الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرؤية الشّعرية في ديوان الكتابة بالنّار للشاعر عثمان لوصيف بقلم:أ.منى بلخيري

تاريخ النشر : 2019-01-04
بقلم الناقدة منى بلخيري جامعة عنابة الجزائر
ذكر أدونيس في كتابه " سياسة الشعر " : حين يموت الشاعر يستيقظ في العالم شيء كان نائما ، بل يشعر بعضنا أنّ أشياء كثيرة في ذاكرتهم و حياتهم تسطع كأنّها تولد لأوّل مرّة كأننا بموته نرى ما لم نكن نراه و كأنّ الزّمن يكتب موت الشّاعر.
يذكر أدونيس أيضا مقولة " أنّ الشعر العربي سحابة بعمر التاريخ العربي " و لكن شعر عثمان لوصبف بمثابة الرّباب مشحون بكل ما تحمله اللغة من إيحاء و أداء :
وإني الرّباب إذا ارتجت حوامله بالماء سد فروج الأرض واحتفلا.
ولد الشاعر عثمان لوصيف سنة 1951 في طولقة ولاية بسكرة ، التحق بمعهد الآداب و اللغة العربية بجامعة باتنة و تخرّج عام 1984 ، من دواوينه : الكتابة بالنّار ، شبق الياسمين 1986 ، أعراس الملح 1988 ، ناقش الدكتوراه في جامعة وهران موسومة بــــــــ: التجربة الشعريّة عند رامبو 2016 ، توفي في 27 جوان 2018 عن عمر يناهز 67 عاما بعد معاناة مع المرض ، و من الدراسات الأكاديمية على أعماله : الجملة الشعرية في ديوان الإرهاصات لعثمان لوصيف ، تولد الدّلالة في ديوان و لعينك هذا الفيض و غيرها .
قال عثمان لوصيف :" أنا ثائر...أُحسّ أنّ ثورة جبّارة تدفعني إلى تغيير العالم إلى تدميره ...و إعادة بناءه من جديد " ، تتوافق هذه الرّؤية الشّعرية مع ما قاله أدونيس حينما:" إن اللغة في الشّعر تكون شعرية حين تقيم علاقات جديدة بين الإنسان و الاشياء ، و الأشياء و الأشياء ، بين الكلمة و الكلمة أي تقدّم صورة جيدة للحياة و الإنسان" .
" الكتابة الفنيّة لا تصف الواقع و إنّما تعيد خلقه لنا متحوّلا في صورة جديدة في احتمال آخر ، و هذا ما أكّده يوسف الخال :" لا تشرح العالم أو تفسّره أو تنقله أو تكشفه و إنّما تريد خلقه من جديد على محك تجربة الشّاعر.
بالعودة إلى مقولته أنا ثائر و هي نتيجة تحيلنا إلى أنا أكتب ...أنا ثائر ، و الثائر كما قال ألبير كامو Un homme révolte u ; homme qui dit non
فهل كانت شعرية عثمان لوصيف شعرية رفض؟ هل شعره يدفعنا إلى تجاوز الطرح التقليدي ما معنى هذه القصيدة و ما هو موضوعها ؟ إلى ماذا تطرح القصيدة من أسئلة ؟ و ماذا تفتح أمامي من آفاق ؟
و بما أنّ الشاعر وسم ديوانه بالكتابة بالنار فكان لمفردة النار نصيب في مجموعته الشعرية ، و العجيب أنّ النّار تدل على دلالتين متضادتين الإيجابية و السلبية نستطيع القول تتصالح و تتواطؤ الأضداد بطريقة ساحرة :
• الانبعاث :و ترمز النّار في ديوانه إلى الانبعاث ، فتبشّر بالحياة بعد العدم و بالفرح بعد الحزن و باليسر بعد العسر، فالشّاعر يعبّر عن خلق وطن من الرّماد ، و الرّماد هو نتيجة النّار فلا رماد دون نار و هو بذلك يعطي للنّار صفة الإضاءة و النّور .
و كان رماد النّخيل المبعثر في الذاكرة
يلثم يتوهّج بالخضرة العاشقة
و يستعين الشّاعر بمفردة النّار ليدلّ على وحدة الكائن وانقسامه في آن واحد في استعماله للصّور المتعاكسة النّار/ الماء .
و أنت النّار عاشقة تلظّى
و أنت السّحب تبكي في انهمار
و هو يذكّرنا بمقطع لأدونيس يجمع فيه الثنائيّة الضّدية الماء/ النّار في ديوانه مفرد بصيغة الجمع :
النّار تضرم النّار
و أنا الماء يلهو مع الماء
كما يشير الشّاعر إلى الثّورة و حبّه الشّديد لها بالجمر و وصف الفقر و الجوع الذي انتفضت لأجله لتطفر بالكرامة :
أنا جوع الجوع أذوي احتراقا
و اشتياقا لجمرك النّديان
و قرن النّدى بالجمر ، و النّدى يحيلنا إلى الماء ، و الماء يحيل إلى الخصوية ، فالشّاعر يتوسّم من الثّورة الأمان و الأمل بغد أفضل و مشرق ، فهو بذلك يقر بيقين تام بحتمية حضور هذا الغد :
أنت حلم الجياع أنت منى القلب
المعنّى و أنت برّ الأمان
أنت قنديل حبّنا و هوانا
في ليالي الجحود و الطّغيان
أنت عشق و غربة و رحيل
و عبور إلى المدى النوراني
أنت فيض النبوءات يأتي
أنت أرض يزهو بها صولجان
أنت طقس الميلاد أنت الأماني
و الأغاني و باقة الرّيحان
على الرغم من وجود المفردات التي تدل على العذاب { الجياع ، القلب المعنى ، ليالي الجحود ، الطغيان ، الغربة ، الرّحيل } نلمح المد و الإيقاع التفاؤلي و حقله {بر الأمان ، قنديل ، عبور ، المدى النوراني ، فيض النبوءات ، طقس الميلاد ،الأماني ، الأغاني ، باقة الرّيحان } واستعمال النّار بوجهها التفاؤلي في صورة ( القنديل ، المدى النوراني) .
و هذا ما يشير إليه تعريف أدونيس لقصيدة الرّؤيا " تتّجه إلى تقديس الذّات الشّاعرة و الكشف عن عمقها بكل ما تخفيه من أحلام و آمال و قلق و غربة الذّات " و هو يوافق مقولة الشاعر الفرنسي رنيه ريشار :" الكشف عمّا يظل أبدا في حاجة إلى كشف " .
و من المقطوعات التي تتأجّج الكتابة فيها بالنّار و تجعل القارئ حسب أدونيس " يلحظ تركيبة الأبيات تنتهب إلى عالم لا مرئي بعيد عن الواقع " قوله "
كاشتعال البحر في الأجفان
التقينا على نزيف الأغاني
و تعانقنا بعد دهر فراق
كعناق البركان للبركان
واعتصرنا الغرام شهقة ملح
وانغمسنا في لجّة النيران
و في هذا البوح تتشكّل لنا صورة مركبة من مجالين الماء ممثّلا في البحور و الملح ، و النّار ممثلة في اشتعال و البركان و لجّة النيران و هو تواصل بين مجالين متناقضين يحتاج إلى شاعر فنّان لصياغته .
و هذا ما يطمح إليه الشعر الجديد أن يؤسس لغة التساؤل و التغيير ، ذلك أنّ الشاعر هو من يخلق أشياء العالم بطريقة جديدة ؛ على حد تعبير أدونيس فالشّعر هو فنّ يجعل اللغة تقول ما لم تتعوّد أن تقوله ، فيصبح الشّعر ثورة داخل اللغة .
• الآخر في ديوان الكتابة بالنّار :
يقول عثمان لوصيف :
و رمونا بين الذّئاب خرافا
فاقترفنا مرّ الرّدى أرجاسه
و من أبرز المقولات الفلسفية التي اعتبرت الآخر عائق لحريّة الأنا هي مقولة سارتر " الجحيم هو الآخرون"، فالعلاقة بين الأنا و الآخر هي علاقة تشييئية و هي علاقة انفصالية يغيب فيها التواصل .
و في ثنائية ذئاب / خراف إحالة إلى ثنائية السيد و العبد ، القوي و الضعيف ، المُستعمِر و المُمستعمَر و هي تتماهى كليّا مع مقولة توماس هوبز " ذئبية الإنسان " فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان ما إن يلتفت حتّى يطعنه الطّعنة القاتلة ، والآخر عن مارتن هيدغر يحمل في طيّاته خاصية استبداديّة تمسح عن الأنا تفرُّده و تميّزه .
• الإنسان المشروع في ديوان الكتابة بالنّار :

يقول الشّاعر عثمان لوصيف في قصيدته " إعلان عن هويّة ":
في نشوتي و عذابي
لي النّار و الحلم و الشّهوة الجامحة
و توق يلفّ الغيمة الرّائحة
لي الأمل البكر أنهل من فيضه
و أعبّء رحيق الحياة
في هذه الأبيات يفتح عثمان لوصيف آفاق ممكناته و سلّم ارتقائه فيها ، و هذا ما يوافق مقولة سارتر عن الإنسان المشروع :"يجد الإنسان نفسه دوما في مصاعب الحياة التي تشعره بالقلق فإذا أراد الانتصار عليه الاستمرار في طلب الحياة و اختيارها بحريته ، أنا حر مسؤول عن حريتي و اختياراتي " ، فالشّاعر اختار نشوته و عذابه ، ثمّ انتقل إلى ممكن آخر و هو حلمه و شهوته و يتوسّم الوصول إلى ممكن آخر و هو تحقيق أمله و الاستمتاع بحياته .
• الحلول في ديوان الكتابة بالنّار :
الحلول عند المتصوّفة أن تحل الذّات الإلهية في ذات أحرى ، و هذا ما يبرز في مقولة الحلّاج :" يا من هو أنا ، و أنا هو لا فرق بين إنيّتي و هويّتك إلا الحدث و القدم " .
يقول الشّاعر عثمان لوصيف :
و حينما أسقط منهكا على يديك
ينقشع الغبار
تنكشف الأسرار
و أستشفّ الله في عينيك
و هنا تتضح النّظرة أو الرّؤية الصّوفية و هي طهارة المحبوب و قدسيته .
و من الواضح أن الشّاعر عثمان لوصيف تتنازعه ثورتان ( الأنا / الآخر) ، فهو لا ينزع ألى تجويع المعنى و تنحيل اللفظ و تقزيم الحجم حسب تعبير جميل حمداوي إنّما يبرهن على أنّ التجربة الشّعرية تنضج و تتطور و تتسع من خلال التجاوز و الثوران .
المصادر و المراجع :
1- عثمان لوصيف ، ديوان الكتابة بالنّار، المؤسسة الوطنية للكتاب ، دط ، 1982 .
2- أدونيس ،سياسة الشّعر، دار الآداب ، ط2 ، 1996 .
3- JP Sartre. L’être et le néant. Gallimard. 1943.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف