الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشارع في رواية "ليل الضفة الطويل" عادل الأسطة بقلم رائد محمد الحواري

تاريخ النشر : 2019-01-01
الشارع في رواية
"ليل الضفة الطويل"
عادل الأسطة
للأدب أكثر من رسالة، منها، أحداث المتعة عند القارئ، خلق وإيجاد مؤيدين للتغيير، تقديم الواقع ، تعرية الانتهازيين، التنبيه والتحذير مما هو قادم، في هذه الراوية نجد حقيقة واقعنا الفلسطيني، فالسارد من خلال تحدثه مع نفسه، يكشف لنا المستور، ويواجهنا بواقعنا وبحقيقتنا، فهو يقرع خزاننا الداخلي، ويحذرنا من الهاوية التي انزلقنا إليها، وهنا استحضر كتاب "ثورة في عصر القرود" لرشاد أبو شاور الذي كشف فيه خطورة التستر على نهج الانتهازي والانهزامي عند المتنفذين في المنظمات الفلسطينية، واجزم أننا الآن ندفع الثمن غاليا على تغاضينا وسكوتنا وتسترنا على هؤلاء، الذين فرخوا وتكاثروا بطريق عدة، وأصبحوا يشكلون طبقة في المجتمع الفلسطيني، تمتد من رأس الهرم، مرورا بالمؤسسات والجامعات والشركات والنقابات لتصل إلى عنصر التنظيم/الأمن/الموظف.
السارد في رواية "ليل الضفة الطويل" يتحدث عن العديد من اشكال الفساد والانتهازية في المجتمع الفلسطيني ـ قبل قدوم السلطة ـ وهو يتحدث بجرأة قلة مثيلها، فهو "لا يبقي ولا يذر" ويكشف سلبيات كل الذين تعامل معهم، دون استثناء، حتى أنه يتحدث عن الرجل في الشاعر، لهذا لن يكون هناك معجبين بمثل هذه المكاشفة، وفي المقابل سيجد كل المتضررين من الوضع القائم متنفس لهم في هذه الرواية، فهو وجدوا من يعبر عن سخطهم ورفضهم لما حصل ويحصل.
الشارع الفلسطيني
أي مجتمع بحاجة إلى أن يرى نفسه على حقيقتها ـ هذا إذا أراد أن يتقدم للأمام ـ فهل نحن نتصرف بطريقة سوية؟، من خلال هذا المشاهد يمكننا الإجابة: "تأتي الحافة فتصعد، تستمع إلى كلام السائق إياه، وحين يصرخ عليه راكب ما أن يقف ولا يفعل لأنه يتحدث مع الآخرين يصرخ من جديد، فيكرر السائق قصته مع الاستاذ .... فقال لي: توقف يا حمار فما كان مني إلا أن ضحكت وقلت: هل تظنني طالبا من طلابك" ص10و11، الرسالة التي يوصلها هذا المشهد أننا نستخدم "الصراخ ونعت الآخرين بألفاظ غير مناسبة، ومن أين من استاذ، من المفترض أن يكون نموذج للآخرين، وهذه اشارة إلى احدى سلبياتنا وما نحمله من احتقان وتوتر وانفعال.
أما عن الطريقة التي يتصرف بها المواطنين في حالة الخلاف والنزاع:
"...جاء شاب إلى بقال ليشتري منه علبة كولا، فسأله الأخير إن اعطاه ثمنها، وكادت المعركة بين الاثنين تنشب، فهدد الشاب البقال بأنه سيحضر له الشبيبة، مما جعل الأخير يقول له: أن كنتم رجالا فتعالوا، وسأحضر لكم حماس" ص15، هذا هو حالنا وحال التنظيمات، فهي ليست أكثر من قبيلة يستعان بها وقت الخلاف، ألهذا وجدت التنظيمات؟.
يوضح لنا السارد حقيقة التصفيات الجسدية التي تمت خلال الانتفاضة فيقول: "أن الكثرين ممن يقتلون الآن يقتلون تصفية حسابات" ص17، أليس هذا القتل بحاجة إلى محاسبة فاعليه ومنفذيه؟
أما عن الفئات المستفيدة من الفوضى: "...تذرع الشوارع من جديد وتسير بين عربات الخضار والفواكه، تحاول السير على الرصيف فلا تستطيع، ليس هناك متسع، فالبائعون تكاثروا منذ زمن...ما فعله أصحاب البسطات صاحب أرض أراد تسجيلها "لقد طالبوه بتعويضات وهددوه بالشبيبة وبحماس" ص17و18، عقلية القبيلة هي المسيطرة، والتنظيمات ساهمت في إذكاء هذه العقلية، لأنها كانت تتدخل لحساب عناصرها وليس لحساب الوطن أو العدل.
وهذا ما حصل على أرض الواقع: "...تقاتلت عائلتان حول مشكلة شخصية وسرعان ما أصبح العراك فصائليا" ص38، إذن تم تحويل التنظيم السياسي إلى قبيلة، وعليها أن تنصر وتنتصر لأفرادها.
"...عليك أن تلتزم مع فصيل حتى يدافع عنك" ص17، لقد أصبحت الثورة وفصائلها مجرد قبلية، وأصبح الفرد يبحث عن "قبيلة تحميه، تأمن له ما يحتاجه في الحياة: "يا أخي نحن نحب الثورة إذا حققت لنا مكاسب فقط، لا أحد يريد أن يضحي" ص45، لقد أتعكس نهج القبائل/الفصائل على الافراد، وأخذوا يفكرون بذات الطريقة اتي يفكر ويتصرف بها المتنفذون في التنظيمات/القبائل.
الفصائل بكل أطيافها ساهمت في إحداث الفجوة في المجتمع الفلسطيني، فهي لم تعي أهمية العمل لفلسطين وللفلسطيني، بل عملت لنفسها، كقبيلة/عشيرة، لهذا نجدها تقدم على جريمة فقط لكي تمنع الفصائل الأخرى من الظهور: "أراد المنشقون أن يخوضوا الانتخابات، فاحتجت فتح عرفات وأرسلت بعض أفرادها ليسجلوا حتى يخوضوا الانتخابات باسم روابط القرى" ص42، المنافسة تحولت إلى صراع، والصراع جعل الأخوة ينتجهون نهجا أعوج.
وأما عن انتخابات النقابات فهي أيضا لم تخرج من ثوب القبيلة والعشيرة: "إذا أردت أن ترشح نفسك لانتخابات نقابة العاملين، ... فيمكنك أن تشكل كتلة خاصة بأبناء نابلس" ص43، لهذا نجد غالبية الانتخابات ما هي إلا اصطفاف قبلي وليس سياسي/حزبي/وطني.
والتجار لهم وقفة مميزة عند السارد: "يقال أن دعاية الانتخابات كلفت نصف مليون دينار... فهل سيحرر الذين سيفوزون الضفة" ص35، الجميل في هذه المشاهد أنها تصور حقيقة المجتمع الفلسطيني بكافة شرائحه، فالكل تحت المجهر، لهذا نجد هذا الكم من العيوب، فمجهر السارد دقيق جدا، ويستطيع أن يكشف أدق الأجزاء المريضة ويلتقطها.
لنستمع إلى رأي الشارع فيما يتعلق بالصحف الفلسطينية:
"...احتمال اغلاق جريدة الفجر. يقول قارئ لصديقه حين قرأ العبارة الأخيرة: وهذا أفضل، فمن هو الذي يقرأ الفجر هنا، ويضيف الآخر: لقد فعلوا خيرا حين أغلقوا الشعب كذلك، أنها المؤسسات التي تفرخ صيصانا لا يسأل عنها أحد" ص15، وكأن السارد يعري الصحف الممولة والتي تعمل لحساب جهة ما ـ حتى لو كانت حزبية/فصائلية ـ .
الفساد
المجتمعات العربية تعاني من الفساد وتبعياته أكثر مما عانت من الاستعمار أو (الدكتاتورية) والعراق أفضل شاهد على هذا الأمر، في فلسطين هناك أوكار للفساد، بحيث تطال غالبية النواحي/المؤسسات/التنظيمات/الأفراد، من مظاهر الفساد: "... فأبو عزام اللص الفتحاوي الذي سجن لأشهر عديدة وأصبح بعدها مسؤولا كبيرا، دكانه مقرا لأساتذة الجامعة، يأتون إليه ليأخذوا منه التعليمات... أبو عزام هذا، كم من أبنائه أرسل هناك وكان يشتم الدول الاشتراكية" ص16، شخصية تتكرر وتتناسخ في فلسطين بحيث أصبح هناك مليون "أبو عزام" وليس فيما يتعلق بالجامعات والمنح الدراسية، بل فيما يتعلق بالطحين والمواصلات والاتصالات والمشروبات و و و .
"يزورك شخص فتحاوي فيلعن فتح والسرقة فيها، ويشتم الآخرين الذين يسرقون فحصلوا على مناصب عالية في التنظيم، يتحدث عن سرقات بعض أفرده "لقد لطش فلان نصف مليون ثم جمدوا عضويته" ص21و22، سكوتنا عما جرى قبل قدوم السلطة جعل "نصف مليون" تصل إلى نصف مليار ، والخير على الطريق.
ويحدثنا عن "أبو الزعيم" رئيس الرصد الثوري في منظمة التحرير الفلسطينية، أي رئيس المخابرات في وحينها: "عطا الله عطا الله الذي لا يعرف كلمتين من لغة الدولة التي درس فيها... كان يومها أردنيا ثم أصبح فيما بعد أوروبيا، وها هو الآن فتحاوي" ص31، ليتنا بقينا عند "أبو الزعيم" لوحده، فهناك الآلف منه الآن، وكلهم يأكلون مال الشعب ثم يهاجروا إلى الخارج، مع بقاء دفع رواتبهم ـ العالية والمرتفعة ـ.


الأدباء
الأدباء لهم أيضا نصيب في الرواية: "هؤلاء الأدباء أغبياء" تهمس تقول للواحد منهم: "أنا لا اكتب إلا عمن يستفزني" فيكررون الطلب منك أن تكتب عنهم، ... ينبغي أن أقولها لهم مباشرة: أشعاركم لا تستفزني. تستفزني تفاهتكم" ص21، بهذا المصارحة يضعنا السارد أمام حقيقة ما ينشر من أدب، فمنه السيء ومن الجميل.
وهناك خلل في السلوك الأخلاقي المتعلق بالأمانة، فنجد الأديب "الغزي" "يذهب إلى المطبعة ويطلب من صاحبها أن يستبدل الورق الذي أتفق الاتحاد معه بشأنه، وكلف ذلك 600 شيكل أخرى، ... وهو يحاور الإسرائيليين في بلاد بعيدة" ص20، وكأن السارد يقرن عدم الأمانة بالعمالية، هكذا هو الأديب "الغزي".
ويكشف لنا الهوة التي تفصل كلام/قول الأديب عن سلوكه، فهناك هوة بين القول الفعل، من يقرأ أدبيات المقاومة التي كتبها فلسطينيون صادقون يجد أن تجربة عمان تكررت في بيروت وها هي تتكرر في الضفة، ولكن الغريب يا أخي أننا نمارس ما نحتج عليه في النهاية، ونضعف أمام النقود، ينشق يحيى يخلف فيكتب رواية "نشيد الحياة" وينتقد الثورة وقادتها، ثم يجوع أولاده فيعود إلى أبو عمار من جديد ليصبح مستشارا له ويكتب رواية تافهة عن سقوط طائرته في الصحراء ولا يذكر عرفات إلا مقرونا بكلمة الرئيس" ص45، الخلل واضح في تركيبة المثقفين، فهم لا يقدرون على المواجهة الحياة، لهذا تجدهم سرعان ما يتقهقرون إلى الخلف، باحثين عن مصالحهم.
ولم يقتصر الأمر على الأديب الفلسطيني، بل نجده يتناول أدباء عرب مثل الشاعر العراقي "الجواهري":
"الجواهري خرفن، هذا الشاعر الذي كان شيوعيا ذات يوم وعاش في براغ معززا مكرما، هل ذلته الغربة وأضعفه الحنين؟" ص46، من يطلع على ما كتاب "لينين" "بصدد المثقفين" يجد توافق كامل بين ما يطرحه السارد وبين ما طرحه "لينين" فحالة المثقفين واحدة في كافة المجتمعات.
ويكشف لنا مواقف "إميل حبيب وتوفيق الحكيم": "تتصفح الجريدة فتقرأ مقالا لإميل حبيبي، تتساءل كيف هذا ينشر في جريدة كالقدس كان ينعتها ذات يوم بأنها جريدة برجوازية رجعية، ... لقد شتم الماركسيين ذات نهار توفيق الحكيم وأشبعوه بهدلة لأنه كتب عودة الوعي، ...هذا الإميل حبيبي لا يستحي" ص27، حالة الأدباء واحدة، فهناك (مسايرة) للواقع، ومهما كان الأديب مبدئيا، إلا أنه في النهاية يصهره المجتمع ويصبح أحد أفراده، لا يميزه شيء، فهو جزء من اجتماعي ينصهر فيه الأفراد والجماعات، لهذا نجد الجليد سرعان ما يتحول إلى ماء والماء إلى بخار.
الاحتلال
الاحتلال سبب كل مصائبنا، لهذا نجده علامة قامة السواد، ويعمل على انزلاقنا أكثر في الفساد والتخلف، فهو لا يريدنا إلا مشوهين وناقصين ومنكسرين وموهومين: "...فيرى الأشجار المحترقة، إنهم لا يريدون أية بقعة خضراء في هذه الضفة حتى يؤكدوا مقولتهم من أن العرب لا يهتمون بالأرض" ص12، والاحتلال يقوم بمخالفة القوانين كتأكيد على سيطرتهم وسطوتهم: "... وتنتهي الثرثرة ليواصل السائق السير، ويقف فجأة، ثمة زامور سيارة عسكرية تسير في الاتجاه المعاكس" ص13، لكنا يعلم أن الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال استيطاني، بمعنى أنه يهتم بالأرض ويعمل على تفريغها من السكان، لهذا نجده يقتل أو يعلق الفلسطيني جسديا أو نفسيا، بحيث لا يمكن أن يكون عناصر سوي/كامل القدرات في المجتمع: "... لقد أشبعوه ضربا في بداية الانتفاضة، وفقد وعيه، هو الآن يحدث نفسه في الشوارع، ويتابع: أنه يتناول المهدئات وحين يفتقد الحبوب يحدث نفسه كما ترى" ص14، لإذن للاحتلال النصيب الكبير فيما آلت إليه الاحوال السيئة، فهناك مرضى نفسيا، ومعاقين حركيا، ومشوهين جسديا وأخلاقيا.
طبعا من واجب الفلسطيني المقاومة، لكن نتيجة هذه المقاومة تكون: "... يقتل يهودي فتقتلع أشجار بيارات كاملة ثم يقيمون مستوطنة وقد يوسعون الشوارع" ص18، إذن الفلسطيني يدفع ثمن مقاومته مرتين، في حالة استشهاده أو اعتقاله، وعندما تصادر أرضه ويقام عليها مستوطنة.
ومن لا يعرف ما هي المستوطنات، يعلمه السارد بها: "هذه المستوطنات الحبلى لا يعرف المرء حقا متى ستضع مولودها لتعود فتستقر على شكل ما، ولأول مرة يعرف المرء أن هناك حبلا ما يدوم أكثر من تسعة أشهر، حبلا ما ليس له موعد نهائي" ص9،

السرد
عندما يكون موضوع العمل الأدبي قاسي ومؤلم، فلا بد من إيجاد مخففات لهذا الألم والقسوة، فما هي الطريق/الشكل الذي استخدمه السارد ليخفف عنا وقع هذه الاحداث البائسة؟، استخدام السارد ل"تداعيات ضمير المخاطب" سهل من حدة المادة الأدبية، فبدت لنا المادة وكأن السارد يحدث نفسه، وليس نحن القراء، وهذا ما جعلنا ـ إلى حد ما ـ بعيدين عن المادة المقدمة، فهناك سارد يحدث نفسه عن مجموعة قضايا ـ ونحن مستمعين له ـ ويمكننا أن نواصل القراءة/الاستماع ويمكننا أن نتوقف، وهذا ما يحسب للسارد الذي عرف كيف يقدم مادته المؤلمة بهذا الشكل السلس.
كما أن هذا الشكل من الخطاب يجعل السارد يقدم لنا مشاعره الشخصية في أي وقت/ظرف/مكان يريد، فهو يسيطر على مجرى السرد تماما، حتى أنه أحيانا يحثنا عن مشاعره الشخصية: " تقول من جديد، أفضل شيء أن يجلس المرء مع التافهين وتشتم ذاتك التي سمحت لك بتصفح الجريدة حتى تعيدك إلى سيرة هؤلاء غير التافهين سابقا" ص27، مثل هذا القول يقربنا من الساد، لهذا نجده يبوح لنا بما فيه نفسه، فيجعلنا نشعر بأننا أقرب عليه من (الآخرين) فهو يخصنا بالبوح بمشاعره الداخلية، أليس هذا دليل على قربه منا؟.
ومثل هذه المشاعر نجدها أيضا حتى بعد أن يلقي محاضرته: "تعود إلى مكتبك يحين موعد المحاضرة وتكون أرهقت من الكلام تقول: أن أهم شيء هو أن يدرس المرء فقط، أن يشعر بأنه ينتج" ص28، هذا الشكل من السرد يقرب المتلقي من النص الأدبي ومن سارده.
ولا يكفي السارد بتقديم مشاعره الداخلية لنا، بل نجده يحدثنا عن المعيقات التي وقفت امام نشره للرواية: "قال لي المسؤول في القوات الضاربة: "ما الذي ترمي إليه حقا من وراء كتابة هذا النص؟ قلت له: "أريد أن أدونه، أن أفضح أنفسنا أمام أنفسنا، أن نقف عرين أمام المرآة لنرى حقيقة أنفسنا" ص78، فالسارد من خلال هذا المشهد أرادنا أن نهتم بالراوية، فإخراجها للنور واجهه العديد من الصعوبات والمعيقات، لهذا علينا أن نأخذها باهتمام، فقد تعرض ساردها لمضايقات عديدة ومن جهات متعددة، ومع هذا ناضل وأصر كرجل نبيل مبدئي لإيصال مادته لنا، فعلينا أن نعطيها الاهتمام الازم، ونتوقف عندها متأملين وليس متلقين فحسب.
والسارد يذكر عنوان الراوية في أكثر من موضع، منها: "... وتقول: إلى الجحيم أيتها الضفة.
تواصل السير، تذهب إلى منزلك اتشرب القهوة، تفكر في هذا الذي يجري، تفكر في ليل الضفة الطويل" ص51، وكأن السارد يريد مشاركته في كتابة الرواية، فهو يمتعض من الواقع ويبدي غضبه من خلال اللعن، ويفكر في الرواية التي سيقدمها لنا، ألسنا ـ هنا ـ نشاركه وندعمه في الاسراع بالانتهاء منها وبإخراجها للنور؟.
ويربط بين العنوان والواقع من خلال قول: "كانت رورو هناك تستقبل في بيتها عشيقة زوجها، وتحصي عليك خطواتك، وكان الشباب العرب يمارسون العهر والخيانة، ويتشدقون بالوطنية، وكان ليل الضفة طويل يجثم هناك على صدرك أيضا" ص60، فالسارد يرد أن يؤكد أن الرواية لم تكتب إلا بالقهر والألم، والكتابة عن الألم يمثل ألم اضافي، من هنا علينا اعطاء الرواية الاهمية التي تتناسب وحجم الضغط الذي واكب ولازم كتابتها.
الراوية منشورة عام 1993، دون اسم لدار النشر.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف