسبة لمسؤولينا دائما ، فإنّه لا يكون الحديث مهمًّا عن البلدية ومشاكلها وعن صلاحيات مجالها المنتخبة إلاّ عندما يتعلّق الأمر بإحدى الاستحقاقات الوطنية ، والانتخابات واحدة منها ، أو تكون هناك مشاكل خطيرة تعجز الدولة عن إيجاد الحلول المناسبة لها . كأنّما تُريد السّلطات في هذه الدّولة أن تتخلّص من الأزمات التي لا تجد لها حلاّ إلاّ بالقائها على المنتخبين المحليّين . أو عند مناسبة من المناسبات كالانتخابات ، وهو عمل شعبوي بامتياز لا نجده إلاّ في الدّول التي تفتقر إلى الأساليب الحضاريّة الجديدة وإلى الرّؤى الاستشرافيّة المتينة .
في الحقيقة إن مجرّد الكلام عن جم المشاكل التي تعترض سبيل البلدية ، لا يمكن حصره في حصّة أو حصّتين في تلفزيون وطني لا يقبل بالرّأي الآخر . ويبقى مجرّد كلام " شعبوي " و مناسباتي لا يرقى إلى مستوى الانشغالات الحقيقية التي يعاني منها المواطن بالدّرجة الأولى . وكم من ندوات عُقدت ، وكم من تقارير رُفعت إلى أعلى المستويات في أجهزة الدّولة ، كان مصيرها جميعًا الأدراج ، والتجاهل والنّسيان . السّلطة ، التي لا تبكي وتنوح على البلدية إلاّ في وقت الانتخابات أو عندما تعجز عن إيجاد الحلول المناسبة ، سلطة فاشلة بكل المقاييس . سلطة تصغي إلى المطبّلين والمطبّلات أكثر من إصغائها لمشاكل النّاس الحقيقيّة . وعندما يتعلّق الأمر بمنتخب محلّي فإنّها تثير الزّوابع أو تذر الرّماد في العيون في أحسن الظّروف . الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة خلال " العشرية السّوداء " .
في أحد الأيام عاتبت صديقي المُنتخب على حالة التردّي التي تعرفها أحياء وشوارع المدينة ، وكان قريبا من مصادر التسيير، على حالة التردّي التي تغرق شوارع المدينة وأحيائها ، والذي قال لي بالحرف الواحد " إن البلدية لا تستطيع صرف ملّيمًا واحدًا بسبب الرّقابة المفروضة عليها من طرف " القابض البلدي " . هكذا ورد اسمه في قانون البلدية ، لكن كونه ينتمي إلى وزارة الماليّة ، فهو يعمل عكس الاتّجاه ، ويناقض رئيس البلدية الذي يمتّع بصلاحيات أوفر منه ، فهو الآمر بالصّرف ولديه الضّبطيّة القضائية .
ثمّ لماذا لاتقوم الدّولة بإلغاء هذه الدّوائرالتي تفرض القيود على نشاطات البلدية وتقوّض من صلاحيات رؤسائها المنتخبين ، وهي التي لم يرد ذكرها أصلاً في القوانين المعمول بها. وليس لها من دور تلعبه سوى اللّهم كتابة الرّسائل وتوجيهها أوتلقّي البريد وتعطيله على مستواها ، فهي عبارة عن علبة بريد لا أقل ولا أكثر . لكنّها في المقابل تستنزف من وقت وإمكانيات البلديات التي تشرف عليها ، وتجعل من رؤسائها المنتخبين مجرّد أعوان لديها .