الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سفر مريم والعودة إلى المستقبل بقلم:أ. سامي قرّة

تاريخ النشر : 2019-01-18
سفر مريم والعودة إلى المستقبل
أ. سامي قرّة

أحداث كثيرة تجري في رواية سفر مريم (مكتبة كل شيء، حيفا، 2019) للكاتب الشاب مهند الصباح، تبدأ من عام 1947 عندما أصدرت الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة القرار رقم 181 الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة فلسطينية وأخرى يهودية، وإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتنتهي بيومنا الحاضر الذي يعيش فيه الفلسطينيون في شبه دولة يسودها انقسامات حزبية وأحوال سياسية متقلبة، لا تختلف كثيرا عن الاضطرابات والتوترات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع الفلسطيني والتي تعكسها أحداث الرواية.
ونرى ما يحدث في الرواية من وجهة نظر مريم تلك "الطفلة اليافعة صاحبة العقل الرزين" (186). نجدها في غرفتها نائمة تحلم عن وطنها وأهلها، وتسافر في خيالها إلى المستقبل، وترى أحداثا كثيرة ترويها لأبيها الذي يُبدي اهتماما بالغا "بما شاهدته في سفرها من أحداث المستقبل" (189). لكن إذا نظرنا إلى أحداث الرواية وأجرينا مقارنة بينها وبين السياق السياسي والاجتماعي القائم للمجتمع الفلسطيني، فإننا نجد أن ذلك المستقبل هو في حقيقة الأمر الحاضر الذي يعيشه الفلسطينيون في الوقت الراهن. تتحدث الرواية عن مواضيع متعددة منها النكبة وحق اللاجئين في العودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والوحدة والأرض والعشائرية، وحق المرأة في الميراث والمساواة بين الجنسين والغربة والاغتراب والصراع العائلي والمقاومة واللجوء والحبّ والزواج، وهذه كلها مواضيع تشكل صلب القضايا الحياتية للفلسطينين. وبهذا يصبح الحلم واقعا؛ وهذا الخلط بين الحلم والواقع إنما يدل على التخبط الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني سياسيا واجتماعيا، لا سيما في ظل غياب سياسة وطنية واضحة المعالم والأهداف. كما أن هذا الخلط بين الحلم والواقع ينعكس من الناحية اللغوية في الخلط بين صيغة الماضي وصيغة الحاضر التي يستخدمهما المؤلف في روايته للدلالة على فترتين زمنيتين مختلفتين، هما ما قبل النكبة حتى العام 1947 والمتمثلة في حياة اللاجئين في مخيّم الحمامة، وفترة ما بعد النكبة والمتمثلة في حياة اللاجئين بعد عودتهم إلى قريتهم الأمّ كفر النخلة.
وفي واقع الأمر تتداخل الفترتان في الرواية، وتتداخل الأحداث نتيجة ذلك إلى حد قد يؤدي بالقارئ إلى أن يتوه ويتساءل عمّا إذا كان الكاتب يتحدث عن فترة ما قبل النكبة أو ما بعدها. سأعطي مثالين من الرواية لتوضيح هذه الفكرة. تبدأ أحداث الرواية في العام 1947 بعد صدور قرار التقسيم، ونرى اللاجئين في عين الحمامة يتنقلون بين المحطات التلفزيونية العربية لمعرفة إجراءات تطبيق القرار، وفجأة نقرأ السطور التالية عن الإدارة الأمريكية التي زجّت بالأمريكان في "حروب متناثرة في أصقاع الكرة الأرضية بلا حلفائها التاريخيين في أوروبا ... وبالذات في منطقة الشرق الأوسط الذي شهد ثورات في بعض بلدان، وتحالفات بين بلدان أخرى، وارتفاع الأصوات المطالبة بانفصال ولاية كاليفورنيا عن الفيدرالية الأمريكية"(6). هنا نرى خلطًا واضحا بين الماضي والحاضر، إذ أن الثورات في بعض البلدان العربية وإحياء المطالبة بانفصال ولاية كاليفورنيا وتحالفات البلدان العربية ضد بلدان أخرى جميعها أحداث جرت مؤخرا نتيجة للتطورات السياسية المتلاحقة. ونجد المثال الآخر عن هذا الخلط الزمني في حادثة وفاة قاسم ابن فاروق. مرة أخرى تبدأ أحداث الرواية في العام 1947 ويكون قاسم متوفى أصلا، لكننا نقرأ عن حادث وفاته بعد ذلك بكثير اي في العام 2017 أثناء محاولته دخول القدس للمشاركة في "الاعتصام الدائر حول سورها احتجاجا على نصب البوابات الإلكترونية على مداخل مسجد الأقصى" (69). يمكننا تعليل هذا الخلط أو الربط الزمني بين الماضي والحاضر في الرواية بالقول أن النكبات والنكسات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في الماضي ما يزال أثرها قائما حتى الآن، وقد تستمر لسنوات طوال في المستقبل.
تتميز الرواية بتعدد الشخصيات فيها، فجميعهم ينحدرون من ثلاث عائلات رئيسية، هي عائلة العبد وعائلة السعد وعائلة حميد، وجميعهم يمثلون كافة أطياف المجتمع الفلسطيني من مختلف الأعمار والمهن، فمنهم من يعيش في المخيم، ومنهم من يعيش في الشتات مثل سعيد، ومنهم المهندس مثل يوسف، ومنهم العقيد مثل إياد، ومنهم رئيسة اللجان النسائية مثل فاطمة، ومنهم الطبيب مثل إيهاب، ومنهم المحقق مثل كريم، ومنهم الأمّ مثل ريما، ومنهم السجين في السجون الإسرائيلية مثل عمر، وهناك الشيخ مثل عبد العليم وغيرهم. وتمثل الشخصيات جيلين هما جيل الكبار مثل فاروق وأبو سالم والحاج أحمد موسى والعجوز رندا، وجيل الشباب مثل رهف وسعيد وإيهاب وعمر وغيرهم.
يعيش مجتمع الرواية في مخيّم عين الحمامة الافتراضي بعد تهجيرهم إليه قسرا من قريتهم الأصلية قرية كفر النخلة، وهي أيضا قرية من صنع خيال المؤلف. يعيش سكان المخيّم حياة اللجوء بعد أن تمّ تهجيرهم قسرا من قريتهم الأمّ. يصف أبو سالم كيف خرج أبوه وجدّه من كفر النخلة لحظة احتلالها: "خرجوا خائفين مرعوبين، تاركين كل شيء في القرية، يتخطفهم الموت ويلاحقهم الرصاص، عطشوا وما وجدوا شربة ماء، جاعوا وما عثروا على كسرة خبز بائسة" (20). لكن فجأة يصلهم نبأ عودتهم إلى قريتهم الأصلية فتكبر آمالهم وتكثر أحلامهم، ويتوحدون نحو تحقيق هذا الهدف. وبقيادة العقيد إياد يضعون خطة العودة، وبالفعل يعودون عودة "الثائر المنتصر لا اللاجئ المنكسر". ويردد الجميع بصوت واحد: "عائدون، عائدون ص"20."
أمّا حق العودة للاجئين الفلسطينيين فهو موضوع هام يستحق الوقوف عنده بعض الشيء؛ لأنه الموضوع الأبرز في رواية سفر مريم. وهو حق ينص عليه القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية لحماية حقوق اللاجئين، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذا الحق أكثر من 135 مرة، ومع ذلك يبقى حق العودة حلما يراود كل لاجئ فلسطيني. واليوم لا نسمع كثيرا عن حق العودة قدر ما نسمع عن توطين اللاجئين في الدول المضيفة أو تعويضهم أو السماح بالعودة لعدة آلاف منهم فقط. فأصبح هناك الكثير مثل ريما زوجة فاروق التي تشكك بتحقيق العودة إلى كفر النخلة، فتقول لزوجها: "السياسيون لن يدعوكم تعودون إليها" (9). فالعودة مثل رحلة الهذيان التي تقوم بها مريم؛ هي رحلة المبتدأ الذي لا خبر له؛ هي رحلة لها بداية وليس لها نهاية.
بعد عودة اللاجئين إلى كفر النخلة يشعرون بالاغتراب، وعندما كانوا يعيشون في عين الحمامة كانوا يعيشون في غربة، والغربة والاغتراب من المواضيع الهامة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الفلسطينيين، كما أنها مواضيع ذات قيمة أدبية خاصة في الأدب الفلسطيني. والعودة إلى كفر النخلة هي بمثابة العودة إلى الوطن، ومع ذلك يشعر أهلها بالاغتراب، فهم إلى حد ما غرباء في وطنهم. فقرية كفر النخلة لم تعد قرية بل "أصبحت بلدة نتيجة تراكم السنين" (28)، وعندما يحاول فاروق البحث في القرية عن الأمكنة الواردة في الخارطة التي ورثها عن جدّه لا يجدها؛ لأن كل "شيء قد تغير"، ويستمر هو وعمر في "البحث فترة طويلة دون نتائج تذكر" (29). يغضب فاروق حتى أنه يشك في مصداقية الخارطة التي ورثها عن أبيه، ففي هذه "الخارطة الموروثة من زمن تغيرت ملامحه وتغيرت معه طبيعة الأرض أيضا" "33"
هذا الاغتراب المكاني له أهميته؛ إذ أنه من ناحية يفصل الماضي عن الحاضر فصلا تاما، ويفصل الجذور عن الفروع. ففاروق يحاول ان يجد الرابط بين الأيام الحاضرة والأيام الماضية، وبين أهل كفر النخلة وأبائهم وأجدادهم إلا أنه لا يفلح في ذلك، فتفقد الخارطة أهميتها، ويتم صياغة وثيقة توقع عليها العائلات الثلاث وتصبح هي المرجع الذي ينظم حياة أهالي القرية. ولما يقوله سعيد في هذا السياق أهمية كبرى، إذ يعكس كثيرا الوضع الفلسطيني الراهن الذي بات يتخلى تدريجيا عن جذوره التاريخية في أرضه، ويقبل بتسويات ومساومات. فقد فقدت القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة المرتبطة بحقوق الفلسطينيين أهميتها وقوتها التنفيذية، واصبحت الاتفاقات الثنائية والمفاوضات السياسية هي القنوات التي عبرها سيستعيد الفلسطينيون حقوقهم. يقول سعيد: "بلغني ما كان في الأيام الماضية، ولو تابعتم قراءة خارطة جدّ فاروق مدى الحياة لن تصلا إلى شيء يُذكر. وهذه نتيجة حتمية لما هي عليه القرية الآن، خاصة بعدما أصبحت أكبر من قرية وأصغر من مدينة، والأهم من ذلك كله في هذه المرحلة هو التمسك بالوثيقة الموقعة بين العائلات؛ هي أكثر أهمية من الأرض ومالكيها الأصليين" ص"37."
وفي ملاحظة ذات صلة بهذا الموضوع، دعونا نأخذ قضية القدس مثالا. فمدينة القدس التي عرفها أجدادنا وأباؤنا هي غير المدينة التي يعرفها أبناؤنا وأحفادنا الآن، وذلك بسبب التغييرات الكبيرة في معالمها الجغرافية وأماكنها. وبيئة المدينة التي عاشها أجدادنا وآباؤنا تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة التي يعيشها أبناؤنا وأحفادنا، فالجيل الجديد يعيش مغتربا عن تاريخ المدينة، بينما يعيش الجيل القديم مغتربا عن حاضرها وهو في حنين دائم إلى ما قد مضى. والتصالح بين تاريخ المدينة وحاضرها يتم عن طريق أدب الذاكرة. فالذاكرة هي الضامن الوحيد للتفاعل بين الأجيال.
يحث الأستاذ مهند الصباح أولاده (ومن يقرأ روايته بالطبع) في صفحة الإهداء أن يتذكروا جيدا ما قاله سلمان ناطور: "ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة". وعلى مدى السنوات الماضية ظهرت ثقافة الذاكرة أو أدب الذاكرة كوسيلة للحفاظ على الإرث الثقافي والسياسي والجغرافي الفلسطيني . وتنتقل هذه الذاكرة من جيل إلى جيل عن طريق الأدب والفنون بجميع أشكالها وأيضا عن طريق الإعلام. وما رواية سفر مريم سوى مساهمة تستحق التقدير لإبقاء الذاكرة الجمعية للنكبة والعودة والوطن والأرض حيّة. وأخيرا ينبغي القول أنه حتى الموروثات الثقافية والاجتماعية لا بد من مراجعتها وإعادة صياغتها؛ كي تتناغم مع متطلبات الحياة العصرية، وهذا ما يعبر عنه الكاتب بوضوح عندما يقول أن التحدي الذي يواجهه عمر وسعيد وفاروق يكمن بالدرجة الأولى في محاولة آبائهم الحفاظ على إرث قديم وعادات عشائرية غير منصفة: "كان تحديهم بالدرجة الأولى موجها نحو إحياء إرث بالٍ وعادات عشائرية، لا تنصف المظلوم ولا تقتص من الظالم" (91). ويضيف فاروق لاحقا: "نصرنا منقوص ... كل تحرير منقوص ما لم يتحرر العقل والفكر" ص"97".
سفر مريم رواية جميلة سهلة القراءة، لكنها متشعبة في مواضيعها وتعالج أكثر من قضية تمسّ صميم المجتمع الفلسطيني خاصة مستقبل بناء الدولة الفلسطينية الحديثة، والتحديات التي تواجهها. فالعودة إلى المستقبل رحلة شاقة وطويلة لكنها ممكنة الحدوث. تصرخ مريم: "صدقني يا أبي ... لقد كنت هناك ... أقسم لك" (186).
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف