الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القرضاوي.. شيخ "التسامح والاعتدال" فكراً وسلوكاً بقلم:د.عصام يوسف

تاريخ النشر : 2019-01-19
القرضاوي.. شيخ "التسامح والاعتدال" فكراً وسلوكاً بقلم:د.عصام يوسف
*القرضاوي.. شيخ "التسامح والاعتدال" فكراً وسلوكاً*

بقلم: الدكتور عصام يوسف

بالرغم من اعتماده منهاجاً مرناً في القياس العلمي لمباحث الشريعة، وانفتاحه الواسع على الحجج ومصادر التشريع، في وضع القواعد العامة للتفسير والتأويل، وتحذيره المستمر من الوقوع في شرك أتباع أهل الغلو فكراً وسلوكاً، إلا أن عالم الدين الشيخ يوسف القرضاوي، وجد نفسه في حرب مع المغالين في ميادين عدة، شملت ميدان السياسة.

مرونة القرضاوي في التعاطي مع مستجدات عصره، وفكره "التيسيري" سواء في علم تفسير الحديث الشريف، وتقديمه للرخص في هذا المجال، وهو ما انسحب على مجمل مجالات الفكر لديه ، بما فيها الفكر السياسي، وهذا جعله يخلص إلى أن أزمة الأمة الإسلامية تعود في أصلها إلى كونها "أزمة فكر"، تشمل فهم المسلمين لأسس السنة النبوية الشريفة، وروحها التسامحية، ما انعكس على الفهم العام وتبني الأفكار السياسية المختلفة.

ولا يعني ميل الشيخ القرضاوي إلى التيسير، تخليه عن الثوابت سواء في الدين أو السياسة، فقد كانت أفكاره منذ البدايات واضحة فيما يتعلق بجهاد الأمة –على سبيل المثال- ضد من يريدون أن يسلبوها هويتها وفكرها وروحها، الأمر الذي فتح عليه نيران فريقين يقفان على طرفي نقيض، أحدهما يمتلك أفكاراً متطرفة لم تقبل منه منهجيته في ذلك، وارتأت في توسيع دائرة العداء والكراهية تجاه الآخر منهاجاً،

وأخرى فتحت باب إمكانية التفريط بمقدرات الأمة وثقافتها واسعاً، حيث وجدت في فكر الشيخ، ومن يقلدونه، عائقاً أمام تسليم مفاتيح الأمة لأعدائها، وتحقيق مصالحهم المرتبطة بذلك.

وعلى الرغم من انسجام الفكر والمسلك في تجربة القرضاوي العلمية والفكرية، إضافة لآرائه السياسية، واعتباره مرجعية في هذا الإطار لدى قواعد شعبية في العالم الإسلامي، فضلاً عن مؤسسات ومراكز علمية دينية، إلا أن تبدّل وتغيّر التحالفات، وتسارع وتيرة الأحداث في مرحلة الربيع العربي، وما رافقه من ازدياد حدة التجاذبات السياسية نتيجة لإعادة تموضع تلك التحالفات، خلق مرحلة جديدة اتخذت معها أطراف سياسية مواقف عكسية ومغايرة لما كانت تتبناه في السابق، عمدت من خلالها إلى إتباع سياسة تشويه فكر وسيرة الشيخ، والسعي إلى محاصرة نهجه باعتباره يمثل حالة فقهية دينية واجتماعية وسياسية متكاملة، تحظى بقبول واسع في أرجاء العالم الإسلامي.

التسامح فكراً وسلوكاً

وضوح مواقف فضيلة العلامة القرضاوي في العديد من القضايا الفكرية، والسياسية تحديداً، وتطابق ذلك مع الممارسة العملية كان من شأنه، بالضرورة، أن يجنب الشيخ صاحب الفكر التسامحي، متاهات الالتباس المتعمد التي حاولت بعض الأطراف إدخاله فيها، ولعل موقفه من أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، يعد المثال الأكثر وضوحاً للتدليل على ذلك.

يلخص الشيخ القرضاوي موقفه حول الأحداث الإجرامية بالقول أنه "كان أول عالم مسلم يصدر بياناً في اليوم التالي لوقوعها يدين فيه ما جرى أياً كان فاعلها، وأياً كان دينه أو وطنه أو جنسيته، قائلاً بأن مرتكبي الجريمة استخدموا وسائل غير مشروعة وهي الطائرات المدنية بما فيها من ركاب آمنين لا ذنب لهم، ولا ناقة  في السياسة ولا جمل، وهم أناس كانوا يعملون لكسب رزقهم".

ويؤكد في لقاء مع التلفزيون الياباني، قبل عامين، بأنه أدان الحدث واعتبره جريمة من الجرائم، مستبعداً حينها أن يكون فاعله مسلماً، مضيفاً: بأنه حتى وإن كان مسلماً فهو مدان، فالإسلام يحترم النفس الإنسانية، والبارئ جل وعلا يقول "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

ومفهوم الإرهاب عند القرضاوي له محدداته المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة، ومنظومة القوانين والضوابط الأخلاقية الإنسانية التي يؤمن بها.

فاستهداف الأبرياء قتلاً وإيذاءً، والتدمير والتخريب، أفعال لا تستوي مع الطبيعة البشرية السويّة، ولا تقبلها العقول، والإنسان هو الإنسان أينما سكن وأينما حل، ومن أي عرق أو دين أو توجه فكري كان.

والحرص كبير لديه في إدانة كل عمل إرهابي يقع في مختلف بقاع الأرض، لتثبيت الموقف الأخلاقي والإنساني للاسلام الوسطي ، والتأكيد على رفعة النفس البشرية التي كرمها خالقها، وعلى المنهاج الفكري الراسخ الرافض لسفك الدماء بدون حق، ويظهر ذلك في إدانته لعدد من التفجيرات التي وقعت في عواصم أوروبية، ومنها على سبيل المثال، التفجير الأكبر من نوعه الذي استهدف العاصمة النرويجية بروكسل في مارس 2016، وراح ضحيته 34 شخصاً، وأصيب 135 آخرين.

وكانت كلمات الشيخ القرضاوي في إدانة الجريمة واضحة ومباشرة، مفادها بأن "هذه الأعمال الإجرامية المدانة، يؤخذ فيه البريء بجريمة المسيء، وهو مما لا يقره دين أو خلق أو ضمير، كما أنه عمل ٳجرامي ينكره الدين، والعرف، والقانون"،

يضاف إلى ذلك إصداره بياناً بتاريخ 25 يوليو 2005 يدين فيه بشدة التفجيرات التي هزت بريطانيا وتركيا ومصر في تلك الفترة.

مفهوم الإرهاب ودعم القضية الفلسطينية

وتتسع رؤية العلامة القرضاوي لمفهوم الإرهاب من خلال مقاربته التي يرى من خلالها بأن إرهاب دولة الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني هو إحدى بؤر الإرهاب الكوني التي تتفرع عنها جيوب الإرهاب في أنحاء مختلفة من العالم، وهو ما يفسر دعوته "الضمير الأمريكي" للاستيقاظ بعد أحداث 11 سبتمبر الإجرامية، بحيث "تراجع واشنطن سياستها التي ربما كانت دافعاً لتلك الحادث وأمثاله خصوصاً أنها تقف مواقف غير مبررة، فيها معايير مزدوجة لا سيما بالنسبة لنا نحن كعرب ومسلمين ،

وأبرز مظاهر ذلك موقفها المنحاز دائماً لإسرائيل وسياستها العدوانية ضد الفلسطينيين والعرب".

ويبني الشيخ مقاربته تلك في إطار خصوصية الوضع الفلسطيني، ونضال أبناء الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، واستنادها الى اعتبارات عدالة قضيته، وحالة الارتداد التي تشهدها من ناحية إدانة حق الفلسطينيين في مقاومة المحتل، تحت ذرائع عدة، وإلباس الاحتلال ثوب الضحية، ويقول في ذلك

"من الظلم الشنيع اعتبار المجاهدين الذين يدافعون عن أوطانهم ومقدساتهم وحرماتهم، إرهابيين مجرمين، في حين يعتبر القتلة السفاحون أبرياء".

ويتطرق العلامة القرضاوي في كتابه "فقه الجهاد" إلى هذه الجزئية بشكل مباشر، حيث يشير صراحةً بأن "إسرائيل أبرز دولة قامت على الإرهاب من أول يوم بواسطة عصابات (الهاغاناه) والمذابح التي صنعتها في دير ياسين وغيرها، واستطاعت أن تخرج الفلسطينيين من ديارهم مكرهين، وتقيم دولتها على أنقاضهم".

ومن منطلقات إيمانه العميق بحق الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المغتصبة، ومن أهمها حقه العيش بكرامة على أرضه، وتقرير مصيره،

انخرط الشيخ  القرضاوي في جهود الدعم الإنساني، الذي يشمل جوانب عدة من ضمنها الإغاثي والثقافي والتعليمي والاجتماعي، وغير ذلك، كما أن التوعية بالقضية الفلسطينية في مختلف قارات الأرض، وما تتعرض له مدينة القدس من مخططات التهويد الممنهج، كان دوماً مثار اهتمام الشيخ ، وهو ما دفعه لـ"مأسسة" العمل من أجل هذه الغايات.

يعزز ذلك قناعات لديه بأن "الأمة تمتلك في أيديها قوة ضخمة، غير محدودة، مادية وسياسية واقتصادية، مع عدم تقدير فعلي لهذه القوة يتيح توظيفها على الشكل الأصح"، وفي حديثه تضمين لأهمية إعادة ترتيب اوراق القوة بواسطة التخطيط الذكي الذي يردفه عزم صادق على ممارسة واستعمال هذه القوة".

تأسس على ضوء ذلك مؤسسات لعبت، ولا تزال، أدوارا بالغة الأهمية في دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه من خلال إمداده بمتطلباته الإنسانية الأساسية، من أهمها "ائتلاف الخير" الذي تأسس عام 2001، وضم عشرات المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية العربية والعالمية، التي عملت على تنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة، من توزيع الطرود غذائية، وكفالة الايتام، ودعم القطاعات الصحية والتعليمية، وتنفيذ المشاريع الهادفة لتشغيل الخريجين والعاطلين عن العمل من الشباب الفلسطيني، وغيرها من مشاريع الدعم الإنساني المختلفة.

وفي المجال التوعوي بقضية القدس، والتعريف بتطورات الهجمة التهويدية الممنهجة من جانب الاحتلال للمدينة المقدسة، أثمرت جهود الشيخ القرضاوي عن إنشاء "مؤسسة القدس الدولية"،كمؤسسة شاملة لكل مكونات الامة الدينية والفكرية  والتي تعمل على بث الوعي لدى الأجيال الناشئة فيما يتعلق بتاريخ القدس ومكانتها عند العرب والمسلمين والمسيحيين،

إضافة للدور المهم الذي تؤديه المؤسسة في سعيها للحفاظ على هوية القدس العربية، والإسلامية والمسيحية، وبالتالي إنقاذها من براثن الاحتلال ومخططاته، عبر تثبيت سكانها المقدسيين على أرضهم، وتعزيز صمودهم.

ويعتبر العلامة القرضاوي ما تعانيه القضية الفلسطينية من انقسام بين أخوة النضال الوطني  بالأمر المؤلم، حيث كان من أوائل العلماء الداعين لإنهائه، وقد جدد دعوته للمصالحة الوطنية الفلسطينية من قلب غزة التي زارها عام 2013، قائلاً "لا يجوز أن نستسلم لهذه التفرقة، فلا بد من الوحدة كي ننتصر، وأن يلتف الفلسطينيون جميعًا حول قيادة واحدة"، متسائلاً: "لماذا لا يتصالح الأخوان الشقيقان، كل من يؤيدون النصر لهذا الشعب يريدون له أن يتصالح ويوحد جهوده"، مؤكداً بأن "المسؤولين عن استمرار الانقسام- الذين وصفهم بالمتاجرين بالقضية-، لا يجب أن يكونوا عقبة ضد وحدة هذا الشعب، ونريد الجميع أن يضعوا أيديهم بأيدي بعضهم البعض".

حوار الأديان

وحظي القرضاوي في مراحل سبقت الأزمة الخليجية بإجماع خليجي وعربي بعلاقات واسعة ووثيقة بقيادات دول الخليج كافة، حيث كان يمارس دوره كعالم إسلامي فذ، ورجل وفاق، وجامع للقلوب وموحد للجهود الخيرة، والناشط الذي تستمد منه مؤسسات العمل الإنساني في العالم العربي والإسلامي العزيمة والحافز لإطلاق مبادراتها ومشاريعها الإنسانية بمختلف أرجاء المعمورة في قارات العالم، وقد لعب في هذا الصدد دور الموجه والناصح لتصب جهوده في صالح إغاثة الملهوف، ومد يد العون للمحتاج، في أي مكان من العالم، دون النظر لدينه وعرقه ولونه، وما يحمله من معتقدات.

ويشتمل الفكر التسامحي لدى العلامة القرضاوي على الحاجة الماسة إلى لم الشمل العربي والإسلامي، والعمل ضمن منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية واحدة، حيث أن للشيخ العديد من التصريحات الداعية إلى تجنيب الأمة الخلافات البينية، وإنهائها على الفور، قائلاً "إن كل المعارك الجانبية، والخلافات الجزئية، والصراعات الداخلية، يجب أن تنتهي اليوم إن كنا نعقل أمر ديننا، وندرك مصلحة دنيانا، وأن نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، مهما يكن بيننا من نقاط خلاف، فعندنا أكثر منها نقاط التقاء واتفاق".

ويشير في هذا الصدد إلى أن دوره كعالم يحتم عليه أن يكون حلقة ربط لا فصل بين أركان الأمة وجمهورها، ويقول في ذلك "يجب أن يشعر الجمهور تجاه العالِم أنه أب لصغيرهم، وأخ لكبيرهم، وصديق لجميعهم، وأنه ليس "شرطيًّا" يريد أن يضبطهم متلبسين، ولا "ممثل اتهام" يطلب لهم أقصى العقوبة". ويضيف في حديث آخر "لا يعيش المسلم في هم نفسه وحدها، بل يحمل هم المجتمع من حوله، يُقوِّم ما اعوج، ويُصلح ما فسد، ويردُّ من شَرَد، حتى يستقيم المجتمع على أمر الله".

ويتميز خطاب القرضاوي "التسامحي" والتصالحي، بعبور آفاق العالمين العربي والإسلامي، حيث تعبق الكثير من مقالاته التي نشرها في مختلف الدوريات العربية بعطر الأخوة والتوافق بين الأشقاء العرب والمسلمين، قيادات وشعوب، ويحرص بشكل مستمر في لقاءاته ومؤتمراته التي يشارك بها في مختلف العواصم الإسلامية والدولية، إلى الدعوة لتربية النشء، وتثبيت مبادئ وروح الأخوة لدى الشباب المسلم، وغرس قيم الاعتدال والوسطية التي يتميز بها الدين الإسلامي السمح، والتي يحض فيها على الرفق ونبذ العنف، والتيسير لا التعسير.

وفي خضم هذه الروح، كان الفضل له وجمع من العلماء في التحضير لأول مؤتمر لحوار الأديان أطلق في العاصمة القطرية الدوحة عام 2003، ثم مأسسة هذا الحوار عن طريق تأسيس "مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان" عام 2007، برغبة سامية من أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكان الهدف منه العمل على إيجاد حلول للمآسي التي يعيشها العالم نتيجة الاحتراب على أساس ديني، والخروج من المآزق التي يعيشها الإنسان، وخاصة العربي والمسلم، وإنهاء معاناة البشرية الناجمة عن لغة الكراهية والمصالح الفئوية التي باتت تجابه القيم الإنسانية التي تدعو لها الديانات السماوية الثلاث.

كما شارك في العديد من مؤتمرات الحوار بين المسلمين والغرب، ومن أهمها "منتدى أمريكا والعالم الإسلامي"، ذاك المؤتمر السنوي الذي يقام في الدوحة، ويستقطب نخباً من الأكاديميين والساسة والمسؤولين ورجال الدين، ومثقفين وإعلاميين، وغيرهم، بهدف مناقشة القضايا الخلافية العالقة بين الحضارات، وقد دعا القرضاوي في خامس لقاءات المنتدى الذي عقد في الدوحة عام 2007 إلى "أن تنفق واشنطن المليارات التي أنفقتها للهيمنة على العالم أو نصفها على حاجات العالم ومشاكله خصوصا الجنوب والعالم الثالث".

وللقرضاوي مساهماته العلمية الكبيرة حول قضايا الفكر الإسلامي، أو ما يتعلق منها بالشأن الدعوي، عبر مشاركته في العديد من المؤتمرات في مختلف الدول العربية والإسلامية والعالمية، نذكر منها:

المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي تحت رعاية جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، المؤتمر العالمي الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المؤتمر العالمي الأول للفقه الإسلامي بالرياض تحت رعاية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المؤتمر العالمي الثاني لتوحيد الدعوة وإعداد الدعاة تحت رعاية الجمعية الإسلامية بالمدينة المنورة، المؤتمر العالمي الأول لمكافحة المسكرات والمخدرات والتدخين تحت رعاية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

إضافة لمهرجان ندوة العلماء بالكهنو في الهند، ومؤتمر الإسلام والمستشرقين الذي نظمته ندوة العلماء بالتعاون مع دار المصفين بمدينة (أعظم كره) بالهند، وقد اختير بالإجماع رئيساً للمؤتمر.


ومؤتمرات السيرة النبوية والسنة الشريفة التي عقدت في أكثر من بلد، وقد انتخب في المؤتمر الذي عقد في قطر نائبا للرئيس.

كما أن له مساهماته التي أثرت العديد من الندوات من خلال مشاركته في أوراق العمل، كمشاركته في ندوة التشريع الإسلامي في ليبيا، ومؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، ومؤتمرات المصارف الإسلامية في دبي وفي الكويت واستنابول وغيرها، ومؤتمرات الهيئة العليا للرقابة الشرعية بالبنوك الإسلامية، وندوة "الاقتصاد الإسلامي في مجال التطبيق" في أبو ظبي، وندوات (المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية) بالكويت، و"مؤتمرات الزكاة" بالكويت، ومؤتمرات رابطة الجامعات الإسلامية بالقاهرة، وغيرها، ومؤتمرات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن، وملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر، ومؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بإسلام آباد، وندوة الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي بعمان، ومؤتمرات الإسلام والطب بالقاهرة، إضافة لزياراته للعشرات من الجامعات العربية والإسلامية والعالمية، وإلقائه المحاضرات فيها، فضلاً عن محاضراته في العديد من المراكز والمعاهد والجمعيات العلمية التي دعي إليها في أنحاء مختلفة من العالم.

أسس الشيخ القرضاوي عبر مسيرته "التسامحية"، فكراً وسلوكاً، حالة من التوازنات الأخلاقية في النظرة إلى المسلمين، والعالم الإسلامي، عبر إبراز الإسلام بصورته التصالحية الحقيقية مع الآخر، التي يحض فيها على بناء جسور التواصل والتعاون بين المجتمعات والشعوب، في مختلف المجالات، ومن أهمها الاجتماعية والإنسانية، حيث اجتهد القرضاوي بشكل دائب على جمع جهود الحركات الإسلامية لإنتاج عمل اجتماعي وخيري عالمي، عبر دعوتها لتوحيد طاقاتها من أجل أن تحتل موقعها الدولي في مواجهة ثالوث الفقر والجهل والمرض، وتكون نداً لخصوم الكيانات الإسلامية.

وقد تنبه مبكراً لجهود الكثير من مؤسسات العمل الاجتماعي الغربية، التي تتخذ من العمل الخيري ستاراً للوقوف كخصم للدعوة الإسلامية، حيث مارسوا من خلال عملهم في المجتمعات الإسلامية في أسيا وأفريقيا تضليل المسلمين، وبذل المحاولات لسلخهم عن عقيدتهم وهويتهم، ليستنهض القرضاوي همم الأمة، ويخوض تجربة تأسيس مؤسسات إسلامية عالمية تعنى بالشأن الخيري والاجتماعي، باتت جذورها اليوم ضاربة في أعماق العمل من أجل الإنسانية، تورف بظلالها على الفقراء والمحرومين في كافة أرجاء العالم، وتعطي من ثمارها المحتاجين على وجه البسيطة دون أدنى تمييز بين بني البشر.

فكر خيري إسلامي عالمي

ومن الفكرة إلى التطبيق، تأتي دعوة القرضاوي لترجمة أفكاره حول العمل الخيري الإسلامي العالمي على أرض الواقع متمثلة في عدد من المؤسسات، من أهمها "الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية"، التي جاء مشروع نظامها الأساسي متوافقاً مع تصوراته لأهدافها العامة، ولم تتوقف جهود القرضاوي عند هذا الحد، بل استمر في المساهمة بالفكرة والمشورة في تأسيس العديد من المؤسسات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية.

تدعم طروحات الشيخ القرضاوي حول عالمية العمل الخيري الإسلامي، منظومة أخلاقية أساسها التسامح بين أبناء البشر، وقبل ذلك معتقدات دينية حث عليها الخالق جل وعلا، ورسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك يقول القرضاوي "إن عمل الخير ونيَّته جزء من حياة المسلم، والذي يقدِّم الخير والعون لكلِّ محتاج إليه، قريبا كان أم بعيدا، صديقا أم عدوا، مسلما أم كافرا، إنسانا أم حيوانا". ويضيف في ذات السياق بأن "المسلم لا يقصُر خيره وبرَّه على أقاربه وذوي رَحِمه، أو عَصَبته وأهل بلده، وإن كان الإسلام يوصي بالأقربين أكثر من غيرهم".

وللعمل الخيري مجالاته الواسعة عند القرضاوي، كما أن التنوُّع فيه محمود ومحبوب، ويقول في ذلك "هذا يجود بما عنده من مال وممتلكات، وهذا يجود بما عنده من علم وخبرة وجهد؛ وبهذا تتكامل جهود أهل الخير في الأمة"، كما أن عمل الخير ليس حسيا فقط، بل قد "يأخذ عمل الخير شكلا معنويا عظيما، مثل: إدخال السرور على إنسان، ومسح دمعته، ومعالجة قلقه وهمِّه، وملء نفسه بالتوكُّل والثِّقة بالله، ومطاردة شبح اليأس من قلبه"، وفوق هذا وذلك فإن "عمل الخير في الإسلام لا يُقبَل عند الله ما لم يكن خالصا لا تشوبه شائبة أو تلوِّثه، وذلك بأن تكون بواعثه دينية أخلاقية، لا دنيوية مادية، فلا يُقبَل من امرئ جعله وسيلة لخداع الناس أو مراءاتهم".

وللعمل الخيري إلزاميته لدى كل إنسان، وهو ما يشير إليه الشيخ بكلماته "إن كل إنسان مطالب بأن يعمل لخدمة مجتمعه ولو بذرة من الخير"،

ويفصل أوجه عمل الخير بقوله أن "إماطة الأذى من الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة.. هذه أعمال نافعة.. ربما ليست نافعة من الناحية المادية.. إنما كونك تدخل السرور على إنسان بتبسمك في وجهه أو بإعطاءه كلمة طيبة تشرح صدره.. المفروض من كل إنسان أن يعمل لخدمة مجتمعه بأي قدر يستطيعه ولا يستقل أي شيء لأن الله تعالى يقول {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}".

وتصل إلزامية عمل الخير عند أبناء الأمة حد "الفرض اللازم"، سيما في حالات إغاثة المصابين من الكوارث كالزلازل والأعاصير والفيضانات، والحروب، وغيرها، وحديث القرضاوي صريح في هذا الشأن، حيث يقول "للمصابين بالكوارث العامة حقوق في المال غير الزكاة، فإن إغاثة الملهوف، وإعانة المضطَّر، وإطعام الجائع، وإيواء المشرَّد، وجبر المكسور، ومداواة الجريح؛ كلُّها فرائض لازمة على الأمة بالتضامن".

ويرشد القرضاوي إلى الانعكاسات الإيجابية النفسية لعمل الخير على النفس البشرية، فالاجتهاد في مساعدة الناس، وخصوصًا الضعفاء منهم؛ يساعد على الخروج من حالة الكرب والاكتئاب.

ويوضح بأن "مما يساعد على الخروج من حالة الكرب والاكتئاب؛ الاجتهاد في مساعدة الناس، وخصوصًا الضعفاء منهم، مثل: الفقراء واليتامى والأرامل والمعوقين وأصحاب الحاجات، والعمل بجد لإغاثة الملهوفين، وتفريج كربة المكروبين، ومسح دمعة المحزونين، ورسم البسمة على شفاههم"، مؤكداً بأن ما يكتب للمرء في رصيده عند الله تعالى من عمل الصالحات وفعل الخيرات".

وفي خاتمة القول، برز القرضاوي خلال مسيرته العلمية والفكرية كمجدّد لمسارات الوعي الإسلامي المعاصر، وإعادة تشكيل هذا الوعي، معتمداً في ذلك منظومة من الفكر المعتدل، من أهم سماته التيسير والتسامح، والتصالح مع الآخر، مع الحفاظ على الثوابت العقائدية.

ومع اتخاذ هذه المنظومة ملامح الاعتدال والتجديد والإصلاح، فقد ظلت تمثل في كينونتها حالة فكرية وعقائدية تتسم بالصمود أمام هيمنة المشروع الصهيوني في المنطقة، تجابهه بكافة أشكال التوعية والدعم الإنساني والإجتماعي والاقتصادي، وتشكل الحضور الواسع في العالمين العربي والإسلامي، وفي المهجر، وتلهم حركات فكرية تسير في نسق إعادة تشكيل الوعي الإسلامي المعاصر، بما يحمل ذلك من مضامين حماية الهوية والحقوق والمقدسات، عبر التصدي للمخططات الهادفة للنيل من الأمة ومقدراتها. 

رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف