الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القسوة في ديوان "أجنحة في للريح" خليل قطناني بقلم رائد محمد الحواري

تاريخ النشر : 2018-12-29
القسوة في ديوان
"أجنحة في للريح"
خليل قطناني
هناك سمة شبهة عامة في الشعر الفلسطيني وهي استخدام الفاظ سوداء وقاسية، ولم تقتصر هذا الألفاظ على مواضيع الألم أو الحزن فحسب، بل طلت أيضا مواضيع الفرح والحب، وهذا الأمر بحاجة إلى وقفة طويلة لبحث الاسباب والدوافع وراء هذا الاسهاب في استخدام الفاظ في غير موطنها، لأن هذا الأمر يشكل حالة عدم انسجام بين المضمون واللفظ، ولا يخدم علاقة الشاعر بنصه الشعري، بمعنى أنه يكتب القصيدة وهو متأثر بماضيه، بواقع غير القصيدة، بحيث تبدو لنا مشوهه، غير نقية، وهذا يحسب عليها وليس لها، فنحن ـ المتلقين/القراء ـ بحاجة إلى ما يخرجنا من الواقع، لا ما يزيدنا ألما.
في هذا ديوان " أجنحة في الريح" سنجد عالم غارق في السواد، وبالكاد نجد مقاطع بيضاء تخرجنا من حالة القسوة والألم، سنأخذ بعض القصائد نستشهد بها على ما طرح، جاء في قصيدة "على هذه الأرض ...":
"ركام على خيمة في اللغة
ووجه يقبح مرآة أيامنا في الغروب
وحبر يعكر أفق النهايات، رعش السنونو من الابتعاد
فصول الغربة للمذبحة
وذئبة سلم تطل الخداع إلى حافة النحل
إني أرى سمنة في الطبول
وصوت بلاد تقول:
حنيني على سقف حبي غواية
بلاد تبول
وتاج بسو عبد لوقت الرحيل
ومنهج فوضى الفضول
وما من خيول تحجل أعرافها البندقية
على هذه الأرض ما يستحق الجهاد
فتاة أتت في سديم الدروب
تسائل عشق النهايات عن رحمة في حديد الحضارة
وسيرة أيامنا المنتقاة من اللذة العابرة
ومسرح غرناطة في الغياب
ويوم اجتياح المدينة
قليت: سأفرح حين يؤدي طقوس العبادة
شهد الكلام
على هذه الأرض (...) السلام" ص49و50،
شاعرنا "خليل قطناني" يجعل عنوان قصيدته عين عنوان قصيدة "درويش" "على هذا الأرض" وكأنه أراد أن يوضح حقيقة ما يراه على هذه الأرض، فليس فيها (حياة) بل شقاء، وهذا ما وجدناه في الفاتحة التي جاء فيها:
"ركام على خيمة في اللغة
ووجه يقبح مرآة أيامنا في الغروب
وحبر يعكر أفق النهايات، رعش السنونو من الابتعاد
فصول الغربة للمذبحة" المضمون بمجمله جاء أسود، وهذا ما نجده في الالفاظ أيضا، "ركام، خيمة، يقبح، الغروب، يعكر، رعش، الابتعاد، الغربة، النهايات، رعش، الابتعاد، الغربة، المذبحة" فالسواد والقسوة هما الطاغيان في فاتحة القصيدة، وإذا ما تتبعنا بقية الالفاظ سنجدها تكمل ما جاء من قتامة في فاتحتها، "ذئبة، الخداع، حافة، تبول، عبد، الرحيل، فوضى، البندقية، الجهاد، النهايات، حديد، الغياب، اجتياح" مثل هذه الالفاظ بالتأكيد تنسجم تماما مع مضمون القصيدة والفكرة التي تحملها، فكان السواد شبة مطلق، لولا وجود بعض الالفاظ البيضاء المتناثرة هنا وهناك.
يمكن أيجاد حالة من التوافق والانسجام بين حديث الشاعر عندما تحدث الأرض/فلسطين وما فيها من ألم، وبين الألفاظ القاسية التي جاءت في القصيدة، فهذه حالة الفلسطيني الذي يعاني من احتلال استيطاني، يسعى لسرقة الأرض وتهجير/قتل السكان، لكن ما بالنا عندما نجد حديث عن فرح واقع ابيض ويستخدم الفاظا قاسية!!، نجد هذا الأمر في قصيدة "عرق السرور" والتي يهديها الشاعر "إلى ولدي الأول عبد الرحمن":
"هموم الفؤاد تنوء .. وترمي علي فحيح الضجر
وبعض شجوني غنائم حرب
تتقسم عند احتضار المفر
وأصداف بؤسي
وضيق العوالم
يردد صوتي فوق الشطوط على المنحدر
وددت ـ بقصد ـ لو أني أحرق وجه البشر، وأنشر وهج الخراب
وأبلغ ضوء القمر
والليل أترك مملكة من دمار
وأشعل فيها شهيق سقر" ص81، لو قارنا الألفاظ البيضاء بتلك السوداء لوجدنا أن الغلبة للثانية، وإذا ما توقفنا عند ما جاء في القصيدة سنجدها غارقة في السواد، ليس على مستوى الألفاظ فحسب، بل نجده أيضا في المضمون الأسود والقاسي، ففاتحة القصيدة: "هموم الفؤاد تنوء .. وترمي علي فحيح الضجر" لوحدها كافية لتجعلنا نتساءل ـ مستغربين ـ عن علاقة المضمون والألفاظ من جهة مع الإهداء الذي جاء فيه "إلى ولدي الأول عبد الرحمن" وإذا ما وضعنا العنوان "عرق السرور" أمامنا نستغرب أكثر ونقع في حيرة، فليس هناك أي توافق بين المضمون والألفاظ من جهة وبين العنوان والإهداء من جهة أخرى، فكيف حدث هذا؟، وما الصلة بينهما؟، وهل هناك تفسير/تعليل هذا الامر؟.

"نظرت إليه
وفوق عيون حبيبي شفيف رقيق
وبعض بريق
يبدد في شواظ الحريق" ص81و82، القتامة السابقة بدأ تواجه بحالة من البياض بعد فعل "نظرت" وكأن الشاعر أكتشف عالما آخر، عالم بهي، غير الذي كان فيه، لهذا نجده يستخدم: "عيوني، حبيبي، شفيف، رقيق، بريق" واعتقد أننا بدأ نجد رابط بين العنوان ومتن القصيدة، وحتى بين فاتحتها ومتنها، فالفاتحة السوداء تعبر عن حالة الشاعر قبل قدوم "عبد الرحمن" للحياة، لكن ما أن ظهر حتى تغيرت نظرت الشاعر إلى الأشياء والحياة، وهذا ما انعكس على المضمون والألفاظ، وهذا ما جعل قدوم "عبد الرحمن" أكثر حضورا وأثرا ليس على الشاعر فحسب، بل على المتلقي، فهذه النقلة النوعية في الألفاظ والمضمون، ما كان لها أن تكون لولا قدوم "عبد الرحمن".
لكن أذا ما توقفنا عند المقطع السابق سنجده ما زال فيه بعض الشوائب، كما هو الحال في الفاظ: "يبدد، شواظ، الحريق" فرغم أنها جاءت لتعطي مضمون أبيض، إلا أنها تبقى ألفاظ سوداء، وهذه العوالق السوداء نجدها أيضا فيما تبعها من أبيات:
"يولد في اكتمال النظر
خنوت ... أقبله لحظة
وإذ بالجنان تفتح شرفاتها للغريق
وطير السرور يراقص مهجة قلبي الكسير
ويحملني نحو عرش القدر" ص82، إذن الشاعر لم يتخلص كليا من واقعه الأسود، فما زال وقع ماضيه/حالته مؤثرا عليه، وهذا ما وجدناه في الألفاظ: "للغريق، الكسير" واعتقد أن هذا التحول التدريجي نحو البياض يحسب للشاعر، فهو كشاعر عليه أن يكون منسجما بين حالته كشاعر، وبين ما يقدمه من شعر، بمعنى أن تكون القصيدة خارجه من داخل الشاعر، لا من فمه، وبعد هذا المقطع تأخذ القصيدة في العبور (السالم والنقي) من أية شوائب أو منغصات أو تشويهات، فتبدو لنا ناصعة البياض، بحيث نجد المضمون الأبيض والألفاظ الناصعة:
"هناك...
ومن ورق أخضر ناعم
وقنديل عشقي
رأيت الملائكة الساجدين
سمعت الأرائك تهتز في
وتؤنسني برقيق الوتر
رأيت بعينيه كل العوالم
ترتل بشر
وعطر ابتهال يصلي
ووجه الزمان اكتسى بالدرر
وبين ذراعي قامت ترف فراشة
ومروحة من زنابق روحي" ص82و83، اعتقد أن هذا التوافق والانسجام بين المضمون والألفاظ يؤكد على النقلة النوعية التي أحدثها "عبد الرحمن" في الشاعر، فهو تحرر تماما من فاتحة القصيدة، وجعلنا نعيش معه حالة الفرح الأبيض، فلنا مثله سعداء بهذا القادم الجديد.
لكن الشاعر يدخلنا من جديد إلى شيء من الغباش في بقية القصيدة:
"وصوت رهيف يناغي همومي
وقفزة رمش ستصلني لأعالي الجنان
سأشفق في لذة لانكساري
ودفلى الأمل
تحركني لمساء جديد
فأغفو على حلم أبيض ساذج
كلمسة عيسى لأعمى النظر" يبدأ الغباش من "صوت" وهو بالتأكيد بكاء المولود، وهذا ما جعل الشاعر يستعيد واقعه القاسي، فنجده استخدم "همومي، قفزة، لانكساري، ساذج، لأعمى" وإذا ما توقفنا عند كلمة "صوت وقفزة" سنجد علاقة وطيدة بينهما، فهو بعد أن سمع "صوت/بكاء" المولود، قفز إلى حالته الأولى، إلى واقعه وما فيه من ألم، وهذا ما يجعلنا نقول أن الشاعر لا يكتب القصيدة، بل القصيدة هي من تكتبه، فبعد أن "قفزة" نجده يتقهقر إلى "لانكساري، ساذج، لأعمى".
ولا بد لنا أن نتوقف عن فعل "نظرت إليه" والذي كان بداية التحول الفعلي في القصيدة وبين الخاتمة: "كلمسة عيسى لأعمى النظر" فيبدو لنا وكأن الشاعر في ـ العقل الباطن ـ خزن أثر فعل "النظر" التي جعله يتحول من السواد والقتامة إلى البياض والفرح، بحيث أراده أن يكون حاضرا من جديد، ليتخلص تماما مما يختزنه من الألم وسواد، من هنا نجد يستحضر لمسة عيسى للأعمى لكي يتخلص تماما من العمى/السواد، وهو لا يريد أن يكون هذا التخلص كما حصل عندما نظر إلى "عبد الرحمن" ـ حيث أن ماضه/وقع الحال ما زال موجودا وفاعلا ـ بل يريده أن يحرره تماما من السواد، كما حرر "عيسى" عليه السلام الأعمى، بحيث أصبح كامل الحواس.
ولا بد أن نتوقف عند هذه القصيدة لنوكد أن حالة السواد هي الحالة المسيطرة على الشاعر، فهو يتجند/ينسى أي ذكر للأم، حتى أنه يبدو لنا وكأن "عبد الرحمن" جاء من السماء وليس من الأرض، وهذا (النسيان/التجنب) الذي لا يتحدث/يتناول الأم يعطي القصيدة منحى الرؤية الذكورية، بحيث لا مكان للمرأة، فهي غير موجودة، لهذا تم التعامل معها وكأنها غير حاضرة في فعل الولادة، لهذا ليس لها أي دور أو ذكر.

الديوان من منشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله فلسطين، الطبعة الأولى 2011
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف