الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بائعة الحطب بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية

تاريخ النشر : 2019-01-13
بائعة الحطب بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية
بائعة الحطب :::




على اطراف غابة كثيفة الاشجار كان ابو السبح  يسكن في بيت بسيط لا تتجاوز مساحته الخمسون متراً به ، غرفه من طوب الطين الممزوج بالقش وذات سقف من الواح الخشب القديم بالكاد تحميه من مطر و برد الشتاء و ملحق بها حوش بسيط به حظيرة صغيرة جداً بها ماعز لا يتجاوز عددها عدد اصابع اليد الواحدة وقم لعدد من الدجاج وديك و جميعها ينتشر نهاراً في الحوش حيث تلقى بعض بذور القمح و بقايا مخلفات الاكل و هو بالكاد يكفي ابو السبح و زوجته العجوز نصره و ابنتهما التي منذ فترة زمنية بسيطة تجاوزت عامها الخامس عشر .

تعيش هذه الاسرة على بعض الحليب الذي يحصلون عليه من الماعز و على البيض الذي توفره لهم العشر دجاجات ، و بعض الجبنة التي تقوم نصره بصناعتها من الحليب الذي تحصل عليه كل صباح من الماعز بعد ان تقوم كل صباح بحبلها . 

كان ابو السبح يشتري يوميا من السوق بعض انواع الخضروات القليلة و بعض الدقيق الذي تصنع منه نصره الخبز الذي تخبزه في فرن صغير صنعته من الطين الممزوج بالقش .

كان ابو السبح ليس لديه اي عمل سوى ممارسه مهنة التحطيب فيخرج من المنزل في الصباح الباكر فور بداية شروق الشمس وتنشر نورها الذي يتسرب الى الغابة بين اوراق الشجر و يرسم لوحة فنية تتغير عناصرها كلما اهتزت الاوراق بفعل رياح الصباح الباردة وكأنها تُحدث الكون بانها لازالت على قيد الحياة تُسبح الرحمن .

يستمر ابو السبح بالسير على قدميه مدة عشرون دقيقة حتى يصل الى اطراف الغابة و يبدا في التوغل فيها تدريجيا وهو يتفحص اغصان الأشجار و كانه يلقي عليها التحية ، كان يتفحصها و يحدثها بانه كالعادة قادم ليأخذ ما يناسب من الاغصان التي يسهل له بيعها في السوق . 

يقوم ابو السبح بقطع الاغصان بمنشار صغير و قديم فعل الصدأ به فعلته ، و كان كلما عاكسه غصن سميك نسبيا كان يستخدم القدوم و به يضرب الغصن عدة ضربات كانت تسبب له التعب و الاعياء فيجلس على الارض ليتنفس بعمق حتى يستعيد نشاطه و قواته . 

بعد ان ينتهي ابو السبح من تقطيع ما يستطيع حمله من الحطب يقوم بترتيبها وربطها بحبل تعود على احضاره معه و هو رفيقه الوحيد في رحلته هذه و يقوم بربطها بحزمة واحدة و يضعها جانباً و يقوم برفعها عن الارض عدة مرات و يضربها بالأرض بشكل يمكنه من التأكد بان خزمة الحطب تم ربطها جيداً ثم يضعها جانباً و يجلس عليها يلتقط انفاسه ، يخرج من جيب سترته البالية علبة من الصفية قديمة متآكلة الاطراف ، و يقوم بفتحها و يخرج منها قصاصات من الورق و يضع واحدة منها بين أصبعي الابهام و السبابة و يضع بداخلها بعض التبغ (و في الحقيقة هو لم يكن تبغاً بل هو بعضاً من اوراق الشجر الجافة التي يقوم بهرسها لتصبع قطع صغيرة بحجم قطع التبغ ، يضع كمية بسيطة في الورقة التي بين اصبعيه و يبلل بلسانه احد اطرافها و من ثم يقوم بلفها جيداً و يضع طرفها الذي بلله بلسانه فوق الطرف الاخر و يمرر اصابعه عليها فتلتصق و تصبح مثل السيجارة ، ثم يقوم بإخراج ولاعته التي عاصرته منذ شبابه و يحاول اشعال السيجارة بعد ان يكون قد حاول عدة مرات لإخراج  لهب الولاعة التي في كل محاولاته كانت يصدر عنها صوتاً ينتشر صداه من حوله فتتطاير العصافير عن الاشجار ظنا منها بان احداً يطلق عليها رشة من بندقية صيد ، فيتبسم ابو السبح الذي يكون قد وضع تحت بعض الاشجار عدة افخاخ لصيد بعض العصافير التي كلما اصطادت عصفوراً يقوم يأخذه ويضعه بين صدره و سترته . 

يشعل ابو السبح سيجارته و يبدا في شهيق الدخان التي  يختزنه لعدة ثواني في صدره ثم ينفثه و هو يتغنى و يقول : آه يا زمن

 اطعمتنا الحلو و المر و المحن

 من وين أجيب حبيب غيرك

يا دخان الهنا 

أنت وهالحطبات اصحابي انا

 بعد العصر ..... بدنا نروح سوى

 السوق يا برقوق     

ونبيع هالحطبات   

و نجيب قرشين

 نشتري طحين و خضروات 

و في الصباح يا غابة عائدين

 نعيد نفس الموال يا خال 

يردد ابو السبح هذه العبارات و يتنهد بعمق كلما نفث الدخان من صدره مع سعال يكاد يجرح رئتيه .

بعد العصر يحمل ابو السبح حزمه الحطب على ظهره متجها  الى سوق القرية التي تبعد عن بيته مسافة تقارب الثلاثة كيلو متر ، و عند وصوله للسوق يتجه الى حانوت ابو محمود الذي تربطه به علاقة طيبة ، فيشفق عليه ابو محمود و يشتري منه كل يوم حزمة الحطب بمبلغ بسيط ، الا انه يزيد في الثمن قرشين اضافيين اكرامية لأبو السبح ، فيشكره و من ثم يقوم بشراء بعض الحاجيات البسيطة للبيت ثم ينصرف ويغادر الحانوت متجها للبيت الذي عند عتبته تجلس زوجته نصره و ابنته غزالة تنتظرن قدومه ، و ما ان يقترب من المنزل تجري غزاله باتجاهه لتحمل عنه ما أحضره لهم من السوق .

يعطيك العافية ابو السبح تبادر نصرة بالقول كيف كان يومك ..... جيد يا نصره ... خذي العصافير التي اصطدتها و هي خمس عصافير سأذبحها لتطبخيها مع شوية من الخضروات لنتناول طعام الغداء ، تكون نصره قد جهزت خلال نهارها الخبز ، و ما ان يجهز الطعام حتى يجلسوا جميعا على الارض و ويبدؤوا بتناول طعامهم و هم يحمدون الله و يشكرون فضله على هذه النعمة . 

كان السعال يشتد على ابو السبح و يذهب للتحطيب بصعوبة بالغة فأعياه المرض و ضاق صدره و اصبح يتنفس بصعوبة بالغة ، الى ان في ذاك اليوم لم يقدر على الذهاب للغابة و استمر على هذا الوضع عدة ايام الى ان فارق الحياة . 

حزنت نصره و ابنتها غزاله حزنا شديدا على فراقه و لكنها لم تستسلم للوضع الجديد الذي حُرمن خلاله من الرجل الذي يؤمن لهم لقمة العيش ، فكرت جيدا و قررت ان تمارس مهنة التحطيب بدلا عن زوجها المتوفى .... و بالفعل كانت تأخذ المنشار والقدوم و الحبل و تذهب بها كل يوم الى الغابة وتبدأ بقص أغصان الأشجار بكمية تستطيع حملها على راسها و من ثم تتجه الى البيت و هي لا تعلم اين كان زوجها يبع الحطب فكانت تضعه في البيت علَ احد المارين المحتاجين للحطب يشتري بعضاً منه ، الا ان احدا لم يأت. 

مر اسبوعان و هي تنقل الحطب من الغابة الى منزلها ، و هي تفكر كيف لها ان تبيع الحطب لحاجتها الماسة لشراء المواد الغذائية و الطحين ، لكن لا جديد ، الى ان حضر رجل بلباسه النظيف و لحيته البيضاء الكثة ووقف بباب البيت يسأل عن ابو السبح فأجابته نصره ، توفاه الله ، ضرب كف بكف وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و تنهد بحزن عميق و قال : الله يرحمه كان صديقي و هو رجل صابر ، و وجه لها سؤال عن حالتهم و كيف يعيشون قالت : نصره احتطب كل يوم و احضر الحطب للبيت و لا اعلم اين ابيعه ، قال : لها انا اشتريه كله ، قالت : اذن انت ابو محمود صاحب الحانوت ، قال : لها انا ابو محمود .

جلس ابو محمود يستمع لنصره و هي تحدثه عن معاناتها هي و ابنتها من شظف العيش خاصة بعد وفاة زوجها ، تحركت بداخله عاطفة و حزن ، فقال : لها وماذا بشان الأبنة غزاله قالت : تساعدني في اعمال المنزل . 

و لا عمل لديها غير ذلك 

صمت ابو محمود طويلا و هو يفكر كيف له ان يساعد هذه الاسرة و يقدم لهم مالاً يُكسبه اجرا عظيما عند الله ، فقال : يا نصره ماذا لكم غير هذا المنزل البسيط في هذا المكان قالت :لا شيء و المنزل بناه ابو السبخ على هذه الارض التي لا نملك منها حتى سنتمتر واحد ، قال : انا لديَّ منزل كبير و لا يعيش به الا انا و زوجتي و ابنتي حمدية و ابني الذي انهى الثانوية العامة و يساعدني في اعمال الحانوت ، و انا اعرض عليكم بأن تسكنوا عندي في المنزل وسأمنحكم غرفة و تستريحي انت من تعب التحطيب و ربنا منعم علينا برزق يكفينا جميعا ، قالت نصرة و ماذا بشان غزاله ، قال : اخطبها من الآن لابني سعيد . توجه الجميع لمنزل ابو محمود و قص على زوجته و اسرته الحكاية ، فباركت زوجته هذه الخطوة و وافق سعيد على الزواج من غزاله ، التي اسعدها ذلك .

اطلقت نصره وام محمود زغرودة قوية سمعتها عصافير الغابة فاتت ترفرف بأجنحتها و تتراقص امام لجميع . و كأنها تبارك لهم و تقول : الف مبروك 

د. عز الدين حسين أبو صفية،،،
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف