بقلم الناقدة منى بلخيري جامعة عنابة الجزائر
ذكر أدونيس في كتابه " سياسة الشعر " : حين يموت الشاعر يستيقظ في العالم شيء كان نائما ، بل يشعر بعضنا أنّ أشياء كثيرة في ذاكرتهم و حياتهم تسطع كأنّها تولد لأوّل مرّة كأننا بموته نرى ما لم نكن نراه و كأنّ الزّمن يكتب موت الشّاعر.
يذكر أدونيس أيضا مقولة " أنّ الشعر العربي سحابة بعمر التاريخ العربي " و لكن شعر عثمان لوصبف بمثابة الرّباب مشحون بكل ما تحمله اللغة من إيحاء و أداء :
وإني الرّباب إذا ارتجت حوامله بالماء سد فروج الأرض واحتفلا.
ولد الشاعر عثمان لوصيف سنة 1951 في طولقة ولاية بسكرة ، التحق بمعهد الآداب و اللغة العربية بجامعة باتنة و تخرّج عام 1984 ، من دواوينه : الكتابة بالنّار ، شبق الياسمين 1986 ، أعراس الملح 1988 ، ناقش الدكتوراه في جامعة وهران موسومة بــــــــ: التجربة الشعريّة عند رامبو 2016 ، توفي في 27 جوان 2018 عن عمر يناهز 67 عاما بعد معاناة مع المرض ، و من الدراسات الأكاديمية على أعماله : الجملة الشعرية في ديوان الإرهاصات لعثمان لوصيف ، تولد الدّلالة في ديوان و لعينك هذا الفيض و غيرها .
قال عثمان لوصيف :" أنا ثائر...أُحسّ أنّ ثورة جبّارة تدفعني إلى تغيير العالم إلى تدميره ...و إعادة بناءه من جديد " ، تتوافق هذه الرّؤية الشّعرية مع ما قاله أدونيس حينما:" إن اللغة في الشّعر تكون شعرية حين تقيم علاقات جديدة بين الإنسان و الاشياء ، و الأشياء و الأشياء ، بين الكلمة و الكلمة أي تقدّم صورة جيدة للحياة و الإنسان" .
" الكتابة الفنيّة لا تصف الواقع و إنّما تعيد خلقه لنا متحوّلا في صورة جديدة في احتمال آخر ، و هذا ما أكّده يوسف الخال :" لا تشرح العالم أو تفسّره أو تنقله أو تكشفه و إنّما تريد خلقه من جديد على محك تجربة الشّاعر.
بالعودة إلى مقولته أنا ثائر و هي نتيجة تحيلنا إلى أنا أكتب ...أنا ثائر ، و الثائر كما قال ألبير كامو Un homme révolte u ; homme qui dit non
فهل كانت شعرية عثمان لوصيف شعرية رفض؟ هل شعره يدفعنا إلى تجاوز الطرح التقليدي ما معنى هذه القصيدة و ما هو موضوعها ؟ إلى ماذا تطرح القصيدة من أسئلة ؟ و ماذا تفتح أمامي من آفاق ؟
و بما أنّ الشاعر وسم ديوانه بالكتابة بالنار فكان لمفردة النار نصيب في مجموعته الشعرية ، و العجيب أنّ النّار تدل على دلالتين متضادتين الإيجابية و السلبية نستطيع القول تتصالح و تتواطؤ الأضداد بطريقة ساحرة :
• الانبعاث :و ترمز النّار في ديوانه إلى الانبعاث ، فتبشّر بالحياة بعد العدم و بالفرح بعد الحزن و باليسر بعد العسر، فالشّاعر يعبّر عن خلق وطن من الرّماد ، و الرّماد هو نتيجة النّار فلا رماد دون نار و هو بذلك يعطي للنّار صفة الإضاءة و النّور .
و كان رماد النّخيل المبعثر في الذاكرة
يلثم يتوهّج بالخضرة العاشقة
و يستعين الشّاعر بمفردة النّار ليدلّ على وحدة الكائن وانقسامه في آن واحد في استعماله للصّور المتعاكسة النّار/ الماء .
و أنت النّار عاشقة تلظّى
و أنت السّحب تبكي في انهمار
و هو يذكّرنا بمقطع لأدونيس يجمع فيه الثنائيّة الضّدية الماء/ النّار في ديوانه مفرد بصيغة الجمع :
النّار تضرم النّار
و أنا الماء يلهو مع الماء
كما يشير الشّاعر إلى الثّورة و حبّه الشّديد لها بالجمر و وصف الفقر و الجوع الذي انتفضت لأجله لتطفر بالكرامة :
أنا جوع الجوع أذوي احتراقا
و اشتياقا لجمرك النّديان
و قرن النّدى بالجمر ، و النّدى يحيلنا إلى الماء ، و الماء يحيل إلى الخصوية ، فالشّاعر يتوسّم من الثّورة الأمان و الأمل بغد أفضل و مشرق ، فهو بذلك يقر بيقين تام بحتمية حضور هذا الغد :
أنت حلم الجياع أنت منى القلب
المعنّى و أنت برّ الأمان
أنت قنديل حبّنا و هوانا
في ليالي الجحود و الطّغيان
أنت عشق و غربة و رحيل
و عبور إلى المدى النوراني
أنت فيض النبوءات يأتي
أنت أرض يزهو بها صولجان
أنت طقس الميلاد أنت الأماني
و الأغاني و باقة الرّيحان
على الرغم من وجود المفردات التي تدل على العذاب { الجياع ، القلب المعنى ، ليالي الجحود ، الطغيان ، الغربة ، الرّحيل } نلمح المد و الإيقاع التفاؤلي و حقله {بر الأمان ، قنديل ، عبور ، المدى النوراني ، فيض النبوءات ، طقس الميلاد ،الأماني ، الأغاني ، باقة الرّيحان } واستعمال النّار بوجهها التفاؤلي في صورة ( القنديل ، المدى النوراني) .
و هذا ما يشير إليه تعريف أدونيس لقصيدة الرّؤيا " تتّجه إلى تقديس الذّات الشّاعرة و الكشف عن عمقها بكل ما تخفيه من أحلام و آمال و قلق و غربة الذّات " و هو يوافق مقولة الشاعر الفرنسي رنيه ريشار :" الكشف عمّا يظل أبدا في حاجة إلى كشف " .
و من المقطوعات التي تتأجّج الكتابة فيها بالنّار و تجعل القارئ حسب أدونيس " يلحظ تركيبة الأبيات تنتهب إلى عالم لا مرئي بعيد عن الواقع " قوله "
كاشتعال البحر في الأجفان
التقينا على نزيف الأغاني
و تعانقنا بعد دهر فراق
كعناق البركان للبركان
واعتصرنا الغرام شهقة ملح
وانغمسنا في لجّة النيران
و في هذا البوح تتشكّل لنا صورة مركبة من مجالين الماء ممثّلا في البحور و الملح ، و النّار ممثلة في اشتعال و البركان و لجّة النيران و هو تواصل بين مجالين متناقضين يحتاج إلى شاعر فنّان لصياغته .
و هذا ما يطمح إليه الشعر الجديد أن يؤسس لغة التساؤل و التغيير ، ذلك أنّ الشاعر هو من يخلق أشياء العالم بطريقة جديدة ؛ على حد تعبير أدونيس فالشّعر هو فنّ يجعل اللغة تقول ما لم تتعوّد أن تقوله ، فيصبح الشّعر ثورة داخل اللغة .
• الآخر في ديوان الكتابة بالنّار :
يقول عثمان لوصيف :
و رمونا بين الذّئاب خرافا
فاقترفنا مرّ الرّدى أرجاسه
و من أبرز المقولات الفلسفية التي اعتبرت الآخر عائق لحريّة الأنا هي مقولة سارتر " الجحيم هو الآخرون"، فالعلاقة بين الأنا و الآخر هي علاقة تشييئية و هي علاقة انفصالية يغيب فيها التواصل .
و في ثنائية ذئاب / خراف إحالة إلى ثنائية السيد و العبد ، القوي و الضعيف ، المُستعمِر و المُمستعمَر و هي تتماهى كليّا مع مقولة توماس هوبز " ذئبية الإنسان " فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان ما إن يلتفت حتّى يطعنه الطّعنة القاتلة ، والآخر عن مارتن هيدغر يحمل في طيّاته خاصية استبداديّة تمسح عن الأنا تفرُّده و تميّزه .
• الإنسان المشروع في ديوان الكتابة بالنّار :
يقول الشّاعر عثمان لوصيف في قصيدته " إعلان عن هويّة ":
في نشوتي و عذابي
لي النّار و الحلم و الشّهوة الجامحة
و توق يلفّ الغيمة الرّائحة
لي الأمل البكر أنهل من فيضه
و أعبّء رحيق الحياة
في هذه الأبيات يفتح عثمان لوصيف آفاق ممكناته و سلّم ارتقائه فيها ، و هذا ما يوافق مقولة سارتر عن الإنسان المشروع :"يجد الإنسان نفسه دوما في مصاعب الحياة التي تشعره بالقلق فإذا أراد الانتصار عليه الاستمرار في طلب الحياة و اختيارها بحريته ، أنا حر مسؤول عن حريتي و اختياراتي " ، فالشّاعر اختار نشوته و عذابه ، ثمّ انتقل إلى ممكن آخر و هو حلمه و شهوته و يتوسّم الوصول إلى ممكن آخر و هو تحقيق أمله و الاستمتاع بحياته .
• الحلول في ديوان الكتابة بالنّار :
الحلول عند المتصوّفة أن تحل الذّات الإلهية في ذات أحرى ، و هذا ما يبرز في مقولة الحلّاج :" يا من هو أنا ، و أنا هو لا فرق بين إنيّتي و هويّتك إلا الحدث و القدم " .
يقول الشّاعر عثمان لوصيف :
و حينما أسقط منهكا على يديك
ينقشع الغبار
تنكشف الأسرار
و أستشفّ الله في عينيك
و هنا تتضح النّظرة أو الرّؤية الصّوفية و هي طهارة المحبوب و قدسيته .
و من الواضح أن الشّاعر عثمان لوصيف تتنازعه ثورتان ( الأنا / الآخر) ، فهو لا ينزع ألى تجويع المعنى و تنحيل اللفظ و تقزيم الحجم حسب تعبير جميل حمداوي إنّما يبرهن على أنّ التجربة الشّعرية تنضج و تتطور و تتسع من خلال التجاوز و الثوران .
المصادر و المراجع :
1- عثمان لوصيف ، ديوان الكتابة بالنّار، المؤسسة الوطنية للكتاب ، دط ، 1982 .
2- أدونيس ،سياسة الشّعر، دار الآداب ، ط2 ، 1996 .
3- JP Sartre. L’être et le néant. Gallimard. 1943.
ذكر أدونيس في كتابه " سياسة الشعر " : حين يموت الشاعر يستيقظ في العالم شيء كان نائما ، بل يشعر بعضنا أنّ أشياء كثيرة في ذاكرتهم و حياتهم تسطع كأنّها تولد لأوّل مرّة كأننا بموته نرى ما لم نكن نراه و كأنّ الزّمن يكتب موت الشّاعر.
يذكر أدونيس أيضا مقولة " أنّ الشعر العربي سحابة بعمر التاريخ العربي " و لكن شعر عثمان لوصبف بمثابة الرّباب مشحون بكل ما تحمله اللغة من إيحاء و أداء :
وإني الرّباب إذا ارتجت حوامله بالماء سد فروج الأرض واحتفلا.
ولد الشاعر عثمان لوصيف سنة 1951 في طولقة ولاية بسكرة ، التحق بمعهد الآداب و اللغة العربية بجامعة باتنة و تخرّج عام 1984 ، من دواوينه : الكتابة بالنّار ، شبق الياسمين 1986 ، أعراس الملح 1988 ، ناقش الدكتوراه في جامعة وهران موسومة بــــــــ: التجربة الشعريّة عند رامبو 2016 ، توفي في 27 جوان 2018 عن عمر يناهز 67 عاما بعد معاناة مع المرض ، و من الدراسات الأكاديمية على أعماله : الجملة الشعرية في ديوان الإرهاصات لعثمان لوصيف ، تولد الدّلالة في ديوان و لعينك هذا الفيض و غيرها .
قال عثمان لوصيف :" أنا ثائر...أُحسّ أنّ ثورة جبّارة تدفعني إلى تغيير العالم إلى تدميره ...و إعادة بناءه من جديد " ، تتوافق هذه الرّؤية الشّعرية مع ما قاله أدونيس حينما:" إن اللغة في الشّعر تكون شعرية حين تقيم علاقات جديدة بين الإنسان و الاشياء ، و الأشياء و الأشياء ، بين الكلمة و الكلمة أي تقدّم صورة جيدة للحياة و الإنسان" .
" الكتابة الفنيّة لا تصف الواقع و إنّما تعيد خلقه لنا متحوّلا في صورة جديدة في احتمال آخر ، و هذا ما أكّده يوسف الخال :" لا تشرح العالم أو تفسّره أو تنقله أو تكشفه و إنّما تريد خلقه من جديد على محك تجربة الشّاعر.
بالعودة إلى مقولته أنا ثائر و هي نتيجة تحيلنا إلى أنا أكتب ...أنا ثائر ، و الثائر كما قال ألبير كامو Un homme révolte u ; homme qui dit non
فهل كانت شعرية عثمان لوصيف شعرية رفض؟ هل شعره يدفعنا إلى تجاوز الطرح التقليدي ما معنى هذه القصيدة و ما هو موضوعها ؟ إلى ماذا تطرح القصيدة من أسئلة ؟ و ماذا تفتح أمامي من آفاق ؟
و بما أنّ الشاعر وسم ديوانه بالكتابة بالنار فكان لمفردة النار نصيب في مجموعته الشعرية ، و العجيب أنّ النّار تدل على دلالتين متضادتين الإيجابية و السلبية نستطيع القول تتصالح و تتواطؤ الأضداد بطريقة ساحرة :
• الانبعاث :و ترمز النّار في ديوانه إلى الانبعاث ، فتبشّر بالحياة بعد العدم و بالفرح بعد الحزن و باليسر بعد العسر، فالشّاعر يعبّر عن خلق وطن من الرّماد ، و الرّماد هو نتيجة النّار فلا رماد دون نار و هو بذلك يعطي للنّار صفة الإضاءة و النّور .
و كان رماد النّخيل المبعثر في الذاكرة
يلثم يتوهّج بالخضرة العاشقة
و يستعين الشّاعر بمفردة النّار ليدلّ على وحدة الكائن وانقسامه في آن واحد في استعماله للصّور المتعاكسة النّار/ الماء .
و أنت النّار عاشقة تلظّى
و أنت السّحب تبكي في انهمار
و هو يذكّرنا بمقطع لأدونيس يجمع فيه الثنائيّة الضّدية الماء/ النّار في ديوانه مفرد بصيغة الجمع :
النّار تضرم النّار
و أنا الماء يلهو مع الماء
كما يشير الشّاعر إلى الثّورة و حبّه الشّديد لها بالجمر و وصف الفقر و الجوع الذي انتفضت لأجله لتطفر بالكرامة :
أنا جوع الجوع أذوي احتراقا
و اشتياقا لجمرك النّديان
و قرن النّدى بالجمر ، و النّدى يحيلنا إلى الماء ، و الماء يحيل إلى الخصوية ، فالشّاعر يتوسّم من الثّورة الأمان و الأمل بغد أفضل و مشرق ، فهو بذلك يقر بيقين تام بحتمية حضور هذا الغد :
أنت حلم الجياع أنت منى القلب
المعنّى و أنت برّ الأمان
أنت قنديل حبّنا و هوانا
في ليالي الجحود و الطّغيان
أنت عشق و غربة و رحيل
و عبور إلى المدى النوراني
أنت فيض النبوءات يأتي
أنت أرض يزهو بها صولجان
أنت طقس الميلاد أنت الأماني
و الأغاني و باقة الرّيحان
على الرغم من وجود المفردات التي تدل على العذاب { الجياع ، القلب المعنى ، ليالي الجحود ، الطغيان ، الغربة ، الرّحيل } نلمح المد و الإيقاع التفاؤلي و حقله {بر الأمان ، قنديل ، عبور ، المدى النوراني ، فيض النبوءات ، طقس الميلاد ،الأماني ، الأغاني ، باقة الرّيحان } واستعمال النّار بوجهها التفاؤلي في صورة ( القنديل ، المدى النوراني) .
و هذا ما يشير إليه تعريف أدونيس لقصيدة الرّؤيا " تتّجه إلى تقديس الذّات الشّاعرة و الكشف عن عمقها بكل ما تخفيه من أحلام و آمال و قلق و غربة الذّات " و هو يوافق مقولة الشاعر الفرنسي رنيه ريشار :" الكشف عمّا يظل أبدا في حاجة إلى كشف " .
و من المقطوعات التي تتأجّج الكتابة فيها بالنّار و تجعل القارئ حسب أدونيس " يلحظ تركيبة الأبيات تنتهب إلى عالم لا مرئي بعيد عن الواقع " قوله "
كاشتعال البحر في الأجفان
التقينا على نزيف الأغاني
و تعانقنا بعد دهر فراق
كعناق البركان للبركان
واعتصرنا الغرام شهقة ملح
وانغمسنا في لجّة النيران
و في هذا البوح تتشكّل لنا صورة مركبة من مجالين الماء ممثّلا في البحور و الملح ، و النّار ممثلة في اشتعال و البركان و لجّة النيران و هو تواصل بين مجالين متناقضين يحتاج إلى شاعر فنّان لصياغته .
و هذا ما يطمح إليه الشعر الجديد أن يؤسس لغة التساؤل و التغيير ، ذلك أنّ الشاعر هو من يخلق أشياء العالم بطريقة جديدة ؛ على حد تعبير أدونيس فالشّعر هو فنّ يجعل اللغة تقول ما لم تتعوّد أن تقوله ، فيصبح الشّعر ثورة داخل اللغة .
• الآخر في ديوان الكتابة بالنّار :
يقول عثمان لوصيف :
و رمونا بين الذّئاب خرافا
فاقترفنا مرّ الرّدى أرجاسه
و من أبرز المقولات الفلسفية التي اعتبرت الآخر عائق لحريّة الأنا هي مقولة سارتر " الجحيم هو الآخرون"، فالعلاقة بين الأنا و الآخر هي علاقة تشييئية و هي علاقة انفصالية يغيب فيها التواصل .
و في ثنائية ذئاب / خراف إحالة إلى ثنائية السيد و العبد ، القوي و الضعيف ، المُستعمِر و المُمستعمَر و هي تتماهى كليّا مع مقولة توماس هوبز " ذئبية الإنسان " فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان ما إن يلتفت حتّى يطعنه الطّعنة القاتلة ، والآخر عن مارتن هيدغر يحمل في طيّاته خاصية استبداديّة تمسح عن الأنا تفرُّده و تميّزه .
• الإنسان المشروع في ديوان الكتابة بالنّار :
يقول الشّاعر عثمان لوصيف في قصيدته " إعلان عن هويّة ":
في نشوتي و عذابي
لي النّار و الحلم و الشّهوة الجامحة
و توق يلفّ الغيمة الرّائحة
لي الأمل البكر أنهل من فيضه
و أعبّء رحيق الحياة
في هذه الأبيات يفتح عثمان لوصيف آفاق ممكناته و سلّم ارتقائه فيها ، و هذا ما يوافق مقولة سارتر عن الإنسان المشروع :"يجد الإنسان نفسه دوما في مصاعب الحياة التي تشعره بالقلق فإذا أراد الانتصار عليه الاستمرار في طلب الحياة و اختيارها بحريته ، أنا حر مسؤول عن حريتي و اختياراتي " ، فالشّاعر اختار نشوته و عذابه ، ثمّ انتقل إلى ممكن آخر و هو حلمه و شهوته و يتوسّم الوصول إلى ممكن آخر و هو تحقيق أمله و الاستمتاع بحياته .
• الحلول في ديوان الكتابة بالنّار :
الحلول عند المتصوّفة أن تحل الذّات الإلهية في ذات أحرى ، و هذا ما يبرز في مقولة الحلّاج :" يا من هو أنا ، و أنا هو لا فرق بين إنيّتي و هويّتك إلا الحدث و القدم " .
يقول الشّاعر عثمان لوصيف :
و حينما أسقط منهكا على يديك
ينقشع الغبار
تنكشف الأسرار
و أستشفّ الله في عينيك
و هنا تتضح النّظرة أو الرّؤية الصّوفية و هي طهارة المحبوب و قدسيته .
و من الواضح أن الشّاعر عثمان لوصيف تتنازعه ثورتان ( الأنا / الآخر) ، فهو لا ينزع ألى تجويع المعنى و تنحيل اللفظ و تقزيم الحجم حسب تعبير جميل حمداوي إنّما يبرهن على أنّ التجربة الشّعرية تنضج و تتطور و تتسع من خلال التجاوز و الثوران .
المصادر و المراجع :
1- عثمان لوصيف ، ديوان الكتابة بالنّار، المؤسسة الوطنية للكتاب ، دط ، 1982 .
2- أدونيس ،سياسة الشّعر، دار الآداب ، ط2 ، 1996 .
3- JP Sartre. L’être et le néant. Gallimard. 1943.