الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الكيزان المشوهة بقلم:حسين عمر دراوشة

تاريخ النشر : 2019-01-02
الكيزان المشوهة...!!!

يمتلك رائد في فناء منزله الفاخر مساحة صغيرة خضراء تسر الناظرين، وفي وسطها ممر يصل باب البيت بالباب الرئيس على الشارع العام الذي تلج فيه أصوات المارة وأبواق السيارات، يخنس أولاد رائد وأمهم في غرف البيت ويجيبون  الحديقة مع الصباح والمساء، لم ينقضِ موسم زراعة الذرة، التي يشتهيها أبناء رائد وزوجته، فقرر أن يشتري مجموعة من البذور؛ لكي يفسح لها مجالاً في حديقة بيته الغناء، ففكر في الأمر حريّا، فاستعان بفلاح يسكن في أطراف الحي، وذهب إليه وبادله التحية، وخاطبه قائلاً:

أريد منك مساعدتي في زراعة بعض الأشياء في فناء حديقة البيت. 

الفلاح: لا خلاف في ذلك، ولكن كل شيء يحتاج لقروش..

رائد: خذ أجرت قبل أن يجف عرقك...

الفلاح: شكراً لك عزيزي.

وذهب معه إلى البيت المنشود ... فوصلاه فأُثيرت دهشة الفلاح من هول المشهد الرهيب، فأخذ يمشي على الممر ويلتفت يسرةً ويمنةً، ورائد يكرر عبارات الترحيب به... وأراه المكان المحدد، وأخذ يخطط الفلاح بكل فن من أجل زراعة بذور الذرة، وقدّم له رائد واجب الضيافة، فقال الفلاح: حياك ربي يا بيك رائد...

رائد: هذا أقل الواجب....

يهمهم الفلاح في نفسه، قائلاً: إنه أحسن من غيره بكثير من الباشوات الكبار...!!!

الفلاح: لم يبقَ عليّ كثيراً في إنجاز زراعة البذور وتنسيقها ...

رائد: منحك الله الصحة والعافية...

وانصرف إلى مبتغاه، وبقي الفلاح يصارع التربة الصلدة، يلين في قرائحها المجنونة، وتضاريسها المتمردة، فانتهى من العمل، وذهب لباب المنزل الداخلي، وأخذ يدق عليه، قائلاً:

يا معلم رائد ..

استغرب رائد من صنيعه، واختلف لون بشرته أمام زوجته أشكال شتى، والفلاح مسرور لنيل وعد الأجرة، ورائد غاضباً من صنيعه، وبرز ذلك على وجنته الحمراوين، فقال للفلاح: 

هلا لماذا تدق بغزارة، إنني أسمعك... ألم ترَ الجرس الكهربائي على الباب، ألمَ تسمع صوت الميكروفون يرد عليك ؟!

الفلاح: أنا غلطان أطلب منك السماح والعفو يا سيدي...

وناوله رائد نصف الأجرة ولم يستوفِ وعده، صُعِق الفلاح من ذلك التصرف، فقال رائد:

تمر علي تأخذ باقيها عند نجاح ما بذرته من الذرة ...!!

ويحدث الفلاح نفسه في نجاح الذرة أو فشلها، هل سيعتني بها رائد؟ هل سيسقيها المياه أم سينساها؟ هل حياته تسمح له بمتابعة الذرة في ساحة البيت؟ هل الممر المزخرف سيذكره بتلك الزرعة المنكوبة من جراء الشهوات العاتية؟ 

وانطلق إلى الفلاح إلى بيته منهكاً من شدة التعب، والفرحة المبتورة تجوب جوانبه، لم يظفر بزائد أهل بيته، أخذ ما تيسر في طريقه لأبنائه وزوجته الذين يقطنون في الجحيم المحموم لا النعيم المظلول كسائر بني البشر...

***

واهتم رائد ببذور الذرة وتعاهدها بالرعاية وسقاية الماء، وأخذت تخرج الأرض صفراء يانعة، منحنية الرأس متواضعة في أصلها، واختلف لونها في اليوم التالي وأخذ الخضار الأسود يعتليها، وبدأت تنمو وتكبر، ولكنها لم تخرج الثمر بعد، وجاء الفلاح لرائد يتمطى، فطرق الباب، ففتح له، فقابله قائلا: أهلاً بك...!!

رائد: لم يخرج الثمر بعد حتى أوافيك بالأجرة ... 

لم يدرِ أن المصائب اجتمعت في رأس الفلاح المغلوب على أمره، تقبل الأمر بكل ضيق صدر، وأدار ظهره ويهز رأسه قائلاً: من يده في النار ليس كالذي يده في الماء، وأخذ يفكر في جودة بذور الذرة واحتمال خروج ثمرها، هل سأتحمل أنا وزر رداءة جودتها؟ وفاضت نفسه بأشياء كثيرة، ولكن الحياة يجب أن تستمر، لا يضيع حق وراءه مطالب، ولا يوجد ما أخسره... 

وانشغل الفلاح في تحصيل لقمة العيش، ورائد ينعم في الخيرات ويسيح في المسرات والحي المنكوب القريب من بيته يعيش على رائحة شواء الأماني المطروحة في طرق العمر، ولا أحد يلبي لها رغباتها ... 

وأخرجت الذرة كيزانها لم تكن طبيعية في نشأتها لقد فسدت من جراء البرد القارس من الرياح الهوجاء والعواصف العابسة التي خلقتها بهذه الصورة، وجاء الفلاح إلى رائد مثل كل مرة، ولكن هذه الزيارة، أعطاه جزءاً من حقه، قائلاً له: أوافيك كل مالك عند الحصاد...

غضب الفلاح ولكن كعادته أسرها في نفسه...

وأخذت الذرة يذوي قوامها الأخّاذ رغم توافر المياه ... إلى أن يبست سيقانها وما زال الشعر الناعم ينساب من تلك الكيزان المشوه أمام ناظر الغادين والرائحين من زوار بيت رائد وأحباب أهله ... وفي ذات ليلة أقر رائد أن يقدم وليمة لأصدقائه وزملائه وإخوانه ... فحضروا جميعاً في سهرة روحانية لا عيون لها، وتراموا بأطراف الحديث من بعيد وقريب، إلى أن انفضت تلك الليلة الغبراء في وقت متأخر، وانصرف الجميع وكروشهم متلألأة  بما لذّ وطاب، ولم يكن أحدهم على خطأ أو صواب ... هي بين هذا وذاك، وغادورا البيت وأغلق رائد الباب الداخلي لكي يودعهم، وكان أحدهم يختلس سيجارته التي هي الوحيدة بعد الله ستقضي على أنفاسه النجسة... ورمى أحدهم بقمعه سجارته في الحديقة... لم يرعْ رائد ذلك أي اهتمام ... واستمروا في الضحكات العالية والناس من حولهم نيام إلى أن وصلوا الباب الرئيس ... وودعهم بحرارة وأغلق الباب الرئيس والداخلي، وانصرف إلى مضجعه ... وقربت النار الوسيمة من الذرة اليابسة وانبعث الدخان الأبيض الهادئ من قلب الحديقة ... والفلاح قلبه مستمر بالغليان من ضنك العيش وتعاسة الحياة... وكلهم في واد يسيرون ويحملون بما لا يفعلون ...!!!
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف